من طفولته في الإسكندرية إلى المنفى بباريس.. بيرم التونسي شاعر لم يعرف الحب أبدا
تاريخ النشر: 29th, January 2025 GMT
في العدد 287 من مجلة الكواكب، الصادر يناير عام 1957، قدم الشاعر الغنائي الكبير بيرم التونسي اعترافاته للجمهور والقراء، وبدأ بيرم بالحديث عن فترة الطفولة إذ قال «شغفت بالمطالعة وأنا طفل في السابعة، ولم يكن بمقدوري أن أفهم أكثر من القصص الشعبية الشائعة في ذلك الحين، وأعجبتني منها قصة «السلك والوابور» و«الفقر» و«الإسكافي» وكلها ملاحم تستهوي الأطفال وأشباه الأطفال من الرجال، وزدت شغفا بهذه الملاحم، عندما سمعتها ملحنة تلقى على الدفوف من المداحين الذين كانوا ولا يزالون يملؤن ميدان أبو العباس في الإسكندرية، فكنت أسير خلف الأدباتية الشحاذين، الذين يلقون أزجالهم على الجالسين في المقاهي مسافات طويلة، فكانوا يلقون الأزجال موقعة على دربكة يحملها الأدباتي».
وتابع بيرم مشدد على إن محصوله الأول من الأدب الشعبي جاء من هذه المصادر، حتى وصل إلى سن 12 عاما، وقتها عرف مصدرا جديدا، «كان عمري وقتها 12 سنة حين عرفت طريق مكتبة البلدية، فاستعرت منها مجموعة مجلة الأستاذ التي كان يصدرها عبدالله النديم، وكان هو أول من استخدم الأزجال السياسية لمعالجة المشاكل، وحين بلغت 16 سنة كنت أتأرجح بين المدارس الأهلية ومصنع الحرير الذي تركه والدي تحت وصاية أحد المغاربة بالإسكندرية في حي الميدان، وفي سن 18 سنة تزوجت وماتت زوجتي قبل أن أغادر البلاد منفيا».
بعدها ينتقل الشاعر الكبير للحديث عن كواليس النفي، ويقول: «حين اندلعت الثورة المصرية 1919 أخرجت مجلة المسلة دون أن استخرج إذنا من إدارة الداخلية، وكانت المجلة السبب في نفيي إلى فرنسا، إذ صدرتها بمقطوعة عن زواج الملك السابق فؤاد تحت عنوان «البامية السلطاني»، وفي باريس عانيت شظف العيش واحترفت كل الحرف إلا الأدب، عملت حمالا في مصنع للبيرة وفي مصنع سيارات وفي مصنع للحرير الصناعي ومصنع للبسكويت، ولما أضناني التعب تسللت إلى مصر في غفلة من العيون وفي ذلك كتبت "غلبت أقطع تذاكر وشبعت يا رب غربة.. بين الشطوط والبواخر ومن بلادنا لأوروبا».
كما أشار التونسي في اعترافاته إلى أنه لم يعرف الحب يوما، لأن في رأيه «الحرمان أقوى من الحب»، كما أنه كان دائما يعاني من الفقر، وبرأيه «المرأة لا تحب الرجال اللي على الحديدة».
وختاما تحدث بيرم عن رحلته مع المرض بقوله «الربو يعيش في صدري منذ زمن بعيد، واستطعت أن أدرس خصائصه وأحببته، لأنه مرض جميل، وأجمل ما فيه أنه ديكتاتور، لا يسمح لأي مرض آخر أن ينافسه أو يشاركه في جسدي، ولكنه يقتلني، لقد استطعت أن أقلع عن كثير من عاداتي ولكني رغم كل المحاولات لم أستطع أن أبتعد عن المحروقة السيجارة، وياعمر ما بقى فيك عمر».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: بيرم التونسي الأدب الشعبي
إقرأ أيضاً:
الطيور تمتلك ثقافة وتراثا تتناقله الأجيال
منذ سنوات، افترض العلماء أن بناء الأعشاش لدى الطيور أمر غريزي بحت، أي أنه سلوك فطري يولد به الطائر ولا يتطلب أي تعلم، مثل البشر يأكلون عند الجوع، شعور يدفعك إلى فعل شيء ما.
هذا صحيح جزئيا، فكل نوع من أنواع الطيور يميل إلى بناء نمط مميز من العش، مما يشير إلى وجود أصل وراثي، كما أن تجارب الطيور في الأسر أثبتت ذلك، فبعض الطيور التي ولدت في أقفاص مراقبة، ولم تشاهد طيورًا أخرى تبني أعشاشها، قامت تلقائيا عند التزاوج ببناء أعشاشها.
لكن على الرغم من ذلك، أظهرت تجارب أجريت على عصافير الزيبرا الأسترالية، وهي طائر مغرد صغير يستخدم غالبًا في التجارب السلوكية، أن الطيور تحسن أسلوبها مع الخبرة، حيث طورت من أسلوبها مع الزمن، لتصنع أعشاشاً أدق في كل مرة.
بل وهناك أيضًا أدلة على التعلم الاجتماعي في بناء الأعشاش، إذ إن بعض الطيور يتعلم من مشاهدة الآخرين، تماما كما قد يتعلم المتدرب من حرفي ماهر.
في واحدة من الدراسات التي نشرت بدورية أنيمال كوجنيشن، تعلمت طيور الزيبرا من تأمل أعشاش فارغة لرفاقها، وعندما سمح الفريق للطيور (التي أجبرت على رؤية أعشاش فارغة متنوعة)، ببناء أعشاشها الأولى، وجد الباحثون أن الطيور استخدمت مواد من نفس لون العش الفارغ الذي شاهدته، تعلمت وحاكت ما تعلمته، مثلنا بالضبط.
بناء ثقافةبل هناك ما هو أعقد من ذلك. على سبيل المثال، في قلب صحراء كالاهاري الحارقة بجنوب أفريقيا، حيث الرمال الذهبية والرياح الساخنة تتقاذف الغبار، رصد العلماء اختلافات بين جماعات مختلفة من طيور الحبّاك أبيض الحاجب، وكأن كل مجموعة منها تتبع أسلوبا معماريا خاصا بها، لا يشبه غيرها من المجموعات المجاورة، رغم أنها تعيش في نفس البيئة.
هذا ما توصل إليه فريق من علماء الأحياء من المملكة المتحدة وكندا، في دراسة حديثة نسبيا نشرت في أغسطس/آب 2024 بدورية "ساينس" المرموقة، إذ وجدوا أن مجموعات مختلفة من طيور الحبّاك تتبنى "أساليب بناء عش مميزة"، تتوارث عبر الزمن، ما يشبه شكلا من الثقافة.
إعلاناعتمد الباحثون على مراقبة سلوك البناء لدى طائر الحبّاك أبيض الحاجب، الذي يتميز بنمط حياة اجتماعي معقد وسلوك تعاوني ملحوظ. طوال عامين كاملين، راقب الفريق 43 مجموعة مختلفة من هذه الطيور في صحراء كالاهاري، ووثقوا بناء ما يقرب من 450 عشًا.
باستخدام الفيديو والملاحظات الدقيقة، سجل الفريق شكل الأعشاش، وأبعادها، وطول الأنفاق الداخلة والخارجة، وسمك الجدران.
ووجد العلماء أن بعض المجموعات تفضل أعشاشا قصيرة وثخينة، بينما تميل مجموعات أخرى إلى بناء أعشاش طويلة ذات مداخل أنبوبية معقدة، والأهم أن نمط البناء بقي ثابتا داخل كل مجموعة عبر الزمن.
هذه النتائج استبعدت أن تكون الاختلافات بسبب البيئة أو الصدفة، بل يبدو أن لكل مجموعة نمطا هندسيا معماريا مميزا يقلده الأفراد، ويستمر من جيل إلى جيل، ما يعرف في علم السلوك الحيواني "بالانتقال الثقافي غير الجيني".
تعد هذه الدراسة من الأدلة القوية على أن بعض أنواع الطيور لا تكتفي بالوراثة، أو حتى التعلم الفردي، بل تُكون تقاليد سلوكية داخل مجموعاتها، وهذا يضعها في مصاف كائنات قليلة، مثل الشمبانزي والدلافين، والتي تمتلك ثقافة جماعية يتعلمها الأفراد ويتبادلونها، لا عبر الجينات، بل عبر التجربة والملاحظة.
والمثير للانتباه في هذا السياق، هو أن ذلك يفتح الباب للتساؤل عن كيف يمكن أن تظهر "الثقافة" في كائنات صغيرة الدماغ.