شراكة إستراتيجية بين مصر والصومال.. رسائل وتأطير للعلاقات
تاريخ النشر: 25th, January 2025 GMT
مقديشو- لم يكن توقيع اتفاقية الشركة الإستراتيجية بين مصر والصومال أمرا مفاجئا في الوقت الحالي، بل كان تتويجا لتقارب البلدين القائم على التعاون لمواجهة التحديات المشتركة في ظل تحولات كبرى تشهدها منقطة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
الاتفاقية التي وقع عليها في القاهرة الرئيسان المصري عبد الفتاح السيسي والصومالي حسن شيخ محمود تغطي مجالات متعددة تشمل السياسية والتعاون العسكري والأمني والتعليم والثقافة وبناء القدرات والتعاون القضائي والاقتصادي إلى جانب التعاون في مجال إدارة الانتخابات.
وتوقيع هذه الاتفاقية يرتقي بالعلاقات الثنائية بين البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية في ظل تقارب حذر بين الصومال وإثيوبيا اتسم بخفض التصعيد السياسي، كما يأتي وفقا لمخرجات المصالحة التي ترعاها تركيا، لكن هذا التقارب يثير تساؤلات عن قراءة أبعاد هذه الشراكة والموقف الإثيوبي منها.
يقول محمد شيخ الصحفي والمحلل في مركز الصومال للدراسات، للجزيرة نت، إن ترفيع مستوى العلاقات إلى شراكة إستراتيجية يعكس مدى رغبة البلدين في تعزيز فرص التعاون في المجالات كافة، بما يسهم في خلق نوع من التنسيق الكامل لتحقيق المصالح المشتركة.
وأضاف المحلل أن هذه الشراكة تستند إلى بناء تكتل ثنائي عربي يضمن رفع مستوى التعاون لمواجهة التحديات المشتركة التي يواجهها البلدان في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر.
ومن أهم الأبعاد التي تغطي الشراكة الإستراتيجية بين مصر والصومال، وفق محمد شيخ، البعد السياسي والعسكري والاقتصادي:
إعلان في ما يخص البعد السياسي، يرى المحلل أن هذه الشراكة تضيف زخما جديدا بشأن التعاون السياسي في المحافل الدولية والأفريقية، كما تسهم في توحيد المواقف السياسية في القضايا الشائكة في المنطقة والعالم، تفاديا لتكرار الموقف المفاجئ كما حدث في منتصف عام 2020 عندما دعم الصومال موقف إثيوبيا ضد مصر في اجتماع لجامعة الدول العربية بشأن أزمة سد النهضة. ويرى المتحدث أيضا أن الصومال يهدف لتعزيز الدعم العربي والدولي في استحقاق الانتخابات المباشرة المقبلة المقرر عقدها في منتصف 2026. أما البعد العسكري، فيقول محمد شيخ إن الشراكة تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات التدريب العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ودعم القدرات العسكرية للصومال في مواجهة التحديات الأمنية، مثل مكافحة الإرهاب والقرصنة. واقتصاديا، وفق المحلل نفسه، يسعى البلدان إلى رفع حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة والاستفادة من الموارد الطبيعية المتاحة لكلا البلدين، إذ ارتفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 65.2 مليون دولار في العام الماضي مقابل 28.2 مليون دولار في عام 2023، وفقا لآخر الإحصائيات المتعلقة بالمجال. عودة مصروتشكل الشراكة الإستراتيجية خطوة مهمة نحو إعادة التوزان في منطقة القرن الأفريقي لمصلحة مصر، وذلك في ظل التنافس الدولي والإقليمي الذي تشهده المنطقة، وفق المحلل محمد أبتدون.
ويرى أبتدون، في حديث للجزيرة نت، أن القاهرة تسعى من خلال الشراكة الإستراتيجية مع الصومال إلى تحقيق وجود سياسي فعال في المنطقة، حيث يعدّ الصومال نقطة محورية في التفاعلات السياسية والأمنية في المنطقة وخاصة من خلال مساهمتها في البعثة الأفريقية لدعم الاستقرار في الصومال "أوصوم".
كذلك تهدف مصر، حسب المتحدث نفسه، إلى لعب دور قيادي في التأثير على صنع القرارات المتعلقة بالمنطقة.
إعلانومن منظور أكثر اتساعا، يرى محمد أبتدون أن توقيع اتفاقية الشراكة يأتي في ظل استشعار مصر للمخاطر الجيوسياسية التي تحدق بأمنها القومي من نهر النيل إلى البحر الأحمر.
هذا الاستشعار دفع إلى تحول علاقاتها مع الصومال إلى شراكة إستراتيجية لرفع مستوى التنسيق لمواجهة التحديات المشتركة وعلى وجه الخصوص لوقف التمدد الإثيوبي في مياه البحر الأحمر، وفق تحليل المتحدث.
وتابع أبتدون أن تحقيق وجود سياسي وعسكري مصري في الصومال قد يسهم في إعادة التوازن في الإقليم ويظهر مصر كحليف يمكن الاعتماد عليه، وأن هذا التوجه قد يضعف الدور الذي لعبته إثيوبيا طوال عقود كشرطي في المنطقة.
توازن ورسائلمن جانبه، يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة مقديشو عبد الولي سيد، للجزيرة نت، إن توقيع مقديشو الشراكة الإستراتيجية مع القاهرة يأتي ضمن الجهود الصومالية للبحث عن تحالفات إستراتيجية في الإقليم، وذلك بعد التهديد الذي شكلته إثيوبيا لوحدة أراضيها عبر اتفاقية مذكرة التفاهم التي وقعتها مع إقليم صومالي لاند المحلي في مطلع يناير/كانون الثاني 2024.
وأضاف عبد الولي أن الصومال خلال سنوات طويلة كانت مسرحا لتدخلات خارجية من دول المنطقة هددت وحدة أراضيها، فاضطرت إلى تشكيل تحالفات إقليمية من بينها الشراكة مع مصر بهدف إيجاد قوة إقليمية مؤثرة تسهم في إعادة توازن القوى بالمنطقة.
ووفق تحليل الأكاديمي ذاته، سيحقق الصومال من خلال هذه الشراكة تعزيز المناورة السياسية مع الدول المتحالفة معها بهدف إيجاد دعم سياسي متعدد الأطراف لمواجهة التهديدات المحتملة من أطراف المنطقة، كما تهدف إلى ضمان الدعم العسكري استعدادا لما بعد انتهاء مهمة البعثة الأفريقية "أوصوم" وذلك من خلال تدريب الجيش الصومالي وتسليحه.
وبهذه الشراكة بعث البلدان رسائل مزدوجة للأطراف الإقليمية، بحسب عبد الوالي، مفادها أن إعادة الدور المصري إلى المنطقة لا مفر منه، وأن استقرار الصومال جزء لا يتجزأ عن الأمن القومي المصري:
إعلان القاهرة أرسلت رسالة واضحة بعزمها على تعزيز وجودها في المنطقة عبر القوة الصلبة أو الناعمة، معتبرا أن إخفاق مصر في ملف سد النهضة وسعي إثيوبيا للحصول على منفذ في البحر الأحمر دفعا صانع القرار المصري إلى وضع محددات جديدة في التعامل مع تلك التحديات التي تهدد اقتصاد مصر وأمنها. أما الصومال فأراد بهذه الشراكة تأكيد استقلالية نهجه الدبلوماسي في تحقيق مصالحه الوطنية، وإظهار قدرته على الموازنة بين تحالفاته رغم تضارب المصالح بين بعض القوى الإقليمية.وأوضح سيد أن البلدين استغلا المؤتمر الصحفي المشترك لتوجيه رسائل طمأنة لدول المنطقة، مؤكدين أن الشراكة الإستراتيجية لا تشكل تهديدا لأي دولة وإنما تخدم تحقيق مصالح البلدين.
موقف إثيوبيا
في المقابل، قال المحلل السياسي الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد، للجزيرة نت، إن إثيوبيا ليست قلقة بشأن اتفاق الشراكة بين الصومال ومصر، ما دام الاتفاق يخدم مصلحة البلدين ولا يمس الأمن القومي الإثيوبي.
وأضاف المحلل أن إثيوبيا قد أعربت سابقا عن عدم ممانعتها لتعاون البلدين إذا كان ذلك يعزز استقرارهما ويسهم في استقرار المنطقة بشكل عام.
وأشار المحلل إلى أن دول القرن الأفريقي ومصر في أمسّ الحاجة للتعاون والعمل المشترك لحماية مصالحهما الإقليمية، والتغلب على التحديات والخلافات عبر الحوار والعمل الدبلوماسي المشترك، كما شدد على أهمية إبعاد الصراعات في الإقليم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشراکة الإستراتیجیة شراکة إستراتیجیة القرن الأفریقی هذه الشراکة للجزیرة نت فی المنطقة من خلال
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: الانسحاب من غزة ضرورة إستراتيجية لمواجهة إيران
يدعو الكاتب الإسرائيلي بن درور يميني إلى إنهاء الحرب على قطاع غزة وإطلاق سراح الأسرى، لأنه يرى أن استمرار القتال في غزة يشكل "عبئا إستراتيجيا خطيرا" على إسرائيل، ويعيق انخراطها الكامل في المواجهة الأهم ضد إيران، ويُفقدها الفرصة لتحقيق ما أسماه "نصرا إقليميا تاريخيا".
ويعتبر يميني في مقاله بصحيفة يديعوت أحرونوت أن الحرب في غزة تحولت إلى عبء يرهق الجيش ويضر بالمكانة السياسية لإسرائيل، مشددا على أن "الحكومة الإسرائيلية من خلال أفعالها وتصريحات مسؤوليها فعلت كل ما في وسعها للوصول بإسرائيل إلى أسوأ مستوى دبلوماسي في تاريخها"، في حين أن "المعركة الحقيقية" هي تلك التي تخوضها في مواجهة إيران.
ويقول: "نعرف أنه يجب وقف القتال في غزة. لقد أصبحت مجرد مصدر إزعاج. بعد أكثر من 20 شهرا، لا يوجد نصر مطلق في الأفق، وإنما روتين قاس ومرهق. وعلى الصعيد السياسي، نحن ننهزم بأنفسنا".
تآكل الدعم الدولييرى الكاتب أن الدعم الغربي لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد إيران ما زال قائما، لكنه مهدد بالتآكل بفعل استمرار الحرب في غزة، والدمار الواسع الذي ألحقته بها، إضافة إلى "التصريحات المتهورة لوزراء الحكومة".
ويتحدث يميني عما أسماه بالإعلانات المتفاخرة عن الهلاك والانتقام واستخدام المصطلح التوراتي (عماليق) لتبرير إبادة الفلسطينيين والتحجج بعدم وجود أبرياء بينهم، ويقول "لم تكن الدعاية المؤيدة لحماس لتصل إلى المستويات التي وصلت إليها في الغرب لولا هذه التصريحات الغبية والعنصرية والفاشية التي أصر الوزراء وأعضاء الكنيست والشخصيات العامة والصحفيون على استخدامها، وأدت إلى تقويض الدعم الدولي لإسرائيل".
ويشير إلى أن حملة التضامن الدولي مع إسرائيل خلال الهجوم الإيراني على أراضيها أواخر أبريل/نيسان، التي تضمنت "رحلات نقل أسلحة ومساعدات غير مسبوقة من موانئ غربية، رغم خضوعها لنقابات يسارية معادية"، (على حد زعمه)، لم تكن أمرا بديهيا، وأن استمرار هذه المعونة يرتبط كثيرا بـ"الرأي العام الذي يتأثر سلبا بما يحدث في غزة".
إعلانويستشهد يميني بالصحفي البريطاني بيرس مورغان كمؤشر على تحول الرأي العام في الغرب، ويعتبر أن مورغان بدأ داعما لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، لكنه "غيّر موقفه بعد التصريحات التحريضية لوزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا إلى تدمير ما تبقى من غزة".
ويصر الكاتب على أن سبب تغيير الغرب موقفه من إسرائيل هو المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق الغزيين، وليس فقط تصريحات الوزراء المتطرفين، ويقول: "لم يكن كافيا أن تلاحق القادة والجنود الإسرائيليين محكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية بتهم جرائم الحرب، بل أصر وزراؤنا على منح خصومنا الذخيرة، وإبعاد المتعاطفين عنا".
ويضيف: "بعد الهجوم على إيران، عاد مورغان وأبدى تأييده لإسرائيل بناء على معطيات نووية وأمنية واضحة. لكن هذا الدعم مهدد، وهو السيناريو نفسه الذي حصل بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين فرطنا بدعم عالمي نادر بتصريحات انتقامية وغبية".
التركيز على إيرانوينتقد الكاتب بشدة تصريحات وزراء في الحكومة الحالية، مثل وزير الطاقة إيلي كوهين ووزيرة المواصلات ميري ريغيف، الذين دعوا إلى إسقاط مبان في إيران أو "تطهيرها بالكامل"، مشيرا إلى أن هذه التصريحات تعطي الانطباع أن إسرائيل في "حرب انتقامية ضد الشعب الإيراني"، لا ضد نظام يشكل تهديدا نوويا.
ويعتبر أن "مثل هذه التصريحات تُحوّل الحرب على إيران إلى نسخة من حملة غزة"، وتساعد خصوم إسرائيل على تصويرها كدولة عدوانية، وتفقدها دعم الرأي العام الغربي، مما قد يؤدي إلى نجاح حملات شعبية تقودها نقابات العمال في أوروبا وأميركا للتوقف عن شحن الأسلحة والمعدات إلى إسرائيل.
ويضيف ساخرا: "ألا يكفي أن ماكرون بدأ يطالب بوقف ضرب البنى التحتية للطاقة في إيران؟".
ويختم يميني مقاله بمناشدة صريحة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزرائه، قائلا: "إذا تبقى لديكم ذرة عقل، غادروا غزة. أطلقوا سراح الرهائن. هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يساعد إسرائيل على التركيز في الهدف الأساسي الذي هو إيران".
ويشدد على أن "إسرائيل أهم بكثير من القاعدة اليمينية المتعطشة للدماء التي يغازلها الوزراء بتصريحاتهم"، مضيفا أن التصرفات الحالية "تُقوّض الجهد العسكري والسياسي"، وقد تعيد سيناريو فقدان الدعم كما حصل في بداية الحرب على غزة.