وصفت مجلة فورين بوليسي التوجيهات التي أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرا لأجهزة الدولة بالعودة إلى ممارسة أقصى الضغوط على إيران، بأنها أصبحت نمطا متبعا في كل تصرفاته، من الحرب في أوكرانيا إلى حروبه التجارية المفتعلة.

وأفادت في تقرير لاثنين من مراسليها أن المذكرة التوجيهية التي وقّعها ترامب في الرابع من فبراير/شباط الحالي، تهدف إلى حرمان النظام الإيراني من الأموال كوسيلة للحد من أعماله غير المشروعة في المنطقة وكبح برنامجه النووي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع روسي: ماذا ينتظر العراق بعد تغيير السلطة في سوريا؟list 2 of 2صحف عالمية: خطة ترامب لغزة قد تسبب اضطرابات في المنطقة وانتفاضة بالضفةend of list

ورغم ذلك، فإن المجلة ترى أن تصريحاته الأخيرة تشي بأنه منفتح على المحادثات مع إيران، غير أنه ليس من الواضح ما الذي يريده الرئيس بالفعل، وكيف ينوي الوصول إلى ما يريد وإلى أي مدى.

على الورق

وكان ترامب قد وقّع مذكرة رئاسية يوم الثلاثاء تهدف إلى تصعيد الضغوط على طهران من خلال فرض مزيد من العقوبات، وذلك بهدف حرمان إيران من الأسلحة النووية والحد من برنامجها للصواريخ الباليستية ووقف دعمها للجماعات المسلحة في المنطقة.

ووفق تقرير فورين بوليسي، فقد اتخذ البيت الأبيض، على الورق، موقفا متشددا دون هوادة ضد إيران مع صدور مذكرة رئاسية سلطت الضوء على كل ما وصفت بأنها أمور سيئة ترتكبها إيران، وأمرت أجهزة الدولة والوزارات بفعل شيء حيالها.

إعلان

ومع ذلك -تستدرك المجلة- كان ترامب نفسه يمد غصن الزيتون إلى إيران، مقترحا التوصل إلى سلام عبر التفاوض. وعند توقيعه المذكرة التوجيهية، قال ربما "يمكن للجميع أن يعيشوا سوية"، مؤكدا على أنه لا يرغب في استخدام الصلاحيات الجديدة الواردة في المذكرة التي وقّعها للتو.

لا نووي

وقد كرر ذلك في اليوم التالي على منصته للتواصل الاجتماعي (تروث سوشيال) عندما قال "أريد أن تكون إيران دولة عظيمة وناجحة، ولكن لا يمكن أن تمتلك سلاحا نوويا". وأضاف أنه يود أن يرى "اتفاق سلام نوويا يمكن التحقق منه".

وقد أثارت هذه الرسائل "المتضاربة" بعض الارتباك، بحسب المجلة الأميركية التي نقلت عن غريغوري برو، الخبير في الشؤون النفطية والإيرانية في مجموعة أوراسيا، القول إنه بات من الواضح الآن أن ترامب يريد التحدث مع طهران.

وأشار الخبير إلى أن "المذكرة الرئاسية تحدد موقفا أشد صرامة بكثير مما قاله"، إذ أنها تعرض جميع الحيثيات التي تجعل إدارة ترامب تعتقد أنه يجب فرض عقوبات أشد على إيران، بدءا – كما تفعل جميع الإدارات الأميركية – من إشعالها الثورة عام 1979، ومرورا بدورها في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وبرنامجها النووي.

مجرد شعار

بيد أن المجلة تقول في تقريرها إن المذكرة لم تحدد أي خطوات ملموسة أو عقوبات أو تدابير أخرى من شأنها أن تحوّل الضغط الأقصى من مجرد شعار إلى سياسة.

وذكرت أن الإشكالية تكمن بشكل خاص في صادرات إيران من النفط التي تصل إلى حوالي 1.7 مليون برميل يوميا، يذهب أكثر من 90% منها إلى الصين، وهي بمثابة شريان حياة للجمهورية الإسلامية.

وقال الخبير غريغوري برو إنه ما لم تُتْبع المذكرة بفرض عقوبات جديدة ومبتكرة للحد من صادرات النفط إلى الصين، فلن يكون لهذا الأمر وزن كبير، على حد تعبيره.

ومضت فورين بوليسي إلى القول إنه لا يوجد حتى الآن أي دليل يثبت أن إيران قد قررت الإسراع بتصنيع القنبلة النووية، لكن كثيرا من الشخصيات "الأكثر تشددا" في حكومتها طالبت مؤخرا بإعادة تقييم العقيدة النووية للبلاد.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات فورین بولیسی

إقرأ أيضاً:

هل اقتربت لحظة السلام في المنطقة؟

صمت هدير الطائرات والصواريخ في سماء الشرق الأوسط، انتهت الحرب في اليوم الثاني عشر، لم يسقط نظام إيران، ولم تتم إزالة إسرائيل، لكن شأن أي حرب، الأمر لن ينتهي عند هذا الحدث، ثمة تفاعلات كثيرة ستولد ديناميكيات وتنشئ تحولات وتصنع مسارات عندما تبرد الجروح وتهدأ مرحلة هيجان المشاعر.

هل كان ممكنا للحرب أن تستمر أكثر من ذلك؟ الجواب لا، فقد وصل الطرفان إلى درجة عالية من الاستنزاف، بعكس ما صدراه من خطابات سياسية وتصريحات عسكرية عن قوّة خارقة، ومشاريع تغييرية على مستوى البنية الإقليمية وقدراتهما التأثيرية الخارقة، وقد جاءت مبادرة ترامب، إعلان وقف الحرب إنقاذا لإحراجهما الذي كان سيبرز على السطح بدءا من اليوم الثالث عشر للحرب، بعد أن اكتشفا خدعة تقديراتهما ورضوخهما لمعطى نفاد الأسلحة الاستراتيجية اللازمة لتشغيل الحرب واستمرارها، وهو ما كان يعرفه ترامب جيدا، وبنى عليه لغته الآمرة.. أوقفوا الحرب الآن.

تكاد اللحظة الإقليمية والدولية الراهنة تشبه إلى حد بعيد فترة ما بعد الحرب الأمريكية على العراق في بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر تأثيرا وفعالية، وتراجع أدوار الفاعلين الدوليين
في النتائج على المستوى الإقليمي، تكاد اللحظة الإقليمية والدولية الراهنة تشبه إلى حد بعيد فترة ما بعد الحرب الأمريكية على العراق في بداية تسعينيات القرن الماضي، حيث الولايات المتحدة هي الطرف الأكثر تأثيرا وفعالية، وتراجع أدوار الفاعلين الدوليين (الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين)، إلى حد بعيد، ما يؤهل واشنطن للقيام بدور تقريري وازن في صناعة مسارات جديدة في المنطقة، ولا سيما إمكانية رعاية مفاوضات سلام جديدة بين اسرائيل وبعض الاطراف العربية، وإعادة ترميم علاقات إسرائيل بتركيا في هذا السياق.

ويبدو أن الماكينة الدبلوماسية الأمريكية قد بدأت بالفعل العمل على هذا المسار، وهو ما أكده مبعوث واشنطن الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، من أن هناك تحركات دبلوماسية واعدة على أكثر من صعيد في الشرق الأوسط، مشيرا إلى اقتراب صدور إعلانات كبرى تتعلق بانضمام دول جديدة إلى اتفاقات أبراهام، كما أن هناك قابلية واستعداد لدى إيران نفسها لعقد اتفاق سلام شامل، حسب تأكيدات ويتكوف، ربما في مرحلة ثانية من انطلاق عملية السلام في المنطقة.

هل هذه التقديرات ممكنة أم هي مجرد دعاية لـ"اللحظة الترامبية" المتغيرة المزاج، وبالتالي لا يمكن البناء عليها في تقدير طبيعة المسارات التي ستشهدها المنطقة في المرحلة المقبلة؟ ثمة تحولات عديدة أنتجتها المرحلة الماضية في المنطقة، من حروب استنزاف مديدة ونشوء ديناميكيات داخلية، ستفرض نفسها بشكل جلي في الترجمات السياسية للتموضعات الداخلية وعلى المستوى الإقليمي، ولن يتكمن صنّاع القرار والنخب الحاكمة في المنطقة تجاوزها وطيّها بسهولة، وسيضطرون للتكيّف مع مقتضياتها عبر إدارة للأوضاع تراعي هذه المتغيّرات، أو مواجهة تحديات قاسية ومخاطر ستطال البنى الحاكمة وتحالفاتها وعقودها الاجتماعية.

لعل أول تلك التحديات التي تواجهها أطراف اللعبة، أن الإقليم وصل إلى معادلة توازن قوى هشّة الى أبعد الحدود، بعد سقوط معادلات الردع على جانبيه، وثبوت وهْم قدرة كل من إيران واسرائيل على إعادة تشكيل خرائط النفوذ السياسي والأمني في المنطقة، في مقابل صعود قوى (الخليج وتركيا) لديها منطق جديد للاشتباك مع الواقع عبر سياسات ناعمة ذات مفعول تأثيري مهم في صناعة توجهات المرحلة المقبلة، وتستند في ذلك إلى رأي عام في المنطقة يؤيدها بدرجة كبيرة، تحركه الرغبة في الخروج من عنق زجاجة الأزمات المنهكة.

تبدو المنطقة مهيأة بشكل كبير لحدوث تحوّلات مهمة على صعيد الانتقال من الحرب الى السلام، الواقع يدفع بهذا الاتجاه، لكن شكل السلام ونطاقه وقدرته على الصمود، فتلك مسائل من المؤكد أنه ستقررها الأوراق التفاوضية لدى اللاعبين ومدى صلاحيتها، والديناميكيات الاجتماعية والسياسية الصاعدة في الإقليم، والأهم من كل ذلك ما إذا كان لدى إدارة ترامب رؤية واضحة لإدارة التحولات في المنطقة
ثاني تلك التحديات، أن الفاعلين اللذين ساهما بدرجة كبيرة في صناعة المشهد الحالي، اسرائيل وإيران، باتا يقفان على عتبة انفجارات داخلية وانقسامات بدأت تظهر بوادرها، ولا سيما في المقلب الإسرائيلي المتوقع ان يشهد في المرحلة المقبلة، بعد الخروج من الملاجئ، صراعات سياسية ساخنة جدا، فيما تشير التقديرات إلى أن إيران لن تكون بعيدة عن هذا المسار، حيث بدأت تتهيأ أسئلة كثيرة للتبلور على شكل احتجاجات واعتراضات عن الاستثمارات المضيعة في الأسلحة والنفوذ الإقليمي والقدرة الخارقة على المواجهة، بل عن مصير المشروع النووي الذي أرهق إيران وجوّعها.

لكن هذه التحديات، أو التحوّلات، لا تكفي وحدها لصناعة مسارات جديدة في السياق الإقليمي، فالشرق الأوسط طالما عاند الوقائع والمتغيرات، وخاض في مسارات غير مضمونة، بناء على تقديرات خاصة عن الوزن والتأثير والفعالية لكل طرف من أطرافه، وبالتالي فإن بلورة مسارات جديدة سيكون مرهونا بقدرة الدفع الأمريكية وجدية الفاعل الأمريكي، الذي يبدو حتى اللحظة لديه الحماس لإعادة هندسة المنطقة، لكن ليس على مقاسات أطرافها الفاعلة، ولا سيما إسرائيل، لإدراك إدارة ترامب أن أوهام نتنياهو لا يمكن على أساسها بناء نظام إقليمي قابل للحياة، كما أن مقاسات دول الخليج وتركيا مثالية إلى حد لا تتوافق مع جسد المنطقة المُبتلى بندوب وتشوهات كثيرة، وترامب مستعجل لتحقيق الإنجازات ولا يريد الخوض في جولات تفاوضية كيسنجرية.

من حيث الشكل، تبدو المنطقة مهيأة بشكل كبير لحدوث تحوّلات مهمة على صعيد الانتقال من الحرب الى السلام، الواقع يدفع بهذا الاتجاه، لكن شكل السلام ونطاقه وقدرته على الصمود، فتلك مسائل من المؤكد أنه ستقررها الأوراق التفاوضية لدى اللاعبين ومدى صلاحيتها، والديناميكيات الاجتماعية والسياسية الصاعدة في الإقليم، والأهم من كل ذلك ما إذا كان لدى إدارة ترامب رؤية واضحة لإدارة التحولات في المنطقة.

x.com/ghazidahman1

مقالات مشابهة

  • إيكونوميست: خطة ترامب الاقتصادية تهدّد أسس الازدهار الأميركي
  • حرب الـ12 يوما.. ما التغييرات التي طرأت على إيران بعد الهجوم الإسرائيلي؟
  • العراق يجدد وقوفه مع إيران من خلال إبعاد الحرب عنها بكافة الوسائل
  • إيران وغزة وأوكرانيا والعلاقات الثنائية.. أبزر تصريحات لافروف وبن فرحان في موسكو
  • رئيس إيران: دول المنطقة اتخذت مواقف مسؤولة خلال الحرب مع إسرائيل
  • ترامب يُصعّد الضغوط الجمركية بخطابات إلى شركاء التجارة حول تعريفات جديدة
  • هل اقتربت لحظة السلام في المنطقة؟
  • من هي روبرت مجموعة الهاكرز التي تهدد بفضح أسرار ترامب؟
  • «النواب الأميركي» يتجّه إلى إقرار قانون ترامب للموازنة
  • فورين بوليسي: كيف ارتدت الضربات الإسرائيلية على إيران عكسيا؟