وصفت مجلة فورين بوليسي التوجيهات التي أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا لأجهزة الدولة بالعودة إلى ممارسة أقصى الضغوط على إيران، بأنها أصبحت نمطا متبعا في كل تصرفاته، من الحرب في أوكرانيا إلى حروبه التجارية المفتعلة.

وأفادت في تقرير لاثنين من مراسليها أن المذكرة التوجيهية التي وقّعها ترامب في الرابع من فبراير/شباط الحالي، تهدف إلى حرمان النظام الإيراني من الأموال كوسيلة للحد من أعماله غير المشروعة في المنطقة وكبح برنامجه النووي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع روسي: ماذا ينتظر العراق بعد تغيير السلطة في سوريا؟list 2 of 2صحف عالمية: خطة ترامب لغزة قد تسبب اضطرابات في المنطقة وانتفاضة بالضفةend of list

ورغم ذلك، فإن المجلة ترى أن تصريحاته الأخيرة تشي بأنه منفتح على المحادثات مع إيران، غير أنه ليس من الواضح ما الذي يريده الرئيس بالفعل، وكيف ينوي الوصول إلى ما يريد وإلى أي مدى.

على الورق

وكان ترامب قد وقّع مذكرة رئاسية يوم الثلاثاء تهدف إلى تصعيد الضغوط على طهران من خلال فرض مزيد من العقوبات، وذلك بهدف حرمان إيران من الأسلحة النووية والحد من برنامجها للصواريخ الباليستية ووقف دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة.

ووفق تقرير فورين بوليسي، فقد اتخذ البيت الأبيض، على الورق، موقفا متشددا دون هوادة ضد إيران مع صدور مذكرة رئاسية سلطت الضوء على كل ما وصفت بأنها أمور سيئة ترتكبها إيران، وأمرت أجهزة الدولة والوزارات بفعل شيء حيالها.

إعلان

ومع ذلك -تستدرك المجلة- كان ترامب نفسه يمد غصن الزيتون إلى إيران، مقترحا التوصل إلى سلام عبر التفاوض. وعند توقيعه المذكرة التوجيهية، قال ربما "يمكن للجميع أن يعيشوا سوية"، مؤكدا على أنه لا يرغب في استخدام الصلاحيات الجديدة الواردة في المذكرة التي وقّعها للتو.

لا نووي

وقد كرر ذلك في اليوم التالي على منصته للتواصل الاجتماعي (تروث سوشيال) عندما قال "أريد أن تكون إيران دولة عظيمة وناجحة، ولكن لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا". وأضاف أنه يود أن يرى "اتفاق سلام نوويا يمكن التحقق منه".

وقد أثارت هذه الرسائل "المتضاربة" بعض الارتباك، بحسب المجلة الأميركية التي نقلت عن غريغوري برو، الخبير في الشؤون النفطية والإيرانية في مجموعة أوراسيا، القول إنه بات من الواضح الآن أن ترامب يريد التحدث مع طهران.

وأشار الخبير إلى أن "المذكرة الرئاسية تحدد موقفا أشد صرامة بكثير مما قاله"، إذ أنها تعرض جميع الحيثيات التي تجعل إدارة ترامب تعتقد أنه يجب فرض عقوبات أشد على إيران، بدءا – كما تفعل جميع الإدارات الأميركية – من إشعالها الثورة عام 1979، ومرورا بدورها في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وبرنامجها النووي.

مجرد شعار

بيد أن المجلة تقول في تقريرها إن المذكرة لم تحدد أي خطوات ملموسة أو عقوبات أو تدابير أخرى من شأنها أن تحوّل الضغط الأقصى من مجرد شعار إلى سياسة.

وذكرت أن الإشكالية تكمن بشكل خاص في صادرات إيران من النفط التي تصل إلى حوالي 1.7 مليون برميل يوميا، يذهب أكثر من 90% منها إلى الصين، وهي بمثابة شريان حياة للجمهورية الإسلامية.

وقال الخبير غريغوري برو إنه ما لم تُتْبع المذكرة بفرض عقوبات جديدة ومبتكرة للحد من صادرات النفط إلى الصين، فلن يكون لهذا الأمر وزن كبير، على حد تعبيره.

ومضت فورين بوليسي إلى القول إنه لا يوجد حتى الآن أي دليل يثبت أن إيران قد قررت الإسراع بتصنيع القنبلة النووية، لكن كثيرا من الشخصيات "الأكثر تشددا" في حكومتها طالبت مؤخرا بإعادة تقييم العقيدة النووية للبلاد.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات فورین بولیسی

إقرأ أيضاً:

خطة ترامب.. ابتزاز استعماري يُغرق غزة في جحيم دائم

على مدى أكثر من عامين، شارك الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، في حملة الدمار المنهجي التي تنفّذها إسرائيل ضد غزة. والآن، وبموافقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي بدا خاضعًا ومُستسلِمًا، كلّفت واشنطن ترامب بالإشراف على ما تبقّى من هذا الخراب.

وبهيئة إمبراطور روماني، أصبح ترامب قادرًا على تقرير مصير سكان غزة بإشارة من يده. أيا كان القرار، رفع الإبهام أو خفضه، فسيسمّى «سلامًا».

ومن المرجّح أن يكون المرافق الأقرب لترامب في هذا المشهد العبثي هو توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي نال «شاراته» في جرائم الحرب قبل أكثر من عقدين عندما شارك الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن غزو العراق واحتلاله بطريقة كارثية دمّرت البلاد.

إن محو غزة لم يكن ممكنًا إلا بعد تفريغ القانون الدولي من مضمونه ذلك النظام القانوني العالمي الذي أُنشئ قبل عقود لمنع تكرار مآسي الحرب العالمية الثانية والمحرقة النازية. ومع سقوط ذلك النظام، صوّت مجلس الأمن قبل أسابيع بنتيجة 13-0 لصالح خطة ترامب «للسلام» في غزة، مع امتناع روسيا والصين فقط.

أما الأصوات التي حاولت الدفاع عن الشرعية الدولية -من قضاة المحكمة الجنائية الدولية إلى فرانسيسكا ألبانيزي مقرّرة الأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة- فقد جرى عزلها وتشويه سمعتها، وفرضت إدارة ترامب عليها عقوبات، دون أن يتجرأ أحد على الوقوف إلى جانبها.

بل على العكس، فألمانيا، الدولة التي قادها تاريخها الدموي قبل ثمانية عقود إلى تبنّي النظام القانوني الدولي، باتت اليوم في مقدّمة الدول التي تنتهك قواعده نفسها. فقد استأنفت تزويد إسرائيل بالسلاح اللازم لمواصلة الحرب، مبرّرة ذلك بأن إسرائيل «تقتل عددًا أقل من الفلسطينيين» خلال «وقف إطلاق النار» الذي روّج له ترامب.

وبعد هذا القرار بأيام، خرقت إسرائيل هذا «الوقف»، لتقتل أكثر من 30 شخصًا في سلسلة غارات، بينهم 20 امرأة وطفلًا.

حتى في ظل هذا «السلام»، تحتل إسرائيل نحو 58 في المائة من غزة، فيما يُسمّى «المنطقة الخضراء»، وهي منطقة مُفرَّغة من سكانها وتشكل عمليًّا قسمة واقعية للقطاع. وفي الوقت ذاته، تواصل قصف العائلات التي تحتمي وسط الأنقاض في «المنطقة الحمراء»، وتستمر في منع دخول الغذاء والدواء والمساكن المؤقتة، رغم أمطار الشتاء الغزيرة.

أتكون هذه هي «آلام المخاض» التي بشّرت بها كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد بوش، قبل 19 عامًا حين تحدّثت عن «ولادة شرق أوسط جديد»؟ يبدو أن تلك الآلام قد وصلت، لكن المولود جاء مرعبًا.

إن قرار مجلس الأمن رقم 2803 منح ترامب سلطة الإشراف الإقطاعي على غزة. وأوضح ترامب أن «مجلس السلام» الذي سيقوده سيضم «أقوى وأبرز القادة في العالم». هذا المجلس سيملك سلطة سيادية على غزة لمدة عامين على الأقل -وربما لفترة أطول بكثير. وسيتحكم في كيفية إدارة القطاع، ورسم حدوده، وتقرير إن كان سيُعاد إعمارُه أم لا، وما الأنشطة الاقتصادية المسموح بها.

وبذلك، تنتقل إدارة منظومة السيطرة الاستعمارية التي فرضتها إسرائيل على غزة منذ أواخر الستينيات -التي قضت محكمة العدل الدولية بعدم قانونيتها العام الماضي- إلى الولايات المتحدة، وبغطاء من مجلس الأمن. إنه احتلال أمريكي -إسرائيلي صريح.

والولايات المتحدة التي تمسك بمصير غزة اليوم هي نفسها التي سلّحت إسرائيل خلال العامين الماضيين بالأسلحة التي مكّنتها من تسوية القطاع بالأرض وتهجير مليوني إنسان وارتكاب مجازر صنّفتها كل الهيئات الحقوقية الدولية على أنها إبادة جماعية.

خطة ترامب ليست إلا ما يشبه وضع «معتدٍ على الأطفال» مسؤولًا عن مدرسة ابتدائية. ولن تكون هناك قوة حفظ سلام أممية في غزة -مثل قوات اليونيفيل في لبنان- لأن وجودها سيكشف زيف «السلام» الذي تروّج له واشنطن. بل إن إسرائيل، في الأسبوع نفسه، أطلقت النار على قوات اليونيفيل نفسها بعد آلاف الانتهاكات للهدنة.

بدلًا من ذلك، سيُشرف ترامب والبنتاجون على تشكيل قوة تُسمّى «قوة الاستقرار الدولية»، المقرر أن تنتشر في غزة بحلول يناير.

وكانت محكمة العدل الدولية قد حكمت العام الماضي بوجوب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية بما فيها غزة «بأسرع ما يمكن». وبدا أن بريطانيا وفرنسا، باعترافهما بالدولة الفلسطينية قبل أشهر، تسيران في هذا الاتجاه، لكنهما استدارتا فورًا مع دعمهما لقرار مجلس الأمن 2308.

صحيح أن القرار يشير، بإلحاح من الدول العربية، إلى «مسار» نحو الدولة الفلسطينية، لكن هذا المسار يخضع بالكامل لقرار «مجلس السلام»، أي لواشنطن وتل أبيب. ومقدّمته أن تخضع السلطة الفلسطينية -التي تحولت منذ سنوات إلى ما يشبه حكومة فيشي في الضفة الغربية -لبرنامج «إصلاح» غير محدد. وكان تأييد السلطة الفلسطينية لهذا القرار هو ما منح روسيا والصين «غطاء» للامتناع بدلًا من استخدام حق النقض.

لكن الحقيقة أن إسرائيل لن تقبل السلطة الفلسطينية مهما قدّمت من تنازلات. وقد أكد نتنياهو عدة مرات أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية «أبدًا». وبذلك، ستبقى إسرائيل في غزة، إذ لا يُلزمها القرار بالانسحاب قبل نشر القوة الدولية وتنفيذ «معايير نزع السلاح» التي تحددها إسرائيل نفسها. ولكن من الذي سيقبل بمهمة نزع سلاح حماس؟

ترامب أعلن أنه لن يرسل جنودًا أمريكيين ولن يموّل إعادة الإعمار. وكشفت وثائق مسرّبة أن القيادة العسكرية الأمريكية كانت قد طرحت خططًا لإرسال قوات بريطانية وفرنسية وألمانية لتشكيل نواة القوة الدولية وصفها مصدر دبلوماسي بأنها «وهمية». ولا دولة أوروبية تريد المجازفة بإرسال جنودها إلى جحيم غزة، بين مقاتلي حماس المدربين وجيشٍ إسرائيلي يتعامل مع القطاع كما لو كان ساحة إطلاق نار مفتوحة. فاتجهت واشنطن إلى مصر وإندونيسيا وأذربيجان وقطر وتركيا والإمارات.

لكن الدول العربية والإسلامية لن تغامر بأن تظهر في موقع من ينزع السلاح عن المقاومة الوحيدة القادرة فعليًّا على صدّ إسرائيل. المفارقة أن حركة حماس كانت الجهة الوحيدة التي ذكّرت العالم بما يفرضه القانون الدولي، فقالت بعد التصويت: «تكليف القوة الدولية بمهمات داخل غزة، بما فيها نزع السلاح، يجردها من حيادها ويحوّلها إلى طرف في الصراع لصالح الاحتلال». وفي هذه الأثناء، ستواصل إسرائيل ملء الفراغ بلا رقيب.

في الواقع، تُعد «قوة الاستقرار الدولية» امتدادًا لمساعي إسرائيل المستمرة منذ سنوات لطرد الأمم المتحدة من أي دور في مراقبة احتلالها غير القانوني لفلسطين. وبهذا المعنى، فهي امتداد للخدعة ذاتها التي طبختها إسرائيل والولايات المتحدة مطلع هذا العام عند تأسيس «مؤسسة غزة الإنسانية». هذه «المؤسسة»، التي عمل فيها مرتزقة تحت غطاء العمل الإنساني، استبدلت بالقوة الوكالات الأممية المسؤولة منذ عقود عن توزيع الغذاء. وسرعان ما تحولت ما سمّي «مراكز المساعدات» القليلة التابعة لها إلى ساحات قتل، حيث جرى استدراج الفلسطينيين الجائعين إليها كما يُستدرج الفأر إلى قطعة جبن. وقد قُتل فيها أكثر من 2,600 فلسطيني ممن اصطفوا بحثًا عن لقمة، وأُصيب ما لا يقل عن 19,000 آخرين.

وتعود شركة «يو جي سوليوشنز» -وهي شركة عسكرية خاصة تزوّد المرتزقة- إلى فتح باب التوظيف مجددًا، وقال أحد مسؤوليها لموقع «دروب سايت نيوز» إن التعيينات الجديدة ستكون «لدعم إيصال المساعدات الإنسانية وتقديم الدعم الفني المحتمل لقوة الاستقرار الدولية». وكانت هذه الشركة قد استعانت سابقًا بعناصر من عصابة دراجات نارية أمريكية معروفة بعدائها للمسلمين للعمل كحراس أمن في غزة.

إن مهمة قوة الاستقرار الدولية لن تكون ضبط الجيش الإسرائيلي الذي يقود حرب الإبادة، بل «نزع سلاح» كل أشكال المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال، احتلال بات الآن معتمدًا بقرار من مجلس الأمن.

وفي الوقت الذي يُساق فيه «المجتمع الدولي» للمشاركة في سحق المقاومة الفلسطينية، تحصل إسرائيل على غطاء لتوطيد صلاتها بعصابات الجريمة الفلسطينية التي سلّحتها خلال العام الماضي لتسرق ما تسمح به إسرائيل من فتات المساعدات. ثم ألقت إسرائيل اللوم على حماس، في رواية تخدم نفسها بنفسها، وتُخفي أنها هي المسؤولة عن تجويع المدنيين، وتمنحها ذريعة لرفض إدخال المزيد من المساعدات. والآن سيصبح هذا التحالف أكثر تنظيمًا؛ إذ يمكن تدريب هذه العصابات داخل «المنطقة الخضراء» قبل إرسالها إلى أطلال «المنطقة الحمراء»، مدعومة بالقوة الجوية الإسرائيلية، لمقاتلة حماس.

وقد ذكرت وسائل إعلام عبرية أن الجيش الإسرائيلي «يحرس» هذه العصابات خلف «خط أصفر» يفصل بين المنطقتين. وكل فلسطيني يقترب من هذه الحدود يُطلق عليه النار فورًا.

ومن خلال نهب مساعدات شعب يتضور جوعًا، أثبتت العصابات أنها لا تكترث بسلامة المدنيين ولا تتردد في مساعدة إسرائيل على تمزيق مجتمعها من الداخل.

ولإسرائيل نموذج سابق -فاشل أيضًا- تعتمد عليه؛ فعلى مدى سنوات قبل عام 2000، كانت تحمي ميليشيات محلية في جنوب لبنان لمساعدتها على فرض احتلالها الوحشي للمنطقة.

قبل عدة أيام، دُعي عدد من الصحفيين المختارين للاطلاع على ما يجري «خلف الستار». فقد كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» أن مستودعًا في مدينة «كريات جات» الإسرائيلية أصبح المقر الجديد لما يُسمى «مركز التنسيق المدني-العسكري»، ويضم ضباطًا إسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين، وعملاء استخبارات من دول عربية، ودبلوماسيين وعاملين في مجال «الإغاثة». اللافت أنه لا وجود لأي تمثيل فلسطيني. وهذا المبنى نفسه كان يُستخدم سابقًا مقرًا «لمؤسسة غزة الإنسانية»، مجموعة المرتزقة الأمريكية-الإسرائيلية التي ادّعت أنها وكالة مساعدات ثم جرى حلّها في أكتوبر الماضي.

ويقود المركز أرييه لايتستون، الذي خدم خلال ولاية ترامب الأولى مساعدًا للسفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، المعروف بتطرّفه المؤيد لإسرائيل، والذي كانت مهمته الأساسية نقل السفارة الأمريكية -خلافًا للقانون الدولي- إلى مدينة القدس المحتلة. ومن المرجح أن يتحول لايتستون إلى «بول بريمر» جديد، أي الحاكم الأمريكي الذي دُمّر العراق تحت إدارته بعد غزوه عام 2003، حين تم تفكيك مؤسسات الدولة وترك المجتمع فريسة للفوضى والميليشيات، بينما كانت الشركات الأمريكية تتصيد ثروات البلاد.

واليوم، تبدو ثروات الغاز والنفط غير المستغلة قبالة شواطئ غزة مغرية للغاية، وهو كنز مُنع الفلسطينيون من الاستفادة منه لعقود، خصوصًا خلال فترة دور توني بلير مبعوثًا للرباعية الدولية. ومن الصعب تصور أن ترامب لن يطمع في هذه الثروات الآن.

وبحسب «نيويورك تايمز»، فإن جهل بعض مسؤولي المركز بغزة كان فادحًا لدرجة اضطرارهم إلى عقد جلسة تمهيدية بعنوان: «ما هي حماس؟» أما جدول العمل فكان يحمل صيغة ساخرة سوداء، وهي «أربعاء الصحة» لمعالجة آثار تدمير إسرائيل للمستشفيات والمدارس، و«خميس العطش» لمناقشة كارثة تدمير شبكات المياه.

وقبيل تصويت الأمم المتحدة، كشفت «الجارديان» أن الولايات المتحدة قررت إعادة الإعمار فقط في «المنطقة الخضراء» الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، بينما ستظل «المنطقة الحمراء» في حالة خراب. وقال مسؤول أمريكي: «من المثالي بالطبع أن نعيد إعمار غزة كاملة، لكن هذا طموح. الأمر سيستغرق وقتًا، ولن يكون سهلًا». وتشير التقارير إلى أن واشنطن تنوي بناء ما يسمى «المجتمعات الآمنة البديلة»، وهو تعبير منمّق عن معسكرات احتجاز للفلسطينيين داخل المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، دون تحديد ما إن كانت دائمة أم مؤقتة.

وستتمركز قوة الاستقرار الدولية في «المنطقة الخضراء»، إلى جانب الجيش الإسرائيلي، لإدارة نقاط العبور على طول «الخط الأصفر»، وهي منطقة الموت الفاصلة بين المنطقتين. وقال مسؤول أمريكي لصحيفة «الجارديان»: «لن تخرجوا من المنطقة الخضراء»، في تكرار شبيه لتجربة الاحتلال الأمريكي في بغداد قبل عقدين، حين عاش الجنود داخل «المنطقة الخضراء» دون أن يجرأوا على مغادرتها إلا في مهام عسكرية.

وسيُسمح للفلسطينيين بدخول «المجتمعات الآمنة»، ولكن فقط إذا أثبتوا أنهم -أو أي فرد من عائلاتهم الممتدة- لا تربطهم صلات بحماس، الحركة التي حكمت غزة طوال نحو عشرين عامًا. وهذا الشرط وحده يستبعد شرائح واسعة من السكان. أما بقية القطاع فسيبقى «غير آمن»، أي متاحًا للقصف الإسرائيلي بحجة أنه «معقل للمسلحين».

وسيخدم هذا كل أدوات القوة الإسرائيلية، فسيُدفع الفلسطينيون للتجسس على بعضهم بعضًا للحصول على ممر إلى «المنطقة الخضراء»، مع إعادة إنتاج نموذج السيطرة الذي أتقنته إسرائيل لعقود. وفي غزة قبل الإبادة، كانت إسرائيل تشتهر بابتزاز الفلسطينيين عبر التنصّت والفضائح الشخصية أو اشتراط التعاون للحصول على إذن سفر طبي.

وستعمل منظومة الامتيازات في «المجتمعات الآمنة» على جذب عصابات الجريمة أكثر، لتصبح الشريك المحلي الذي تحتاجه إسرائيل لتأجيج حربٍ أهلية داخلية تجعل غزة غير قابلة للحكم، وتمنح إسرائيل ذريعة دائمة لرفض قيام دولة فلسطينية.

وبأي مقياس آخر، ما يجري هو تحويل غزة إلى «إتاوة حماية». لكن الحقيقة أن «خطة السلام» التي يطرحها ترامب لن تُنفَّذ فعليًّا، ولم تكن يومًا معدّة للتنفيذ. فغزة، التي كانت أصلًا من أكثر مناطق العالم اكتظاظًا، يُراد لشعبها الباقي -نحو مليوني إنسان- أن يُحشر في نصف المساحة، بلا منازل، وبلا مستشفيات أو مدارس. إنها مجرد طريقة جديدة لإطالة الجحيم الذي يعيشه الفلسطينيون تحت غطاء «خطة سلام».

فقد وصلت إسرائيل إلى مرحلة جعلت تواطؤ القادة الغربيين في الإبادة واضحًا لا يمكن تغطيته. والآن، بدل ظهور ضباط إسرائيليين على الشاشات وهم يكررون روايات مفضوحة، سنرى مسؤولين أمريكيين بوجوه ناعمة وفِرَق علاقات عامة محترفة يشرحون «الصعوبات» التي يواجهونها لتحسين وضع الفلسطينيين.

كل من يُمنع من دخول «المنطقة الخضراء» سيُصنَّف تلقائيًّا على أنه من «حماس أو مؤيد لها». وكل عائلة تُقصف في «المنطقة الحمراء» بقنابل أمريكية ستُقدّم باعتبارها «إرهابية». وسوف يستعيد الغرب خطاب «البرابرة عند الأبواب».

وسيُسترضى الإعلام الغربي أخيرًا؛ إذ ستُفتح له غزة ولكن فقط «المنطقة الخضراء». وهناك، ستُصمّم له «مجتمعات آمنة» نموذجية، ليعرض صور الفلسطينيين «الهاربين من حماس» وهم يتلقون «الرعاية». أما الغالبية الساحقة من الفلسطينيين فستُترك لتواجه الشتاء بلا مأوى، وبلا إغاثة جدية، وبلا مستشفيات أو مدارس، على وقع قصف لا يتوقف.

هذا هو «السلام» الذي يعرضه ترامب.

مقالات مشابهة

  • لوبوان: ترامب يخيّر أوروبا بين أن تكون مستعمرة أميركية أو الموت
  • إيران صعبة .. أحمد موسى: مجموعة مصر في كأس العالم ليست سهلة
  • هل بدأت إيران تطبيق إستراتيجية المقاومة بدل التسوية؟
  • فورين أفيرز: العلاقة الاستثنائية بين أميركا وإسرائيل غير قابلة للاستمرار
  • الخارجية الأمريكية:العراق تحت حكم خونته لصالح إيران وأذرعها في المنطقة
  • ترامب يتلاعب بعدد كبير جدا من الكرات الدبلوماسية في وقت واحد
  • تركي الفيصل: إسرائيل هي التهديد الأكبر لاستقرار الشرق الأوسط وليس إيران
  • الرئيس اللبناني يدعو لممارسة الضغوط على إسرائيل لتطبيق وقف إطلاق النار والانسحاب
  • مكافأة 10 ملايين دولار.. من هي حسناء إيران التي تبحث عنها أمريكا (فيديو)
  • خطة ترامب.. ابتزاز استعماري يُغرق غزة في جحيم دائم