شبكة اخبار العراق:
2025-06-03@10:12:01 GMT

التعدد القرائي وتشكّلات الدلالة

تاريخ النشر: 16th, January 2025 GMT

التعدد القرائي وتشكّلات الدلالة

آخر تحديث: 16 يناير 2025 - 1:14 مجاسم خلف الياس يبدو لي أن التعددية في فضائها المعرفي، وحراكها الواقعي، لم تؤسس وجودها في الحقل السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي فحسب، وإنما استطاعت بفعل التحوّلات النقدية، ومغادرة صنع الدلالة – اعتمادا على المؤلف، والانتقال إلى النص ولا شيء خارج النص، وصولًا إلى الفاعلية القرائية في إنتاج عدد لا نهائي من الدلالات في النص الواحد- أن تؤسس وجودها في الخطاب النقدي أيضا، وهي تحرر القارئ من سلطتي المؤلف والنص، وتفتح أمامه باب المغايرة التي قادت اليقين المقيّد إلى النسبي المتحرر، عبر آليات معينة، واستراتيجيات مخصصة، تجذبها اتجاهات نقدية معاصرة، لتمنح القارئ شرعية الإسهام في التدليل الذي يعتمد على التعدد القرائي وتشكّل الدلالات.

ومن أنشط تلك الاتجاهات التي منحت القارئ تلك الشرعية “جمالية التلقي”. وقبل تناول هذا الاتجاه وعلاقته بالقارئ، لا بد من تناول اتجاهين أفاد منهما الاتجاه الأهم، وهما “الهرمنيوطيقا والظاهراتية”. وربما يتساءل أحدنا، ولماذا هذه الاتجاهات دون غيرها؟ وبعيدا عن الجذور التاريخية لكل اتجاه، وأطره المعرفية، ومفاهيمه ومصطلحاته إلا ما نحتاجه لتعزيز رأي أو توثيق رأي، سوف أجيب بما تسمح به هذه المقاربة التنظيرية المحدودة نسبيًا، فأقول: إنّ الاتجاهين “الهرمنيوطيقي والظاهراتي” وضمن آفاقهما المعرفية ومحدداتهما المنهجية، وفرادتهما النقدية، عملا على وضع الفرشة النقدية التي سار عليها الاتجاه الثالث “جمالية التلقي”، إذ استثمر نقاد هذا الاتجاه النتائج التي توصل إليها نقاد الاتجاهين السابقين، وعضّدوا افتراضاتهم في شرعية إسهام الذات القارئة في بناء المعنى، فوظّفوا ما جاؤوا به لمصلحة نظريتهم أفضل توظيف “ينظر: المصطلحات الأدبية الحديثة”. ويعدّ إلغاء دور المؤلف البداية الجريئة لنقاد “الهرمنيوطيقا”، وبوابة العبور إلى المعنى الخفي في النص، وهذا الفعل القرائي يحتاج إلى الدهاء والاستبصار اللذين يؤهلان القارئ للتوغل في مظان النص، وكشف أسراره، وفك شفراته، وتأويل رموزه، وتحليل علاماته، فالنص حسب هذه النظرية “عالم مكتف بذاته”، ولا يستطيع القارئ معرفة هذا العالم أو الوصول إلى دلالاته إلا إذا تعامل مع النص من داخله، وهذا يحتاج بدوره إلى تفعيل عالمه الشعوري، وتأملاته التي تمنحه القدرة على التفكّر والدراية، والتخييل بوصفه أهم الأدوات الإجرائية في الفكر البلاغي والنقدي ومقاربته لمستويات النص الجمالية واشتراطاته الأسلوبية، وهذه الأفعال النقدية مهّدت للقارئ الطريق أخذ دوره الحقيقي في فهم النصوص وانتاج المعنى. ولعلّ دائرة شلايرماخر الهرمنيوطيقية من أهم المقدمات النقدية التي اجترحها هذا الاتجاه، لا بل يمكننا عدّها المقدمة الأولى، إذ تحتّم على القارئ أن يكون على دراية كاملة باللغة من ناحية، وبخصائص النص من ناحية أخرى، وهي تعني عدم وجود نقطة محددة للبدء أو الانتهاء داخل الدائرة “المذاهب النقدية الحديثة”. أمّا المقدمة النقدية الثانية من حيث الأهمية فهي “الصور الأولية للفهم، والصور العليا للفهم” عند دلتاي، وما يتعلّق بالمخيّلة، على الرغم من عدم الاتفاق مع شلايرماخر في أنّ النص نشاط لغوي، وربما لا أجانب الصواب لو قلت إنّ هرمنيوطيقا دلتاي بهذا المفهوم تشكّل تراجعًا في إعطاء القارئ فاعلية في قراءة النصوص، ولعلّ ما زاد من التراجع باتجاه فاعلية القارئ هو تمادي أي. دي. هيرش في حصر هدف النص في البحث عن قصد المؤلف، في حين أنقذ مارتن هيدجر الهرمنيوطيقا من هذا التراجع، وأكّد على أنّ “الفهم أحد أشكال الوجود الإنساني” وأنّ اللغة “مأوى الوجود” الذي ينفعل بثنائية “الكشف/ الحجب”، فتصبح مهمة الفهم والتفسير عنده كشف المحتجب والمتستر عبر الحوار الذي يقيمه القارئ مع النص “المذاهب النقدية الحديثة”. ويعزّز هانز جورج جادمير هذه الرؤية النقدية، بجعل عملية الفهم “جوهر وجودنا في العالم”، وهو يميّز بين نوعين من الفهم، الفهم “الجوهري” المتحقق عند قراءة النص، و”القصدي” الذي من أجله تم تأليف النص، مع التأكيد على أفكار القارئ المسبقة التي تشكّل محورا أساسيا في أي حوار بين النص والقارئ من أجل الوصول – عبر التشكيل- إلى التدليل. وهذا ما ركّزت عليه هرمنيوطيقا بول ريكور التي فرضت على النص قدرة الانفتاح خارج ذاته من أجل توليد عالم غير محدود من الدلالات “من النص إلى الفعل”. ولا نجانب الصواب أيضا لو قلنا إنّ الفكر الظاهراتي أيضا يشكّل جوهر الأصول المعرفية لنظريات القراءة، عبر تعالق الذات بالموضوع، وهو ما ينطبق على التعالق بين النص والقارئ حسب ادموند هوسرل، وتلميذه رومان انجاردن على الرغم من الاختلاف بينهما في بعض المفاهيم، التي لا مجال لذكرها بالتفصيل مثل “التعالي والقصدية واللاحسم أو اللاتحديد”، إذ فتح المفهوم الأخير الباب واسعا أمام نظريات التلقي وهو يحدد العلاقة بين النص والقارئ، فالنص لا يأتي كاملًا من مؤلفه، بل هو مشروع دلالي جمالي يكتمل بالقراءة النشطة التي تملأ ما في النص من فراغات كما جاء في دليل الناقد الأدبي. وعلى أساس ما تقدّم فإنّ التوجهات النقدية للهرمنيوطيقا والظاهراتية شكّلت التوجهات الفكرية التي استندت عليها فيما بعد نظريات القراءة المتمثّلة في “جمالية التلقي” و “نقد استجابة القارئ”، وهما متفقتان على أنّ النص وجد من أجل القارئ، كي يقوم بإدخال معرفياته المسبقة، وتوقعاته المفترضة، وتأويلاته المحتملة، عند قراءة أيّ نص منفتح على آفاق لا حدّ لها، فالقراءة في هذين التوجهين تأخذ من منبعين متعاكسين، ولكنهما يكوّنان مصبّا واحدًا، المنبع الأول: من النص إلى القارئ، والمنبع الثاني: من القارئ إلى النص، وهذا يتطلب منّا أن نسوّغ لـ “ترسبات الخبرات القرائية” و “مفهوم أفق التوقع” و “المسافة الجمالية” و”الفجوات/ الشواغر/ البياضات” الاشتغال في تحليل النص. وإذا كان هانز روبرت ياوس قد فعّل هذه المقولات النقدية بشكل واسع فإنّ كارل بوبر ولايفوس جمبرش قد استعملا “التوقع” أو “الافتراض” قبله، إذ هجّر المفهوم من حاضنته الفلسفية إلى الحاضنة القرائية، فما التوقع الذي يحدث عندما يُقرأُ العمل الأدبي؟ وهنا نحتكم إلى إجابة ياوس: هو توقع يمكن كلّما تقدمت القراءة، أن يمتد أو يعدّل أو يوجّه وجهة أخرى أو يوقف بالسخرية بحسب قواعد عمل كرستها شعرية الأجناس والأساليب الصريحة والضمنية “جمالية التلقي”. ولكن ياوس لا يكتفي بأفق التوقع، وإنما يجترح مفهومًا آخر يعزز من نظريته “جمالية التنلقي” وهو “المسافة الجمالية” ويعتمد هذا المفهوم على التجاوز والمغادرة لكل ما هو مألوف وعادي، فإذا كسرت أو خيّبت القراءة أفق توقع القارئ فالعمل الأدبي متجاوز ومغادر لما قبله، وهنا تتحقق المتعة الجمالية، وإذا تطابقت القراءة مع أفق توقع القارئ فالعمل الأدبي مألوف وثابت، وهنا تنتفي المتعة الجمالية. أمّا إيزر فلا تتحقق جمالية التلقي عنده إلا بتحقق الاتصال بين بنية النص وبنية الفهم لدى القارئ، فالنص لا يستطيع أن يقول كل ما يعنيه، بل يحتاج إلى من يظهر معناه، وهذا يحدث بواسطة القارئ، وبملء فجوات النص يتحرر القارئ من السلبية إلى الإيجابية”الأصول المعرفية لنظرية التلقي”. فالفجوات التي تحتاج إلى قارئ يملأها هي التي تثري الدلالات. واجترح إيزر توصيفًا مغايرًا للتوصيفات الخاصة بالقارئ، وهو “القارئ الضمني” بعيدًا عن توصيفات “القارئ النموذجي” أو “القارئ المثالي” وهو “بنية نصّية تتوقع وجود متلقٍ من دون أن تحدده بالضرورة” “فعل القراءة”.

المصدر: شبكة اخبار العراق

إقرأ أيضاً:

تحدي القراءة في يومه الثاني.. حكايات عزم وإرادة ‏

دمشق-سانا‏

تواصلت لليوم الثاني في دار الأوبرا بدمشق منافسات التصفيات النهائية ‏لمبادرة تحدي القراءة العربي بنسختها التاسعة، بمشاركة 97 طالباً وطالبة من ‏مختلف المحافظات.‏

سانا واكبت المنافسات والتقت عدداً من الطالبات القادمات من إدلب، ممن حملن في قلوبهن حب القراءة ورغبة جامحة في تحقيق طموحاتهن، حيث أوضحت ‏الطالبة نور الكبب، البالغة من العمر 12 عاماً، أنها تشارك للمرة الثالثة على ‏التوالي، حاملةً معها قصة ملهمة من العزيمة والتميز، مضيفة: “كنت أزيد ‏عدد الكتب في كل مشاركة، لأكتسب الثقة بالنفس، وأزرع في نفسي حب ‏الاطلاع والتعبير.. القراءة علّمتني الصبر وقوتي على الحوار، وأصبحت ‏أملك قاموسًا من المفردات التي استخدمها لأعبر عن مشاعري وأفكاري ‏بحرية”. ‏

تضيف الكبب وهي تتطلع لأن تكون من بين العشرة الأوائل، وتحلم بأن تتوج ‏بلقب أفضل شاعرة على مستوى العالم: “أحلم أن أحقق حلمي الكبير وأصبح ‏صوتًا يليق بكلام الشعر والكتابة، وأن أترك بصمة في عالم أدبي”‏.

أما الطالبة مياس الحسين، البالغة من الـعمر 11 عاماً، فهي تؤمن بأن القراءة ‏ليست مجرد هواية، بل هي مفتاح الذكاء والنجاح، حيث تقول: “القراءة ‏بالنسبة لي ذاكرة حية وكنز من المعرفة، ومن خلالها تعلمت أن الإرادة ‏والعزيمة هما أساس النجاح”.
‏ ‏
وتحدثت الحسين عن تجربتها مع أول كتاب قرأته في عمر الست سنوات، وهو ‌‏”ماذا حدث لأخي رامز؟”، وقالت: “أحببت القراءة، وزادت من حصيلة ‏مفرداتي، ورغبت بأن أكون أكثر قوة من خلال الإرادة والعمل الجاد”. ‏

وتضيف: إن قراءاتها تجاوزت الـ 300 كتاب، وإنها استمدت منها القوة ‏والإصرار لتحقيق أحلامها، وخاصة بعد أن قرأت كتاب “خذها بقوة” للكاتب ‏حسام عبد العزيز، الذي علمها أن النجاح يأتي لمن يملك الإرادة.‏

أما الطالبة بيسان ناصيف، البالغة من العمر 9 سنوات من مدرسة “بنات ‏تلتيتا”، فتؤكد أن شغفها للقراءة بدأ منذ سن الثالثة، حيث كانت تستمتع ‏بقصص الحيوانات والمغامرات، وتقول: إنها “قرأت أكثر من 70 كتاباً، ‏وتعلمت أن لا شيء مستحيلاً، وأن باستطاعتها الذهاب حول العالم وهي جالسة ‏في مكانها”، فهي تؤمن بأن القراءة تبني شخصية قوية، وتفتح آفاقًا جديدة ‏للخيال والابتكار.‏

حكايات مليئة بالإصرار والأمل، تؤكد أن الفكر والعزيمة يصنعان الفرق، ‏وأن القراءة ليست مجرد عادة، بل حياة تفجر الطاقات وتبني الأحلام.‏

ومن المقرر أن تختتم التصفيات غداً، على أن تعلن النتائج النهائية في الـ 30 ‏من شهر تموز المقبل، والتي تتضمن أسماء الطلاب الـ 10 الأوائل على ‏مستوى البلاد، ومن ضمنهم الطالب الأول “بطل التحدي” الذي سيمثل سوريا ‏في المنافسات على مستوى الدول العربية نهاية تشرين الأول المقبل في دولة ‏الإمارات العربية المتحدة.

تابعوا أخبار سانا على 

مقالات مشابهة

  • «أجيال المستقبل» تختتم برنامجها القرائي الأسبوعي
  • تحدي القراءة في يومه الثاني.. حكايات عزم وإرادة ‏
  • الرّوائي عبد العزيز غرمول يعود إلى القصّة من بوّابة محطة دوستويفسكي الصّغيرة
  • القارئ والتأويل.. كتاب جديد يتأمّل عالم عبد الفتاح كيليطو الأدبي
  • أحمد أمين لـ «الأسبوع»: جمعت بين الممثل والكوميديان.. وأقوم بدور جاسوس في «النص 2»
  • عربي21 تنشر النص الكامل لمقترح ويتكوف ورد حماس عليه
  • عدم دستورية إلزام المحكمة بنظر دعوى محالة إليها من جهة أخرى غير مختصة
  • تدريبٌ على الغياب: العَتَبةُ النَّصِّيَّة بوصفها مفتاحًا تأويليًّا في عالم طارق عودة القصصي
  • النص الكامل لرد حركة حماس على مقترح «ويتكوف» لوقف إطلاق النار بغزة
  • الفضة تستقر محليًا وتتراجع عالميًا بفعل ضغوط السياسة النقدية وتباطؤ النمو