درعاـ في ظاهرة لم تكن مألوفة إبان عهد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، يلقى السوريون العائدون عبر المنافذ الحدودية معاملة راقية من قبل قوات حرس الحدود العاملين في هذه المنافذ، مما يجعلهم يلحظون حجم التغيير في التعامل في ظل الحكم الجديد.

فالدخول والخروج إلى سوريا عبر المعابر المختلفة إبان النظام السابق كان كابوسا يؤرق القادمين إليه، في ظل المعاملة غير الآدمية التي كانت سائدة فضلا عن الرشوة والتنكيل بأي شخص دون أي ذنب اقترفه وقد يصل الأمر إلى الاعتقال دون أدنى سبب.

الجزيرة نت توجهت إلى معبر نصيب الحدودي بين الأردن وسوريا، ورصدت عشرات الحافلات التي تقل سوريين، وسط حالة من الفرح والابتهاج، لاسيما أن غالبيتهم يزورون بلدهم لأول مرة منذ سنوات.

ويعتبر معبر نصيب أحد المنافذ البرية الذي ما يزال يعج بالسوريين العائدين من بلدان عديدة، لاسيما من الاتحاد الأوروبي، إذ يقصدون مطار الملكة علياء في العاصمة عمان، ومن هناك يستقلون الحافلات باتجاه المعبر الذي يوصلهم إلى محافظة درعا.

وفي 10 فبراير/شباط الجاري، قال مدير العلاقات العامة في هيئة المنافذ السورية مازن علوش "خلال أول شهرين بعد إسقاط النظام المخلوع، استقبل معبر نصيب 174 ألفا من المواطنين السوريين والضيوف العرب والأجانب، توزعوا على 109 آلاف مسافر قادم، و64 ألفا من المغادرين، وتم تقديم التسهيلات اللازمة لهم".

تواصل وصول المغتربين السوريين إلى معبر نصيب الحدودي (الجزيرة) 

معاملة راقية

تحدثت الجزيرة نت مع بعض السوريين العائدين، حيث أشادوا كثيرا بالمعاملة التي وصفوها بأنها "راقية وأخوية" لأفراد حرس الحدود، وأعربوا عن سعادتهم بهذه الظاهرة التي لم تكن مألوفة إبان حكم الأسد.

إعلان

وقال أحد الشباب العائد "ما زلت أعتقد أنني في حلم، وليس في حقيقة، فأنا قادم من ألمانيا ولم أزر بلدي منذ 9 سنوات، ولم أكن أتوقع أن تطأ قدماي يوماً أرض سوريا".

وتساءل المواطن "كيف لي أن أزور بلدي سابقا وأنا مطلوب لخدمة الجيش، ليس هذا فقط، بل إنّ الواحد فينا لم يكن يأمن على نفسه في ظل وجود عصابة حاكمة لا همّ لها إلا إذلال الشعب ونهبه، وجمع الأموال، ولهذا فقدت الأمل برؤية أهلي ووطني، وبدأت أفكر بطرق بديلة، وبلد ثالث نلتقي به".

وأضاف الشاب الذي يحمل حقيبة موشحة بالعلم السوري "يالها من معاملة راقية، فأفراد الأمن الجدد عاملونا بمبدأ الأخوّة، ورحّبوا فينا ترحيبا كبيرا، وأخبرونا أن البلد بانتظارنا لإعادة إعماره، فهو يحتاج جهود الجميع".

وأضاف "سألت الموظف عند نافذة التأشيرات عن إجراءات المغادرة بالاتجاه المعاكس، فمازحني قائلاً: ربما نعرقل إجراءات رجوعك لأننا نحب أن تبقى معنا هنا لبناء الوطن".

وعلى مقربة منه، تقف امرأة وإلى جوارها أبناؤها، وجميعهم عائدون من الدانمارك إلى حمص (وسط) وتقول "شعور عظيم جدا انتابني عندما رأيت لافتة (الجمهورية العربية السورية ترحب بكم).. نعم بدأنا نشعر أننا نملك كل شيء في هذا البلد".

وأضافت "ما إن وصلنا إلى الجانب السوري من المعبر، حتى صعد إلى الحافلة أحد أفراد الأمن، ووقف بيننا مبتسما ورحب بنا بلغة تبشر بالخير والمستقبل الواعد لبلادنا".

ومشهدٌ آخر رصدته الجزيرة نت، حيث شوهد أطفال صغار يحملون ورودا، وقالوا إن أفراد الأمن وزعوها عليهم، مما يشير إلى أن عهدا جديدا بدأ على النقيض تماما مما كانت عليه البلاد في السابق.

السوريون العائدون عبر المنافذ الحدودية يلقون معاملة راقية من قبل قوات حرس الحدود (الجزيرة) فرق شاسع

رجل آخر من مدينة دمشق، قال للجزيرة نت إن هذه المرة الثانية التي يأتي فيها إلى سوريا عبر معبر نصيب، حيث كانت الأولى قبل 3 سنوات.

إعلان

وعن الفرق بين المرتين، قال الرجل العائد من السويد إن الفرق شاسع للغاية ففي المرة الأولى كنت مرعوبا جدا، لأن عناصر الأمن التابعين لنظام الأسد عاملونا بطريقة فوقية وكأننا غرباء، بالإضافة إلى الإتاوات التي فرضوها علينا، كما نهبوا جزءا من الهدايا التي جلبناها لأهلنا وأقاربنا من الشتات.

وتابع "أما اليوم، شعرت أنني أمام معبر آخر، وبلد آخر، وغابت كل مظاهر الابتزاز والمعاملة السيئة والنهب والقمع والوعيد، بل نحن أمام مشهد تتجلى فيه الإنسانية في أبهى صورها".

كما عبر عن سعادته الكبيرة لأنه سيقضي أول رمضان في سوريا من دون نظام الأسد، مضيفا "لعلنا نعيش أجواء رمضان، لأن رمضان بالغربة كان قاسيا حينما كنا بعيدين عن أهلنا وديارنا، وعاداتنا وموروثنا الديني والاجتماعي".

وأعرب الرجل عن أمله في اكتمال المشهد وإعادة إعمار سوريا، وأن يعم الأمن والاستقرار أرجاء البلاد، موضحا "نحن جميعا سوريون، لا مكان بيننا للطائفية المقيتة التي حاول نظام الأسد اللعب على وترها من أجل تثبيت حكمه".

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، سيطرت فصائل سورية على العاصمة دمشق بعد مدن أخرى، منهية 53 سنة من حكم عائلة الأسد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات قمة الويب معبر نصیب

إقرأ أيضاً:

كيف ساهم تطبيق تجسس في إسقاط نظام الأسد؟

أدى هجوم إلكتروني متطور، تنكّر في صورة مبادرة مساعدات إنسانية، إلى إضعاف الجيش السوري كثيرا، مما يُعتقد أنه ساهم في الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024.

وحسب معلومات كشف عنها تحقيق للصحفي السوري كمال شاهين، ونُشر في 26 مايو 2025 بموقع مجلة نيوز لاين الأميركية، فإن هذه العملية تُسلط الضوء على حقبة جديدة من الحرب السيبرانية التي يمكن للأدوات الرقمية فيها، أن تُطيح بقوة عسكرية تقليدية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2توماس فريدمان: الإشارات الخاطفة التي رأيتها للتو في إسرائيلlist 2 of 2هآرتس: دولة تحتفل بالإبادة الجماعية فقدت عقلها كلياend of list

عملية خداع مزدوج

الاستغلال بدأ بتطبيق مزيف يطلق عليه: STFD-686، وهو يحاكي تطبيق "الأمانة السورية للتنمية" الرسمي، والذي كانت تُشرف عليه أسماء الأخرس زوجة الأسد.

وتم توزيع هذا التطبيق عبر قناة تلغرام غير موثقة، مستهدفاً الضباط الذين يعانون من ضائقة اقتصادية شديدة، مع وعود بمساعدات مالية مثلت الطُّعم الذي جذب الآلاف منهم لتحميله، وتوفير معلومات شخصية وعسكرية كجزء من إجراءات التسجيل.

لكن بمجرد تثبيته، لم يكتفِ التطبيق بجمع بيانات حساسة عبر نماذج تصيد احتيالي (مثل رتب الضباط، ومواقع خدمتهم، وتفاصيل عائلاتهم)، بل استخدم كذلك برنامج التجسس SpyMax.

هذا البرنامج المتقدم سمح للمهاجمين بالوصول الكامل إلى سجلات المكالمات، والرسائل النصية، والصور، والمستندات، وحتى تفعيل الكاميرات والميكروفونات من بُعد على الأجهزة المُخترقة.

إعلان

هذه العملية المعقدة، التي جمعت بين الخداع النفسي والتجسس الإلكتروني المتطور، تُشير إلى تخطيط دقيق ومُحكم، وفقا لشاهين.

انهيار من الداخل

ظل برنامج التجسس هذا يعمل خمسة أشهر على الأقل قبل "عملية ردع العدوان" التي شنتها قوات المعارضة السورية، والتي أدت إلى سقوط النظام وسيطرتها على حلب في ديسمبر/كانون الأول عام 2024.

البيانات التي تم جمعها وفرت للمهاجمين خريطة حية لانتشار القوات ونقاط الضعف الإستراتيجية، مما منحهم نافذة آنية على الهيكل العسكري السوري، ويُرجح أن المعلومات المُخترقة ساعدت الثوار في تحديد الثغرات الدفاعية والتخطيط لهجمات مفاجئة وسريعة.

تُسلط هذه الحادثة الضوء على نقطة فريدة، وهي أن حملة التجسس هذه لم تستهدف أفرادًا بعينهم، بل مؤسسة عسكرية بأكملها. ويُمكن أن يُفسر هذا الاختراق الواسع النطاق للقيادة العسكرية حالات تضارب الأوامر والفوضى داخل الجيش السوري خلال الأيام الأخيرة للنظام، وحتى حوادث النيران الصديقة التي شهدتها ساحة المعركة وبالذات في حماة.

الحرب السيبرانية:

ورغم أن المخططين الحقيقيين لهذا الاختراق لا يزالون مجهولين، فإن ثمة تلميحات تشير إلى جهات فاعلة مختلفة، بما فيها فصائل المعارضة السورية وأجهزة استخبارات إقليمية أو دولية، فإن فعالية الهجوم كانت واضحة.

جنود تابعون للنظام السوري المخلوع في منطقة بحلب الغربية، سوريا (رويترز)

وتُجسد هذه الحادثة كيف يمكن للأدوات الرقمية منخفضة التكلفة، أن تُدمر قوة عسكرية تقليدية، وتوضح كيف أن نقاط الضعف المنهجية مثل انخفاض الروح المعنوية، وانخفاض الأجور، ونقص الوعي الأمني الرقمي، والفساد، يُمكن أن تُصبح ثغرات تُستغل في الحروب الحديثة.

ومن الصعب تحديد عدد الهواتف التي تعرضت للاختراق في الهجوم بدقة، ولكن يُرجّح أن يكون العدد بالآلاف، وقد أشار تقرير نُشر على قناة تلغرام  نفسها في منتصف يوليو/تموز إلى إرسال 1500 تحويل مالي ذلك الشهر، مع منشورات أخرى تُشير إلى جولات إضافية من توزيع الأموال، و"لم يوافق أيٌّ من الذين تلقوا الأموال عبر التطبيق على التحدث معي، مُشيرين إلى مخاوف أمنية" على حد تعبير شاهين.

إعلان

وخلص التحقيق إلى أن الكشف عن هذا الهجوم السيبراني ساعد في تفسير كيف سقط نظام كان مهيمنًا في السابق بهذه السرعة وكيف كانت مقاومته ضعيفة إلى هذا الحد.

مقالات مشابهة

  • ساعات عمل معبر الكرامة الأحد المقبل
  • طفرة في التعاون الاقتصادي بين سوريا والأردن بعد سقوط الأسد
  • وصول أول باخرة محملة بالقمح إلى ميناء طرطوس منذ سقوط الأسد
  • ميناء طرطوس السوري يستقبل أول سفينة قمح منذ سقوط الأسد
  • "حصان طروادة السيبراني".. تطبيق الكتروني ساهم في انهيار نظام الأسد
  • كيف ساهم تطبيق تجسس في إسقاط نظام الأسد؟
  • أساطير انتشار الكنوز تقود إلى رواج البحث عن الذهب في سوريا بعد سقوط نظام الأسد
  • سوريا.. رئيس منظمة الإنقاذ يكشف لـCNN كيف تختلف المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد عن مناطق المعارضة وكيف ستزدهر البلاد؟
  • إحباط محاولة تهريب شحنة مخدرات ضخمة عبر معبر نصيب الحدودي
  • أسبانيا تدعو لفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة