تماسك الجبهة الداخلية حائط الصد فى مواجهة مخططات التهجير
تاريخ النشر: 2nd, February 2025 GMT
لا تزال القضية الفلسطينية محورًا رئيسيًا فى معادلة الاستقرار الإقليمى، وتظل مصر فى طليعة الدول التى تتحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه الشعب الفلسطينى، ومع تصاعد العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، تتزايد الضغوط السياسية والإنسانية، وتطفو على السطح مجددًا محاولات الترويج لحلول كارثية، أبرزها التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، وهى التصريحات التى تبناها الساسة الإسرائيليون على مدار الـ 15 شهرا الماضية – منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع غزة- ووصلت ذروتها بإطلاق الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب دعوة لمصر والأردن لاستقبال عدد من أهالى قطاع غزة، وهو ما قوبل برفض قاطع، خاصة من الجانب المصرى الذى يدرك خطورة مثل هذه الطروحات وما قد يترتب عليها من تداعيات تمس الأمن القومى والاستقرار الإقليمى.
وفى ظل هذه التحديات، يصبح تماسك الجبهة الداخلية فى مصر ضرورة لا غنى عنها لمواجهة أى محاولات لفرض حلول تتعارض مع المصالح الوطنية، فقد أثبتت التجارب السابقة أن الأزمات الكبرى لا يمكن تجاوزها إلا من خلال موقف شعبى ورسمى موحد، وهو ما يظهر بوضوح فى تعاطى مصر مع القضية الفلسطينية، فلطالما كانت مصر مستهدفة بضغط دولى مكثف، سواء لدفعها نحو قبول مشاريع لا تتماشى مع الثوابت الوطنية، أو للعب دور يتجاوز حدود الوساطة السياسية ليصل إلى تحمل أعباء لا تخصها. ومع ذلك، ظل الموقف المصرى ثابتًا فى مواجهة مثل هذه الضغوط، وهو ما يعكس مدى الوعى الشعبى بأهمية هذه القضية كجزء لا يتجزأ من الأمن القومى المصرى.
إن رفض مصر القاطع لأى محاولات لتهجير الفلسطينيين ليس مجرد موقف سياسى، بل هو التزام استراتيجى يستند إلى قناعة راسخة بأن المساس بالتركيبة السكانية فى فلسطين سيؤدى إلى تداعيات كارثية على المنطقة بأكملها، وهذا ما يجعل مصر فى مقدمة الدول التى تحذر من مغبة اتخاذ مثل هذه الخطوات غير المحسوبة، والحقيقة أن الموقف المصرى لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لدور طويل لعبته القاهرة فى الدفاع عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948 وحتى اليوم، فرغم تعاقب الإدارات والحكومات، ظل الموقف المصرى ثابتًا فى دعم حقوق الفلسطينيين، سواء من خلال المواقف الدبلوماسية أو الدعم الإنسانى أو الجهود السياسية المستمرة.
وخلال العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة، كانت مصر فى صدارة الدول التى تحركت لاحتواء الأزمة، حيث فتحت معبر رفح لاستقبال المصابين، وأرسلت قوافل المساعدات الإنسانية، فضلًا عن دورها فى المفاوضات الرامية إلى وقف إطلاق النار، ولم يقتصر الموقف المصرى على الجانب الإنسانى فقط، بل امتد إلى تحركات سياسية ودبلوماسية مكثفة لوقف العدوان الإسرائيلى ومنع تنفيذ مخطط التهجير القسرى.
ويجب على الجميع أن يدرك أن الرفض المصرى لفكرة تهجير الفلسطينيين لا ينبع فقط من اعتبارات سياسية، بل يستند إلى حقائق جيوسياسية واستراتيجية، من بينها خطورة تفريغ القضية من مضمونها، خاصة أن تهجير الفلسطينيين سيحول القضية من صراع سياسى إلى مجرد أزمة لاجئين، وهو ما يخدم الأجندة الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على أى أمل فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بالإضافة إلى كونه تهديد صريح للأمن القومى المصرى باعتباره محاولة لفرض واقع جديد على الحدود المصرية وهو ما سيكون له انعكاسات خطيرة على الاستقرار فى سيناء والمنطقة بأكملها، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع.
ويجب على حلفاء إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية أن يدركوا أن محاولة التهجير القسرى للفلسطينيين ستؤدى إلى زعزعة استقرار المنطقة، وموجة جديدة من التوترات فى الشرق الأوسط، وهو ما سيفتح الباب أمام المزيد من الصراعات التى قد تمتد إلى دول أخرى، لذلك يصبح تماسك الجبهة الداخلية المصرية هو السلاح الأهم لمواجهة الضغوط الخارجية والمخططات التى تهدف إلى فرض حلول غير عادلة للقضية الفلسطينية، فالوعى الشعبى بدقة المرحلة الراهنة، والدعم الذى تحظى به القيادة المصرية فى موقفها الرافض لأى تهجير قسرى للفلسطينيين، يشكلان معًا جدارًا منيعًا أمام أى محاولات لتغيير مسار الأحداث بما يخالف الحقوق الفلسطينية المشروعة.
وختاما.. ستظل مصر، كما كانت دائمًا، داعمًا أساسيًا للقضية الفلسطينية، وستواصل جهودها للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى، مهما كانت التحديات، فالقضية الفلسطينية هى جزء أصيل من الأمن القومى العربى، ومصر تدرك تماما أن أى تنازل فى هذا الملف يعنى فتح الباب أمام مخاطر أكبر لا يمكن التهاون معها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: النائب حازم الجندي القضية الفلسطينية طليعة الدول مسؤوليتها التاريخية الشعب الفلسطينى القضیة الفلسطینیة الموقف المصرى وهو ما
إقرأ أيضاً:
عيد الجلاء يتجدد وحضرموت تواجه مخططات الهيمنة
شاهر أحمد عمير
في مرحلة تتكاثر فيها مشاريع الهيمنة وتتصاعدُ فيها محاولات إخضاع المنطقة لسطوة الدول الكبرى، يبرز الموقف اليمني بوصفه واحدًا من أكثر المواقف وضوحًا وثباتًا في وجه السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وسياسات النظامَينِ السعوديّ والإماراتي وكل من عاونهم.. هذا الموقف لم يُبْنَ على شعارات عابرة، بل على قراءة واعية لطبيعة الصراع، وعلى إدراك عميق بأن اليمن اليوم يقف في خندق يلامس هُويته وكرامته وسيادته.
لقد حاولت قوى النفوذ أن تفرض على اليمنيين واقعًا مفصّلًا على مقاس مصالحها، غير أن اليمنيين أثبتوا أن وعيَ الشعوب أقوى من كُـلّ محاولات الالتفاف، وأن شراء الولاءات أَو صناعة وكلاءَ لن ينجح أمام شعب قدّم من التضحيات ما يكفي ليعرفَ طريقَه.
ويمتدُّ هذا الثباتُ إلى البُعد الحضاري والأخلاقي في الوعي اليمني؛ إذ يجدُ اليمنيون في تمسُّكهم بأعلام الهدى من آل البيت عليهم السلام امتدادًا لقيم العدل والكرامة ورفض الانكسار.
وفي هذا السياق التاريخي، خرج الشعبُ اليمني في ميدان السبعين وكل ميادين المحافظات الحُرَّة، في مشهد مليوني مهيب ليحيي ذكرى 30 نوفمبر، يوم الجلاء، يوم خروج آخر جندي بريطاني من اليمن.
هذا الخروج الشعبي لم يكن مُجَـرّد احتفال مناسباتي، بل رسالة واضحة بأن اليمني الذي طرد المحتلّ بالأمس قادر على مواجهة أي وصاية جديدة اليوم، وأن روح التحرّر التي صنعت ذلك النصر لا تزال حاضرة، تتجدد كلما حاول محتلّ جديد أن يفرض نفسه على أرض اليمن أَو على قرار شعبه.
وفي الوقت الذي يحتشد فيه ملايين اليمنيين احتفالا بيوم الاستقلال وطرد آخر جندي بريطاني من اليمن، تسعى اليوم ميليشيات الاحتلال الإماراتي والسعوديّ في حضرموت إلى تكرار سيناريوهات الهيمنة والسيطرة ونهب الثروات.
فالمحتلّ الذي خرج من اليمن قبل عقود، يحاول بنسخ جديدة أن يعود بثيابٍ مختلفة.
تشهد محافظة حضرموت تسابقًا واضحًا بين القوى الداعمة للاحتلال على بسط النفوذ والسيطرة على مناطق النفط والغاز، في محاولات مكثّـفة لفرض واقع استعماري جديد يهدف إلى تدمير المحافظة وتفتيت نسيجها الاجتماعي، ودفع أبناء حضرموت للدخول في صراعات داخلية تخدم تلك القوى، وتسهّل عليها نهب الثروات تحت غطاء الفوضى والانقسام.
وما يجري في حضرموت اليوم ليس صراعًا محليًّا كما تحاول تلك الأطراف تصويره، إنما هو جزء من مخطّط يشارك فيه المحتلّ الإماراتي والسعوديّ والأمريكي لجَرِّ المحافظة إلى حروب داخلية تستنزف أبناءها وتُشغل اليمنيين عن حقوقهم وثرواتهم.
وفي اللحظة التي يحتفلُ فيها الشعب اليمني بذكرى طرد المحتلّ البريطاني، يتسابق المرتزِقةُ لخدمةِ المحتلّ الجديد، كأن التاريخَ يعيد نفسَه لكن بوجوه وأعلام مختلفة.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن هذا الشعبَ لا يفرّط في وطنه، ولا يتنازل عن دينه، ولا يخون علمه، ولا يترك قائده مهما اشتدت التضحيات.
والولاء لقيادة ميدانية وشعبيّة مثل السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله ليس ولاءً لشخص بقدر ما هو ولاءٌ لمشروعٍ مقاوِم أثبت صلابته في أصعب الظروف.
وعلى خلاف تجارب شعوب أُخرى تراجعت أمام التحديات، رفض اليمنيون تكرار نموذج الاستسلام الذي قال فيه بنو (إسرائيل) لموسى عليه السلام: “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون”.
فقد أعلن اليمنيون موقفًا نقيضًا ومشرقًا، ليقولوا لقائدهم السيد القائد عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله: “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم”، مؤكّـدين أن المعركة معركة شعب وليست معركة قائد، وأن المسؤولية مشتركة لا يتهرب منها أحد.
ومع تصاعد التوترات الإقليمية، تكشّف للجميع أن المراهنة على كسر إرادَة اليمنيين لم يكن فقط خطأً سياسيًّا، بل سوء تقدير لطبيعة مجتمع يعرف قيمة العزة.
فكلما زادت الضغوط، زاد التماسك الداخلي، وكلما توسع التدخل الخارجي، اتسعت دائرة الوعي الشعبي بخطورة الارتهان.
واليوم بات اليمن رقمًا صعبًا في حسابات المنطقة، لا يُتجاوز ولا يُتعامل معه بمنطقِ الوصاية الذي كان سائدًا في العقود السابقة.
إن الخطاب اليمني الرافض للهيمنة الخارجية هو خطاب رؤية ومسؤولية، لا خطاب احتجاج.
رؤيةٌ تؤكّـد أن السيادةَ لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الشعوبَ التي تتمسك بمبادئها قادرةٌ على تغيير مسار التاريخ.
وبذلك يتأكّـد أن اليمنيين ليسوا فقط في موقع الدفاع عن أرضهم، بل في موقعِ الدفاع عن مستقبلهم ومستقبل المنطقة، وأنهم مستعدون ليكونوا في الصفوف الأولى، لا يتهرَّبون من الموقف ولا يتراجعون عن الكرامة.
فهذه المواقف لا تصنعها الصدفة، بل يصنعها تاريخ طويل من الإيمان والعزة والثبات.