الاقتصاد نيوز - متابعة

ساهمت الأساطير المتعلقة بانتشار الكنوز من الذهب والمعادن الثمينة في مختلف أنحاء الأراضي السورية، التي شهدت قيام حضارة عريقة، في رواج ظاهرة محاولة البحث عن تلك الكنوز بين العديد من السوريين، وهو ما ساعد عليه الفراغ الأمني أحياناً في بعض تلك المناطق.

وشهدت الأشهر الأخيرة تزامناً مع الفترة التالية لسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، رواجاً لأجهزة كشف المعادن، وتوافد البعض على مناطق بدمشق وأراضٍ زراعية في الريف ليلاً حاملين بعض تلك الأجهزة وخرائط ومجارف من أجل البحث عن الذهب والمعادن النفيسة في تلك البقاع، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

ويقول تجار التجزئة إنه لم يكن من الممكن شراء أجهزة كشف المعادن في سوريا سابقاً، لكن خلال هذا العام تم افتتاح عدة متاجر في العاصمة مخصصة بالكامل لهذه الأجهزة.

ووفقاً للصحيفة، تبيع هذه المتاجر نماذج لتلك الأجهزة بأسعار تصل إلى 10 آلاف دولار، مع تزيين واجهات المتاجر بصور أعلام سورية وقطع ذهبية ورجال يحملون أحدث أجهزة الكشف.

زيادة مرونة شراء الأجهزة

أحد تجار التجزئة، ذكر للصحيفة، أن عدداً قليلاً من الناس كانوا ينقبون سراً عن الكنوز لعقود، ولكن بعد سقوط الأسد، زاد تلك الأنشطة بسبب "مرونة شراء هذه الأجهزة". وذكر أن بعض الزبائن يشتبهون في وجود مقتنيات ثمينة مدفونة في أراضيهم، عادةً نتيجة لتراث عائلي متوارث عبر الأجيال.

وأضاف: "لكن لدينا الكثير من الناس الذين يمارسون هذا كهواية. أولئك الذين يذهبون للتخييم يجدونها هواية ممتعة. حتى أن هناك أجهزة مصممة للأطفال. نبيع مقاسات الأطفال باللونين الأخضر والوردي".

وقال بائع آخر إنه باع عشرات أجهزة الكشف من متجره الصغير في العاصمة السورية، الذي يعرض ملصقاً كبيراً لـ"أجهزة كشف المعادن والماء". في داخل المتجر توجد أجهزة كشف يدوية ألمانية وصينية وأميركية، بالإضافة إلى أجهزة بعيدة المدى باهظة الثمن ومخصصة للاستخدام الشاق. وادعى بائعون أن بعض السوريين قدموا من دول مجاورة للمشاركة في هذا البحث.

أساطير انتشار الكنوز

ذكر التقرير أن البحث عن الكنوز يسيطر على وجدان العديد من السوريين، وما يرجع جزئياً إلى تاريخ البلاد الغني. فعلى مدى أجيال، تناقل السوريون أساطير الكنوز المدفونة، والذهب القديم، والقطع الأثرية الثمينة التي خلّفتها الحضارات الغابرة، والمسافرون على طريق الحرير، أو الحجاج المتجهون إلى السعودية أو بلاد الحجاز في السابق.

وقال الأستاذ السوري في تاريخ وأنثروبولوجيا الشرق الأوسط بجامعة شوني ستيت في أوهايو، عمرو العظم، والذي عمل في إدارة الآثار بالولاية قبل الحرب، لفايننشال تايمز: "كل شخص في منطقتنا يعرف أحد الأقارب الذي كان يحفر في منزله ووجد جرة مملوءة بالذهب". وأضاف: "هذا جزء من الأسطورة المتداولة في منطقتنا".

لكن في ظل التشديد الأمني الذي كان يتبعه النظام السابق، كانت رحلات التنقيب عن تلك المعادن أو الكنوز تعد غير قانونية، بزعم حماية المواقع الأثرية. ومن كان يفعل ذلك مارس نشاطه سراً.

ومع حدوث فراغ أمني في بعض مناطق البلاد بعد سقوط النظام السابق، بدأ العديد بالحفر في ساحات منازلهم وهدم الجدران بحثاً عن أي ثروات خفية، بحسب الصحيفة البريطانية.

وقال العظم: "دمرت الحرب في سوريا الاقتصاد وسبل عيش الناس، فبحث الناس عن مصادر دخل أخرى". 

وأضاف أن الفكرة لم تكن بعيدة عن الأذهان، فمعظم السوريين، "يعيشون فوق موقع أثري، أو بجوار موقع أثري، أو على مرمى حجر منه".

ونقلت فايننشال تايمز عن أحد أعضاء المكتب الإعلامي للحكومة، قوله، إن التنقيب لا يزال "غير قانوني من الناحية الفنية". وأضاف: "لكن [الحكومة] تغض الطرف لأنها غير قادرة على ملاحقة الجميع وإرسال دوريات إلى جميع المناطق".

انتشار أجهزة كشف المعادن

مع تلك التطورات استغل تجار التجزئة في منطقة الشرق الأوسط فرصة بيع أجهزة كشف المعادن بما في ذلك، عبر فيسبوك، وذكر التقرير أن متجر في الإمارات، يُركز خصيصاً على العملاء السوريين، يعرض خدمة الشحن ويعد بأجهزة كشف معادن يزعم أنها مناسبة للتربة الصخرية والبازلتية في سوريا.

ومن بين تلك الصيحات الحديثة، نسخة من هذه الأجهزة مقاومة للماء من أجل استخدامها للغوص بحثاً عن الذهب أو المعادن النفيسة.

وذكر عمرو العظم أن الصيادين كانوا يستهدفون غالباً المناطق المحيطة بخط سكة حديد الحجاز - الذي كان يعمل في أوائل القرن العشرين ويربط دمشق بالمدينة المنورة في السعودية - ظناً منهم أن هذه المنطقة مليئة بالذهب.

وأضاف أن البعض يعتقد أن القوات العثمانية المنسحبة، التي هزمها البريطانيون في القدس عام 1917، دفنت صناديق ذهبية في طريقها شمالاً.

محاولات لبيع عملات مزيفة

هناك أيضاً من استغل اعتقاد البعض بهذه الأساطير في محاولات بيع قطع ذهبية على أنها تاريخية بصورة مخالفة للحقيقة. وقال عظم: "معظم ما يُعرض للبيع، على وسائل التواصل الاجتماعي أو من خلال الشائعات، من عملات ذهبية يُفترض أنها عثمانية أو رومانية، مزيف"، مرجعاً ذلك إلى "خيال الناس المفرط".

وقال إن بعض القطع الأخرى ربما كانت مسروقة. وأضاف: "لقد عُرضت عليّ بالفعل ورأيت نماذج حقيقية لقطع أثرية مهمة من مناطق مختلفة من سوريا. وقد ازداد هذا بشكل حاد بعد سقوط النظام، وهو نتيجة للفراغ الأمني ​​الذي حدث للأسف بعد السقوط".

ويشير أحد ممارسي نشاط "البحث عن الكنوز"، تحت اسم أبو وائل، والذي تحدث للصحيفة البريطانية، إلى أن هناك مخاطر قد يتعرض لها هؤلاء الباحثون عن المعادن النفيسة ومن أبرزها تعرض سكان المناطق التي يبحثون فيها لهم بهدف الاستيلاء على أي شيء ربما عثروا عليه.

وقال أبو وائل، لفايننشال تايمز، إنه بعد 40 عاماً من البحث عن الكنوز (ولم يعثر على أي منها)، أدرك أنه لا يتم العثور على الثروات بسهولة. واتهم بائعي أجهزة الكشف عن المعادن بخداع الناس لإنفاق مدخراتهم الضئيلة على "أحلام يقظة".


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار عن الکنوز البحث عن فی سوریا بعد سقوط

إقرأ أيضاً:

الانتخابات التشريعية في سوريا.. هل تؤسس لبناء دولة يستحقها السوريون

مع إجراء أول انتخابات تشريعية في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تعود البلاد إلى الواجهة السياسية بعد سنوات طويلة من الحرب والانقسام. هذه الانتخابات تمثل، من حيث الشكل، خطوة نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة، لكنها في جوهرها تثير تساؤلات جوهرية حول التوقيت، المضمون، والشرعية.

شرعية سريعة أم استعجال محفوف بالمخاطر؟

السلطة الانتقالية برئاسة أحمد الشّرع سعت إلى تنظيم الانتخابات بسرعة، في محاولة لإضفاء شرعية سياسية ومؤسساتية على المرحلة الجديدة. الهدف هو استكمال خطوات كبرى، مثل صياغة دستور دائم وتحديد شكل النظام السياسي المستقبلي.

يرى مؤيدو هذه الخطوة أنها تعكس رغبة حقيقية في بدء صفحة جديدة وإعادة دمج سوريا في محيطها العربي والدولي.

لكن التساؤل الذي يطرحه كثير من المراقبين: هل يمكن للسرعة أن تتوافق مع متطلبات بناء مؤسسات ديمقراطية حقيقية، أم أنها مجرد خطوة شكلية لا تكفي لضمان شرعية مستدامة؟

معارضة مشروعة وتساؤلات مفتوحة

المعارضة السورية، داخليًا وخارجيًا، تعرب عن شكوكها في جاهزية البلاد لإجراء الانتخابات في ظل الظروف الأمنية الصعبة، خاصة في محافظات مثل السويداء والرقة والحسكة، حيث تم تأجيل التصويت أو ترك بعض المقاعد شاغرة.

القضية الكردية لا تزال دون حل نهائي، ما يجعل مشاركة مناطق الشمال الشرقي في العملية السياسية محل جدل وتوجس.

كما يثير اختيار الرئيس لـ70 عضوًا من أصل 210 أسئلة مهمة حول المعايير والشرعية، خصوصًا أن الرئيس نفسه غير منتخب شعبيًا، ما يضع قراراته تحت مجهر النقاش العام، خاصة في غياب دستور واضح ينظم هذه المرحلة الانتقالية.

تحديات داخلية وخارجية معقدة

في الداخل، تواجه سوريا تحديات اجتماعية واقتصادية ضخمة، تتطلب مصالحة وطنية شاملة لإعادة اللحمة بين مكونات المجتمع، وضمان توزيع عادل للفرص والخدمات.

كما تواجه البلاد تحولات رمزية لافتة، إذ أصدر الرئيس أحمد الشرع مرسومًا قضى بإلغاء عطلة ذكرى حرب تشرين (6 أكتوبر) وعيد الشهداء، واستبدالهما بعطلتين جديدتين: “عيد الثورة السورية” و”عيد التحرير”. هذه الخطوة الرمزية تأتي في وقت تجري فيه أول انتخابات تشريعية منذ رحيل الأسد، وتعكس تحولات في الخطاب الرسمي للدولة وتضيف بعدًا جديدًا للتحديات الوطنية.

المصالحة الوطنية والاعتراف بالماضي

مع كل التغيرات الرمزية والسياسية، يبقى السؤال عن العدالة التاريخية والمصالحة الوطنية مفتوحًا. فإلغاء مناسبات مثل ذكرى حرب تشرين قد يثير انقسامات رمزية، خاصة وأن هذه الأحداث تمثل تضحيات الشعب السوري بأكمله، وليس فقط فترة حكم بعينها، لذلك، من الضروري أن توازن السلطة الانتقالية بين استحداث رموز جديدة تعكس المرحلة الحالية، وبين الاعتراف بإيجابيات كل المراحل السابقة، بما فيها إنجازات عهد الأسد، لضمان مصالحة حقيقية تعكس وحدة الشعب وهويته المشتركة، بعيدًا عن أي محاولات لتهميش الماضي.

كما يواجه السوريون خطرًا حقيقيًا يتمثل في محاولات تقسيم الدولة أو إضعاف سيادتها. الانقسامات الطائفية والمناطقية، والتدخلات الأجنبية في شمال وشرق سوريا، قد تؤدي إلى تجزئة البلاد على أسس عرقية أو جغرافية، ما يهدد الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي.

هذه المخاطر ترتبط بالتدخلات الإقليمية والدولية، ومحاولات بعض الأطراف استغلال الأزمات لتوسيع نفوذها، كما تجلى في الضغوط لإجبار دمشق على التطبيع والتنازل عن الجولان، إضافة إلى الأطماع التي أشار إليها نتنياهو علنًا.

أما على الصعيد الخارجي، فلا تزال الضغوط والتدخلات قائمة، خصوصًا الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للسيادة السورية، ومحاولات بعض الأطراف جر دمشق نحو التطبيع والتنازل عن الجولان. هذه الضغوط تشكل تهديدًا مباشرًا لهوية الدولة وكرامتها الوطنية، وتزيد من تعقيد المشهد السياسي الداخلي.

نحو نظام ديمقراطي تعددي

المرحلة القادمة تفرض التفكير بجدية في نوع النظام السياسي الذي تحتاجه سوريا لتلحق بركب التقدم بعد عقود من الحروب والصراعات. فهي دولة تتعدد فيها الطوائف والمكونات والديانات، وأي مشروع سياسي ناجح يجب أن يكون قادرًا على احتضان الجميع وضمان المساواة في الحقوق والواجبات.

يذهب كثير من المراقبين إلى أن النظام المدني الديمقراطي التعددي هو الخيار الأمثل، شرط أن يكون مبنيًا على قاعدة وعي مجتمعي وسياسي حقيقي، ويتيح لكل الاتجاهات والمكونات المشاركة في صياغة المستقبل.

ويتوقع أن تشارك المعارضة المدنية السابقة، التي كانت جزءًا من المعارضة المسلحة والسياسية السابقة، في العملية السياسية، وهو تحول جوهري نحو بناء دولة القانون والمؤسسات.

الوعي قبل الصندوق وتحديات خارجية كبرى

إجراء الانتخابات اليوم ليس مجرد اقتراع، بل اختبار حقيقي للوعي الوطني والجماعي. المجتمع السوري، بتنوعه الثقافي والديني والسياسي، بحاجة إلى وعي جديد يتجاوز الانقسامات ويؤسس لعقد اجتماعي يعيد للدولة مكانتها وهيبتها.

إلى جانب التحديات الداخلية، تواجه سوريا تحديات خارجية جسيمة، متمثلة في الأطماع الصهيونية، حيث صرح رئيس وزراء إسرائيل السابق بنيامين نتنياهو بأن بلاده ساعدت في إسقاط الأسد، وأن هناك ضغوطًا لإجبار سوريا على التطبيع وعدم الانسحاب من الجولان، إضافة إلى توسعات واضحة تستهدف سوريا والدول العربية الأخرى.

يبقى السؤال الأساسي: هل تستطيع سوريا مواجهة هذه التحديات؟ وهل هناك دعم دولي حقيقي يعكس التأييد الذي ساهم في إسقاط الأسد، أم أن هذه الضغوط جاءت نتيجة رفض دمشق التطبيع والتنازل عن الأراضي السورية والقضية الفلسطينية؟

ربما لا تحمل انتخابات أكتوبر كل الحلول، لكنها قد تكون البداية نحو سوريا مدنية ديمقراطية قوية، تحكمها الإرادة الوطنية، وتواجه تحدياتها الداخلية والخارجية بعقلية وطنية واعية، مع التطلع نحو الديمقراطية الجديدة وإعادة بناء الدولة بما يليق بالشعب السوري وتاريخه العريق.

وتبقى التحفظات والشكوك في مآلات الأمور، عن قدرة السلطة الجديدة في استيعاب طموحات سوريا التي تستحقها، في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة العربية، فهي بين خيارين:

الإرادة الوطنية التي تتحقق بعزائم كل السوريين.

أو إسقاط لنظام سيئ، بنظام أسواء يتماهى مع أهداف وأجندات خارجية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • الأمير تركي الفيصل: الاعترافات بالدولة الفلسطينية نجاح للإنسانية
  • سوريا تعلن أسماء أعضاء أول برلمان بعد الأسد
  • محللون: الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة قد يتواصل لأسابيع
  • ما وراء الخبر يتناول أول انتخابات بسوريا بعد سقوط الأسد
  • انطلاق أول انتخابات لمجلس الشعب في سوريا منذ سقوط الأسد
  • الانتخابات التشريعية في سوريا.. هل تؤسس لبناء دولة يستحقها السوريون
  • الأولى منذ سقوط الأسد.. انطلاق انتخابات مجلس الشعب في سوريا
  • خلال ساعات..سوريا تترقب أول مجلس شعب بعد سقوط نظام الأسد
  • سوريا.. انطلاق انتخابات مجلس الشعب الأولى منذ سقوط الأسد
  • الجيش الإسرائيلي: نفذنا عشرات العمليات جنوبي سوريا في الشهرين الأخيرين