أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثلاثاء 21 يناير الجاري، إلى أنه سينظر في فرض عقوبات جديدة على روسيا في حال رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التفاوض مع أوكرانيا للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب.

وفي ردّ على إمكانية فرض المزيد من العقوبات على روسيا في حال لم يحضر بوتين إلى طاولة المفاوضات أجاب ترامب خلال لقاء مع الصحافيين في البيت الأبيض “يبدو الأمر كذلك“.


وقد يشعر المتابع بشيء من الاستغراب من خلال التوقف عند تصاريح ترامب قبل تنصيبه وبعده، لاسيما في ما يتعلق بتوجيه “الإطراء” إلى شخصية بوتين على اعتباره رجلا ذكيا. ومن خلال تأكيده أن حرب أوكرانيا ما كانت لتكون، وأنه سيعمل على حلّها في أسرع وقت ممكن. ولكنّ تصاريحه هذه لا تنسجم مع ممارساته، فهي تحمل الكثير من التعالي في طياتها، ومن النظرة الفوقية، الأمر الذي يستفز به الرئيس الروسي، ويزيد عقدة على تعقيدات هذه الأزمة، لاسيما وأن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنيسكي كان قد وقّع على مرسوم يحذر به الطرف الأوكراني من إجراء أيّ مفاوضات مع موسكو عندما كان في ولايته الشرعية، فلماذا يضع ترامب المشكلة عند الجانب الروسي؟


تشعر روسيا بأن ترامب يصنع لها فخًا لأخذها إلى الاستسلام، لاسيما وأنه تحدث عن فاعلية عقوبات بلاده على روسيا، وإنهاكها للاقتصاد الروسي، وأنه مستعد لمدّ كييف بالسلاح، وقد وصف أهم داعمي ترامب، إيلون ماسك، زيلينسكي بـ”سارق القرن”. ليس صحيحًا أن ترامب يريد أن ينهي الحروب في العالم، فهو ليس برجل سلام، هذا ما تؤكده مقولته أنه “سيفرض السلام بالقوة.” ولكن السؤال الذي يفرض نفسه أيّ سلام يريد ترامب فرضه على العالم وهل يعني بالقوة استخدام السلاح؟
قد يكون السلام الأوكراني مجرد تمنيات عند الرجل، لأن الحرب في أوكرانيا معقّدة ومتداخلة. كما وقد تكون نظريته “الانفتاحية” تجاه الصين، مجرد “بالونات” إعلامية، رغم الاتصال الذي حصل مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، والذي تناول فيه التعاون لتحقيق التنمية العالمية. لكنّ العداوة بين البلدين مبنية على قاعدة “فخ سيوثيديدوس” المؤرخ اليوناني، الذي يفرض حتمية “الصدام” بين قوتين إحداهما صاعدة “الصين اليوم”، والثانية فارضة “الولايات المتحدة”.
لا سلام مع بكين، وما زيادة نسبة الضرائب إلى 10 في المئة التي اقترحها ترامب على الواردات الصينية إلا دليل على ذلك، وما يؤكد الأمر طلب ترامب الاستحواذ على 50 في المئة من منصة “تيك توك” الصينية، إن أرادت الاستمرار في البث في السوق الأميركي، بعدما صدر قرار قضائي أميركي يحظرها من البث. واضح أن ما يطلبه ترامب هو جزء من الاستمرارية الأميركية في الهيمنة على النظام العالمي، عبر كافة وسائلها تحديدًا التواصلية الاجتماعية.
إن الشعار الترامبي “أمريكا أولاً”، لا يعني وضع حدود للتدخل الأمريكي في العالم، والتركيز فقط على حل القضايا الداخلية كقضية التحول الجنسي التي خصص لها هجومًا مركزًا في خطاب القسم. ولا يعني أيضًا الالتزام فقط بتطبيق “عقيدة مونرو”، التي من الواضح أننا سنرى في عهده تجسيدًا لهذا المبدأ ساري المفعول في الولايات المتحدة منذ عام 1823. ذلك المبدأ الذي يفرض على الشق الغربي من الكرة الأرضية عدم السماح لأيّ دولة أجنبية التدخل في شأن القارتين الأمريكيتين الشمالية والجنوبية. لهذا تفترض من إدارة ترامب الاهتمام أكثر في ما يخصّ شأن فنزويلا، الغنية بالنفط، والعمل على تغيير نظام نيكولا مادورو، ويكون مصيره شبيهًا بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، بسبب انغماسه الكلي مع محور الصين وروسيا وتحديدًا إيران.
كما يريد ترامب فرملة “الطحشة” للمنافسين الجيوسياسيين لبلاده، الروسي والصيني، من خلال وضع اليد على جزيرة غريلاند التي يجد فيها “موقع المواجهة” مع روسيا في منطقة القطب الشمالي. ووضع اليد على قناة بنما، لاعتباره أن الشركات الصينية بات لها حضور استثماري من خلال إدارتها لميناءين على هذه القناة، ما يفرض أمرًا صعبًا على الحركة البحرية الأميركية. ولم يكتف ترامب بفتح النار على هذه الدول، بل ذهب بعيدًا مع توقيعه قرارًا تنفيذيًا أعاد بمقتضاه إدراج كوبا ضمن القائمة الأميركية للدول “الراعية للإرهاب”، ملغيًا بذلك الإعفاء الذي أصدره سلفه الرئيس جو بايدن قبل نهاية ولايته الرئاسية.


عين ترامب على مونرو، كيف لا والأزمات الداخلية باتت تشكل عبئًا على أيّ إدارة أمريكية تصل إلى البيت الأبيض. لهذا قد يشكك البعض في أن تخاذل الديمقراطيون في مواجهة الجمهوريون في الانتخابات الأخيرة، ليس بسبب ضعف شخصية مرشحتهم كامالا هاريس، بل لأنّ المرحلة القادمة تحتاج إلى رجل جريء في اتخاذ القرار لدرجة “الجنون”. ومنْ أفضل من الرئيس ترامب لتحمل تلك المسؤولية، وأخذ القرارات التي قد تصل إلى صدام مباشر مع أعداء الولايات المتحدة، بدءًا بقرار ضرب إيران. هذا القرار الذي على ما يبدو قد “نضج” عند مصادر القرار الأميركي كما الإسرائيلي، وما يحتاج إلا إلى تحديد ساعة الصفر.
لا نستطيع أن نقول إن أمريكا زمن ترامب ستنسحب من القرار الدولي، ولا يجب أن يتخيل المتابع أن واشنطن ستترك للصين أيّ فرصة للدخول إلى مركز القيادة العالمية. فما أعلنت عنه وزارة الخارجية الصينية، ليس دليلًا، بل مراوغة أمريكية، عن أنها ستدعم منظمة الصحة العالمية في مهامها على خلفية انسحاب الولايات المتحدة من المنظمة بقرار من ترامب الذي قال الاثنين 20 يناير الجاري إن “هذه المنظمة تخدعنا“.
لا يريد ترامب أن يسحب بلاده من القيادة العالمية، ولا أن يدمر النظام العالمي الليبرالي الذي هو صنيعة بلاده، بل جلّ ما يهدف إليه هو إزالة التهديدات الخارجية والداخلية التي قد تعصف بالولايات المتحدة. كيف لا، والرجل وصل إلى السلطة في زمن باتت فيه روسيا والصين تشعران أنهما قريبتان جدًا من إحداث التغيير في النظام العالمي، فهل سيقف متفرجًا؟

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: اتفاق غزة سقوط الأسد عودة ترامب إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عودة ترامب الولایات المتحدة النظام العالمی من خلال

إقرأ أيضاً:

التطبيع أولا مقابل السلاح والنووي.. ترامب يشدد شروطه على بن سلمان

انتهى اللقاء الذي جمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي  محمد بن سلمان أمام عدسات الكاميرات بتصريحات لافتة، دافع خلالها ترامب عن ولي العهد في مواجهة أسئلة الصحفيين، مؤكدا أن السعودية تمثل “الحليف الأول” لواشنطن خارج إطار حلف شمال الأطلسي.

وأوضحت صحيفة "إسرائيل اليوم" في تقرير أن نتائج الاجتماع الفعلية جاءت بعيدة عن تطلعات الطرفين، مشيرة إلى أن واشنطن أبدت استياء متزايدا من القيادة السعودية بسبب عدم رغبتها في المضي قدما بمسار التطبيع مع إسرائيل، وهو ما سبق للصحيفة أن تناولته في تقارير سابقة.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن فشل الاتصالات المبكرة بين المسؤولين السعوديين والأمريكيين في تحقيق اختراق دفع ترامب، خلال محادثات البيت الأبيض، إلى حث ولي العهد السعودي على اتخاذ خطوة رمزية واحدة على الأقل باتجاه التطبيع، بهدف الإيحاء بقرب إحراز تقدم عندما تتوافر الظروف المناسبة.

وتحدث بن سلمان عن التحديات الداخلية والرأي العام في بلاده، ليتدخل ترامب مطالبا إياه بالاقتداء بنظيره الإماراتي محمد بن زايد، الذي حقق مكاسب كبيرة بعد انضمام بلاده إلى اتفاقيات إبراهيم، إلا أن بن سلمان تمسك بموقفه، ليعلن ترامب لاحقا عن نية بلاده بيع مقاتلات إف-35 للسعودية في المستقبل، من دون تحديد موعد، ولكن بشروط واضحة.



الشرط الأول تمثل في بدء تحقق الاستثمارات السعودية المعلنة في الولايات المتحدة، إذ سبق أن أعلن عن استثمارات بمئات مليارات الدولارات خلال الولاية السابقة، لم يتحقق منها سوى جزء محدود، أما الشرط الثاني، فكان إطلاق مسار عملي للتطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وفق الصحيفة.

وتعاملت واشنطن بصرامة أكبر مع ملف المفاعل النووي السعودي، إذ رفضت طلب الرياض تخصيب اليورانيوم على أراضيها، في ظل معارضة إسرائيلية صريحة، وافق ترامب على أساسها على مساعدة السعودية في إنشاء منشأة طاقة نووية تشرف عليها شركات أمريكية، على غرار النموذج القائم في الإمارات.

ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي أن الإدارة الأمريكية رأت في وقف إطلاق النار في غزة نقطة انطلاق لتوسيع اتفاقيات إبراهيم، معتبرة أن الموقف السعودي يمنح حركة حماس، التي تعرقل مساعي إنهاء الحرب، دورا مؤثرا في تعطيل المسار الذي يسعى إليه ترامب.

ولا يبدو، بحسب التقديرات، أن السلام أو حتى إنهاء الحرب في غزة بات وشيكا، إذ تواجه الجهود المصرية للضغط على حماس من أجل التوصل إلى ترتيبات تتعلق بتسليم السلطة والسلاح عراقيل، في ظل تمسك بعض قيادات الحركة بمواقفها، حتى إزاء مقترحات مشروطة مثل إيداع السلاح في مخازن تشرف عليها حكومة مدنية جديدة.

وفي هذا السياق، برز الغياب التركي عن ممارسة الضغط على حماس في هذه المرحلة، رغم دور أنقرة السابق في وقف إطلاق النار وإقناع الحركة بتسليم جميع الرهائن.

ووفقا لمصدر دبلوماسي عربي، يعود هذا التراجع إلى استخدام إسرائيل حق النقض ضد مشاركة قوات تركية في القوة متعددة الجنسيات المزمع نشرها في غزة.

وذكرت "إسرائيل اليوم" أن إسرائيل سربت معلومات استخباراتية للأمريكيين حول خلايا تابعة لحماس وحزب الله تنشط من داخل تركيا بعلم السلطات، قبل أن تنشر لاحقا تفاصيل عن هذه الخلايا ومحاولات الهجوم التي جرى إحباطها.

وفي المقابل، تشترط حماس لاستئناف المفاوضات رسميا استكمال المرحلة الأولى، ولا سيما فتح معبر رفح أمام حركة الأفراد، وزيادة ملموسة في عدد شاحنات الإمدادات التي تدخل المناطق الخاضعة لسيطرتها، باعتبارها مصدرا رئيسيا لتمويل أنشطتها ووسيلة ضغط على السكان.

وأشار مصدر إسرائيلي إلى أن حماس مطالبة أولا بإعادة الجثتين الأخيرتين للأسيرين، وضمان عدم استيلائها على معظم الإمدادات، وهو شرط وصفه بأنه شبه مستحيل، مع توقعات أمريكية بتسلم الجثتين خلال الأيام المقبلة.



ورغم هذا الجمود، يتواصل النشاط المكثف داخل المقر متعدد الجنسيات في كريات جات، مركز التنسيق المدني العسكري، الذي توسع ليضم ممثلين عن 24 دولة على الأقل، إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة المشرفتين على إدارته.

وأفادت صحيفة "إسرائيل اليوم" بانضمام ممثل عن البحرين، إحدى دول اتفاقيات إبراهيم، إلى فرق العمل في المقر الأسبوع الماضي، ويتكون المقر من ثلاثة طوابق، مخصصة للموظفين الإسرائيليين والأمريكيين، إضافة إلى طابق للفرق متعددة الجنسيات.

وتملك الإمارات أكبر وأبرز حضور بعد إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تعمل فرقها ضمن مجموعات متخصصة تشمل فريقا أمنيا يراقب تطورات قطاع غزة، وفريقا إنسانيا ينسق دخول شاحنات الإمداد ويحد من مصادرتها، إلى جانب فرق معنية بإعداد القوة الأمنية متعددة الجنسيات، والهيئة المدنية الحاكمة المستقبلية، وإعادة التأهيل والبنية التحتية، والتخطيط الشامل لقطاع غزة المستقبلي.



وأكد مشاركون في المقر وجود أجواء تعاون إيجابية، حيث تُجرى الحوارات بين الفرق الإسرائيلية والعربية باللغة العربية، وتُعد القهوة العربية المشروب الأكثر حضورا في الاجتماعات، ومع ذلك، أشاروا إلى أن معظم الأنشطة لا تزال في إطار التخطيط النظري، في ظل تعثر تشكيل القوة متعددة الجنسيات وبقاء المرحلة الثانية بعيدة المنال.

وفي الوقت ذاته، تشهد المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية داخل قطاع غزة نشاطا متسارعا لإعادة الإعمار، يشمل إنشاء مراكز إنسانية وأحياء سكنية جديدة وبنية تحتية ومبان عامة ومدارس، في إطار ما يُقدم كنموذج أولي لإعادة إعمار القطاع بأكمله.

مقالات مشابهة

  • التطبيع أولا مقابل السلاح والنووي.. ترامب يشدد شروطه على بن سلمان
  • أمريكا ترامب وصدام حضارات مع أوروبا
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بفلسطين تزيد من موجة العنف
  • الرئيس البيلاروسي يحذر واشنطن من تكرار حرب فيتنام في فنزويلا
  • فنزويلا تنسحب من «المحكمة الجنائية الدولية».. آخر تطورات التوتر مع أمريكا!
  • مجموعة ICIS: الرئيس التنفيذي لـ «أدنوك» يُعيد صياغة قطاع الكيماويات العالمي
  • الرئيس التركي: السلام بين روسيا وأوكرانيا ليس ببعيد
  • هل ستصادر أمريكا المزيد من أصول النفط الفنزويلية؟.. ترامب يرد
  • أمريكا تدرس فحص حسابات السوشيال ميديا للسياح
  • أمريكا.. من إرث الإبادة إلى هندسة الخراب العالمي