محمد أبوصلاح **

في زمنٍ تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه المؤامرات، تتردد في الأفق كلماتٌ كان يُظن أنها وُئدت في صفحات الماضي، لكنها اليوم تعود بأقنعة جديدة؛ تهجير، إعادة توطين، مشاريع تنموية! لكن الحقيقة واحدة: هناك من يسعى لاقتلاع أهل غزة من أرضهم، وتصفية القضية الفلسطينية بحججٍ براقة، تخفي خلفها خنجرًا مسمومًا، لكنه لا يختلف عن كل المخططات التي أبت فلسطين إلا أن تكسرها بصمودها!

مشروع إبادة مغلفٌ بالذهب!

لم يكن تصريح ترامب نزوة رجلٍ منفلت اللسان، بل هو لسان حال مشروع طويل الأمد، بدأ منذ أن وطأت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، وما زال يتجدد في كل مرحلة بأشكال أكثر سفالة وخبثًا.

اليوم، يريدون غزة خالية من أهلها، ليقيموا على أنقاضها إمبراطورية من الإسمنت والفنادق، ويحوّلوا مخيمات اللاجئين إلى منتجعات سياحية على بحرٍ ماج بالأشلاء والدم!

لكن هيهات!

هل يظن هؤلاء أن الفلسطيني شجرة بلا جذور يمكن اقتلاعها ورميها في الصحراء؟

هل يتخيلون أن الذاكرة تُمحى، وأن المدن العتيقة تُنسى، وأن الوطن يتحول إلى ورقة تُوقع عليها عقود البيع والشراء؟

غزة ليست رقعة في لعبة الاحتكار! غزة نبتت من جذور التاريخ، وشربت من دماء المقاومين، وتشبعت برائحة البارود، ولن تكون إلا ما أرادها أبناؤها: حصنًا منيعًا، عصية على الخضوع!

القمة العربية المقبلة… لحظة الحقيقة

في هذا المشهد الحاسم، تأتي القمة العربية المرتقبة في القاهرة. وقد كان الشيخ حمد بن جاسم بن جبر رئيس وزراء قطر السابق واضحًا في رؤيته حين قال إنها يجب أن تكون مختلفة عن سابقاتها، لأن اللحظة تتطلب موقفًا موحدًا، صارمًا، يرفض أي مخطط يمس حقوق الشعب الفلسطيني.

إنها لحظة الحقيقة التي يجب أن يسمع فيها العالم موقفًا عربيًا لا لبس فيه:

لا للتهجير!

لا للمشاريع التي تسلب الأرض من أصحابها!

لا لأي حلٍ لا يحفظ حقوق الفلسطينيين وفق قرارات الشرعية الدولية!

فإن كان هناك من يريد فرض حل بالقوة، فليواجه موقفًا عربيًا متماسكًا، لا يقبل أن تكون غزة ورقة مساومة، أو ساحة تجارب لحلول مؤقتة لا تخدم إلا من يسعى لتصفية القضية الفلسطينية.

إسرائيل.. وأطماع لا تعرف الحدود

إنَّ من يراقب سياسات الاحتلال يدرك أن المشروع الصهيوني لم يكن يومًا مشروع سلام، بل هو مشروع توسعي لا يتوقف عند حدود.

ومُنذ النكبة حتى اليوم، كانت كل خطوةٍ نحو “السلام” بالنسبة لإسرائيل مجرد غطاءٍ للتوسع، وذريعةً للسيطرة على المزيد من الأرض.

وما يطرحه نتنياهو اليوم ليس إلّا امتدادًا لهذه السياسة؛ حيث يريد أن يبقى الوضع في حالة توتر دائم، لا دولة فلسطينية مستقلة، ولا حقوق واضحة، بل مشروعٌ مفتوحٌ لابتلاع ما تبقى من فلسطين، وربما من الأرض العربية كلها.

لا شك أن الأمن والاستقرار الحقيقيين في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقهما إلّا بعدلٍ حقيقي، يُعطي الفلسطينيين حقهم الكامل في أرضهم، لا عبر حلول تكرّس الظلم وتحاول أن تحل المشكلة عبر تغيير الجغرافيا بدلاً من تصحيح التاريخ.

ولذلك لا بديل عن موقف عربي واضح وقوي؛ فالمعركة اليوم ليست بين قوتين عسكريتين؛ بل هي معركة إرادة وصمود، بين شعبٍ متمسكٍ بأرضه، وبين قوى تحاول انتزاعه منها بطرقٍ ناعمةٍ تارة، وبالقوة تارة أخرى.

لكن هذه الأرض، التي صمدت في وجه النكبات والحروب، لن تفرّط في حقها، وستظل غزة شوكةً في حلق كل من يحاول المساس بها.

إنَّ الأمل معقودٌ على أن تكون القمة العربية المقبلة محطة تاريخية لصياغة موقف واضح، يعبّر عن إرادة الأمة في رفض أي مساس بحقوق الفلسطينيين.

وليكن الموقف العربي كما كان دائمًا: داعمًا للحق الفلسطيني، رافضًا لأي مشروع يحاول فرض حل لا يخدم إلا الاحتلال وأطماعه.

غزة ليست للبيع!

إذا كان هناك من يظن أن غزة مجرد أرض يمكن التفاوض عليها، فهو واهمٌ لم يقرأ التاريخ جيدًا.

غزة ليست قطعة أرض فارغة؛ بل هي روحُ مقاومة، ورمزُ بقاء، وأيقونة صمود لا تُشترى ولا تُباع.

وإن أرادوا تحويلها إلى مشروع عقاري، فإن الأرض ستصرخ، والبحر سيهيج، والصخور ستتكلم، لتقول لهم: هنا غزة، أرض الأحرار، ومقبرة الطغاة!

"لا يُغيّرُ اللهُ ما بقومٍ حتى يُغيّروا ما بأنفسهم".

فإما أن يكون الموقف العربي بحجم التحدي، أو أن تظل القضية في مهب الريح.. لكن فلسطين ستبقى، وغزة لن تُقتلع من جذورها، مهما حاولوا!

** كاتب لبناني

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

حينما تكـــون فـــي قــائمــة الأرشــــيف !

عبد العزيز السليماني

أرسل ما تشاء من رسائلك القصيرة أو الطويلة، فلا صوت يصدح، ولا جواب يأتي، ولا أبواب تُفتح لقراءة ما تودّ قوله! هذا هو حال الكثير من الناس الذين يضعون تصنيفًا شخصيًّا للبشر؛ كلما بَعُدت درجة الأهمية بالنسبة لهم، كلما كنت بعيدًا عن مرمى التواصل معهم.

أصبحت خدمة الرسائل «الوتسابية» من أكثر وسائل التواصل استخدامًا بين ملايين البشر، سواء كان هذا التواصل صوتيًّا أو كتابيًّا أو مرئيًّا.

في أماكن مختلفة، تجد الناس يشغلون أوقاتهم في مراسلة الآخرين والتواصل معهم، لكن بعض الناس، حتى وإن كان التواصل معهم من أجل العمل، لا يردون على المكالمات الهاتفية، وتبقى الرسائل «الوتسابية» معلقة دون أن تحصل على إذن أو إيضاح لما بها من كلمات.

هذه الأفعال تصدر من فئة معينة من الناس، سرّ ذلك هو أنهم يرون أنك لست مهمًّا بالنسبة لهم، حتى وإن كنت شخصًا بسيطًا «على باب الله». اهتمامات هذه الفئة هي قطع كل حبال التواصل مع الآخرين، حتى وإن لم يكن الأمر يتعلق بطلب شخصي.

عندما تسأل نفسك: لماذا لا يرد على الاتصال؟ ترى من الواجب ألا تزعجه، وتكتفي بإرسال رسالة يتيمة، لتفاجأ بأنها هي الأخرى تظل «عالقة في مكانها»، وتعلم أنك في قائمة الانتظار، وتتمنى الحصول على الرد. والواقع الذي تتنبه له فيما بعد أن كل رسائلك القديمة والحديثة محبوسة في خانة الأرشيف أو تابوت المهملات ــ كما يسميه البعض.

أصبحت «المصلحة» هي التي تحرّك الكثير من الناس نحو اتجاهات الحياة، والارتباط بالأشياء، والتواصل مع الآخرين. وغياب «المصلحة» هو ما يُخرج البعض من نطاق الإنسانية إلى التعامل مع الغير بطريقة غير آدمية. فطالما أنك لست من المُرحّب بتواصلهم معهم -حتى وإن كنت نقيًّا، غير مؤذٍ أو متسلق- تبقى بعيدًا عن «العين والقلب».

عندما تلتقي بشخص لا تريد منه شيئًا سوى أنك تظن به خيرًا، وتخبره بأنك دوما تحاول الاتصال به صوتيًّا وكتابيًّا، وتطالبه بمعرفة الجواب الذي يُقنعك ويفك عنك شر التساؤلات والتخمينات وسوء الظن أحيانًا! تجده يُسرع لفتح كتاب «المبررات»، يذكر لك بأنه مشغول جدًّا في أعماله اليومية، أو لم ينتبه لكثرة الرسائل التي تصل إليه، أو ليس لديه الوقت الكافي للرد حتى وإن قرأ ما كتبت. لذا، فهو «عذر أقبح من ذنب». لكن، لو كانت هناك مصلحة تُرجى منك، فستجده متصلًا طوال الوقت، ولربما منحك اهتمامًا خاصًّا ووقتًا أطول من أي شيء آخر يعترض طريقه.

بعض الناس يتبنى فكرة الرد فقط على الأرقام المسجلة في هاتفه، أما الأرقام الأخرى فلا يرد عليها، حتى وإن كانت لا تطالبه بشيء أو تلزمه بأمر. يرى بأن حياته يجب أن يُسخّرها لنفسه، دون أن يعي أن عليه حقوقًا يجب أن يؤديها للآخرين.

من خلال المواقف والأحداث نكتشف أن أرشفة الرسائل في الهواتف النقالة قد حرمت البعض من فرصة الحصول على الردود، وأصبحت عبارة عن «صندوق مظلم» يرمي فيه بعض الناس مطالب الآخرين، أو يحجب البت في بعض الأمور المهم الرد عليها.

باختصار شديد، الحياة لم تُخلق من أجل الهروب من الآخرين أو تصنيفهم على حسب «المصلحة»، وإنما البشر سواسية في الحصول على الحقوق وأداء الواجبات. فلو لم يكن لدى الآخر شيء عندك، لما طرق بابك. تأكد بأن كف اليد عن مساعدة الغير سلوك سوف يحاسبك الله عليه يومًا، وربما تقع في شر أعمالك إذا اعتقدت بأن حوائج الناس لا تُقضى إلا من خلالك.

بعض المواقف والتصرفات تكشف الكثير من السواد الذي يُخفيه البعض عن الآخرين، فمثلًا عندما تتصل بشخص ما وتجد حسن استقباله لمكالمتك، ثم يدر وجهه عنك، لتجد نفسك غير مرغوب في الرد عليه، فأفضل الأشياء أن تحفظ كرامتك، وأن تنأى بنفسك جانبًا عن هذه النوعية من البشر الذين لا يهمهم إلا أنفسهم، ويُغلّبون مصلحتهم فوق أي شيء.

مقالات مشابهة

  • أيمن الرقب: مصر رفضت مخطط التهجير القسري من غزة منذ اليوم الأول
  • حينما تكـــون فـــي قــائمــة الأرشــــيف !
  • ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يجيب
  • المقصود ببيع المال بالمال والموقف الشرعي لهذا التعامل.. الإفتاء توضح
  • عاجل: الجمعية الفلكية لـ"اليوم": زلزال روسيا العنيف يفضح مزاعم "الاصطفاف الكوكبي"
  • وزير الري يتابع موقف مشروع تأهيل المنظومة المائية الممول من بنك التعمير الألماني
  • اليوم..بدء تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع سكن مصر بالقاهرة الجديدة
  • نرفض التهجير.. الخارجية: مصر تقوم بدور محوري لإدخال المساعدات لغزة
  • الحوالي وسيف يناقشان استكمال الربط الشبكي والتدريب الإداري بين وزارتي الخدمة المدنية والكهرباء والمياه
  • شيخ العقل: لن نسمح بالفتنة وندعو لفك الحصار عن السويداء