غوما مدينة الحمم السياسية والبركانية
تاريخ النشر: 1st, February 2025 GMT
غوما مدينة تقع شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، على الشاطئ الشمالي لبحيرة كيفو، وبالقرب من الحدود الكونغولية الرواندية، وذلك ما جعلها مركزا سياسيا وتجاريا إستراتيجيا في المنطقة.
تحيط بها تضاريس بركانية، إذ تقع بين بركاني نيراغونغو ونياموراغيرا النشطين اللذين أثرت ثوراتهما على بنيتها العمرانية واقتصادها المحلي.
وقد شهدت غوما اضطرابات متكررة على مدى عقود، آخرها سيطرة حركة "إم 23" المتمردة في 28 يناير/كانون الثاني 2025 على مطار المدينة، ثم إعلان السيطرة الكاملة عليها بعد معارك عنيفة مع الجيش الكونغولي.
الموقعتقع مدينة غوما في الجزء الشرقي من الكونغو الديمقراطية على الشاطئ الشمالي لبحيرة كيفو وشرق الحدود الكونغولية الرواندية، وهي العاصمة الإدارية لإقليم كيفو الشمالي، وتبعد عن عاصمة البلاد كينشاسا نحو 1500 كيلومتر إلى الغرب.
تبلغ مساحة غوما حوالي 66.45 كيلومترا مربعا، وترتفع عن سطح البحر بنحو 1640 مترا، وتتكون تربتها بشكل أساسي من صخور بركانية. ويحيط بالمدينة بركانان نشطان هما نيراغونغو الذي يبلغ ارتفاعه حوالي 11 ألف قدم، ونياموراغيرا الذي يرتفع نحو 10 آلاف قدم.
وتتميز تضاريس مدينة غوما بانتشار الحمم البركانية، مع وجود بعض المناطق ذات التربة الرملية. وتغطي الأشجار أجزاء واسعة من المدينة.
ويبلغ متوسط درجات الحرارة حوالي 19 درجة مئوية على مدار العام، ويكون موسم الأمطار من مارس/آذار إلى مايو/أيار، ومن سبتمبر/أيلول إلى ديسمبر/كانون الأول.
إعلان السكانتعد مدينة غوما من أكثر المدن الكونغولية اكتظاظا بالسكان، إذ يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة، وقد تدفق إليها وإلى محيطها آلاف اللاجئين الهوتو أثناء حرب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
وتتميز المدينة بتنوعها الثقافي الواسع، ويتحدث سكانها مجموعة من اللغات، من بينها السواحلية والفرنسية، إضافة إلى لهجات محلية.
يعود تاريخ نشأة مدينة غوما إلى القرن 19 الميلادي، حين اكتشفها المستكشف الألماني غوستاف غوتزن عام 1886، أثناء تتبعه مسار أحد المبشرين القادمين من الساحل الشرقي لأفريقيا في طريقه إلى رواندا.
وفي حقبة الاستعمار أصبحت المدينة مستعمرة بلجيكية، وكانت العلاقات بين المستعمرين البلجيكيين والألمان متوترة، فحدثت مواجهات في البداية، أجبرت البلجيكيين على الفرار إلى مدينة بوكافو الكونغولية، وبعد مفاوضات انسحب الألمان إلى رواندا، واستعاد البلجيكيون السيطرة على مدينة غوما.
وقد شهدت المدينة تطورا سريعا، خاصة بعد نقل مقر إدارة المنطقة البلجيكية من روتشورو إلى غوما، مما جعلها مركزا مزدهرا بالتجارة والتعدين.
ومع توسع النشاط الاقتصادي في المدينة، تدفق العديد من سكان المدن المجاورة بحثا عن فرص عمل لدى المستعمرين البلجيكيين، وفي عام 1962 أصبحت عاصمة إدارية لمقاطعة كيفو، ولاحقا في عام 1988 تحولت المقاطعة إلى إقليم إداري.
وفي عام 1994 استقبلت المدينة آلاف اللاجئين الهوتو الفارين من رواندا، ونشبت حربان متتاليتان بين عامي 1996 و2003، واحتلت المدينة حركة "التجمع الكونغولي من أجل الديمقراطية" المعارضة، وتسبب ذلك في نشأة العديد من الجماعات المسلحة وانتشار العنف.
وقد دمرت المدينة بشكل كبير عام 2002 جراء تدفق الحمم من بركان نيراغونغو الذي شهد أكبر ثوران له في ذلك الوقت، أدى إلى أزمة لاجئين.
إعلانوفي عام 2012، سيطرت حركة "إم 23" المتمردة على غوما ومناطق واسعة من إقليم كيفو الشمالي، حتى انتهت في نوفمبر/تشرين الثاني 2013.
وبعد هزيمتها وتراجع نشاطها، عادت الحركة مجددا وسيطرت على طرق التجارة الغربية من مدينة غوما، مما أسفر عن تزايد الاشتباكات مع الجيش الكونغولي في فبراير/شباط 2024.
وفي 29 يناير/كانون الثاني 2025، بسطت حركة "إم 23" سيطرتها على غوما بعد وقت قصير من احتلالها مطار المدينة، في معارك أسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، بينهم عناصر من القوات الأممية.
واتهمت الكونغو الديمقراطية رسميا جارتها رواندا بإرسال قوات إلى غوما لدعم المتمردين ونهب الثروات الطبيعية بالمنطقة، بينما ردت رواندا بأن القتال الجاري في المنطقة يهدد أمنها، من دون أن تؤكد بشكل مباشر إذا كانت قواتها موجودة في الكونغو.
تعجّ مدينة غوما بالعديد من المعالم البارزة، ومنها:
مطار غوما الدوليمطار غوما الدولي من أبرز المطارات في الكونغو الديمقراطية، ويشكل بوابة مهمة نحو شرق البلاد، ويربط المدينة بعدد من الوجهات المحلية والدولية.
وبفضل موقعه الإستراتيجي بالقرب من الحدود مع رواندا، يسهم المطار بشكل كبير في تعزيز التجارة والسياحة وكذلك الجهود الإنسانية في المنطقة.
وتعرض المطار لأضرار كبيرة ناتجة عن ثوران بركان نيراغونغو عام 2002، إذ غطت الحمم البركانية ما يصل إلى 6 أمتار من المدرج. وأعيد تأهيله عام 2015، بتمويل من وزارة الخارجية الألمانية.
ويوم 28 يناير/كانون الثاني 2025، سيطرت حركة "إم 23" المتمردة على المطار بعد أسابيع من التقدم العسكري في المنطقة.
بحيرة كيفوبحيرة كيفو من أكبر البحيرات المتصدعة في أفريقيا، وتقع على الحدود بين رواندا والكونغو الديمقراطية، وتغطي مساحة 2700 كيلومتر مربع.
إعلانتضم البحيرة العديد من الجزر، أكبرها جزيرة إيدجوي، وأدت الضغوط الناتجة عن تحركات الصفائح التكتونية إلى ترقّق في القشرة الأرضية، أثار نشاطا بركانيا، نتجت عنه ينابيع ساخنة تحت سطح البحيرة.
بحيرة كيفو غنية بالأسماك المتنوعة، إضافة إلى كميات كبيرة من غاز الميثان المذاب الذي يستخدم مصدرا للطاقة، وهي من أبرز الوجهات السياحية في غوما بفضل مناظرها الطبيعية الخلابة، كما أن شاطئها مكان مثالي للاسترخاء.
تمتد محمية فيرونغا الوطنية على مساحة 790 ألف هكتار، وتتميز بتنوع بيئي فريد يتضمن سهوبا وسهولا وسافانا وأراضي رطبة وغابات جبلية أفريقية، إضافة إلى غطاء نباتي أفريقي جبلي مميز وحقول جليدية في جبال رونزوري التي يتجاوز ارتفاع قممها 5 آلاف متر.
تضم المحمية جبال رونزوري وجبال فيرونغا، التي تحتضن أكثر بركانيين نشطين في أفريقيا. وأدى التنوع البيئي الكبير إلى تنوع بيولوجي استثنائي يضم حيوانات نادرة مهددة بالانقراض منها غوريلا الجبال.
تقع محمية فيرونغا في قلب صدع ألبرتين، وهو جزء من وادي الصدع العظيم، وأدت الأنشطة التكتونية إلى ظهور سلسلة جبال فيرونغا في جنوب المتنزه.
وتحتضن المحمية 218 نوعا من الثدييات، و706 أنواع من الطيور، و109 أنواع من الزواحف، إضافة إلى 78 نوعا من البرمائيات.
جبل نيراغونغويقع جبل نيراغونغو في منطقة بركانية بمحمية فيرونغا الوطنية، على بعد 19 كيلومترا شمال غوما. ويبلغ ارتفاعه نحو 11 قدما، ويحتوي على فوهة بركانية ضخمة بعرض كيلومترين، وعمق يصل إلى 820 قدما.
اشتهر الجبل بثورانه البركاني المدمر، إذ أسفرت الحمم عن مقتل آلاف الأشخاص، وتدمير القرى المجاورة لمدينة غوما، إضافة إلى تشريد مئات الآلاف.
موقع غوما على الحدود مع رواندا جعلها مركزا سياسيا وتجاريا مهما، وأسهمت تربتها البركانية الخصبة في تعزيز النشاط الزراعي في المنطقة.
إعلانكذلك تتمتع غوما بموقع إستراتيجي بالقرب من مدن التعدين الكبرى التي تستخرج معادن ثمينة مثل الذهب والقصدير والكوبالت والكولتان، مما يعزز قطاع التجارة في المدينة.
أصبحت غوما وجهة سياحية مهمة مع تأسيس محمية فيرونغا الوطنية التي تعد من أقدم المتنزهات في أفريقيا.
وتستضيف غوما قاعدة كبيرة لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وذلك يعزز من أهميتها الدولية ويجذب العديد من الشركات والمنظمات الدولية، إضافة إلى قنصليات وبعثات دبلوماسية.
وقد أثرت النزاعات المسلحة والبطالة والفقر على اقتصاد المدينة، فأعاقت هذه الأزمات تطوير البنية التحتية، وأثرت سلبا على الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الکونغو الدیمقراطیة مدینة غوما فی المنطقة العدید من إضافة إلى فی عام
إقرأ أيضاً:
من مكةَ إلى المدينةِ: رحلةُ بناء أمة
حنين البطوش
استشارية نفسية أسرية وتربوية
تُطلّ علينا الهجرةُ النبويةُ الشريفةُ كلّ عامٍ حاملةً معها عبقَ التاريخِ وجلالَ الإيمانِ، حاملةً معها بشائرَ الفجرِ ونورَ الأملِ، من تاريخٍ عريقٍ يزخرُ بالعزةِ والجلالِ لتُذكّرَنا بدروسٍ وعظاتٍ وإضاءةٍ للأجيالِ ، كشمسٍ هُدًى تُنيرُ دروبَنا، وتُرشدُنا إلى طريقِ الخير والصلاح ،لتُعلّمُنا معنى الإيمانِ والصبرِ والتضحيةِ في سبيلِ الله تعالى.
إنّ قراءةَ قصةِ الهجرة ليست مجرّد سطورٍ تَسردُ أحداثًا تاريخيّةً مضى عليها الزّمنُ، بل هي قراءةٌ عميقةٌ لدروسٍ عظيمة وإضاءةٌ للأجيالِ المتعطشة للمعرفةِ والثقافةِ الصافيةِ ،ففي رحلةِ الهجرةِ المباركةِ جسّدَ النّبيّ وصاحبُهُ أبو بكرٍ الصديقُ رضي الله عنه منهجًا ربّانيًا جمعَ بينَ معرفةِ الحقّ وسلوكِ طريقهِ.
تُمثّلُ الهجرةُ النبويةُ المباركةَ منارةً تُضيءُ دروبَنا، وتُقدّمُ لنا عبرًا ودروسًا مدى الحياة، فقد واجهَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابهُ الكرامُ في رحلةِ الهجرةِ أشدّ المحنِ، إلّا أنّ إيمانَهم الراسخَ وصبرَهم الجميلَ كانا سلاحَهم في وجهِ كلّ الصعاب وتُمثّل الهجرة الشريفة حدثًا فارقًا ومحورياً في تاريخ الإسلام، حيث شكّلت رحلة بداية الفتح سطرها التاريخ من مكة إلى المدينة نقطة تحولٍ هامة وحاسمة في مسيرة الدعوة الإسلامية، ونقلتها من مرحلة السرية إلى مرحلة العلانية، ومهّدت الطريق لبناء دولةٍ إسلاميةٍ قويةٍ قائمةٍ على أسسٍ من العدل والمساواة والإخوة ،وبدايةً لتأسيس الدولة الإسلامية، ونشر رسالة التوحيد والعدل في الأرض.
من المهم أن نؤكد على أن هجرة النّبيّ الكريم لم تكن بدافعٍ الهروب أو الخوف من المشركين أو الرغبة في الشهرة أو الجاه أو السّلطة ، بل كانت استجابةً لأمرٍ الله ،سعى فيها بكلّ ما أوتي من قوّةٍ لنشرِ دعوةِ اللهِ تعالى، وإبلاغِ رسالتهِ السمحةِ ،حيث واجهَ في سبيلِ ذلك العداءَ والمقاومةَ من قريشٍ، إلّا أنّهُ لم ييأسْ ولم يتراجعْ، بل واصلَ مسيرتَهُ بِعزيمةٍ وإصرارٍ ،لتعلن نهاية عهد الاستبداد وبداية فجر مشرق وعهد مجيد من هناك ،من يثرب انبثق نور الدعوة المحمدية قويا وضاء فبدد الظلمات وجاز ما اعترضه من عقبات ،فقد واجهَ النّبيّ وأصحابهُ الكرامَ في بدايةِ دعوتهم الإسلاميّةِ في مكةَ أشدّ أنواعِ الأذى والاضطهادِ من قبلِ قريشٍ، ممّا دفعَ اللهَ تعالى إلى الأمرِ بالهجرةِ إلى المدينةِ المنورةِ.
ومن هنا شكّلتْ هذهِ الهجرةُ بدايةَ عهدٍ جديدٍ يُعرفُ بالعهدِ المدنيّ، بعدَ عهدٍ مكّيٍّ حافلٍ بالتحدياتِ والصبرِ ،تميّزَ بِتركيزِ النّبيّ على نشرِ دعوةِ الإسلامِ سرًّا، وذلك في ظلّ مضايقاتٍ شديدةٍ من قريشٍ ومشركي العربِ ، فقد تعرّضوا إلى التّنكيلِ والمضايقاتِ، والضّربِ والإهاناتِ، والحصارِ الاقتصاديّ، بل ومحاولاتِ القتلِ ،ولكنْ ورغمَ كلّ ما واجههُ النّبيّ وأصحابهُ من شدائدَ ومحنٍ، إلّا أنّهم ثبتوا على إيمانِهم بدينِ اللهِ، ولم يضعفْ عزيمتُهم، ولم ينحنِوا أمامَ الضّغوطِ ،رافضون أن يرجعوا إلى عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر شيئا ،تاركين وراءهم كلّ ما يملكونَ، إيمانًا منهم بِاللهِ تعالى وتصميمًا على نشرِ رسالتهِ.
حيث بدأتْ مرحلةٌ جديدةٌ تُعرفُ بالعهدِ المدنيّ ،تميّزَ هذاَ العهدُ بتأسيسِ الدولةِ الإسلاميةِ ونشرِ الإسلامِ بشكلٍ علنيٍّ ، وقد سعى المشركون بكل عزمهم وأموالهم أن يصدوا الناس عن دين الحق، وأن يوقفوا مسيرة الإيمان والتوحيد، ولكن جهودهم ذهبت أدراج الرياح وانتصر الحق وارتفع نداء التكبير.
يُجسّدُ موقفُ الرسولِ صلّى الله عليه وسلّم بعدَ عودتهِ من الطائفِ أروعَ مَثالٍ على ثقتِهِ المطلقةِ باللهِ عزّ وجلّ وتوكّلهِ عليهِ سبحانه وتعالى ، فبعدَ تعرّضِهِ لأقسى أنواعِ الرّدّ من الأقوام في الطائفِ لم ييأسْ ولم ينكسرْ، بل ظلّ مُؤمناً برسالتِهِ وواثقاً بنصرِ اللهِ تعالى ، وعندما عرضَ عليهِ جبريلُ عليه السلامُ خيارَ العقابِ لقومهِ، رفضَ صلّى الله عليه وسلّم ذلك، وأظهرَ بصيرتَهُ النبويةَ الثاقبةَ حينَ طلبَ من اللهِ تعالى أن يُخرِجَ من أصلابِ قومهِ من يُعبدُهُ وحدهُ لا يُشركُ به شيئاً.
لم يكنْ نبيّنا الكريمُ مُعلّمًا فحسبُ، بل كانَ بانيَ أمةٍ متماسكةٍ قويةٍ قائمةٍ على أسسٍ من الإيمانِ والحكمةِ ،فقد استطاعَ بحكمتهِ الواسعةِ وإرشاداتهِ البليغةِ العظيمةِ أن يُوحّدَ القلوبَ ويُجمّعَ الطاقاتِ ، ويوجّهَها نحوَ الخيرِ ونشرِ المعرفةِ النقيّةِ والمبادئِ الساميةِ والمفاهيمِ الراقيةِ ،كانَ صلّى الله عليه وسلّم يُوصي أصحابهَ الكرامَ بالتوادّ والتّعاطفِ والتّراحُمِ، وأنْ يشدّ بعضُهم أزرَ بعضٍ ، فكانَ يُعلّمُهم أنّ المؤمنينَ كالجسدِ الواحدِ ،إذا اشتكى منهُ عضوٌ تداعى لهُ سائرُ الجسدِ بالألمِ ،وكان يُحذّرُ أصحابهَ من الغلوّ في الدّينِ، ويُبيّنُ لهم أنّ الغلوّ هلاكٌ وخسرانٌ ،فقد كانَ يقولُ:”إيّاكم والغلوّ في الدّينِ فإنّما هلك من كان قبلكم بالغلوّ في الدّينِ” ،إنّ المبادئَ والقيمَ التي غرسَها النّبيّ في أصحابهِ هي مبادئُ لا تزالُ صالحةً لكلّ زمانٍ ومكانٍ ،فهي تُشكّلُ الأساسَ المتينَ لبناءِ مجتمعٍ مُسلمٍ متماسكٍ قويٍّ، ينعمُ بالخيرِ والسّلامِ والازدهارِ.
نرى للأسف الشديد إنّ أصحابَ التّطرفِ والغلو ، يُسيئونَ إلى الإسلامِ ويُشوّهونَ صورتهِ أمامَ الجميع، فبدلًا من أنْ يُقدّموا الإسلامَ كدينِ رحمةٍ ومحبّةٍ ،يُقدّمونهُ كدينِ عنفٍ وكراهيةٍ ، فالحلّ يكمنُ في العودةِ إلى سيرةِ النّبيّ والاقتداءِ بهِ في كلّ شيءٍ ،فبِالاقتداءِ بهِ نستطيعُ أنْ نُنشرَ الإسلامَ الحقيقيّ، الإسلامَ الذي يقومُ على الرحمةِ والمحبّةِ والتّسامحِ ، ولا مكانَ فيهِ للظلم .
تحوّلَ “غارُ ثورٍ” إلى مدرسةٍ تُعلّمُ الصّبرَ وتُرشدُ إلى السعادةِ ،ففي ذلك الغارِ المباركِ ،واجهَ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وصاحبُهُ أشدّ المحنِ ،إلّا أنّ إيمانَهما باللهِ تعالى وثقتَهما بنصرهِ صبّرتْ قلوبَهما وأضاءتْ دروبَهما ،كانتْ كلماتُ اللهِ تعالى شفاءً لِجروحِ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في أشدّ لحظاتِهِ غمّةً، حينما قالَ لهُ أبو بكرٍ رضي الله عنه: “لا تحزنْ إنّ الله معنا” ،إنّ عقيدةَ “إنّ الله معنا” هي البوصلةُ التي تُرشدُ المؤمنَ في مسيرةِ حياتهِ، وتُؤكّدُ لهُ أنّ اللهَ تعالى هو حافظُهُ وناصرُهُ، وعليهِ يتّكلُ.
هجرتك يا رسول الله درس يسطره التاريخ شمساً منيرة ترشد وتهدي ،تُعلّمُنا أنّ الحقَّ لا يُمكنُ التّنازلُ عنهُ مهما كانتِ التّضحياتُ، وأنّ الصّبرَ والمثابرةَ هما طريقُ النّجاحِ ،وأنّ التّوكّلَ على اللهِ تعالى هو أساسُ القوّةِ والعزيمةِ ،هجرة بأمر الله لنشر الخير ، فسرت في ركب العزيمة، وحملت لواء الدين ،وتآخى الناس تحت راية الحب في الله مهاجرين وأنصارا ،وأن كانت الدنيا قد فرقتهم إلا أن الآخرة قد جمعتهم ،وكلهم رجاء أن يلقوك فيها، ويحشروا تحت لوائك، ويشربوا من حوضك، وتكون أنت إمامهم فيها كما كنت إمامهم في حياة خرجوا منها مؤمنين موحدين.
إنّنا في أمسّ الحاجةِ إلى توحيدِ صفوفِنا ونبذِ الفرقةِ والتّباعدِ بينَنا ،فالمرحلةُ التي نمرّ بها تتطلّبُ منّا تضافرَ الجهودِ وتعاونًا وثيقًا بينَ جميعِ فئاتِ الأمّةِ ،لمواجهةِ المخاطرِ والتحدياتِ التي تُحيطُ بنا ، لنشرِ الخيرِ والصّلاحِ في المجتمعِ ،فالمسلمُ مسؤولٌ عن أخيهِ المسلمِ، وعليهِ أنْ يبذلَ كلّ ما في وسعهِ لمساعدةِ المحتاجينَ ونصرةِ المظلومينَ ،ولا بدّ لنا من التّعاونِ في وجهِ منْ يريدُ الشرّ والفتنةَ بينَنا ،فالمؤمنُ لا يهجمُ على أخيهِ، ولا يحسدهُ على ما آتاهُ اللهُ، ولا يفرحُ لِمصيبتهِ ،سائلين المولى أنْ يسدّدَنا وأنْ يوفقّنا لما فيهِ خيرُ هذهِ الأمّةِ، وأنْ يوحدَ كلمتَنا تحتَ رايةِ الحقّ والعدلِ.