تشييع السيد: حزب الله نحو استعادة المبادرة؟
تاريخ النشر: 23rd, February 2025 GMT
في مشهدٍ يُعيد إلى الأذهان ذروة الحضور الجماهيري الذي طبع تاريخ حزب الله، تتجلّى أهمية التشييع الذي ينظمه الحزب اليوم في المدينة الرياضية في بيروت للامين العام السابق السيد حسن نصرالله، ليس كمجرد حدثٍ رمزي لتكريم قياديٍ شهيد، بل كفعلٍ استراتيجي متعدد الأبعاد، يُعيد من خلاله الحزب ترتيب أوراقه الداخلية والخارجية، ويُوجه رسائلَ قويةً إلى أطرافٍ عدّة، داخل لبنان وخارجه.
فالتظاهرة ليست مجرد وداعٍ لشخصيةٍ مؤثرة، بل محطةٌ لاستعادة الهيبة وتأكيد المواقع، ومرحلة فاصلة بين الحزب المربك والحزب الذي يستعيد المبادرة.
أولاً، يعكس الحشد الشعبي الكبير المتوقع في التشييع استعادة الحزب لتوازنه الداخلي بعد فترةٍ من التحديات السياسية والأمنية التي مرّ بها، خصوصاً في أعقاب التطورات الإقليمية والضغوط التي عصفت بلبنان. الحضور المكثف سيشكّل إشارةً واضحةً بأن الحزب لا يزال قادراً على تعبئة قواعده، وأن شرعيته الشعبية لم تُهتز، ما يعيد له دور "القوة التي لا يمكن تخطيها" في المعادلة اللبنانية، سواء على مستوى الشارع أو في أروقة السلطة. هذا الحشد سيكون بمثابة ورقة ضغطٍ جديدةٍ يعيد بها الحزب حساباته مع خصومه، ويُذكّر بأنه يحتفظ بقدرةٍ على حسم التوازنات إذا اقتضت الظروف.
ثانياً، يُبرز التنظيم الدقيق للحدث، الذي تتكفل به وحدات الحزب اللوجستية والأمنية، عودةَ الهيكلية القيادية إلى سابق عهدها من الصرامة والانضباط. فالقدرة على إدارة حشدٍ بهذا الحجم، في ظل أوضاعٍ معقدةٍ أمنياً وسياسيا، تُشير إلى أن البنية التنظيمية للحزب لم تتراخَ، بل ربما تعززت بعد تجاربَ مريرةٍ مرّ بها الحزب. هذا الأمر سيعزز ثقة القاعدة الجماهيرية والمقاتلين بأن "الآلة التنظيمية" لا تزال تعمل بكفاءة، ما ينعكس إيجاباً على تماسك الحزب في مواجهة التحديات المقبلة.
من الناحية المالية، تُظهر المبالغ الكبيرة التي رُصدت للحدث أن الحديث عن أزمةٍ ماليةٍ طاحنةٍ داخل الحزب ربما يكون مبالغاً فيه، أو أن الحزب تمكّن من تعويض النقص عبر شبكة الدعم الإقليمية التي تربطه بحلفائه. إنّ القدرة على تمويل فعاليةٍ بهذا الحجم، مع ما يرافقها من تحضيراتٍ إعلاميةٍ وأمنية، تُشير إلى أن الحزب يحتفظ بجزءٍ مهمٍ من موارده، أو أن حلفاءه مستعدون لضخ أموالٍ إضافيةٍ لدعم مشهد "القوة" الذي يريد تقديمه، خصوصاً في مرحلةٍ تشهد فيها المنطقة تحولاتٍ قد تؤثر على أدوار الفاعلين فيها.
على الصعيد الإقليمي، سيسعى الحزب من خلال هذا التشييع إلى إثبات أنه لا يزال يحتفظ بامتدادٍ شعبيٍ وتنظيميٍ يتجاوز الحدود اللبنانية، حتى لو تراجع حضوره الميداني المباشر في دولٍ مثل العراق أو اليمن. الحضور المتوقع لوفودٍ أو رموزٍ من هذه الدول، سواء بشكلٍ علني أو غير مُعلن، سيكون بمثابة تأكيدٍ على أن الحزب قادرٌ على تفعيل شبكة علاقاته عند الحاجة، وأنه ما يزال لاعباً مؤثراً في المعادلة الإقليمية، وإن بشكلٍ غير مباشرٍ أحياناً. هذه النقطة بالغة الأهمية في ظل تنافس القوى الإقليمية على ملء الفراغات، ورغبة الحزب في إثبات أنه لم يُستبعَد من المشهد.
أخيراً، سيعمل الحدث على منح الحزب شرعيةً جديدةً، تمكّنه من المناورة في الداخل اللبناني المتشظي. هذه الشرعية قد تُترجم لاحقاً إلى تحركاتٍ سياسيةٍ أو حتى عسكريةٍ، كتفعيل خطاب المواجهة مع إسرائيل أو الضغط على الخصوم المحليين. التشييع، بهذا المعنى، ليس نقطة نهاية، بل بدايةٌ لمرحلةٍ يُحاول فيها الحزب إعادة تدوير أدواته ليبقى طرفاً لا يُغفل في معادلاتٍ تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: أن الحزب
إقرأ أيضاً:
بين الجاهزية والعواقب.. هل ينخرط حزب الله في الحرب بين إيران وإسرائيل؟
وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي تحذيرًا شديدًا لحزب الله ملوّحًا بـ"القضاء النهائي عليه" إذا تحرّك عسكريًا، في حين أكد نعيم قاسم أن الحزب "ليس على الحياد". اعلان
وجّه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس تحذيرًا مباشرًا إلى حزب الله، داعيًا إياه إلى "التعلم من دروس الماضي"، ومؤكدًا أن أي تحرك جديد من الحزب "سيعني القضاء عليه نهائيًا"، وفق تعبيره.
وفي منشور على منصة "إكس"، وصف كاتس الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم بأنه "لم يتّعظ من أسلافه"، مشيرًا إلى أنه "يتحرك وفق أوامر المرشد الإيراني علي خامنئي"، الذي وصفه بـ"الديكتاتور".
يأتي هذا التحذير في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيدًا غير مسبوق بين إيران وإسرائيل، وسط ترقب لموقف حزب الله الذي لم يرد عسكريًا حتى الآن رغم استهدافه المتكرر داخل الأراضي اللبنانية.
نعيم قاسم: لسنا على الحيادخرج قاسم بالأمس ليؤكد بوضوح أن الحزب "ليس على الحياد" تجاه الحرب الحالية، موضحًا أن موقف الحزب يأتي داعماً لـ "دفاع إيران عن حقها المشروع" ضد ما وصفه بـ"العدوان الإسرائيلي". هذا التصريح، رغم غياب أي تحرك عسكري مباشر من الحزب حتى الآن، يعكس تحولًا في النبرة السياسية، وقد يكون تمهيدًا لتدخل محسوب في حال استمر التصعيد أو توسّع نطاق الحرب.
Relatedحرب الأرقام الثقيلة بين إيران وإسرائيل: حين تفوق كلفة الدفاع ثمن الهجومدبلوماسيون: محادثات مباشرة بين إيران والولايات المتحدة وسط تصاعد النزاع مع إسرائيلسفير إيران لدى الأمم المتحدة ليورونيوز: أوروبا مسؤولة جزئياً عن الصراع الإيراني-الإسرائيليبين الصمت العسكري والجاهزيةرغم تعرضه لسلسلة من الضربات الجوية الإسرائيلية بعد وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، لم يرد حزب الله عسكريًا، وهو ما فسّره البعض بتراجع قدراته بعد خسائر بشرية وميدانية طالت قياداته وبُناه التحتية. لكن تقارير إعلامية، تشير إلى أن الحزب ما زال يحتفظ بقدرات عسكرية، تشمل صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة، وأنه يعتمد تكتيك "الصبر الاستراتيجي" بانتظار لحظة مواتية.
في المقابل، فإن مشاركة الحزب في الحرب قد تعرّضه لضربات أعنف من تلك التي تلقاها في المواجهة السابقة، خاصة في ظل تعهّد إسرائيل بمنع إعادة بناء قدراته العسكرية، وتأكيدها أنها لن تتهاون مع أي تهديد مستقبلي. كذلك، فإن أي تصعيد واسع قد يدفع بواشنطن إلى إعادة طرح سيناريوات الردع أو العقوبات، أو حتى فتح الباب أمام تدخلات دولية مباشرة في الساحة اللبنانية.
بالنسبة للحزب، فإن انخراطه في هذه الحرب، أو حتى التلويح بذلك، يحمل أبعادًا تتجاوز الميدان. إذ يرى مراقبون أن دعم إيران في هذا الظرف قد يعيد للحزب بعضًا من وزنه الذي تراجع خلال الأشهر الأخيرة، لا سيما بعد اتهامات قوى سياسية لبنانية تحمله مسؤولية التدهور الاقتصادي والتصعيد الأمني. كما أن خروجه من الصراع إلى جانب طهران دون هزيمة، قد يُكرّسه مجددًا كقوة إقليمية فاعلة في مايسمى بـ "محور المقاومة".
ضغوط دولية وتمايز لبنانيفي المقابل، أطلقت الولايات المتحدة تحذيرات واضحة من أي خطوة تصعيدية للحزب. فالمبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، أعلن من بيروت أن "تدخل حزب الله في هذه الحرب سيكون قرارًا سيئًا جدًا"، مضيفًا أن واشنطن تتابع عن كثب ما يجري على الساحة اللبنانية.
أما على المستوى الرسمي اللبناني، فأكد رئيس البرلمان نبيه بري أن "لبنان لن ينخرط في الحرب بنسبة 200%"، في موقف يسير الى تمايز الدولة عن قرارات الحزب العسكرية، فيما شددت الخارجية اللبنانية على أنها تواصل اتصالاتها الإقليمية والدولية لتجنيب لبنان تداعيات الحرب الدائرة في المنطقة.
حتى الآن، لا تزال كل المؤشرات تتأرجح بين التلويح والتريّث. فبين التحذير الإسرائيلي، والموقف الحذر من الحزب، والتصعيد الإقليمي المتسارع، يبقى السؤال الأساسي مطروحًا: هل يقرر حزب الله الدخول في المواجهة مباشرة؟ أم يكتفي بالموقف السياسي في انتظار ما ستؤول إليه المعركة بين طهران وتل أبيب؟
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة