قيمة الانتماء في مجموعة بنكهة البرزخ للشاعر يونس البوسعيدي
تاريخ النشر: 22nd, February 2025 GMT
يُعدُّ الانتماء حالة وجودية عميقة ترتبط بهويته وثقافته وتاريخه. الشاعر يعيش الانتماء كجزء أساسي من تكوينه الإبداعي، حيث يصبح هذا الانتماء مصدر إلهامه وقوة تعبيره. الانتماء أيضًا يخلق لدى الشاعر مسؤولية تجاه مجتمعه، فهو لا يكتب لنفسه فقط، بل يصبح صوتًا يعبر عن آمال وآلام الجماعة التي ينتمي إليها. من خلال شعره، يمكن أن يعبر عن قضايا وطنه، يدافع عن قيمه، أو حتى ينتقد ما يراه معيقًا لتقدمه.
"مسقطُ أحجيةٌ في مرآة امرأة هولندية
قالت:
((مسقطُ أمُّ الناسِ
الناسُ بمسقط مرجُ زهور يُسقى من حبٍ واحدْ
في مقهى في ((شطّ القرم)) و ((سوق السيب))
كما أسنان المشطِ
هنا الإنسانُ هو الميزانْ"
مسقطُ بنت الحبِّ، وبنت الحصنِ، وبنت النخل، وبنت البحر، وتلبس خنجر كالتنورْ
و (المريول) كأقفاصٍ من ذهبٍ لعصافير الفستانْ
مسقط يرمقها الحصنُ
ولكن يغفو في شاطئها الحورْ
مسقطُ بنت السمت الذهبي المتلألئ ...
وهي العذراءُ التختلس الرقص الشرقيَّ إذا سدرتْ في الخلوةِ والألحانْ
كالصوفيّ ينادمُ في محبسه السّجّانْ".
يظهر في هذا النصّ قيمة الانتماء بصورة سامية وذكية، يستخدم فيها الشاعر شيفرات سيمائية تقرّب القيمة الجمالية إلى النصّ، وتسبغ عليها طابعاً دلالياً جديداً محمّلاً بالحوار والدهشة والرمز؛ إننا نلحظ هذا منذ العنوان الذي كان حداثياً جداً، الأحجية هي السرُّ الذي يدور حوله موضوع الانتماء الذي يديره على لسان امرأة (هولندية )، ولعلّ اختياره لكونها هولندية ينبع من رغبته في أن يكون الحديث على لسان غريب، فهو لم يقل عمانيّة، ليكون الحديث أصدق، وليدلل على أنَّ الجميع يحبّون عمان ليس فقط أولادها، وأنَّ الحديث على لسان امرأة يعطي النص عاطفةً أصدق، فالشاعر بدأ الحديث بلسان المرأة ليعطي النص صدقه وعاطفته. في قوله (مسقط أم الناس) إشارة إلى أنّ مسقط وطنٌ جامع، يلمّ شمل الإنسانية جمعاء، يكتمل المشهد في حديثها فترى الإنسان في عمان حراً والناس جميعاً سواسيةً لا يفرق أحدهم عن الآخر في شيء، يسود العدل في النظر إليهم بشراً في وطن يحترم إنسانيتهم، وذكر الأماكن في النص دليل على قوة هذه الفكرة؛ المقهى والسوق أهم مكانين يجتمع بهما الناس من كل لون ، لا يلبث الشاعر العماني يطرح فكرة انتمائه لوطنه، ولا ينسى أن يصور محيطه ومكانته في داخل هذا الانتماء الاجتماعي والثقافي الذي يكوّنه ويتعايش معه وقد يختلف عنه أحياناً؛ فهو مع إبراز عاطفته التي تظهر في اعتزازه بهذا الانتماء، يظهر كينونته الاجتماعية داخل مجتمعه وما يعكس داخل هذا المجتمع، وأيضاً يصور حاله فيه وما يجابهه، وما يحاوله في رسمه الذي يستخدم فيه الكلمات:
"مسقط يشجر فيها الرعدُ بصوت النهّام
يصعد فيها المخيال لأعلى من نخلة فرضٍ بسمائلْ
والشاعرُ يطفو كبلادٍ بمدار السرطانِ
على أصداءِ قبائلْ
ويكسّر أسر الكلماتِ ليحيي سربَ أيائلْ
والمعنى جرحٌ خمريٌّ سائلْ
والرؤيا جوهرةٌ
تظهر دلالات قيمة الانتماء الجمالية في النص من خلال لمحات بلاغية بيانية، فعلى صعيد المعنى نجد فكرة الانتماء حاضرة بقالب بياني يؤكد فيه الشاعر على ذكر ضمير الـ (نا) أي نحن، ليؤكد فكرة الاتحاد والانصهار مع الجماعة، وهذا التوكيد مهم جداً، لا سيّما أن الانتماء الذي يتطرق إليه الشاعر انتماءٌ وطني يمثل هوية الشاعر ونزعاته وعواطفه:
"شرفات الحصن أمّي أثّثتها
بالحكايات: (ألا ياما.. وياما)
أفقها القاني كما التاريخ سرٌّ
دمُنا للأفق قد كان مُقاما
والسماوات لنا قد أرسلتنا
للطواغيت قياماتٍ ضراما
نحن معنى قولهم (ذات عمادٍ)
بالعمانيين دين الحبِّ قاما
ويظهر الشاعر متحدثاً باسمه المنصهر مع اسم الجماعة التي ينتمي إليها وهم أبناء وطنه، يصفهم ويفصل في صفاتهم وعاداتهم ومواقفهم وأيامهم، ولا ننسى أنَّ العلاقة بين الإنسان والانتماء علاقةٌ تلازمية، يتنوّع فيها التلازم (الانتماء) بتنوّع العلاقات الإنسانية في مكان وزمان محددين، فهو ظاهرة إنسانية قُدمى يرقى تاريخها إلى بداية تاريخ الوجود الإنساني نفسه. وإنَّ الرابط الأولى الذي يربط بين المرء وانتمائه هو الحب؛ فبتجربة الشاعر الإنسان لا بد من ظهور العاطفة التي تعدّ ركيزة من ركائز الانتماء الذي يمثّل جملةً من العواطف.
* فاطمة حيدر العطاالله شاعرة وروائية سورية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: هذا الانتماء هذه القیمة هذه القیم من خلال
إقرأ أيضاً:
النحات عصام درويش: تمثال مجدي يعقوب يُجسّد القيمة الإنسانية والعلمية
عقدت وزارة الثقافة، صباح اليوم الأحد، مؤتمرًا صحفيًا بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، تم خلاله عرض نموذج لتصميم ميدان الكيت كات بعد التطوير وموقع التمثال المتوقع.
وقال عصام درويش، النحات المصري القائم على مشروع تمثال جراح القلب العالمي الدكتور مجدي يعقوب، إنه تم الانتهاء تصميم تمثال جديد يُجسّد القيمة الإنسانية والعلمية للملاك الطيب، في قلب ميدان الكيت كات بمحافظة الجيزة، بطول يصل إلى 14 مترًا، مشيرًا إلى أن التصميم لا يكتفي بتخليد الملامح الشكلية للدكتور يعقوب، بل سيُجسّد أيضًا علاقته بالأطفال والمرضى وتلامذته من شباب الأطباء، ليكون تمثالًا حيًا ينطق بالرسالة التي حملها طوال مسيرته.
وأوضح، أن الزمن المقترح لتنفيذ المشروع هو 8 أشهر، تحت إشراف مباشر من محافظة الجيزة، مشيرًا إلى أن المشروع يُنفّذ بأعلى المعايير الفنية، على أن يُصبح التمثال معلمًا حضاريًا وثقافيًا في قلب العاصمة.
وأعرب النحات عصام درويش، نحات التمثال، عن سعادته بالتكاليف بنحت تمثال للدكتور العالمي مجدي يعقوب، قائلًا إن مجدي يعقوب له مكانة عظيمة في نفوسنا وبالتالي هذا التكليف هو وسام وله أهمية كبيرة لدي.
وحضر المؤتمر الصحفي، الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والسير مجدي يعقوب، والمعماري حمدي السطوحي مساعد وزير الثقافة للمشروعات الثقافية والفنية ورئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، والمهندس محمد أبوسعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، والدكتور علاء عبد السلام، مدير دار الأوبرا المصرية، ودكتور طارق الكومي، نقيب التشكيليين، وعادل النجار، محافظ الجيزة، وخالد عبد الغفار، وزير الصحة والسكان.
اقرأ أيضاًوزير الثقافة: السير مجدي يعقوب أثبت أن الطب رسالة رحمة ومحبة
محافظ القليوبية يستقبل وزير الثقافة وسط ترقب شعبي لتداعيات إغلاق 8 بيوت ثقافية
قصور الثقافة تدعم مكتبة «توت» الرقمية بأعداد جديدة من «قطر الندى»