الضحية الأولى لأوّل رصاصة في السودان
تاريخ النشر: 8th, February 2025 GMT
حمّور زيادة
اختلف المختلفون، من أطلق الرصاصة الأولى في حرب السودان؟... يؤكّد بعضهم أن قوات الدعم السريع هي من فعلت. ومن شواهد ذلك أنه قبل الحرب (13 مارس/ آذار 2021) تحرّكت في خطوة مفاجئة نحو قاعدة مروي الجوية لمحاصرتها. يعتبر بعضهم أن الحرب بدأت في ذلك اليوم، سيّما أن المتحدّث باسم الجيش أعلن أنها تحرّكات من دون الرجوع إلى القيادات العليا للجيش.
ويؤكّد بعضهم أن الجيش هو من هاجم معسكر "الدعم السريع" في بالمدينة الرياضية (التي انتقلت إليها "الدعم السريع" في خطوة مفاجئة أخرى قبل أيام). هذه الرواية لا يقدّم أصحابها علناً أدلّةً، ولا حتى شواهد متماسكة. يقولون فقط إن "الدعم السريع" كانت مستعدّة، وأنه ما أن هاجم الجيش مقرّها في المدينة الرياضية، حتى انطلقت قواتها كلّها لتنفذ خطّة موضوعة مسبقاً للدفاع عن النفس. هكذا كان قائد المليشيا يردّد بغضب في القنوات الفضائية، "لقد هاجمونا. نحن ندافع عن أنفسنا. ماذا نفعل مع من يهاجمنا؟ هل نردّ عليه بالبسكويت والتفّاح؟". جزء من هؤلاء يتّهمون الحركة الإسلامية داخل الجيش بأنها من أطلقت الرصاصة الأولى، ووضعت الطرفَين قبالة الأمر الواقع. لكن هذا الاختلاف يوحي أن الحرب ظهرت من العدم (!)، رغم أن الخرطوم كانت تنتظرها.
في 18 مارس 2023، قبل الرصاصة الأولى بحوالي شهر، قال كاتب هذه السطور في خاتمة مقال في "العربي الجديد"، "لا يمرّ أسبوع من دون خطاب جماهيري للفريق أوّل عبد الفتاح البرهان، ولا يمرّ يوم لا يتبادل فيه سكّان الخرطوم الشائعات عن تحرّكات عسكرية، وعن دخول مزيد من قوات الدعم السريع إلى الخرطوم. ولا يعلم أحد بدقّة ما الحقيقة وما الشائعة. لكن الناس يؤمنون بأن شيئاً ما سيحدُث. بشكل ما، الخرطوم في انتظار طلقة الرصاص الأولى، إلى درجة أن احتفالاً بالألعاب النارية، في مساء 27 الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) جعل المدينة ترتجف، وظنّ الناس أن الساعة التي يعلمون أنها آتية قد وقعت".
قبل عام من الحرب، نشرت "العربي الجديد" في فبراير/ شباط 2022، أن الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة (وقتها) أبلغ القاهرة مخاوفه من أن نائبه الفريق أوّل محمّد حمدان دقلو يرتّب انقلاباً بمساعدة أطراف خارجية. كان المكون العسكري يتفكّك منذ وقت قبل إطلاق الرصاصة الأولى.
في 16 مارس 2023 (شهر قبل الحرب)، هدّد البرهان علناً من يحاولون القدح في الجيش أو النيل منه، وقال إن الجيش امتلك تكنولوجيا تسليح حديثة، وطائرات مسيَّرة تجعله قادراً على حسم أيّ تهديد داخلي أو خارجي.
جدل من أطلق الرصاصة الأولى يأخذ الناس بعيداً من الضحية الأولى. فالرصاصات التي انطلقت، سواء في مدينة مروي، أو في المدينة الرياضية، أو في القيادة العامة للجيش، أيّاً كان مطلقها، أصابت العمل السياسي في مقتل. منذ لحظة الحرب الأولى قُتِلت العملية السياسية. إنها الضحية الأولى، وأصبح الرصاص والمسلحون هم من يحدّدون مستقبل البلاد.
بعد حوالي عامَين من الحرب، يظهر أن أحلام "الدعم السريع" أبعد من أن تتحقّق، في عاصمة البلاد المدمَّرة ووسطها على الأقل، بينما يقترب الجيش من إعلان انتصاره في الخرطوم. واستباقاً لهذا الانتصار أعلن أكثر من قائد عسكري "موت السياسة". فقائد الجيش سيبقى في رأس الدولة عدّة سنوات حتى بعد الانتخابات (!)، كما كُلّف قائد عسكري بتأسيس "تجمّع شبابي، يتجاوز الأحزاب التقليدية، ويصبح بديلاً لها" (!).
أمّا "الدعم السريع"، التي انهارت أحلامها في إعلان حكومة موازية في العاصمة الخرطوم، فالأمور في أماكن سيطرتها لن تختلف. فالحكومة الموازية أينما أُعلِنت ستكون مُجرَّد سكرتارية مدنية لقائد "الدعم السريع"، ناهيك عن أن تجارب المليشيات في العالم كلّه لا تبشّر بنموذج مختلف.
أمّا الشعب، فمن المؤكّد أن أولوياته قد تغيّرت. فبعد النزوح والتهجير والقتل والمذابح، يصبح الأمان هو أولويته ولزمن طويل. وهو ما يعده به حملة البنادق.
هكذا قتلت الرصاصة الأولى (أيّاً كان مطلقها) كل أحلام تحوّل السودان من دولة الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية، التي كانتها طوال تاريخها، إلى دولة ديمقراطية مدنية، فيها تداول للسلطة، وسلام وتنمية، وصديقة للعالم.
نقلا عن العربي الجديد
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الرصاصة الأولى الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
إثيوبيا تنفي وجود معسكرات للدعم السريع على أراضيها
أديس أبابا- نفى مصدر إثيوبي رسمي للجزيرة نت، ما نشر حول وجود معسكرات لقوات الدعم السريع على الأراضي الإثيوبية، معربا عن أسفه لمثل هذه الادعاءات التي قال إنها تهدف للإيقاع بين السودان وإثيوبيا.
وقال المصدر -وهو مسؤول رفيع المستوى- إن الخبر لا أساس له من الصحة، مؤكدا أن قنوات الاتصال قائمة بين البلدين على مختلف المستويات.
وشدد المصدر على أن إثيوبيا "لن تسمح بأي نشاط معاد لأي دولة من دول الجوار"، وجدد التأكيد على احترام أديس أبابا لوحدة وسيادة السودان.
وتأتي تصريحات المصدر الإثيوبي، بعدما قالت مصادر رسمية سودانية للجزيرة نت إن السودان يتحسّب لفتح جبهة عسكرية جديدة في شرق البلاد بعدما سمحت إثيوبيا المجاورة بفتح معسكر لتدريب قوات الدعم السريع ومرتزقة أجانب تابعين لها لمهاجمة إقليم النيل الأزرق المتاخم لحدودها.
وأوضحت المصادر الحكومية -التي طلبت عدم كشف هويتها- أن السلطات الإثيوبية لديها تنسيق عسكري مع قوات الدعم السريع عبر قوى إقليمية تساندها، حيث تم الاتفاق على خطوط إمداد وبناء معسكرات تدريب وتجهيز مهابط طائرات.
وحسب المصادر ذاتها فقد بدأت حركة إمداد ووصول مركبات قتالية ومنظومات مدفعية وأجهزة تشويش عبر مدينة أصوصا عاصمة إقليم بني شنقول قمز في الشمال الغربي من إثيوبيا المتاخم لإقليم النيل الأزرق في السودان، ويوجد به سد النهضة.