أحيانًا أصلي بالفاتحة فقط دون سورة بعدها.. فهل صلاتي صحيحة؟
تاريخ النشر: 6th, February 2025 GMT
أوضح الشيخ محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن نسيان أو ترك قراءة السورة بعد الفاتحة في الصلاة لا يؤثر على صحتها، مؤكدًا أن قراءة السورة بعد الفاتحة ليست فرضًا ولا ركنًا من أركان الصلاة، وإنما هي من هيئات الصلاة، وبالتالي فإن من نسيها أو تركها عمدًا فصلاته صحيحة تمامًا ولا تبطل.
وفي السياق نفسه، أكدت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية، ردًا على سؤال حول حكم قراءة سورة قصيرة بعد الفاتحة عند الاقتداء بالإمام في الركعة الثانية، أن المصلي يتم صلاته على ما تبقى منها، مستشهدة بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، مضيفةً أنه إذا أدرك المأموم ركعة واحدة مع الإمام، فإنه يقضي ما تبقى من صلاته بعد سلام الإمام، ويضيف سورة بعد الفاتحة في الركعة الثانية فقط، دون الحاجة إلى قراءتها في بقية الركعات.
وأوضحت اللجنة أن جمهور العلماء يرون أن قراءة السورة بعد الفاتحة سنة، ولا تبطل الصلاة بتركها سواء كان ذلك عمدًا أو سهوًا، مستشهدة بقول الإمام النووي إن ذلك سنة عند جميع العلماء، وكذلك ما ذكره ابن قدامة في أنه يُسنّ قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من كل صلاة.
حكم الصلاة بدون قراءة الفاتحة
بدوره، شدد الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء، على أن قراءة الفاتحة ركن أساسي في الصلاة، مستندًا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وأكد أن من ترك قراءة سورة بعد الفاتحة، فصلاته صحيحة تمامًا ولا يلزمه سجود السهو، لأن تركها لا يؤثر على صحة الصلاة.
من جهته، أوضح الشيخ عويضة عثمان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن من السنة قراءة ما تيسر من القرآن بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين من الصلوات الرباعية، مشيرًا إلى أنه يجوز للمصلي أن يقتصر على آية واحدة فقط بعد الفاتحة، كما يجوز له أن يقرأ سورة كاملة أو جزءًا منها.
وأضاف عثمان أن في صلاة المغرب، يُفضل التخفيف في القراءة بعد الفاتحة، لكنه أكد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ أحيانًا في المغرب بسور طويلة مثل "المرسلات" و"الطور"و"الأعراف"، مما يدل على أن الأمر واسع.
حكم قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة
وفيما يتعلق بقراءة سورة بعد الفاتحة في الركعتين الثالثة والرابعة، أشار عثمان إلى أن بعض العلماء كرهوا ذلك، وذهبوا إلى الاكتفاء بالفاتحة فقط، بينما أجاز الإمام الشافعي في مذهبه الجديد قراءة سورة بعد الفاتحة في الركعات الثالثة والرابعة، بل استحب ذلك.
وبناءً على ما سبق، فإن الصلاة بالفاتحة فقط دون سورة بعدها صحيحة تمامًا، سواء كان ذلك عمدًا أو نسيانًا، ولا يؤثر ذلك على صحة الصلاة بأي شكل من الأشكال.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء المزيد قراءة سورة بعد الفاتحة فی بعد الفاتحة فی الرکعتین
إقرأ أيضاً:
قراءة التاريخ وعلاقته بالواقع.. رفاهية أم ضرورة؟
حين طلب مني الأصدقاء من إحدى المنصات أن أكتب المقالة الافتتاحية لمشروعهم التنويري النبيل، تقافزت أمامي كل الكتب والمقالات والقصص والمقاطع اليومية، لم يكن ما يتقافز أمامي كلماتٍ أو حروفًا؛ بل مصائر أناسٍ يعبث بهم ساسةٌ انتقلوا من الاهتمام بالمصير الجمعي، إلى النفع الشخصي، فترّدت أحوال الناس -الصعبة أساسًا- وبدأت تفقد الدول هويتها الراسخة وتذوب فـي الهويات الجديدة، ليقف المرء أمام حضارةٍ ضاربةٍ فـي القدم متسائلًا بذهولٍ يشبه ذهول المجنون الذي لا يصدق ما تراه عيناه: «أهذه حضارة كذا وكذا أم مسخ سينمائي مصغَّر؟».
إنني أُشبّه الأمة بالأرض والشجر؛ فالأرض الطيبة الخصبة تُنبت النباتات النافعة للبلاد والعباد، ولكنها لا تخلو من الحشائش الضارة التي يواظب المزارع المجتهد على اقتلاعها. وليست كلمة الاقتلاع هنا مجازيَّةً؛ لأن الحشائش الضارة -كما هو معروف عند أهل الزراعة- كالهيدرا ذات الرؤوس التسع، تتكاثر إن تم تقليمها، لكن نسبة الخلاص منها عالية إن حرص المزارع على اقتلاعها من جذورها. وهكذا المثقف الحقيقي فـي كل أمةٍ وأيةِ ثقافةٍ، يقتلع جذور الأفكار الخبيثة ويدركها ويعرفها بعينه الفاحصة وعقله المتقد الذي يرى جذور الشجرة العملاقة، ولا تُخلبه أغصانها الكثيفة أو جذعها الضخم الفارع، بل يرى ما تحت التراب ومبدأ البذرة الأولى فـي مهدها الأول.
كيف نقرأ التاريخ إذن؟ وما السياقات التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم؟ وهل للأحداث التي تحدث اليوم جذور تاريخية أم أنها مُنبتَّةٌ عن تلك الجذور؟
إن التاريخ فـي كل البلدان واحدٌ لا يتغير مهما تغيرت الأزمان والأدوات، فالتاريخ هو هو مذ بدأت الخليقة؛ غالبٌ ومغلوبٌ، منتصرٌ وخاسرٌ، قاتلٌ ومقتولٌ، مُسْتَبِدٌّ ومظلومٌ، فما الجديد؟
لقد تغير كل شيء مع معرفة الإنسان، ولذلك تبوأت المعرفة والعلم مكانةً فـي كل الحضارات والأديان، والعلم هنا ليس بمعناه الإنجليزي -Science- فحسب، بل يتعدى ذلك إلى المعرفة بمفهومها الواسع ومشاربها المتعددة. فمذ بدأت المعرفة تتغلغل فـي الأرواح البشرية، لم تعد الحياة مقتصرة على المَعاش والمَأكل والمشرب، لقد ظهرت المعاني الجديدة والجليلة لحياة الإنسان، فأضحى يموت لا لأجل لقمة العيش فحسب؛ بل فـي سبيل مبادئه وأفكاره ومعتقداته، وأصبح يُقتل أو يُغتال عليها!
لم تعد الحياة مقتصرة على اتّباع القوي إذن؛ لكن هل توقّف الشرُّ وأسدل جفونه وهو ينظر إلى تلك النهضة وذلك الاستيقاظ؟ بالطبع كلا!
لقد تطورت أساليب القمع فـي مقابلة التوق إلى التحرر من سجون الظلم والظلمات، وكلما وجد الناس منبعًا يَرِدونه؛ سارع الشرُّ إلى تجفـيف ذلك المنبع أو طمسه، فغدا منسيًا لعقود طويلة، ثم ما يلبث أن تنتشله يدٌ مؤمنةٌ بالإنسان، لتعيده إلى مكانته السامقة، فـيغدو ذلك النبع أكبر من الوقت الذي طُمِسَ فـيه!
واعجبْ لنبعٍ كَبُرَ بعدما ظنناه ميتًا، هكذا هي آثار المفكرين الأحرار والمثقفـين الساعين إلى صلاح البلاد والعباد لا إلى مصلحة شخصية أو منفعة ذاتية.
إننا ننسى أنفسنا فـي اليوميِّ العاديِّ أكثر من اللازم، فلا ننظر إليه بعين جديدة فاحصة تراقب تمثلاته وسياقاته وبذرته الأولى؛ بل نتعامل معه باعتباره شيئًا جديدًا منفصلًا عما سبقه من تاريخ وثقافة ووعيٍ كاملٍ وشاملٍ إزاء الإنسان والحياة.
فندرس ما فعله الإغريق فـي السياسة، ونتعلم عن دور المرويات الشعرية عند العرب فـي صنع التاريخ وتزويره وطمس المعادين لصاحب السلطة والنفوذ، ونتحدث بشغف عن الثورات والثورات المضادة، كما نتحمس وتفور دماؤنا حين نتدارس ما فعله الإنسان بأخيه الإنسان فـي الحربين العالميتين الأولى والثانية.
لكن، لماذا نظن أن هذا كله فـي الماضي فحسب؟ أليست أيامنا الحالية ماضيًا بالنسبة إلينا بعد حين؟ فما الذي ينبغي علينا فعله إذن؟
مرّ عليَّ مقطعٌ من خطابٍ مصورٍ لمدرب كرة القدم، الإسباني القدير بيب جوارديولا، يقول فـيه فـيما معناه وفـي سياق حديثه عن غزة: «فـي عالم يقولون لنا فـيه إن تأثيرنا صغير جدًا، لكن الحقيقة أن القوة فـي هذا العالم ليست فـي السلطة؛ بل فـي الاختيار، وعن امتلاك المبادئ، وعن رفض الصمت عندما يكون ذلك ضروريًا».
هذا ما ينبغي علينا فعله فـي حياتنا كلها، أن نختار. نختار مبادئنا وطريقة تفكيرنا وحياتنا كلها.
لقد اقترن الظلام بالخوف فـي وعينا منذ الأزل، واقترنت الشعلة بالأمل بعد تلك الظلمة. فبعدما كنا نخشى أن تتخطفنا يد الأقدار عبر الحيوانات المفترسة أو المخاطر الطبيعية التي لم نكن نراها؛ أعطتنا الشعلة الأولى الخيط الأول والأمل الأول فـي الدفاع عن أنفسنا ومعرفة الأخطار على السواء.
فبتنا نشبّه الجهلَ الذي سيقتلنا لا محالة، بالظلام الذي عشناه فـي الكهوف والغابات والأودية والجبال. وباتت المعرفة الشعلة التي منحتنا الطمأنينة -وإن لم نهزم بها أعداءنا دومًا- والإيمان بمقدرتنا على الصمود ومعرفة مكامن الخطر.
إننا نتجاهل الأدب فـي تعاملاتنا مع التاريخ وعلم النفس وفهم المجتمعات البشرية وحكمتها، ونقرن الشعر خصوصًا بالكلام المنمق المعسول الذي لا فائدة فـيه سوى التربيت على أرواح المتعبين المنكسرين، ولا عائدة منه سوى دراهم يتلقاها الشعراء فـي المحافل وأمام الملوك.
لكن، أليس الشعر تاريخًا آخر؟ أوليست القصائد ثمرة المجتمعات ومعتقداتها وطريقة عيشها؟
هو كل ذلك وأكثر، ففـي تلك الأبيات المنثورة هنا وهناك، تجد الحكمة المخبوزة برفقٍ وتأنٍّ، الحكمة التي لو أخذناها بحق لرأينا تمثلاتها الجيدة فـي حياتنا، ولجعلناها مكشافًا ننظر به فـي الحقائق، أو ما تبدو على أنها كذلك.
وما من امرئٍ يقرأ الشعر القديم اليوم بعد قراءته لعلوم العصر -الإنسانيات خصوصًا- إلا وسيبلغ ذهوله ودهشته مداهما، ففـيه من النظريات والمخرجات والنتائج التي لم تُسَمَّ فـي حينها، مما يجعل المرء يُكبِرُ أولئك العظماء وكيف توصلوا إلى تلك النتائج مع قلة الوسائل والأدوات فـي حينه.
أما عن قراءة التاريخ، فإنني أميل أكثر إلى قراءة الإنسان نفسه لا آثاره.
يبدو أن فـي وعينا شيئًا يجعلنا ننسى أن الإنسانَ إنسانٌ، فنُضفـي عليه صفات الألوهية والقدرة المطلقة والنور الكلي حين نحبه ونزنه بميزان المآثر والمنجزات. ونلقي عليه اللعنات وأبشع العبارات حين لا نحبه أو نصنفه فـي القسم المضاد للنور -الذي نعتقد بأنه نور وفقًا لتصوراتنا وما ترسخ فـي وعينا الذي نقارب به الأشياء ونزن به الأمور- ونُلصِق به أشنع الصفات و«نؤبلِسُه» ما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.
لكنَّ السيئ فـي مكان، خيّرٌ فـي مكان آخر، وما ينبغي أن نتنبه إليه حقًا، هو مكمن السوء ومنبعه.
إن الحديث عن الإنسان ودراسته كما تُدرَس المادة الخالية من الروح، أو كما تُدرَس الكائنات الحية حتى؛ مبدأٌ خاطئ حتى النخاع.
فالغضب والثأر والانتقام واليأس والاكتئاب والحقد والحسد وغيرها من الطبائع التي لا يمكن إغفالها، تصنع المعجزات.
وليست المعجزات هنا تلك الخوارق الحسنة، بل قد تكون من الخوارق المخيفة والفظيعة فـي آنٍ. وما يبدو أنه مستحيلٌ وبعيد المنال، قد يغدو أقرب مما تخيلناه يومًا.
قراءة التاريخ تبدأ بقراءة الإنسان، صلاحه وفساده. ومتى ما ملك الإنسان القدرة المطلقة، وغابت المساءلة عنه؛ ظهرت حقيقته وبانت مقاصده وارتفع قناعه وانكشف وجهه.
فإما أن تنتصر روحه الخيّرة، أو يظهر لنا مسخٌ لم نتفطن لوجوده تحت تلك الطبقة الرقيقة من الجلد النظيف.
كيف نقرأ كل شيء إذن بعينٍ بصيرةٍ ومساءلةٍ دائمةٍ وبحثٍ لا ينقطع؟ فزمن اليقينيات والنبوات ولّى منذ مدة طويلة؛ ولم يعد بأيدينا سوى مساءلة كل شيء لنصل إلى جزءٍ من الحقيقة الواسعة.
وإذا كان بمقدور السلطات تحويل الرمل إلى ذهب، والقاتل إلى ضحية ولم تكن تملك ما تملكه اليوم؛ فكيف سنصل إلى الحقيقة غدًا وقد أصبح للذكاء الاصطناعي أيادٍ تفوق الأخطبوط، ومحيطٌ لا نهائيٌّ من الأفكار والوسائل والطرق؟
كل هذا يدعونا إلى التوقف هنيهةً، وتقرير ما نريده فـي حياتنا لأجلنا أولًا، ولأجل من حولنا.
الإنسان هو الجذر الأول والبذرة الأولى للتاريخ، وإذا أردنا أن نغيّر واقع الحال؛ فلا بُدَّ من دراسة البذور النافعة المفـيدة التي أنتجت لنا أطيب الثمار التي نتنعم بها حتى اليوم.
كما لا ينبغي لنا ألبتة أن ننسى تلك الحشائش والأحراش التي تخنق الأرض وتقتل خصوبتها وخيراتها، والتي اكتوينا بها ونكتوي حتى اللحظة.
قراءة التاريخ، والتأمل والتفكر فـيه، لا يمنح الإنسان رفاهية المعرفة أو امتيازها؛ بل هو ضرورةٌ يدركها جيدًا من يدرك هدفه فـي هذه الحياة.
هنالك الكثير مما نتفاوت فـيه كبشر، فبعضنا يولد غنيًا والبعض فقيرًا، سيدًا ومسودًا، قويًا وضعيفًا، ذكيًا وأقل ذكاء؛ لكننا نملك الوقت نفسه أكنّا ملوكًا أم أناسًا فـي أقصى البلاد لا يعرفنا ولا يسمع لنا أحدٌ حِسًّا أو نَفَسًا.
لهذا تغدو قراءة التاريخ ضرورةً لا غنى عنها، وإن العاقل من يعرف نفسه حق المعرفة ليختار طريقه التي يسلك، ودربه الذي يشق، وهل هنالك ما هو أجدى وأنفع من قراءة التاريخ كي لا نكرر الأخطاء والحماقات التي قد تودي بنا إلى ما لا نُحب؟