افتتاحية: معارض الكتب وبناء الوعي
تاريخ النشر: 28th, January 2025 GMT
في البدء، كانت الكلمة، والكلمة لم تكن يومًا مجرد صوت عابر في فراغ الزمن، بل كانت بذرة الحضارة، ومشعل الفكر، ونواة الوعي الإنساني المتجدد. ومنذ أن خط الإنسان أولى علاماته على الطين، بدأ مساره الطويل نحو تشييد عوالمه المعرفية، فتشكلت المكتبات، وارتفعت منارات العلوم، وازدهرت أسواق الفكر، حتى بلغنا في عصرنا الذي نعتبره حديثا ذروة التقدم الثقافي وبشكل خاص في معارض الكتب، حيث يلتقي الماضي بالحاضر، والعقل بالخيال، والمعلومة بالحكمة.
ولم تكن معارض الكتب في يوم من الأيام مجرد أسواق تُباع فيها الكتب وتُشترى لكنها منصات تلتقي فيها الأرواح الباحثة عن نور المعرفة، وهي أشبه ما تكون بفضاء مفتوح تتحاور فيه العقول دون قيود، وتتشكل فيه رؤى المستقبل على صفحات الماضي والحاضر. إن من يدرك قيمة معرض الكتاب لا يراه رفاهًا ثقافيًا، بل ضرورة وجودية لكل مجتمع يطمح إلى التحضر، فالأمم لا تُبنى إلا بوعي أفرادها، والوعي لا يُصقل إلا بالقراءة، والقراءة لا تزدهر إلا حين يصير الكتاب متاحًا لكل يد تمتد إليه.
لكن الخطر الحقيقي يكمن في أن تظل القراءة حبيسة نخب ثقافية محدودة، أو حتى حبيسة على الشعوب التي تملك قدرة مالية على اقتناء الكتب بينما تظل الأجيال الناشئة والفقراء بعيدة عن هذا النهر المتدفق من المعرفة. إن مسؤولية ترسيخ القراءة والقدرة على اقتناء الكتاب مسؤولية جماعية يجب أن تتشارك فيه الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره وتدعمه الدولة باعتباره أحد أهم مشاريعها لبناء الوعي وتقدم المجتمعات. إن جعل الكتاب في متناول الجميع يمكن النظر إليه بوصفه فعل مقاومة في وجه التجهيل والاستلاب، وهو الضمانة الوحيدة لبناء أجيال تمتلك أدوات التفكير النقدي، وتتحرر من أسر الجهل والتبعية.
إن الكتاب نافذة تُفتح على اتساعها نحو آفاق لا تنتهي.. وحين ندرك ذلك، ندرك أن بناء الحضارة يبدأ من حيث تُقرأ الكلمة الأولى، ومن حيث يُغرس في العقول شغف البحث عن الحقيقة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ادعى النبوة.. إحالة أوراق فني ديكور لقتل مدرس في المنوفية إلى المفتي
قضت محكمة الجنايات الاستئناف بالمنوفية، اليوم الأربعاء، بإحالة أوراق “فني ديكور” إلى فضيلة المفتي لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه، وذلك بعد ادعائه بنزول الوحى عليه والنبوة، وقتل معلم بمدرسة التجارة داخل منزله في أشمون بسبب إعطاء المدرس درسا لزوجة المتهم، وتحديد جلسة 11 يونيو للنطق بالحكم.تعود تفاصيل الواقعة إلى مايو 2024، حينما نشب خلاف بين المتهم وزوجته، وهي طالبة بإحدى مدارس التجارة الفنية بالمنوفية، بعد خمسة أشهر فقط من زواجهما، مما دفعها إلى ترك منزل الزوجية والعودة إلى بيت والدها.سعت الزوجة لاحقا إلى استكمال دراستها استعدادًا للامتحانات، ولجأت إلى تلقي دروس خصوصية لدى المدرس المجني عليه والذي يعمل مدرسا بنفس المدرسة.في تصعيد مأساوي، توجه المتهم إلى منزل المدرس وهو يحمل “مطواة”، وقام بطعنه عدة طعنات نافذة، قبل أن ينحره من رقبته ويلوذ بالفرار وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط المتهم، وتمت إحالته للنيابة العامة التي باشرت التحقيقات وأحالته إلى محكمة الجنايات.
ادعاء النبوة ومحاولة الإفلات من العقاب
وخلال سير التحقيقات، فاجأ المتهم الجميع بادعائه نزول الوحي عليه وأنه نبي جاء من زمن الصحابة في جسد رجل معاصر، مدعيا إصابته بالجنون في محاولة منه للتهرب من المسؤولية الجنائية.وبناء على ذلك، تم عرض المتهم على لجنة طبية متخصصة بمستشفى الأمراض النفسية، والتي أثبتت أنه يتمتع بكامل قواه العقلية، وأنه واعٍ ومدرك لأفعاله بشكل تام.
الحكم وإحالة الأوراق للمفتي
بعد صدور حكم أول درجة بالإعدام شنقا، تقدم المتهم بطعن، وتمت إعادة محاكمته أمام محكمة جنايات استئنافية وخلال جلسات الاستئناف، كرر المتهم ادعاءه بالجنون، إلا أن المحكمة ناقشته على مدار ساعة، لتتأكد من وعيه الكامل وتبين أنه افتعل تلك الرواية للهرب من العقوبة.وبناءً على ما سبق، أصدرت المحكمة قرارها اليوم بإحالة أوراق القضية إلى فضيلة المفتي، تمهيدًا لإصدار الحكم النهائي في جلسة النطق بالحكم المقررة في 11 يونيو المقبل.