علي الفاتح يكتب: المشروع المصري لإنقاذ الشرق الأوسط!
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
مجمل المواقف المصرية الرسمية قدَّم ملامح استراتيجية بلد الأهرامات لإنقاذ الشرق الأوسط، ورسم خارطة جديدة تضمن أمن وازدهار دول المنطقة.
تدرك جميع الأطراف أنّه لا شيء يمر بشأن الصراع العربي الإسرائيلي طالما لم يحظ بموافقة مصرية، وكلمة لا التي أعلنتها مصر ضد مخطط تهجير الفلسطينيين، سواء من قطاع غزة أو الضفة الغربية، كشفت هذه الحقيقة.
بشهادة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وافق تنظيم الإخوان المسلمين على مشروع تهجير سكان غزة إلى جزء من شبه جزيرة سيناء مقابل تعويض مصر بأراضٍ في صحراء النقب المحتلة، وهذا واحد من الأسباب المركزية التي جعلت باقي الدول الرئيسية فى منطقة الخليج العربي تتخذ مواقف رافضة لهذه الجماعة، فاستمرار حكم الإخوان كان يعني نفاذ هذا المخطط، الذي سيؤدي بالضرورة إلى شيوع الفوضى وحالة عدم الاستقرار في عموم المنطقة.
هذا التاريخ الموثق يفسر تماهي منصات جماعة الإخوان الإعلامية مع ما يبثه الإعلام الصهيوني من شائعات وأكاذيب.
من بين تلك الشائعات تلقِّي مصر 20 ألف دولار كرسوم مقابل عبور شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، فقد تسابقت المواقع الصحفية الإخوانية ومحطاتهم التليفزيونية إلى نشر تلك الأكذوبة، نقلا عن موقع «ميدل إيست آى» الذى يصدر من لندن ومعروف بارتباطه الوثيق بالتنظيم الإرهابي والمخابرات البريطانية.
ذات الموقع صاحب شائعة تهديد وزارة الدفاع الأمريكية بقطع المساعدات العسكرية، وعرقلة أعمال الصيانة للأسلحة الأمريكية إذا لم تستجب مصر لدعاوى تهجير الفلسطينيين، وقد نقلها عن موقع تايمز أوف إسرائيل الصهيوني.
أصحاب الشاحنات نفوا بشكل قاطع أكاذيب الإخوان تماما كما نفتها الدولة المصرية فى بيان رسمي، كذلك لا يوجد أي مصدر صحفي أمريكي أو أوروبي لشائعة تهديد البنتاجون، ولم ينشرها سوى الموقع ومن خلفه منصات الإخوان الإعلامية.
إنها الحرب النفسية ذات الأهداف المتعددة بين تشويه دور الدولة المصرية وإرباك صانع القرار والتشويش على الرأي العام المصري والعربي.
للأسف بعض المنصات المصرية تماهت مع شائعة البنتاجون، وهو ما يفرض علينا الحذر والانتباه لطبيعة مصدر هذا النوع من الأخبار.
المشروع المصري لإنقاذ الشرق الأوسط من سيناريوهات الفوضى، التي من شأنها تفكيك أغلب دول المنطقة، بات واضح المعالم، فسياسيا واجه كافة الضغوط الأمريكية بصلابة وصرامة جعلت وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو يدرك أنّه لا سبيل لإحداث تغيير في موقف الساسة المصريين، فقال: «حسنا، الرئيس الأمريكي طرح مبادرته، لكنه على استعداد لمناقشة الحلول البديلة».
يقول الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، للرئيس الأمريكي أثناء المؤتمر الصحفي الذى جمعهما: «يتعين علينا انتظار الخطة المصرية».
لم يُرد الملك التعجيل بالصدام مع الرئيس الأمريكي ليقينه أنّ لدى مصر ما يجنب المنطقة صداما لا يحبه أحد مع الولايات المتحدة، ويجعل مخطط التهجير في غزة والضفة مجرد فقاعة هواء.
من الناحية العملية انتهت مصر من وضع مخطط إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، وتصور لليوم التالي لانتهاء الحرب بشأن إدارة القطاع عبر لجنة مستقلة ليس فيها عناصر من حركة حماس.
قمة الرياض الخماسية المرتقبة، التي ستجمع مصر والسعودية والإمارات وقطر والأردن، وممثلا عن السلطة الفلسطينية، ستبحث تنفيذ المخطط المصري، سواء بشأن إعادة الإعمار، أو سؤال من سيحكم غزة، وربما تناقش آليات التصدي لمخطط ضم الضفة الغربية وتهجير أهلها إلى الأردن.
منذ أشهر طويلة انخرطت مصر في حوارات معمقة بين حركتي حماس وفتح، وقد أعلنت حماس عدم رغبتها بالمشاركة في حكم غزة، وتم بالفعل التوصل إلى صيغة توافقية، للأسف، رفضها أبو مازن، وظني أنّ لدى الدولة المصرية رصيدا من الثقة لدى فصائل المقاومة، يؤهلها لمعالجة ما تبقى من تفصيلات صغيرة للوصول إلى مواءمة بين المقاومة والسلطة الفلسطينية، وربما يتفق الزعماء الخمسة على صيغة لإقناع أبو مازن أو رئيس وزرائه محمد مصطفى بتلك الصيغة الضرورة لإبطال أي حجة أمريكية صهيونية.
ما سيتفق عليه الزعماء العرب في قمة الرياض، ومن بعدها قمة القاهرة الطارئة، هو ما ستوافق عليه الولايات المتحدة ولو بعد حين.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: مواقف مصر القضية الفلسطينية الشرق الأوسط إسرائيل
إقرأ أيضاً:
خفايا الدعم الأمريكي للإخوان.. شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري «الحلقة 42»
- عمر سليمان حذر الأمريكان في 2003 من تبني جماعة الإخوان وأمريكا رفضت التحذير.
- واشنطن رأت في الإخوان جماعة وظيفية لإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية.
- مهدي عاكف مرشد الجماعة يقول في حديث للمصري اليوم 2005: الرئيس مبارك هو ولي الأمر وطاعته واجبه!!
- محمد بديع مرشد الجماعة الجديد يقول: مبارك أب لكل المصريين ونحن نريد حقنا من «والدنا»!!
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.
أروى هذه الشهادات بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.
المؤامرة ضد مصرمع مضي الأيام بدأت تفاصيل المؤامرة ضد مصر تتكشف، ويدرك الجميع أبعادها.
كانت القاهرة على ثقة أن موقفها الرافض لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأرض المصرية سيكون له ثمنه، وإنها ترصد بدقة تواصل الإدارة الأمريكية مع جماعة الإخوان وعناصرها الأساسية خارج البلاد.
وفي عام 2003 سافر عمر سليمان مدير جهاز المخابرات العامة المصرية إلى الولايات المتحدة في مهمة استغرقت يومًا واحدًا، وهي مهمة سرية كان الهدف منها تحذير الإدارة الأمريكية من خطورة علاقتها بجماعة الإخوان.
وعندما التقى عددا من المسئولين الأمنيين والسياسيين الأمريكيين، تحدث عمر سليمان بكل صراحة ووضوح محذرًا من مخاطر هذا الحوار، وتداعياته على مصر والمنطقة.
وقال عمر سليمان: هؤلاء ليسوا صادقين، لديهم أهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها، وساعتها سينقلبون عليكم، وسيعملون على بناء دولة دينية معادية حال وصولهم للحكم.
وبعد حوارات متعددة أدرك عمر سليمان أن واشنطن مصممة على استمرار حوارها مع الجماعة، وفتح المزيد من القنوات مع عناصر الداخل والخارج.
كان الهدف من وراء كل ذلك هو إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي بطريقة تخدم أهداف إسرائيل، وهذا لن يتحقق إلا بوصول الإخوان للسلطة في الدول المحيطة بإسرائيل، فهؤلاء ليس لديهم ولاء للأرض، ولا يؤمنون بالحدود، وكافة مقولات قادتهم تؤكد ذلك.
كانت كافة مراكز الأبحاث الأمريكية تدعم هذه الرؤية، وترى أن الوقت قد حان لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن إسرائيل تخوض حروبًا منذ عام 1948 لتحقيق هذا الهدف، الذي يمنحها الأرض ويحقق لها السلام ولو على حساب الآخرين.
الفوضى الخلاقةأما كونداليزا رايس التي كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية في هذا الوقت، قد طرحت هي الأخرى رؤيتها للمتغيرات المقبلة لبناء شرق أوسط جديد وفى مقدمتها نظرية «الفوضى الخلاقة»، التي تعنى في مضمونها «التخلي عن مفاهيم الأمن والاستقرار» حتى لو تسبب ذلك في إسقاط العديد من الأنظمة الحليفة والموالية للولايات المتحدة، بزعم أن هذه الفوضى حتمًا سينتج عنها وضع أفضل من الأوضاع السائدة في المنطقة، وقد أكدت ذلك تفصيلاً في حديثها للواشنطن بوست بتاريخ 19 أبريل 2005. ولم تبدِ اعتراضها في هذه الفترة على إمكانية وصول الإخوان للسلطة بالطريق الديمقراطي.
وقد تعددت الاتصالات بين ممثلين لجماعة الإخوان وتحديدًا، التنظيم الدولي، وبين عناصر استخباراتية أمريكية، بهدف الاتفاق حول الخطوات القادمة لأسس التنسيق بين الطرفين.
كانت واشنطن قد سعت في هذا الوقت إلى التأكد من مصداقية وعود الإخوان ومدى التزامهم بالاستراتيجية الأمريكية حال وصولهم للحكم في مصر والعالم العربي، وقد رصدت المخابرات العامة المصرية وجهاز مباحث أمن الدولة ورود تعليمات من قيادة الـ(سي.آي.إيه) إلى مسئولي محطات المخابرات الأمريكية في عدد من الدول الغربية والشرق الأوسط لتجنيد عدد من كوادر الجماعة للتعرف من خلالهم على الموقف الحقيقي للإخوان المسلمين من السياسة الأمريكية في المنطقة.
وفى عام 2006 زار وفد برئاسة ريتشارد ميرفي (مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأوسط) مقر الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان في المنيل بالقاهرة، حيث التقى الوفد مع عدد من نواب جماعة الإخوان بالبرلمان، وهم: سعد الكتاتني وحسين إبراهيم وحمدي حسن، وتم خلال الزيارة الحديث عن ضرورة تنمية العلاقة بين نواب الإخوان بالبرلمان وبين مراكز الأبحاث الأمريكية، ولم يكن ذلك إلا عنوانًا للمهمة، إلا أن الأمر كان يحوى تكليفًا من الإدارة الأمريكية لريتشارد ميرفي بمعرفة رؤية الإخوان حول القضايا المطروحة وتطوير الحوار بين الجماعة والإدارة الأمريكية.
وفى أكتوبر عام 2006 بدأت ملامح هذا المخطط تتكشف تدريجيًا بأبعادها المختلفة، من خلال البلاغ الذى تقدم به عضو جماعة الإخوان المدعو «محمد عبد الغنى محمد حسن» الذى كان يعمل في بلغاريا، عندما التقى القنصل العام للسفارة المصرية في بلغاريا، وهو رجل مخابرات، وأبلغه أن أحد عناصر الاستخبارات الأمريكية التقاه أكثر من مرة في أماكن متعددة داخل بلغاريا، وكان الهدف من وراء هذه اللقاءات هو تجنيده لصالح المخابرات الأمريكية بهدف التجسس على جماعة الإخوان ومعرفة حقيقة مواقفها السياسية.
وقد أكد محمد عبد الغنى للقنصل المصري أن الشخص الأمريكي الذى سعى إلى تجنيده يعمل بمقر السفارة الأمريكية في بلغاريا، وأنه فهم منه أن هناك عناصر إخوانية أخرى في بلغاريا وغيرها تم تجنيدهم للغرض نفسه.
في هذا الوقت كتب القنصل العام المصري في بلغاريا تقريرًا أرسله إلى الجهات المختصة التي أطلعت بدورها الرئيس مبارك عليه، كما جرى إطلاع جهاز مباحث أمن الدولة على ذات المعلومات التي كان الجهاز نفسه قد توصل إليها عبر اختراقه للتنظيم الدولي للإخوان.
لقد أصبح لدى الاستخبارات الأمريكية في هذا الوقت قناعة بأن الإخوان يستهدفون الوصول إلى السلطة في مصر، وأنهم في سبيل ذلك مستعدون لتنفيذ كافة المطالب الأمريكية.
مبارك وأمريكاكانت الأزمة بين مصر والولايات المتحدة قد أصبحت على فوهة بركان بفعل التدخلات الأمريكية المباشرة في الشئون الداخلية المصرية، والتآمر على استقرار البلاد.
وكان الرئيس مبارك قد أبلغ وزير خارجيته، أنه لن يزور الولايات المتحدة كنوع من الاحتجاج على تدخل الإدارة الأمريكية في الشئون المصرية، ووصول معلومات تشير إلى دورها الهادف إلى إسقاط نظامه وفتح الطريق أمام الإخوان المسلمين للقفز على السلطة في البلاد.
وفى عام 2007 عُقد لقاء بمنزل السفير الأمريكي بالقاهرة بين د.سعد الكتاتنى (زعيم الكتلة البرلمانية للإخوان في مجلس الشعب) وبين «ستاني هوهر» زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأمريكي، حيث تعرض اللقاء إلى سيناريوهات المستقبل ومرحلة ما بعد نظام مبارك.
ووضح من خلال هذا الاجتماع أن واشنطن لن تقف حائلًا أمام وصول الإخوان للسلطة فى البلاد، وأنها ستمارس ضغوطها على النظام لوقف قمعه للإخوان والمعارضة.
وبعد أحداث المحلة فى 6 أبريل 2008 بدأت جماعة الإخوان تُعِدُّ العدة للمرحلة القادمة، خاصة بعد أن أدركت حجم الاحتقان الشعبى ضد نظام مبارك، فسعت إلى تكثيف لقاءاتها بالمسئولين الأمريكيين للاتفاق حول سيناريوهات المستقبل.
كان نظام مبارك فى هذا الوقت يعقد الصفقات مع الجماعة، يتركها تعيث فسادًا فى البلاد طولًا وعرضًا، شريطة ألا تتعرض لكرسى الحكم، وبذلك منحها الفرصة للتحرك والتغلغل فى النقابات وكافة الأوساط المجتمعية، ولم يكن يسمح لجهات الأمن بالتدخل إلا فى مواجهة بعض التحركات التى كان يراها خطيرة.
كانت واشنطن تمارس ضغوطها على النظام، وتتهمه بعدم احترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكانت التقارير التي تصدر من المنظمات الدولية والمحلية بإدانة ممارسات النظام ضد معارضيه، تشكل قلقًا لأركان النظام الحاكم في هذا الوقت، ولذلك كان مبارك يرفض الاعتداد بالتقارير الأمنية التي كانت تطالبه بضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لتجفيف منابع الإخوان ومنظمات المجتمع المدني المموَّلة من الخارج.
وفى عام 2009 ومع وصول المرشح الديمقراطي «باراك أوباما» إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة بدأت المؤامرة تأخذ أبعادًا جديدة، لقد سعى أوباما إلى خديعة الرئيس مبارك وجاء إلى مصر في يونيو 2009 ليخطب في قاعة المؤتمرات بجامعة القاهرة متحدثًا عن المصالحة مع العالم العربي والإسلامي، وبما يؤكد عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول واحترام حقوق الإنسان والسعي إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، غير أن التحركات الأمريكية على الأرض كانت على العكس من ذلك تمامًا.
وقد كان من المدهش هنا أن تصر السفارة الأمريكية على دعوة قيادات إخوانية للمشاركة في هذا اللقاء.
لقد قرر أوباما في هذا الوقت استئناف ضخ ملايين الدولارات إلى منظمات المجتمع المدني الموالية لواشنطن خصمًا من قيمة المعونة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، ورغم الاحتجاجات المصرية التي تقدمت بها د.فايزة أبو النجا (وزيرة التعاون الدولي في هذا الوقت)، إلا أن واشنطن ظلت على موقفها ورفضت كافة النداءات المصرية، بل إنها زادت من حدة تدخلها في الشئون الداخلية للبلاد من خلال التقارير المعادية التي كانت تعدها جهات أمريكية حول تردي الحريات الدينية في مصر والممارسات القمعية للنظام، وبدأت حملة قوية في الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية حول قضية التوريث التي أحدثت قلقًا كبيرًا لدى كافة الدوائر الشعبية والعسكرية في مصر.
كانت الأجهزة الأمنية تسدي النصائح للرئيس مبارك، حيث طالبته بضرورة إحداث تغيير واسع في البلاد، وقدَّمت العديد من التقارير التي تؤكد أن واشنطن تتحاور بجدية مع جماعة الإخوان للانقلاب على نظام الحكم في البلاد، إلا أن مبارك لم يكن مستعدًا للاستماع إلى أحد في هذا الوقت.
التنظيم الدوليوفى شهر مايو من ذات العام سافر د.محمد البلتاجي القيادي الإخواني وعضو مجلس الشعب إلى تركيا، حيث التقى وفدًا من قيادة حماس كان يشارك في مؤتمر «نصرة غزة» الذى عُقد لبحث سبل دعم سكان قطاع غزة في مواجهة الحصار الذى كان مفروضًا عليهم.
وخلال هذا اللقاء أكد قادة حماس للبلتاجى أن هناك عبئًا كبيرًا ملقًى على جماعة الإخوان في مصر لإنهاء الحصار المفروض على القطاع، وأكدوا له أن أعضاء الحركة قد منحوا بيعتهم للمرشد العام لجماعة الإخوان، وأنهم ملتزمون بكافة قرارات مكتب الإرشاد، وأن الولاء للجماعة والتنظيم الدولي له الأولوية.
وفى العام نفسه التقى القيادي الإخواني حازم فاروق (النائب بالبرلمان عن جماعة الإخوان في هذا الوقت) بالمسئول عن اللجان بحركة حماس في لبنان ويدعى «أبو هشام»، وقد دار حوار بين الطرفين حول مدى استعداد حركة حماس لمساندة جماعة الإخوان في مصر حال اتخاذها قرارها النهائي بالانقلاب على نظام الحكم في مصر حال تدهور الأوضاع في البلاد.
وفي هذا اللقاء أكد حازم فاروق أن جماعة الإخوان تنسق مع كافة القوى السياسية لحشدها ضد النظام وتهيئة الساحة للتغيير الكبير الذى سيعمل الإخوان على إحداثه في مصر خلال الفترة القادمة. وأكد «أبو هشام» أن عناصر من حماس وحزب الله يجرى تدريبها فى معسكرات حزب الله بهدف إسقاط النظام المصري، الذى أصبح يشكل خطرًا على الشعب المصري وعلى القضية الفلسطينية على السواء.
فى هذا الوقت كانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على خلية لعناصر تنتمى إلى حزب الله، تم القبض على أعضائها وتقديمهم للمحاكمة فى القضية رقم 254/2009 حصر أمن دولة عليا، حيث كانت هذه الخلية مكلفة بتنفيذ أعمال عنف ضد المنشآت الحيوية بمصر.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، كان المخطط قد بدأ يأخذ خطوات جادة سواء فيما يتعلق بالإعداد الداخلى أو التواصل مع قوى الخارج خاصة مع الأمريكان من جانب ومع حركة حماس وحزب الله من جانب آخر، كان الجميع قد اتفقوا على ضرورة الاستعداد للتدخل المباشر والإجهاز على نظام الحكم الضعيف فى مصر.
وكان الاجتماع الأخطر هو الذى جرى فى الفترة من 15-17 يناير عام 2010 فى بيروت بين محمد نزال (عضو المكتب السياسى لحركة حماس) وبين وفد إخوانى كان قد زار لبنان فى هذا الوقت وضم كلًا من: حسين إبراهيم ومحمد البلتاجى وإبراهيم أبو عوف وأسامة جادو.
وخلال هذا اللقاء حمل الوفد رسالة من المرشد الجديد للجماعة د.محمد بديع إلى قادة حماس أكد فيها أن الجماعة بصدد انتظار اللحظة الحاسمة لتنفيذ مخطط الاستيلاء على السلطة فى مصر بعد إسقاط النظام الحالى الذى يواجه معارضة شعبية كبيرة، وأن ذلك يوجب على حركة حماس الاستعداد الكامل لمساندة الجماعة فى تحركاتها المقبلة.
وأشار الوفد الإخوانى إلى أن الجماعة أبعدت العناصر الإصلاحية عن صفوفها بهدف تمكين القطبيين من السيطرة الكاملة على مكتب الإرشاد، لتنفيذ مخطط إسقاط النظام، الذى كان بعض الإصلاحيين يعترضون عليه.
وقد حذَّر محمد نزال وفد الإخوان من خطورة ما يتردد عن احتمال تولى اللواء عمر سليمان أو المشير حسين طنطاوي للحكم خلفًا لحسنى مبارك حال سقوطه، وقال إن ذلك سوف يعنى استمرار النظام وممارساته، وطالبهم برفض هذا الخيار، وبحيث يكونون هم الطرف الأساسي في تقرير مستقبل الحكم بعد سقوط مبارك.
ورصدت الأجهزة الأمنية في هذا الوقت أيضًا لقاء جرى بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وبين علي أكبر ولايتي مستشار الإمام خامنئي في نوفمبر 2010 في دمشق، حيث تم خلاله الاتفاق على التنسيق المشترك بين الطرفين في إطار ترتيبات المرحلة القادمة في مصر.
كانت الأمور تمضى سريعًا، نظام يتهاوى في مصر بفعل الرفض الشعبي العارم لممارساته، وقوى تتآمر وتستعد للقفز على السلطة في البلاد بمساندة إقليمية ودولية.
في هذا الوقت كانت حركة حماس قد عهدت إلى أحد أعضائها ويدعى «أكرم العجوري»، المعروف بعلاقاته مع عناصر من بدو سيناء، بالبدء في التواصل معهم، انتظارًا لأحداث هامة قد تشهدها البلاد في أقرب وقت ممكن.
كانت البلاد على فوهة بركان.. كان المصريون ينتظرون التغيير الكبير، لكن الإخوان وبعض أتباعهم كانوا يُعدون العدة لنشر الفوضى والسيطرة على الحكم واختطاف الوطن.
كان مبارك يرفض النصائح المقدمة إليه بضرورة مواجهة الإخوان والحد من نفوذهم، لقد كان يظن أن الإخوان سيظلون على نهجهم المعلن بعدم معاداة السلطة أو رأس الدولة، ولذلك ترك لهم حرية التحرك في كافة الأوساط النقابية والاجتماعية والسياسية.
لقد سمح لهم الرئيس بمقر علني في المنيل وآخر في جسر السويس والعديد من المقرات الأخرى، وكان مكتب الإرشاد يجتمع دوريًا تحت سمع وبصر السلطات الأمنية المصرية.
لقد جرى ذلك عبر اتفاق غير معلن بين مبارك وجماعة الإخوان، «تحركوا وتغلغلوا كيفما تشاءون، ولكن بشرط عدم الصدام أو معاداة رئيس الجمهورية».
وكانت الصدمة عندما حصل الإخوان على 88 مقعدًا فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005، وهو ما شكل تجاوزًا عن العدد المتفق عليه خلال الاتفاق الذى جرى بين الطرفين، الذى تم داخل مبنى مباحث أمن الدولة بحضور كل من د.محمد مرسى وخيرت الشاطر (عضوى مكتب الإرشاد فى هذا الوقت) مع قيادات مباحث أمن الدولة، وهو ما دعا الدولة إلى التدخل فى الجولة الثانية للانتخابات للحد من فوز الإخوان بما هو أكثر من ذلك.
لقد كانت موافقة مبارك على هذه الصفقات التى كانت تعقدها مباحث أمن الدولة مع جماعة الإخوان، قد تمت بضغوط أمريكية، وكان مبارك يقول دائمًا: «أنا لا أريد صداعًا جديدًا، اتركوهم يتحركوا، ويدخلوا البرلمان حتى نأمن شرهم».
وعندما تردد اسم محمد بديع كمرشح لمنصب مرشد عام جماعة الإخوان كتب جهاز مباحث أمن الدولة تقريرًا يحذر فيه من اختيار بديع باعتباره يميل إلى العنف ويقود التيار القطبي التكفيري داخل الجماعة.
وعندما سأل مبارك، عمر سليمان عن هذا الأمر، أجابه قائلا: كلهم زي بعض، ولكن تاريخ محمد بديع معروف للكافة، وهو بالفعل شخصية «صدامية».
غير أن مبارك كان له رأي آخر، فقد كان على ثقة بأن بديع لن يخرج عن نهج محمد مهدي عاكف المرشد السابق، الذى كان حريصًا على عدم الصدام بالدولة وكان مؤيدًا للرئيس ونهجه.
كان مهدى عاكف قد طلب لقاء الرئيس من خلال حديث أدلى به لوكالة الأنباء الألمانية في 6 من سبتمبر 2004، قال فيه: «إنه بعث برسالة للرئيس حسنى مبارك يطلب فيها لقاءه لنقل رؤية الجماعة إليه»، وقال: «إنه أرسل هذه الرسالة منذ عدة أسابيع ولم يتلق أي رد عليها»، وقال أيضًا «إنه سبق أن أرسل أكثر من رسالة لمبارك يشرح فيها رؤية ومطالب الإخوان بشأن ما هو مطروح من قضايا على الساحة السياسية حاليًا»، وقال: «إنه إذا ما تحقق لقاء الرئيس سنطرح عليه ما لدينا من أفكار ونستمع لما عنده، وسنطرح رؤيتنا لقضايا الإصلاح ومختلف القضايا القومية الأخرى، وسنؤكد له أننا لا نطمع في السلطة ولا نسعى إليها ولا نطرح أنفسنا كبديل للحكم».
كانت الكلمات قد أعجبت الرئيس، وكان يرى أن مهدى عاكف من الشخصيات العاقلة التي يجب احتضانها والتعامل معها بطريقة مختلفة.
لقد صّرح عاكف في حديث أدلى به لصحيفة «المصري اليوم» في الأول من يناير 2005 بأن «الرئيس مبارك هو ولي الأمر، وطاعته واجبة»، وقال: «لا نقبل إفساد العلاقة بين مبارك وأبنائه من الإخوان المسلمين».
وفى 20 يوليو من نفس العام أدلى بحديث لمجلة «المصور» أعلن فيه تأييده لترشح مبارك لرئاسة الجمهورية، وطلب مجددًا لقاءه.
لقد وصل الأمر بجماعة الإخوان إلى الإعلان عن دعم النظام بشكل واضح، حيث أدلى المرشد العام بحديث إلى وكالة رويترز في 31 من أكتوبر 2009 قال فيه: «إن الجماعة لن تحاول تحدى الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في انتخابات الرئاسة التي ستجرى عام 2011 في ظل الدستور الحالي»، وقال: «إن حركته التي تسعى لإقامة دولة إسلامية بوسائل غير عنيفة، لن تقوم بعملية تحدٍّ انتخابي»، وقال: «إن الرئاسة الآن ليست في أجندتي، لأنها تحتاج إلى مقدمات كبيرة جدًا، حينما أريد أن أترشح لها»، وقال: «أنا لن أدخل بالقوة وأصطدم مع النظام، أنا قلت لهم: لا، إنما أدخل مع بقية كل الشرفاء من أبناء مصر ونتعاون معًا حتى نصلح هذا الفساد، ومهمتنا أن نضع أيدينا في أيدى بعض حتى نصلح الحال.. .»!!
ورغم التحذيرات الأمنية من تولي محمد بديع منصب المرشد العام للجماعة، إلا أنه حتى عام 2010 كان صوت المرشد الجديد لا يختلف كثيرًا عن صوت سابقه.
لقد أرسل محمد بديع فى 28 من مارس 2010 برقية تهنئة إلى الرئيس مبارك بمناسبة عودته إلى مصر سالمًا بعد رحلة علاج طويلة فى الخارج، قال فيها: «السيد الرئيس محمد حسنى مبارك رئيس الجمهورية، نهنئ سيادتكم بسلامة العودة إلى أرض الوطن، بعد أن منَّ الله عليكم بنعمة الشفاء، داعين الله عز وجل أن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء، وأن يجمع أبناء الوطن جميعًا قيادة وشعبًا على خير ما يحب ربنا ويرضى».
وفى أبريل 2010 كانت الإعلامية منى الشاذلى تُجرى حوارًا مع د.محمد بديع قال فيه: «مبارك أب لكل المصريين، والمصريين عاوزين حقهم من أبوهم».
ولم يقف الإخوان ضد توريث السلطة لجمال مبارك، فقط كانوا يريدون تحقيق بعض المكاسب السياسية والتنظيمية في المقابل ومن بينها حقهم في تشكيل حزب سياسي لهم ذي مرجعية دينية.
لقد قال لي عمر سليمان، إنه كان هناك توجُّه لدى بعض قيادات الحكم في مصر بالموافقة على حزب لجماعة الإخوان باسم مختلف، إلا أنه رفض ذلك بكل شدة وأبلغ الرئيس مبارك بخطورة الموافقة على هذا الحزب الذى سيفتح الطريق أمام صراع ديني في البلاد.وكان ذلك أيضًا موقف جهاز مباحث أمن الدولة.
و ينشر موقع «الجمهور» يوم الجمعة من كل أسبوع، شهادة الكاتب والبرلماني مصطفى بكري عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.
مصطفى بكري: نقل صلاحيات خامنئي للحرس الثوري يمهّد لمفاجآت إيرانية في مواجهة إسرائيل
مصطفى بكري يطلق تحذيرا خطيرا: إيران ستستخدم كل أسلحتها حال تدخل أمريكا بالحرب.. وستعم الفوضى
مصطفى بكري: قانون الإيجار المعدل «باطل» ويهدد السلم المجتمعي