يمر السودان بمرحلة بالغة التعقيد في تاريخه الحديث، حيث تشهد البلاد حربًا مستمرة تهدد استقراره ووحدته. في خضم هذه الأوضاع المضطربة، برزت محاولات لتشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وهي خطوة تُعتبر خطيرة ليس فقط لأنها تكرس الانقسام السياسي والجغرافي، بل لأنها أيضًا تفتح الباب أمام مزيد من الفوضى والصراعات الداخلية.

هذه المحاولات ليست مجرد تحرك سياسي عابر، بل هي انعكاس لمخططات أعمق تسعى إلى تقويض الدولة السودانية وإضعافها، مما يجعل مستقبل البلاد أكثر غموضًا.
يعود الصراع في السودان إلى عقود طويلة من التهميش السياسي والاقتصادي، خاصة في مناطق الأطراف التي عانت من إهمال الحكومات المركزية المتعاقبة. أدى هذا التهميش إلى نشوء حركات مسلحة ومطالب بالحكم الذاتي أو الانفصال، كما حدث في جنوب السودان الذي انفصل عام 2011 بعد عقود من الحرب الأهلية. ومع ذلك، لم تحل مشكلة التهميش في المناطق الأخرى، مما أدى إلى استمرار التوترات واندلاع صراعات جديدة.
قوات الدعم السريع، التي نشأت كقوة شبه عسكرية لدعم النظام السابق بقيادة عمر البشير، تحولت إلى لاعب رئيسي في المشهد السياسي والعسكري السوداني. بعد الإطاحة بالبشير في عام 2019، أصبحت هذه القوات جزءًا من المشهد السياسي المضطرب، حيث تتنازع مع القوات المسلحة السودانية على النفوذ والسيطرة. ومع تصاعد العنف، سيطرت قوات الدعم السريع على مناطق واسعة، خاصة في دارفور ومناطق أخرى، مما منحها نفوذًا سياسيًا وعسكريًا كبيرًا.
تشير التقارير والأخبار إلى أن قوات الدعم السريع تسعى إلى تشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها، وذلك في محاولة لتعزيز نفوذها السياسي وإضفاء شرعية على سيطرتها العسكرية. هذه الخطوة تأتي في إطار صراعها مع الحكومة المركزية في الخرطوم، والتي تتهمها قوات الدعم السريع بالتهميش وعدم تمثيل مصالح جميع السودانيين.
تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع يُعتبر خطوة خطيرة تهدد وحدة السودان. فهي لا تؤدي فقط إلى تقسيم البلاد سياسيًا وجغرافيًا، بل أيضًا تكرس الانقسامات العرقية والقبلية التي تعاني منها البلاد منذ عقود. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الخطوة قد تفتح الباب أمام مزيد من الفوضى والصراعات الداخلية، حيث يمكن أن تدفع مجموعات أخرى إلى المطالبة بحكومات موازية في مناطق نفوذها.
تشكيل حكومة موازية يُعتبر تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان، حيث يعزز الانقسامات القائمة ويفتح الباب أمام احتمالية انفصال مناطق أخرى عن الدولة المركزية. هذا الانقسام قد يؤدي إلى تفكك الدولة السودانية بشكل كامل، مما يجعلها عرضة للتدخلات الخارجية والمزيد من الصراعات الداخلية. الانقسام السياسي والجغرافي سيؤدي حتمًا إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان. فمع تقسيم الموارد والسلطة، ستصبح عملية إعادة الإعمار والتنمية أكثر صعوبة، مما يزيد من معاناة المواطنين الذين يعيشون في ظل ظروف اقتصادية صعبة بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، فإن الانقسام سيؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، خاصة في المناطق التي تشهد نزاعات مسلحة.
في ظل الأوضاع المضطربة في السودان، تبرز مخاطر التدخلات الخارجية التي تسعى إلى استغلال الوضع لتحقيق مصالحها. بعض القوى الإقليمية والدولية قد تدعم تشكيل حكومة موازية كجزء من استراتيجيتها لتقويض الدولة السودانية وإضعافها، مما يفتح الباب أمام مزيد من الفوضى والصراعات. لذا فإن تفكك السودان أو استمرار الصراعات الداخلية سيؤثر بشكل كبير على الاستقرار الإقليمي، خاصة في منطقة القرن الأفريقي التي تعاني بالفعل من العديد من الأزمات. فقد يؤدي ذلك إلى تدفق اللاجئين وانتشار الأسلحة عبر الحدود، مما يزيد من حدة الصراعات في الدول المجاورة.

د. سامر عوض حسين

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الباب أمام فی مناطق خاصة فی

إقرأ أيضاً:

أطباء السودان: ارتفاع قتلى هجوم الدعم السريع على غرب كردفان إلى 27

الخرطوم- أعلنت شبكة أطباء السودان، الخميس 25 يوليو 2025، ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 27 قتيلا و43 جريحا، جراء هجوم قوات الدعم السريع على إحدى قرى ولاية غرب كردفان جنوبي البلاد.

وأفادت الشبكة الطبية (مستقلة) في بيان، "بارتفاع عدد ضحايا مجزرة منطقة ’بريمة رشيد’ إلى 27 قتيلا وإصابة 43 آخرين بجروح خطيرة إثر تجدد الهجوم الغادر الذي شنّته الدعم السريع على المنطقة شمال مدينة النهود بولاية غرب كردفان".

والأربعاء، أعلنت أطباء السودان مقتل 3 أشخاص وإصابة عشرات آخرين جراء هجوم لقوات الدعم السريع على قرية "بريمة رشيد" بولاية غرب كردفان.

وأضاف البيان اليوم: "طال الهجوم الاعتداء على المدنيين العزّل داخل منازلهم، من نساء وأطفال وشيوخ، في مشهد دموي يعيد إلى الأذهان أفظع الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية".

وأدان بـ"أشد العبارات هذه الجريمة النكراء"، وحمّل قيادة الدعم السريع المسؤولية الكاملة عن الأرواح التي أُزهقت.

وأكد البيان أن "ما جرى في بريمة رشيد جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، تستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا".

وحتى الساعة 13:25 (ت.غ) لم يصدر أي تعليق من قوات الدعم السريع بهذا الخصوص.

ومنذ أيام تشهد ولايات كردفان الثلاث "شمال وغرب وجنوب" كردفان، معارك عنيفة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" بغرض السيطرة على الولايات الثلاث.

وفي الشهور الأخيرة، بدأت مساحات سيطرة "الدعم السريع" تتناقص بشكل متسارع في مختلف ولايات السودان لصالح الجيش، الذي وسّع نطاق انتصاراته لتشمل الخرطوم وولاية النيل الأبيض (جنوب).

أما في الولايات الـ16 الأخرى بالسودان، فلم تعد قوات الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان، وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، إضافة إلى أربع من ولايات إقليم دارفور الخمس.

ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/ نيسان 2023 حربًا أسفرت عن مقتل أكثر من 20 ألف شخص ونزوح ولجوء نحو 15 مليونًا، بحسب الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدّرت دراسة أعدتها جامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفًا.

مقالات مشابهة

  • السودان يندد بإعلان تشكيل حكومة موازية في البلاد
  • ماذا يعني تشكيل حكومة موازية في غرب السودان؟
  • وصفتها بالوهمية.. الخارجية السودانية تندد بإعلان تشكيل حكومة موازية
  • جامعة الدول العربية: نُدين إعلان ائتلاف سوداني مرتبط بقوات الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية
  • السودان يدين إعلان الدعم السريع حكومة موازية
  • السودان.. تحالف «تأسيس» يعلن تشكيل حكومة موازية والجيش يصفها بـ«حكومة المليشيا»
  • الدعم السريع يعلن تشكيل حكومة موازية في السودان
  • حميدتي يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان
  • تحالف حميدتي يعلن تشكيل حكومة موازية بالسودان
  • أطباء السودان: ارتفاع قتلى هجوم الدعم السريع على غرب كردفان إلى 27