بعد 15 شهرا من الحرب والحصار.. هكذا ترى الأوساط الإيرانية اتفاق الهدنة في غزة
تاريخ النشر: 17th, January 2025 GMT
طهران- بعد 15 شهرا تصدرت خلالها تطورات العدوان الإسرائيلي في غزة حديث الرأي العام الإيراني وساسة طهران، يعيد الإعلان عن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار البهجة إلى الشارع الإيراني، الذي سارع إلى إقامة احتفالات عفوية في العاصمة والعديد من المدن الأخرى.
ورسميا، هنّأت الخارجية الإيرانية بالاتفاق وعدّته "نتيجة لصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته ضد إحدى أكبر عمليات الإبادة الجماعية والتهجير السكاني على مر التاريخ"، وطالبت "بمحاكمة قيادات الكيان الصهيوني لارتكابهم أفظع الجرائم" بحق المدنيين العزل.
أما المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي -الذي سيطرت تطورات العدوان الإسرائيلي على فصائل المقاومة المتحالفة مع طهران على جميع كلماته طوال أكثر من عام- فقد غرّد تحت وسم "غزة تنتصر" قائلا "سيخطون في الكتب أن في يوم من الأيام قتلت جماعة آلاف الأطفال والنساء في غزة! وسيدرك الجميع أن صبر الناس وصمود المقاومة الفلسطينية وجبهة المقاومة أجبروا الكيان الصهيوني على التراجع".
بينما عمدت المؤسسة العسكرية بإيران على تذكير الرأي العام بالدعم المطلق الذي حظي به الاحتلال الإسرائيلي من حلفائه الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، مشددة في بيان أصدره الحرس الثوري أن "جرائم الكيان الصهيوني لم تحقق له أي إنجاز، وأنه سيواجه بعد اتفاق الهدنة انهيارا مجتمعيا وعسكريا واقتصاديا وعزلة سياسية وهجرة عكسية".
يرجع مراقبون الاحتفاء الشعبي والرسمي باتفاق التهدئة إلى رهان شريحة كبيرة من الشارع الإيراني ومعها "جمهور المقاومة" على جدوى النضال المسلح لتحرير أولى القبلتين، في حين ترى شريحة أخرى في الهدنة فرصة لتجنيب البلاد المواجهة المسلحة مع تل أبيب وحلفائها.
إعلانمن ناحيته، يرجع أستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران محمد صادق كوشكي سبب اهتمام الإيرانيين بتطورات الحرب على غزة إلی حضور القضية الفلسطينية في وجدانهم، وكون بلادهم كانت الغائب الحاضر في مجريات الحرب منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح كوشكي أن الحصار المفروض على قطاع غزة حال دون وصول المساعدات الإيرانية بشكل مباشر إلى الشعب الفلسطيني هناك، بيد أن بصمة طهران كانت واضحة في كل رصاصة أطلقت نحو العدو الإسرائيلي.
واستدرك أن بلاده كانت قد قدمت ما يجب تقديمه إلى غزة خلال السنوات الماضية، مضيفا أن بذور المقاومة والاكتفاء الذاتي في إنتاج السلاح التي نشرتها طهران خلال الفترة الماضية في قطاع غزة قد أثمرت وتجلت في عملية طوفان الأقصى والدفاع عن الشعب الفلسطيني.
ورأى الأكاديمي الإيراني أنه رغم الحصار المفروض على غزة فإن الدبلوماسية الإيرانية بذلت ما بوسعها لوقف إطلاق النار منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، مشيرا إلى أن الجمهورية الإسلامية دخلت على خط الأزمة بشنها هجومين صاروخيين على "كيان الاحتلال" الإسرائيلي دعما للشعب الفلسطيني ما أنذر بحرب إقليمية.
المواجهة المباشرة
وعما إذا سيطوي اتفاق الهدنة في غزة صفحة أول مواجهة مباشرة بين إيران وإسرائيل، يعتقد كوشكي أن ما أسماها "المغامرات الإسرائيلية" لن تنتهي مع إنهاء الحرب في القطاع، وأن احتمالات تكرار المواجهات المباشرة ستبقى واردة وفقا للسلوك الإسرائيلي.
من ناحيته، يشاطر الباحث السياسي صلاح الدين خديو هذا الرأي، لكنه لا يخفي خشيته من أن يمنح اتفاق الهدنة فرصة لتل أبيب لصب جام غضبها على إيران، مستغلة عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتوقف العمليات الحوثية في البحر الأحمر، وكذلك جبهة جنوب لبنان، وسقوط نظام بشار الأسد.
إعلانوبرأي الباحث الإيراني، في حديث للجزيرة نت، فإن طهران وجدت نفسها أمام الأمر الواقع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنها لم تتخلّ يوما عن حلفائها في قطاع غزة، فأوعزت بتفعيل سياسة وحدة الجبهات التي أفشلت العديد من المخططات الإسرائيلية، وأرغمت تل أبيب على القبول بالهدنة.
وبالرغم من حرص طهران الشديد في بادئ الأمر على عدم الانخراط في المواجهة المباشرة مع إسرائيل -والكلام لخديو-، فإن استمرار تل أبيب في استهداف المصالح الإيرانية بسوريا وقيامها باغتيال أقرب حلفاء الجمهورية الإسلامية، دفع طهران إلى إطلاق الصواريخ والمسيرات نحو إسرائيل، "فكانت الدولة الوحيدة التي تتحرك عسكريا لنصرة حلفائها".
ويعتقد الباحث الإيراني أن محور المقاومة بقيادة إيران تلقّى ضربات موجعة بسبب عملياته الإسنادية لأهالي غزة، والتي حالت دون قضاء إسرائيل على حركة حماس وتحقيق أهدافها المعلنة بالرغم من تدمير القطاع وقتل الآلاف من المدنيين، على حد قوله.
ومع إطالة أمد العدوان واستشراس إسرائيل في هجماتها على جنوب لبنان بعد اغتيالها العديد من القادة العسكريين والسياسيين في حزب الله، كثفت إيران تحركاتها الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق هدنة في كل من لبنان وغزة، فكانت جزءا من الحل من جهة وفوّتت الفرصة على إسرائيل للقضاء على فصائل المقاومة من جهة أخرى، وفقا لخديو.
وترى الأوساط السياسية في طهران أن فصائل المقاومة سجلت انتصارا في العدوان الأخير، من خلال تفويتها الفرصة على "الكيان الإسرائيلي" لتحقيق أهدافه، ومنها عدم إطلاق سراح الأسرى إلا عبر اتفاق مع حركة حماس التي توعد بالقضاء عليها.
وبقبول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاق الهدنة مع حماس والانسحاب من غزة، سيجد نفسه أمام تساؤلات الرأي العام الإسرائيلي عن جدوى مواصلته الحرب وتكبيد كيانه المزيد من الخسائر، ما ينذر بأزمة سياسية جديدة في تل أبيب.
إعلانوعلى وقع المحاولات الإسرائيلية لتسديد آخر ضربة قبيل دخول الهدنة حيز التنفيذ وفقا للسياسة التي دأبت عليها من أجل الاستهلاك الداخلي، فإن الأوساط الإيرانية ترى في الأشهر الـ15 الماضية حقبة تاريخية مهمة لا بد من تدوينها وروايتها للأجيال المقبلة، وفضح الأطراف التي لطالما نظرت ودافعت عن حقوق الإنسان لكنها التزمت الصمت حيال المجازر في غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اتفاق الهدنة تل أبیب فی غزة
إقرأ أيضاً:
تضارب الموقف الإيراني حول وقف إطلاق النار.. قبول عبر وساطة قطرية ونفي رسمي وتصعيد مرتقب | تقرير
تتّسم التطورات الأخيرة بتناقض واضح في التصريحات من جانب حكومة طهران بشأن موقفها من وقف إطلاق النار، ما يثير علامات استفهام حول مصداقية الاتفاق الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي تقرير لوكالة رويترز نقل عن مصدر إيراني رفيع المستوى، تبيّن أن طهران وافقت على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، عبر وساطة قطرية ووفق اقتراح أمريكي.
ووفق المصدر، جاء ذلك بعد محادثة هاتفية أجراها رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني مع مسؤولين إيرانيين، تلتها ضربة صاروخية إيرانية على قاعدة “العديد” الأمريكية في قطر.
التنفيذ خلال 6 ساعات .. ترامب: التوصل إلى اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
ترامب: على إسرائيل وإيران السير نحو السلام
وأبلغ ترامب أمير قطر أن إسرائيل قبلت الهدنة، وطلب من الدوحة دورًا في إقناع طهران بالالتزام، وهو ما تحقق لاحقًا حسب الوكالة.
وفي المقابل، أكد مسؤول إيراني بارز لقناة CNN أن إيران ستمضي قدمًا في القتال، معتبراً أن تصريحات إسرائيل والولايات المتحدة حيال التهدئة مجرد “خدعة”، وأن طهران ستكثّف ضرباتها الانتقامية.
وقال المسؤول الإيراني، إن بلاده لم تتلقّ عرض وقف إطلاق النار، ونفت أن تكون قد وافقت على أي اتفاق رسمي، وهو ما يناقض تمامًا رواية رويترز .
هذا التضارب يكشف درجة عالية من الارتباك في الموقف الإيراني، فبينما رسمته الوساطة القطرية كخطوة دبلوماسية مهمة، تظهر البيانات المتناقضة أن الاتفاق لا يمثّل اتفاقًا رسميًا أو واضحًا من طهران، ما يعيد فتح الملف أمام مراقبين الإقليم.
كان قد أعلن ترامب عبر "تروث سوشيال" عن اتفاق “كامل ونهائي” لوقف إطلاق النار، يبدأ تنفيذًا خلال ست ساعات، يلتزم فيه الإيرانيون أولاً ثم الإسرائيليون بعد 12 ساعة، ويختتم إعلان النهاية الرسمية بعد 24 ساعة، مؤكداً أن الاتفاق منع حرباً كانت ستستمر “سنوات وتدمر الشرق الأوسط” . واعترف ترامب بدور الوساطة القطرية، إلا أن الطرفين الأصليين – إيران وإسرائيل – لم يصدر عنهما أي تأكيد رسمي حتى اللحظة.
وحسب التقرير، جاءت هذه التحركات في ظل تصاعد القصف المتبادل، آخِرها الضربات الإسرائيلية على منشآت في طهران وممارسات هجومية إيرانية مضادة، فضلاً عن إطلاق صواريخ نحو قواعد أمريكية في قطر. ويرى مراقبون أن هذا التسلسل يدل على أن الاتفاق قد يكون خطوة أولى نحو تهدئة مرحلية، لا أكثر، خصوصاً في ظل التهديدات الإيرانية المستمرة بهذا الكباش الإماراتي.
وفي ظل هذا السياق، مازالت إيران تعتبر أن التهدئة مقترنة بـ"وقف كامل للهجمات الإسرائيلية" أولًا، وفق ما أكّد مسؤول إيراني لـCNN، مما يشير إلى احتمال رفض رسمي لإملاءات أجنبية تُفرض بشكل أحادي
ويضع الاتفاق في خانة الغامض، يجمع بين تفاؤل أمريكي ودبلوماسية قطرية من جهة، وصمود هجومي إيراني من جهة أخرى.
الفرق بين الروايتين يسلّط الضوء على أهمية وجود تصريحات رسمية موثقة من طهران وضمانات تنفيذية مثل مراقبين أو آلية دولية.
وحتى الآن، يبدو أن الاتفاق يشبه اتفاقًا "على الورق"، أكثر منه على الأرض. فإذا كانت الوساطة القطرية قادرة على الحيلولة دون اشتعال شامل للمنطقة، فإن التحقق من موقف إيران الرسمي – لا الإعلامي أو العابر – هو المعيار الفعلي لنجاح التهدئة.
ويأتي هذا التضارب ليجعل الصفقة الهشّة محل شك، بينما يبقى الشعب الإيراني وشعوب المنطقة ترقبين دقيقين لخطوة قطرية–أمريكية كانت حتى الأمس، أكثر رمزية من كونها واقعية. ففي حال التزام طهران الرسمي – المشروط والموثق – فإنها ستكون فرصة لحل عالمي؛ وإن كانت التصريحات الانقضائية مجرد "خدعة" كما يقول مسؤول إيراني، فإن المدى الحقيقي للتصعيد المستمر لم يزل في بداياته، وربما نكون أمام صراع طويل الأمد لم يحسم بعد.