حكاية مخيم يقاوم حتى الرصاصة الأخيرة (بورتريه)
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
ساحة ملتهبة منذ سنوات تشهد أعنف المواجهات بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.
أصبح رمزا للتحدي والصمود والصلابة في وجه الهجمة التي تريد اجتثاث الوجود الفلسطيني وإسكات أي صوت فلسطين حر يقاوم في مخيمات الضفة الغربية وتحديدا شمالها.
هو المخيم الأكثر اكتظاظا بالسكان، ويعد ثاني أكبر مخيم في الضفة الغربية بعد مخيم بلاطة.
كان المخيم مسرحا لمعاناة كبيرة متواصلة منذ سنوات حيث يعيش فيه نحو 27 ألف لاجئ أذاقهم الاحتلال كل أنواع الجرائم التي ترقى إلى جرائم الحرب.
مخيم جنين الذي أسس عام 1953 بعد تدمير المخيم الأصلي في المنطقة في عاصفة ثلجية، يمتد على مساحة ضيقة لا تتجاوز الكيلومتر المربع، يقع ضمن حدود بلدية جنين، وهو المخيم الأقصى شمالا في الضفة الغربية.
وينحدر غالبية سكان المخيم من منطقة الكرمل وحيفا وقراها وقرى جنين المحتلة عام 1948. خضع المخيم للحكم الأردني حتى عام 1967 حيث وقعت الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبعد توقيع اتفاقيات "أوسلو" وملحقاتها أصبحت جنين ومخيمها تابعة للسلطة الفلسطينية.
كان مخيم جنين هدفا استراتيجيا لقوات الاحتلال الإسرائيلي حيث حاولت استهدافه مرات عدة، لكنها فشلت أمام مقاومة أبنائه، حيث واجهت صمودا من سكانه الذين أصروا على البقاء داخل المخيم رغم الأضرار الكبيرة التي تعرضوا لها.
وبلغت الاعتداءات الإسرائيلية على المخيم ذروتها في عام 2002 حين اقتحمت المخيم واشتبكت مع الفصائل الفلسطينية بحرب شوارع أطلق عليها لاحقا "معركة جنين" وضمن ما أطلق عليه الاحتلال عملية "الدرع الواقي" التي اجتاح فيها مدن الضفة الغربية، بعد هجوم على فندق في مدينة نتانيا.
واستمر القتال داخل المخيم 10 أيام قام خلالها جيش الاحتلال بمنع دخول سيارات الإسعاف والعاملين في القطاع الطبي والإنساني. كما لم يسمح للأهالي بدفن جثث ذويهم الملقاة في الشوارع، وقامت جرافات الاحتلال بتدمير منازل المواطنين فوق رؤوس ساكنيها، وجرف جثث الشهداء مع بقايا المساكن لإخفاء الجرائم.
واستشهد 52 فلسطينيا، حسب أرقام أممية، رغم مصادر تذكر بأن الشهداء كانوا أكثر من 500 شهيد وشهيدة، وقتل 23 جنديا إسرائيليا، فيما جرح عدد آخر.
واعتراف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي حينها، الجنرال رون كيتري، في تصريح لإذاعة الجيش، بأنه "قتل على الأرجح عدة مئات من الفلسطينيين خلال المعارك، لكن يجب عدم تصديق الادعاءات الفلسطينية التي تتحدث عن وقوع مجزرة".
وقال كيتري: "كانت المعارك ضارية جدا كما يظهر من حجم الخسائر الإسرائيلية". رغم أن شمعون بيريز وصف العمليات في مخيم جنين بأنها "مجزرة".
وهو ما دفع العضو العربي في "الكنيست"، محمد بركة، إلى مطالبة محكمة العدل الدولية بإجراء تحقيق في جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال في مخيم جنين بالضفة الغربية ومدن فلسطينية أخرى.
وطالب بركة بمحاكمة كل من رئيس الحكومة إريل شارون، ووزير حربه بنيامين بن العيزر، ورئيس هيئة الأركان شاؤول موفاز لتورطهم في ارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين في العمليات العسكرية في جنين التي كانت تهدف إلى كسر شوكة مجموعة من المقاتلين الذين أبوا الاستسلام وفضلوا القتال حتى آخر طلقة، وتشبثت مجموعة المقاتلين المؤلفة من مختلف التنظيمات والفصائل الوطنية والإسلامية بمقاومة نادرة بعد أن دفع الاحتلال بنحو 100 دبابة، وأكثر من ألف جندي، وكانت مروحيات الكوبرا والأباتشي تطلق صواريخها على المخيم دون انقطاع، وشرد أكثر من ربع سكان المخيم.
وكان الأمر طعنة في الظهر، وإهانة متعمدة من الرئيس الأمريكي جورج بوش، للشهداء، حين قال في لقاء جمعه مع شارون في البيت الأبيض بأنه حين ينظر في عيني شارون فإنه يرى فيه "رجل سلام"، في ذات اللحظة التي أبلغ فيها بوش بتفاصيل المجزرة البشعة في مخيم جنين تحت بصر وسمع العالم.
ومنذ ذلك التاريخ والمخيم عرضة بشكل متكرر لاجتياحات إسرائيلية، وعمليات اعتقال وقتل وإعدام ميداني وتدمير بلا توقف حتى اللحظة.
وشكلت عملية فرار 6 فلسطينيين من سجن جلبوع الإسرائيلي، في أيلول/ سبتمبر عام 2021، نقطة تحول في مخيم جنين، خاصة أن بعض الفارين من السجن كانوا من المقاومين السابقين المعروفين، والذين نشطوا في المخيم ومدينة جنين، مثل زكريا الزبيدي، ومحمود العارضة اللذان يتوقع إطلاق سراحهم في صفقة التبادل الحالية.
وأطلق الجيش عمليات تمشيط واسعة لتعقب الفارين بطريقة أسطورية فاقت الخيال، وبعد أن تمكن الاحتلال من العثور عليهم، شن حملة اغتيالات في المخيم والمدينة.
وشهدت المنطقة في أيار/ مايو عام 2022، استشهاد الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، في مدينة جنين، حين كانت تغطي عملية عسكرية إسرائيلية في المخيم، واتهمت السلطات الفلسطينية الجيش الإسرائيلي بقتلها بدم بارد وعمدا.
وعلى وقع حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال ضد قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر كانت مدينة جنين ومخيمها ساحة ساخنة للمواجهات بين المقاومة وكتيبة جنين بشكل خاص من جهة، والاحتلال والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى .
ومارس الاحتلال ضد المخيم كل جرائمه التي أصبحت ماركة مسجلة باسمه، من عمليات أعدم ميدانية واعتقالات وتنكيل وتجريف للطرقات وتدمير للبنية التحتية وتهجير السكان وحرق منازلهم.
وكان الأمر الصادم هو سقوط القناع عن وجه السلطة الفلسطينية التي شاركت الاحتلال في الحرب على المخيم بشكل صريح ومفتوح دون أن يرف لها جفن، بعد أن حاصرته لأكثر من شهر ونفذت ضده عملية عسكرية وأمنية واسعة، وهو ما اعتبرته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في بيان " سلوك يتجاوز كل الخطوط الحمراء والأخلاق الوطنية".
وعدت الحركة، أن مشاهد محاصرة مستشفى جنين وإطلاق النار داخله وملاحقة المطاردين للاحتلال الإسرائيلي من قبل أجهزة السلطة، "سلوكيات خارجة عن الصف الوطني، وجريمة بحق أبناء شعبنا وتنكر لدماء الشهداء".
وبأن التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال وصل إلى "مستويات كارثية"، وهو "نهج مرفوض من كافة مكونات شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة." بحسب البيان.
وفرض جيش الاحتلال حصارا كاملا على مدينة جنين وأغلق مخيمها، وقطعت قوات الاحتلال الكهرباء عن المخيم وأجزاء واسعة في محيطه، الأمر الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مستشفى جنين الحكومي وابن سينا، كما منعت طواقم شركة الكهرباء من العمل على إصلاح الشبكة.
وأسفر عدوان الاحتلال على مدينة جنين ومخيمها وبلدة برقين غرب المدينة، عن استشهاد 13 فلسطينيا وإصابة عشرات آخرين، كما خلف دمارا هائلا في البنية التحتية.
ولم يبد رئيس "الشاباك" رونين بار، أي تحفظ حين قال: "نخوض حربا متعددة الجبهات، والآن جاء دور الضفة" ضمن عملية أطلق عليها "السور الحديدي". أي أن مخيم جنين هو مقدمة لما هو أكبر وأخطر، قد ينتهي بقرار من الرئيس الأمريكي بضم الضفة الغربية رسميا لدولة الاحتلال، وستقبل السلطة بدور يشابه مهام المجلس البلدي.
لا تزال قضايا الأمن تشغل سكان مخيم جنين حيث تقوم القوات الإسرائيلية والفلسطينية على حد سواء بعمليات منتظمة في المخيم تلحق أضرارا جسيمة بالمدنيين.
ويشهد مخيم جنين أيضا واحدا من أعلى معدلات البطالة والفقر بين مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية البالغ عددها 19 مخيما. وقد أثرت البطالة والفقر على الشباب بشكل خاص، مما أدى إلى انتشار عدم الرضا والإحباط على نطاق واسع.
المخيم الفلسطيني الذي تصفه وسائل إعلام غربية بأنه ذو تاريخ طويل من المقاومة والنشاط المسلح، يقاوم محاولة الاحتلال كسر إرادة الشعب الفلسطيني، والانتقام وخلق واقع جديد على الأرض، إذ بات من الواضح أن الانتشار العسكري لقوات الاحتلال حاليا يكشف عن رغبة في إنهاء الحالة داخل المخيم، ثم في مرحلة لاحقة تفريغ المخيم من سكانه قسرا.
وحتى لا يبقى المخيم رمزا للبطولة والمقاومة وأنموذجا عربيا يحتذى في مقاومة المحتل، تسير الأمور من جانب الاحتلال، بموافقة ضمنية من السلطة، إلى إيجاد "حل نهائي" للمخيم بتدمير جزء كبير منه وتفريغه من السكان، ولن يجد هذا القرار سوى تصريحات إدانة لا تلبث أن تتلاشى مثل سحابة صيف.
لكن المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف منذ أكثر من 100 عام لن تنطفئ وستتوقد في أماكن أخرى حتى يصعد الدخان ليعلن عن فجر الحرية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه الاحتلال الفلسطينية مخيم جنين مجازر فلسطين الاحتلال مجازر مخيم جنين بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الضفة الغربیة فی مخیم جنین مدینة جنین فی المخیم
إقرأ أيضاً:
حكومة نتنياهو تصدّق على إقامة وشرعنة 19 مستوطنة بالضفة الغربية
صدّق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر (الكابينت) على إقامة وشرعنة 19 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، في حين هاجم مستوطنون مجددا تجمّع الحثرورة البدوي قرب الخان الأحمر شرق القدس المحتلة.
كما أصيب فلسطينيان برصاص جنود الاحتلال فجر اليوم الجمعة خلال اقتحامهم مخيم الأمعري جنوب رام الله، وأصيبت فلسطينية جراء اعتداء جنود الاحتلال عليها بالضرب في مدينة دورا بالخليل.
وقالت القناة الـ14 اليوم الجمعة إن الكابينت صدّق على طلب وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تنظيم 19 مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، مضيفة أن سموتريتش قدّم مساء الخميس إلى أعضاء الكابينت خطته لتنظيم تلك المستوطنات.
وأضافت أن بعض هذه المستوطنات جديدة تماما، وبعضها قائم وسيتم تنظيمه، مشيرة إلى أن أبرز المستوطنات القائمة هما غانيم وكاديم اللتان تم إخلاؤهما عام 2005 بالتزامن مع تفكيك المستوطنات في قطاع غزة.
وتقول حركة "السلام الآن" الإسرائيلية إن نحو نصف مليون مستوطن يقيمون في مستوطنات بالضفة الغربية، في حين يقيم نحو 250 ألف مستوطن في مستوطنات مقامة على أراضي القدس الشرقية.
ومن شأن التهام إسرائيل الضفة الغربية المحتلة ثم ضمها إليها رسميا إنهاء إمكانية تنفيذ مبدأ حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) المنصوص عليه في قرارات صدرت عن الأمم المتحدة.
جاء هذا فيما أدان الأمين للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مضيفا أن العام الجاري شهد أعلى مستويات تقدم المخططات الاستيطانية منذ بدء الرصد الأممي.
في المقابل، قالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إن تصديق الكابينت على إقامة وشرعنة 19 مستوطنة في الضفة الغربية يدق ناقوس الخطر بشأن مستقبل الضفة.
وأضافت الهيئة أن القرار تصعيد خطير ويكشف عن النوايا الحقيقية لحكومة الاحتلال في تكريس التهويد الكامل للأرض الفلسطينية، وهي تأتي ضمن سياسة ممنهجة تقودها حكومة نتنياهو لشرعنة البؤر وتحويلها إلى مستوطنات رسمية، مما يكرس السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
مستوطنون يواصلون عمليات تجريف الأراضي وقلع أشجار الزيتون في السهل الشرقي من بلدة ترمسعيا شمالي رام الله#الأخبار pic.twitter.com/dlHx4op9OP
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 12, 2025
هجمات المستوطنين واقتحاماتفي غضون ذلك، هاجم مستوطنون مجددا تجمّع الحثرورة البدوي قرب الخان الأحمر شرق القدس المحتلة.
إعلانوأفادت مراسلة الجزيرة بأن المستوطنين لاحقوا شبانا من التجمع واعتدوا عليهم.
كما أفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال اقتحمت التجمع وأغلقت مداخله، وأخضعت عددا من السكان للتحقيق بعد أن دافعوا عن أنفسهم أمام اعتداءات المستوطنين.
وفي تطور آخر، قال الهلال الأحمر الفلسطيني إن فلسطينية أصيبت إثر اعتداء قوات الاحتلال عليها بالضرب في مدينة دورا بالخليل جنوبي الضفة الغربية.
كما أصيب فلسطينيان خلال اقتحام قوات الاحتلال مخيم الأمعري بمدينة البيرة.
وفي الوقت نفسه، يواصل مستوطنون عمليات تجريف الأراضي وقلع أشجار الزيتون في السهل الشرقي من بلدة ترمسعيا شمالي رام الله.
وأفادت مراسلة الجزيرة بأن المنطقة تشهد منذ أيام عمليات تجريف مستمرة من جانب جيش الاحتلال والمستوطنين شملت آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين الزراعية وقُطعت خلالها أكثر من ألفي شجرة زيتون.
يذكر أن بلدة ترمسعيا محاطة بمستوطنة شيلو وعدد من البؤر الاستيطانية.
واعتقلت قوات الاحتلال فجر اليوم شابين من مدينة طولكرم.
وذكرت مصادر محلية أن قوات الاحتلال اعتقلت إبراهيم عودة ومحمود اليحيى بعد مداهمة منزليهما في ضاحية عزبة الجراد شرقي المدينة.
وفي سياق متصل، أفاد شهود عيان بأن الجيش الإسرائيلي اعتدى على عائلة فلسطينية خلال اقتحامه قرية المغير شرقي رام الله، دون الإبلاغ عن إصابات.
وتشهد مناطق متفرقة من الضفة الغربية اقتحامات شبه يومية من جانب الجيش الإسرائيلي تتخللها عمليات اعتقال واشتباكات.
ومنذ أن بدأت حرب الإبادة بقطاع غزة في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتي استمرت عامين قتل الجيش الإسرائيلي ومستوطنون في الضفة الغربية أكثر من 1092 فلسطينيا وأصابوا نحو 11 ألفا، إضافة إلى اعتقال ما يزيد على 21 ألفا.