أيها الجيش سلاماً .. يقودونك إلى طريق جهنم المتلفز، وما البراء إلا ارهابيين قتلة
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
أيها الجيش سلاماً .. يقودونك إلى طريق جهنم المتلفز، وما البراء إلا ارهابيين قتلة
ياسر عرمان
أشعر بأسف عميق من إنشغال الناس والمدنيين على وجه الخصوص بمماحكات فك الارتباط وهم يتركون القتلة وكتائب الارهاب المسماة زوراً وبهتاناً بكتائب البراء التي تستأسد على الابرياء وتهاجم جماعاتها مدنيين غير مسلحين وتقوم بقتل المئات وتوزع جرائمها المتلفزة على وسائل التواصل الإجتماعي في تطور غير مسبوق لجرائم الحرب في السودان.
يظن قادة الإسلاميين وقادة هذه الكتائب من أمثال أسامة عبدالله وأخواته وإخوته الممتلئين حقداً على ثورة ديسمبر، انهم بذلك سيقضون على كل اثر للمقاومة في نفوس الناس ويطوون ذكر وذاكرة الثورة وهم لا يدركون ان الثورة باقية ما بقي الشعب بل هي طريق الشعب نحو الحياة الكريمة، وعائدة ما عاد الناس إلى منازلهم والإيمان بها كالايمان بالله لا يتزعزع.
الإسلاميون لهم زواج مصلحة مع الفئة العليا من قادة الجيش، قائم على عهد السلطة واكتناز الثروة بلا مباديء أو ذكر لله أو الوطن، عهد غير مأذون ولم يوقع أمام مأذون.
الإسلاميون يعشقون امتطاء ظهر الجيش فهو الحبل السري نحو السلطة ولكنهم يخشون الجيش أيضُا وقد حاولوا حماية انفسهم من الجيش بتعددية جيوش ومليشيات مقابلة ومنافسة للقوات المسلحة وعلاقتهم ملتبسة بالجيش، وقد شهدنا ذلك عن قرب في الفترة الانتقالية في نيفاشا وفي فترة ما بعد ثورة ديسمبر ولديهم جوقة إعلامية للهجوم على قيادة الجيش متى ما استرابوا من امرهم، ومن مصلحتهم ان يظل الجيش على عداء تام مع بنات وابناء شعبه، وأكثر ما يفزعهم ان يقترب الجيش نحو الشعب أو ثورة ديسمبر على وجه الخصوص، ودفع الجيش ثمناً باهظًا في عهد الإنقاذ فصلاً وتشريداً مثله مثل كل مؤسسات الدولة المختطفة، ولم يخلو الجيش في اي وقت من الاوقات من مقاومة الاسلاميين ومحاولتهم لتحويله لجناح عسكري، ويحيطونه اليوم بكتائب الإجرام والارهاب في تحالف قابل للتصدع مثل ما شهد تصدعات في اكثر من محطة تاريخيّة.
الجيش يعاني من خلل بنيوي قديم وجديد ومتعاظم في تكونيه القومي فتركيبة الضباط لا تماثل تركيبة الجنود ولا تعكس التنوع السوداني، وازداد خلله بخوضه لحروب الريف لسنوات طويلة، من قبل شكلٍ الجنوبيين ٢١٪ من قوامه وترتب على ذهاب الجنوبيين بالسماحة والندى ازدياد خلله، ودار فور شكلت ٣٤٪ من قوامه وجبال النوبه ١٣٪ ، وهجر الكثيرون من ابناء هذه المناطق الجيش بحكم حروب الريف وعدم الاهتمام بالفئات الدنيا من منتسبيه، وازداد تشويه الجيش في فترة الإنقاذ التي اعتمدت مبدأ التسييس ومبدأ تعددية الجيوش والمليشيات، شهدت هذه الحرب شهادات ميلاد جديدة للمليشيات وآخرها أورطة كسلا المصنعة في الخارج.
الجيش ومؤسسات السيادة والأمن استحوذت على ٨٠٪ من ميزانية الدولة ولم يتبقى شيء ذو بال للتعليم والصحة والخدمات وتم تدمير الريف والطبقة الوسطى وازدادت أعداد الفقراء والمهمشين، والعطالة وسط الشباب الذين توجهوا نحو حمل السلاح وقد لخص ذلك بذكاء بليغ الراحل جلحة رحمة المهدي رحمة ( نحن ام باقة لا جواز لا بطاقة مكلفين الدولة فوق الطاقة، الميت شهيد والحي مستفيد) ان الدولة التي تهمل الريف وشبابه غير قابلة للحياة.
ان العقيدة العسكرية للجيش لا تقوم على ان السيادة للشعب وان مهمة الجيش هي الدفاع عن سلطة الشعب وسيادة البلاد وقامت العقيدة العسكرية على معادة الحكم المدني الديمقراطي. الحركة الاسلامية لا مصلحة لها في مهنية الجيش او اعادة بنائه، فهي تخشى الجيش المهني والقوي المنحاز للوطن ولا تخشى الله وتحتاج لجيش منحاز للتنظيم والجماعة.
ان تجفيف المقاومة امر مستحيل وقتل كتائب البراء المتلفز للأبرياء والمدنيين يضرب النسيج الاجتماعي في الصميم ويعظم الغبن الإثني والجغرافي ويمزق روابط البناء الوطني وروابط الوطنية السودانية ووحدة المجتمع ومؤسسات الدولة وعلى رأسها القوات المسلحة.
في اليوم التالي لاستعادة الجيش لمدينة ود مدني كتبت مقال بعنوان ( هل قادة الجيش على اعتاب تحويل نصر مدينة ود مدني لهزيمة؟ وهل يسعى الإسلاميون مجدداً لدفع الجيش لطريق لاهاي؟) ان الحركة الاسلامية التي يقودها مطلوبين للجنائية لا تريد لقيادة الجيش ان تبحث عن حلول خارج طريق جهنم الذي حددته وتريد ان تقودهم لطريق الجنائية، ظنًا منها ان المجتمع الدولي سيتصالح معها كما فعل مع بعض الجماعات التي صنفها كجماعات ارهابية مثل ما حدث في سوريا، وهنا يخطيء الإسلاميون في التدقيق في فوارق الجغرافيا السياسية والفرق بين دمشق والخرطوم حينما يتعلق الأمر بالمصالح الدولية.
امام القوات المسلحة فرصة للبحث عن سلام حقيقي ومعافاة وطنية لن تتحقق بمعادة ثورة ديسمبر، فالثورة أعمق وأرسخ من الحرب وأكبر من ارهاب البراء سيما انه ليس البراء ابن مالك الصحابي الجليل بل هو اسامة عبدالله! الحركة الإسلامية دفعت القوات المسلحة نحو الانقلاب وفشل الانقلاب ثم سعت نحو الحرب ودمرت المجتمع والدولة، والشعب يدرك ان الفترة الانتقالية المدنية كانت خيار أفضل من الانقلاب ومن الحرب وما ان يعود المجتمع والدولة إلا ويطال الإسلاميين غضب الشعب ومحاسبته رغم الأكاذيب والجعجعة والسلاح ومن لا يصدق ذلك فليسأل عمر البشير ورهطه، كيف انتهى به المقام حبيساً بدلاً من رئيساً.
الجرائم الواسعة والفظيعة المرتكبة من طرفي الحرب اتخذت عنفاً ممنهجاً ومنظماً وخلفها فكرة داعشية عند كتائب البراء، وعلى الإسلاميين السودانيين اصحاب الفكر الداعشي ان يسألوا أنفسهم اين داعش نفسها؟
من واجبنا القيام بعمل واسع ومنظم في الداخل والخارج يرصد ويوثق ويعمل مع المنظمات الوطنية والاقليمية والدولية لإعلان الحركة الإسلامية وجناحها العسكري في كتائب البراء جماعة ارهابية وعلى قادة الجيش ان يدركوا ان الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة وان تكون لديهم حساسية تجاه الجرائم المتلفزة التي لا تسقط بالتقادم وتفاقم الشقاق الوطني ودوامته مما يُصعب الاتفاق على امكانية بناء القوات المسلحة وفق برنامج وطني جديد متوافق عليه ويثير أسئلة إثنية وجغرافية حول قومية القوات المسلحة وهي أسئلة قديمة ومتجددة عمّقتها جراحات هذه الحرب، ان ما يجري لن يمر إقليمياً ودولياً دون مساءلة ومن مصلحة القوات المسلحة ان تفرز عيشها بعيداً عن عيش الإسلاميين ولو بالتدرج ونحن ندرك المصاعب في هذا الطريق وعلى قيادة الجيش ان تعترف بالجرائم ومعاقبة مرتكبيها.
على الحركات المسلحة المتحالفة مع القوات المسلحة رغم اختلافنا العميق مع توجهاتها، ان تقف ضد جرائم كتائب البراء وارهابها الذي تحكمه بوصلة ذات توجهات إثنية وضد قوى ثورة ديسمبر وستطال هذه الحركات نفسها يوماً ما، وحسناً فعلت حركة تحرير السودان مني مناوي بإدانة بعض هذه الجرائم علناً.
أخيراً نحن في القوى المدنية علينا ان نترك موضوع الحكومة الموازية وفك الارتباط خلفنا، فقد انفك الارتباط ولنرتبط بشعبنا ووطننا وبالثورة السودانية من ١٩٢٤ إلى ديسمبر ٢٠١٩.
*المجد لوحدة السودان وشعبه*
**الثورة أبقى من الحرب* *
*#نعم_لثورة_ديسمبر*
*#لا_لحرب_أبريل*
١ فبراير ٢٠٢٥*
الوسومإرهابيين الجيش كتائب البراء مدنيين ياسر عرمانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: إرهابيين الجيش كتائب البراء مدنيين ياسر عرمان
إقرأ أيضاً:
وداعا أيها الطيب
سلطان بن محمد القاسمي
يأتينا الفقد دائما بطريقة لا نتقن الرد عليها.. لا يقول: استعدوا، ولا يمنحنا مقدمات نهيئ بها أنفسنا للحزن، بل يدخل حياتنا بغتة ثم يغير معالمها.. يسقط أسماء من قوائم الوجود ويضعها في خانة الذكرى، وكأننا نستيقظ على أنفسنا نعيد ترتيب الذاكرة بالقوة.
ولأننا لا نتوقع الفقد من الأشخاص الطيبين، فإننا حين نفقدهم لا نحزن عليهم فقط بل نرتبك ونفقد توازننا معهم. لا نستوعب أنهم غادروا. لا نصدق أنهم لن يعودوا.
مات إدريس...
نعم، أكتبها الآن بعد أن مر وقت كاف على الخبر، لكنني ما زلت لا أقولها دون أن تسبقها في داخلي وقفة.
لم يكن مجرد صديق عابر، بل كان طيفا من الطمأنينة، أحد أولئك الذين يشعرونك أن في العالم أناسا خلقوا فقط ليجعلوه أكثر احتمالا.
ثلاثة فصول دراسية جمعتني به في كلية مزون، لكنها كانت كافية لأدرك أنه ليس عابرا، ولا مجرد اسم في قائمة الزملاء، كان يحمل في صوته دفئا، وفي حضوره سكينة، وفي تصرفاته قدرا عاليا من الذوق الذي لا يُدرّس.
الذين عرفوه عن قرب سيتفقون معي: إدريس لم يكن يتكلف في طيبته، لم يكن يتودد ليُحب، بل كان نقيا بطبعه، مريحا لمن حوله، ودودا دون تزلف، كريم الروح دون ضجيج، كان يملك القدرة النادرة على الحضور بخفة، والغياب بثقل.
كنت ألاحظ كيف يعامل الجميع بذات الروح، لا يفرق بين أحد، ولا يُظهر ميلا أو نفورا، كان يحسن الظن، حتى فيمن لا يحسن إليه، كان يسامح تلقائيا، ويتجاوز كأنه لا يعرف الحقد أصلا.
وذات يوم، وبينما كنا نراجع بعض دروسنا، التفتّ إليه وسألته ممازحا: (إدريس، بتخلص دراسة، وبعدين؟).
فرد ببساطة خالية من التعقيد: (أحلم أن أكون ضابطا، وأنتظر الشهادة بفارغ الصبر، كل شيء يبدأ منها).
كان الحلم يسكن صوته، والصدق يملأ عينيه، لم يكن يقولها من باب الأمنيات العائمة، بل من عمق إيمان حقيقي أنه خُلق لهذا الطريق. كان يرى في الزي العسكري وقارا، وفي خدمة الوطن غاية، وكان ينتظر اللحظة التي يُنادى فيها باسمه في طابور الشرف، مرفوع الرأس، مزدانا بالنجمة.
لكنه غادر قبل ذلك الطابور، رحل إدريس قبل أن تتحقق الأمنية، وقبل أن يرى في عيون والدته فرحة التخرج، وقبل أن يثبت لذاته أنه بلغ ما كان يحلم به.
حين وصلني خبر وفاته، لم أستوعب، ليس لأن الموت بعيد، بل لأن إدريس بالذات كان قريبا جدا من الحياة.
كنا نظن أن أمامه الطريق، وأن بسمته ستمتد معنا لسنوات، وأن الحديث عن مستقبله ما زال طازجا، ما زال مفتوحا، ما زال ينتظر.
في لحظة واحدة، بات حلمه هو الذي يُكتب عنه، لا هو، وبات الدعاء له، هو الطريق الوحيد الذي يوصلنا إليه.
إن إدريس لم يكن شخصا عاديا، كان محبوبا بالفطرة، رقيقا دون ضعف، كريما دون استعراض.
لم يكن مجرد صاحب وجه بشوش أو أخلاق راقية، بل كان نموذجا حيّا لما تعنيه الكلمة حين تقول: رجل خدوم.
ورغم أننا لم نكن نعمل في الجهة نفسها، إلا أنني كنت -بين الحين والآخر- أحتاج إلى إنجاز بعض المعاملات في مكان عمله، وما إن أخبره، حتى يبادر من تلقاء نفسه، دون أن يشعرني بثقل الطلب، أو يطلب توضيحا، أو يعتذر بانشغال.
كان يتعامل مع طلبي كأنه التزام شخصي، ينهي كل شيء بدقة وسرعة، يتابع المعاملة بنفسه، ويعود إليَّ مبتسما كعادته قائلا: تمت، لا تشيل هم
لم يكن ذلك يدهشني وحدي، بل كنت أراه يعامل الجميع بالطريقة ذاتها: خدمة بلا تكلف، ومساعدة بلا مقابل، وبشاشة لا تتغير.
كان إذا حضر في مكانه، شعر الجميع بأن الأمور ستسير كما ينبغي،
وإذا غاب، افتقد الناس تلك الروح التي كانت تحب أن تنجز، لا من باب الواجب الوظيفي، بل من باب النبل الإنساني.
وحين رحل، لم يرحل وحده، بل رحلت معه طمأنينة كنا نراها تتجسد في شخص.
رحلت تلك الابتسامة التي كنّا نلتفت إليها لنطمئن، ورحلت عبارات المجاملة التي لم تكن منه مجاملة، بل خلقًا.
تأملت بعد وفاته، كما يفعل الإنسان كلما ودع أحدا لا يعوض.
عدت أفتش في معنى الفقد، ومعنى الزمن، ومعنى الأعوام التي نعدها وكأنها مُلكنا.
هكذا، فالأيام هي تكوينة الأعوام، والأعوام هي نسيج أعمارنا، وفي كل عام يمضي، نخسر شيئا: مالًا جمعناه، أو رفيقا رافقناه، أو حلما كنا ننسجه سويا ثم انقطع.
وقد نكسب أيضا: رفقة جديدة، معلومة، أو ذكرى تبقى، لكن خسارة النبلاء من أمثال إدريس، لا يُعوّضها شيء.
وحين تمضي الأعوام، لا تعيدهم الأيام، ولا يرجع الزمن إلا في الصور، أو الذكرى، أو على شكل دعاء.
اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل الشهادة التي لم تُسلَّم له في الدنيا وساما في الآخرة، واجعل حلمه الذي لم يتحقق أجرا، اللهم بلغه منازل الصالحين، وارض عنه، واغفر له، واربط على قلوب أهله وزملائه ومحبيه، اللهم اجعل من كل لحظة طيبة عاشها بيننا نورا في قبره، وذكرا في السماء، وشهادة في الملأ الأعلى.
كان إدريس يحلم أن ينادى باسمه في طابور التخرج فناداه القدر أولا، فناديناه نحن في دعائنا، وكلنا يقين أنه قد سمعنا.
رابط مختصر