لجريدة عمان:
2025-12-08@00:21:02 GMT

افتتاحية: معارض الكتب وبناء الوعي

تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT

افتتاحية: معارض الكتب وبناء الوعي

في البدء، كانت الكلمة، والكلمة لم تكن يومًا مجرد صوت عابر في فراغ الزمن، بل كانت بذرة الحضارة، ومشعل الفكر، ونواة الوعي الإنساني المتجدد. ومنذ أن خط الإنسان أولى علاماته على الطين، بدأ مساره الطويل نحو تشييد عوالمه المعرفية، فتشكلت المكتبات، وارتفعت منارات العلوم، وازدهرت أسواق الفكر، حتى بلغنا في عصرنا الذي نعتبره حديثا ذروة التقدم الثقافي وبشكل خاص في معارض الكتب، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، والعقل بالخيال، والمعلومة بالحكمة.

ولم تكن معارض الكتب في يوم من الأيام مجرد أسواق تُباع فيها الكتب وتُشترى لكنها منصات تلتقي فيها الأرواح الباحثة عن نور المعرفة، وهي أشبه ما تكون بفضاء مفتوح تتحاور فيه العقول دون قيود، وتتشكل فيه رؤى المستقبل على صفحات الماضي والحاضر. إن من يدرك قيمة معرض الكتاب لا يراه رفاهًا ثقافيًا، بل ضرورة وجودية لكل مجتمع يطمح إلى التحضر، فالأمم لا تُبنى إلا بوعي أفرادها، والوعي لا يُصقل إلا بالقراءة، والقراءة لا تزدهر إلا حين يصير الكتاب متاحًا لكل يد تمتد إليه.

لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن تظل القراءة حبيسة نخب ثقافية محدودة، أو حتى حبيسة على الشعوب التي تملك قدرة مالية على اقتناء الكتب بينما تظل الأجيال الناشئة والفقراء بعيدة عن هذا النهر المتدفق من المعرفة. إن مسؤولية ترسيخ القراءة والقدرة على اقتناء الكتاب مسؤولية جماعية يجب أن تتشارك فيه الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره وتدعمه الدولة باعتباره أحد أهم مشاريعها لبناء الوعي وتقدم المجتمعات. إن جعل الكتاب في متناول الجميع يمكن النظر إليه بوصفه فعل مقاومة في وجه التجهيل والاستلاب، وهو الضمانة الوحيدة لبناء أجيال تمتلك أدوات التفكير النقدي، وتتحرر من أسر الجهل والتبعية.

إن الكتاب نافذة تُفتح على اتساعها نحو آفاق لا تنتهي.. وحين ندرك ذلك، ندرك أن بناء الحضارة يبدأ من حيث تُقرأ الكلمة الأولى، ومن حيث يُغرس في العقول شغف البحث عن الحقيقة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

في مرايا الشعر.. جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص

أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدارًا جديدًا يحمل عنوان «في مرايا الشعر» للشاعر والناقد جمال القصاص، وهو عمل يقدّم رؤية متفردة لعلاقة الشاعر بالكتابة، وللجدل الداخلي الذي يصاحب فعل الإبداع منذ لحظة تشكّل الفكرة حتى اكتمال النص، يأتي الكتاب بمثابة شهادة شخصية وفكرية تعكس تجربة القصاص الممتدة مع الشعر، وقراءاته النقدية التي راكمها عبر سنوات طويلة من التأمل والمتابعة.

في مقدمة الكتاب، يكشف القصاص عن حالة الانفعال التي تلازمه أثناء الكتابة، تلك التي تجمع بين الفرح والغضب والحيرة، وتضعه أحيانًا في «ورطة» شعرية تكاد تبتلعه، يصف اللحظة الإبداعية وكأنها فخ يتربص بالشاعر، يجعله بين دورين متناقضين: الذئب الذي يقتنص فريسته، والفريسة التي تهرب من مصيرها، هذا التوتر الخلّاق بين اللذة والمأزق يشكّل أساس رؤية القصاص للكتابة، فهو يرى أن النجاة من مأزق نص لا تكون إلا بمأزق جديد يخلقه الشاعر بإرادته ودهشته، تمامًا كطفل يراقب ولادة لحظته الشعرية على الصفحة.

ويؤكد القصاص رفضه للوصفات الجاهزة ونماذج الكتابة المكررة، مفضّلًا أن يترك نافذة النص مفتوحة دائمًا، لاستقبال ومضة أو خاطر أو إشارة لم يبح بها بعد، فالكتابة، في نظره، فعلُ اكتشاف دائم لا يتوقف عند حدّ، وبحث مستمر عن ما لم يُقل، وعن الدهشة التي تختبئ في مفارقة ساخرة أو طرقة درامية أو سؤال مشحون بالوجود وأزماته.

ويذهب القصاص في صفحات كتابه إلى جوهر العلاقة بين الوعي والفكرة الشعرية، معتبرًا أن الوعي وحده لا يصنع شعرًا، وأن الإلهام الحقيقي يحتاج إلى قدرة على نسيان الفكرة بقدر القدرة على التقاطها، فهو يعيش الشعر كطقس داخلي، وكتمرين يومي على الحرية، يكتب من أجل أن يحب نفسه أكثر، ويلتصق بجوهره الإنساني عبر لحظات تضج بالنشوة، حتى لو كانت من مشهد رتيب أو حكاية معادة.

يمتد الكتاب ليضم مجموعة من قراءات القصاص النقدية لتجارب شعرية عربية، وهي نصوص كتبها عبر سنوات بدافع الفرح بالشعر ذاته، وبما يقدمه الشعراء والشاعرات من مغامرات جمالية، يقول إن خبرته كشاعر كانت البوصلة الأولى التي توجه نظرته النقدية، إذ تجمع بين عين القارئ الشغوف وحساسية المبدع الممسوس بالتجربة.

ويرصد الكتاب تحولات الشعر العربي منذ الستينيات، وهي المرحلة التي شهدت ـ بحسب القصاص ـ بدايات التمرد على الأشكال القديمة، ومحاولات التجديد في الإيقاع والرؤية واللغة، وعلى الرغم من هذا الحراك، يرى أن الشعر العربي ظل مرتبطًا لفترة طويلة بإطار البلاغة التقليدية، وبموضوعات سياسية واجتماعية تشكّل مركز النص وتطغى على الشكل الجمالي.

كما يتوقف القصاص عند المأزق النقدي الذي يواجه الشعر العربي المعاصر، والمتمثل في اعتماد كثير من تجارب الحداثة على المنجز الغربي في النظر والتطبيق. وبرغم أهمية هذا المنجز في التاريخ الإنساني، يرى القصاص أنه لم يستطع تجاوز رؤيته العقلانية للشعر، في حين أن الشعر ـ في جوهره ـ ليس نتاجًا عقليًا صرفًا، بل هو ابنة الروح وومضتها المفاجِئة، تلك التي تفلت من قبضة المنطق والأطر الجاهزة.

ويخلص القصاص إلى أن الحداثة الشعرية ليست قالبًا خارجيًا، بل هي قيمة داخلية في الإنسان، تحتاج فقط إلى من يوقظها من أسر العادة وما تراكم حولها من قيود، فالشعر، كما يراه، يمنحنا إحساسًا بالحرية، ويعيد تشكيل علاقتنا بالعالم من جديد، عبر حساسية لا تستسلم للسائد ولا للمألوف.

وفي ختام الكتاب، يقدم القصاص اعترافًا إنسانيًا مؤثرًا، إذ يقول إنه لا يدّعي الصواب في ما يكتب، بل ما زال يبحث عنه في رحلته الطويلة مع الشعر، مؤمنًا بأن الخطأ ليس سوى صواب مؤجل لم يحن أوانه، ويوجه تحية لكل الشعراء الذين أسهموا ـ عبر تجاربهم وأعمالهم ـ في توسيع مساحة الضوء والمحبة في حياته الشعرية.

بهذا الإصدار، تضيف الهيئة العامة للكتاب عملًا مهمًا إلى المكتبة النقدية العربية، يجمع بين حرارة التجربة وعمق التأمل، ويقدّم رؤية شاعر خبر دروب القصيدة ووقف طويلًا أمام مراياها المتعددة.

طباعة شارك الهيئة المصرية العامة للكتاب في مرايا الشعر الناقد جمال القصاص علاقة الشاعر بالكتابة اللذة والمأزق

مقالات مشابهة

  • «في مرايا الشعر» جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص
  • الرقابة النووية تشارك في ورشة عمل للأطفال لبناء الوعي بدورها الرقابي
  • المنوفى: معارض أهلا رمضان خطوة لضبط الأسواق.. وندعو التجار لخفض هامش الربح
  • في مرايا الشعر.. جديد هيئة الكتاب للشاعر جمال القصاص
  • المطيعي بمعرض الكتاب .."حُجّة الله على خليقته" بيان كلام الله من البشر
  • المنوفي: بدء معارض «أهلاً رمضان» أول فبراير خطوة لضبط الأسواق… وندعو لهوامش ربح عادلة وتوفير ياميش الشهر الكريم دون مبالغة
  • قبل ما تشتريه.. 4 أسباب تجعلك تفكر مرتين قبل اقتناء Galaxy S23
  • أستاذ بمعهد بحوث الصحة الحيوانية: ظهور تمساح ببلبيس أمر غير طبيعي وسهل السيطرة عليه
  • توخيل عن مجموعة إنجلترا بمونديال 2026: افتتاحية صعبة واحترام كامل للجميع
  • "معارض السيارات" بغرفة القاهرة تدرس قرار نقل المعارض خارج الكتل السكنية