كسر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القواعد هامة منذ عودته للبيت الأبيض من جديد، وغير من نهج الولايات المتحدة الذي ظلت عليه خلال السنوات الماضية.

نشرت "واشنطن بوست" تقريرا أعده مايكل بيرنباوم قال فيه إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلب في شهر واحد نهجا في السياسة الأمريكية للعالم مضى عليه أكثر من قرن، ويبدو الرئيس الأمريكي وكأنه يدير عقارب الساعة على تاريخ العالم عندما كانت فيه الدول التي تملك جيوشا عظيمة تبني إمبراطوريات وتطالب بالفدية من الدول الأضعف وتوسع أراضيها عبر الإكراه.



وقال إن السرعة والطاقة التي تحرك فيها ترامب لإعادة تشكيل الدور الأمريكي في العالم كانت واضحة في نهجه من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فقد تقارب من روسيا القوية وانتقد الدولة الأصغر واتهم الرئيس فولوديمير زيلينسكي بدون حق بأنه كان البادئ في الحرب مع روسيا.

كما أهان حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا، الذين اعتمدوا لعقود من الزمان على الولايات المتحدة لكبح جماح القوة الروسية.


ويقول الدبلوماسيون والمحللون إن النتيجة كانت التنازل عن النفوذ لموسكو. ومع ذلك فقد تكون هذه مجرد البداية. وفي أسوأ الأحوال، قد تشجع استراتيجية ترامب القوى العالمية الأخرى، ولا سيما الصين، على تبني سياسات أكثر عدوانية تجاه جيرانها، على عكس ما يرى بعض حلفائه أن الصين يجب تكون محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وذهب ترامب إلى أبعد مما فعله في ولايته الأولى لإعادة تعريف من تتعاون معه الولايات المتحدة ومن تحاربه، مما أثار دهشة زملائه من زعماء العالم الذين اعتقدوا أنهم يعرفون أسلوب ترامب وكانوا يعملون لإرضائه.

ولكن بدلا من ذلك، يرفض الرئيس الأمريكي النظام الدولي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية والذي بني لمنع المعتدين حول العالم، ولجأ إلى تبنى أفكارا أقدم كثيرا تسمح للقوى العسكرية ببناء مجالات نفوذ إقليمية وفرض هيمنتها على جيرانها. ويبدو أنه يعيد عقارب الساعة إلى الوراء إلى وقت في تاريخ العالم حيث كانت الدول ذات الجيوش الأكبر حجما تبني إمبراطوريات وتطالب الدول الأضعف بدفع الجزية، وتقوم بتوسيع أراضيها من خلال الإكراه، كما يقول المحللون.

وتقول روزا بلفور، مديرة مكتب وقفية كارنيغي للسلام العالمي في بروكسل " هذا في الحقيقة حالة كلاسيكية من الجيوساسة: ممارسة التأثير على المناطق القريبة منك جغرافيا" و "لو زاوجت هذا بالحوار مع بوتين، فإنك سترى ظهورا محتملا لنظرة عالمية حيث يتم تقسيم العالم من قبل قوى مختلفة. وهذا يتناسب تماما مع وجهة النظر الروسية للأشياء".

وتضيف الصحيفة أن نهج ترامب أذهل بعض حلفاء الولايات المتحدة، ويرجع ذلك جزئيا إلى وجهة نظرهم بأن اندفاعه لإبرام صفقة مع روسيا بشأن أوكرانيا ورفضه الواضح لدور واشنطن الطويل الأمد في منع روسيا وعدوانها- قد يقلل من نفوذ أمريكا في العالم بدلا من توسيعه.


وقال أليكس يونغر، المدير السابق للإستخبارات البريطانية (أم أي6) في حديث مع برنامج "نيوزنايت" الأسبوع الماضي: "نحن أمام عهد جديد لا يقوم بطريقة أو بأخرى على العلاقات الدولية والقائم على القواعد والمؤسسات المتعددة الأطراف. بل سيتم تحديد هذه العلاقات من قبل رجال أقوياء وصفقات" و"هذه هي عقلية دونالد ترامب، وبالتأكيد عقلية بوتين. إنها عقلية [الرئيس الصيني] شي جين بينغ، لا أعتقد أننا سنعود إلى ما كنا عليه من قبل". وفي العقد الماضي، حاولت الإدارات الأمريكية إعادة تشكيل دور الولايات المتحدة في العالم وبخاصة فيما نظر إليه إفراط باستخدام القوة الأمريكية بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 وقاد أمريكا للتورط في أفغانستان والعراق.

فقد عمل الرئيس باراك أوباما على إعادة ضبط مع فلاديمير بوتين، وبخاصة بعد غزوه جورجيا، ثم تردد عندما استخدمت سوريا الأسلحة الكيماوية. وأعلن الرئيس جو بايدن عن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان وبوتيرة جعلت يبحثون عن طرق للتعامل مع القرار المتعجل.

إلا أن مواقف ترامب تمت إلى فئة مختلفة، كما يقول عدد من صناع السياسة الذين شعروا بالصدمة من السرعىة تم تحويلها إلى أجندة أمريكية ثابتة وفي أقل من شهر.

وفي بعض الأحيان، قدم ترامب رؤى متناقضة لسياسته الخارجية. فقد اقترح تحويل أمريكا كحاكمة للعالم من خلال استخدام قوتها الاقتصادية كهراوة من خلال التعريفات الجمركية.

لكنه عبر أيضا عن موقف أكثر انعزالية، "أمريكا أولا"، حيث قلص بشكل نشط البصمة الأمريكية وتنازل عن التأثير للمنافسين طالما ابتعدوا عن الحدود الأمريكية. وفي يوم الجمعة، قال ترامب إن الحرب في أوكرانيا "لا تؤثر علينا بشكل كبير، ويفصلنا عنها محيط كبير وجميل". وبهذا فقد رفض ترامب عقيدة أمريكا آمنت بها أجيال وتقول إن المصالح الأمريكية تتأثر عندما يعلن منافس إقليمي لها غزوا إقليميا. وتحول بعض مساعدي ترامب من ولايته الأولى إلى ناقدين له ومحذرين من الحديث وبإفراط عن الفلسفة التي ترشد ترامب في حكمه.


وكتب مستشار الأمن القومي السابق، جون بولتون في مجلة "ناشيونال ريفيو" الأسبوع الماضي قائلا: " ليس لدى ترامب فلسفة شاملة للأمن القومي. إنه لا يبشر باستراتيجية كبرى". و "قراراته هي قرارات معاملاتية، ارتجالية، وتقوم على الأحاديث وعارضة".

ويقول ترامب وأنصاره إنهم ببساطة يعيدون التأكيد على أولوية المصالح الأمريكية بعد عقود من الزمن حيث فقد الديمقراطيون والجمهوريون الصلة مع الأمريكيين العاديين، وبخاصة عند اتخاذ القرارات بشأن دور واشنطن في العالم. ويقولون إن الرؤية الضيقة للمصالح الأمريكية ستساعد في الحفاظ على الموارد واستفادة المواطنين والشركات الأمريكية من خلال الشروط التجارية الأفضل على المستوى الدولي. وأشارت الصحيفة إلى ما قاله قال ريتشارد غرينيل، مبعوث ترامب للمهام الخاصة، في مؤتمر العمل السياسي المحافظ يوم الجمعة: "في عهد دونالد ترامب، لا نقوم بتغيير الأنظمة وسنتعامل مع البلدان التي أمامنا ومعيارنا ليس كيف نجعل هذا البلد أفضل"، بل " كيف نجعل أمريكا أفضل وأقوى وأكثر ازدهارا للناس الذين يعيشون هنا؟". ففي الايام الأخيرة، هاجم ترامب الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي واصفا إياه بالديكتاتور الغير منتخب، وزعم بدون دليل أن أوكرانيا هي من بدأت الحرب، ورفض دعم بيان يصف الكرملين بأنه من بدأ العدوان. كما وطلب من كييف الموافقة على عقد ضخم يسمح لأمريكا بالتنقيب عن المعادن الطبيعية كتعويض لما قدمته أمريكا لها أثناء الحرب. كما خفض ميزانية البنتاغون بطريقة من المتوقع أن تؤدي إلى إبعاد الآلاف من القوات الأمريكية من أوروبا.

وجمد الجهود الأمريكية في جميع أنحاء العالم لمكافحة النفوذ الروسي والصيني من خلال مساعدات التنمية. وأعلن عن رغبة بتملك غرينلاند وكندا وقناة بنما.

ويقول حلفاء الولايات المتحدة إن الدروس التي يتعلمونها من الشهر الأول لترامب في منصبه أعمق من موقفه الرافض تجاه أوكرانيا وتعاطفه مع آراء بوتين التي ترى  أنه يجب عدم السماح لكييف بالانضمام إلى حلف الناتو.

وفي نفس السياق، تبنى أعداء الولايات المتحدة الألداء خطاب ترامب. وكتب ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي معلقا على منشور ترامب الذي وصف زيلينسكي بأنه "ديكتاتور بلا وطن" و لو أخبرتني قبل ثلاثة أشهر فقط أن هذه هي كلمات الرئيس الأمريكي لضحكت بصوت عال". وبعد انتقاد ترامب أوكرانيا الأسبوع الماضي، رفضت إدارته السماح باستخدام لغة تصف روسيا بـ "المعتدي" في بيان صادر عن مجموعة السبع الكبار، كما قال دبلوماسيان أوروبيان كبيران، وطالبت بدلا من ذلك بلغة أكثر غموضا. وعلى نحو مماثل، ضغطت الولايات المتحدة في الأمم المتحدة على أوكرانيا والاتحاد الأوروبي لسحب قرار في الذكرى الثالثة لغزو روسيا لأوكرانيا في 24 شباط/فبراير، والذي يشير إلى الحرب باعتبارها "عدوانا"، كما قال ثلاثة دبلوماسيين كبار آخرين.


وبدلا من ذلك، وزعت إدارة ترامب قرارا منافسا يدين خسارة الأرواح في "الصراع بين روسيا وأوكرانيا"، مما وضع البلدين على قدم المساواة وإشادة بروسيا كما قال أحد الدبلوماسيين.

ويشعر العديد من الأوروبيين بالحيرة بشأن استراتيجية ترامب، فلم يتوقع سوى عدد قليل من صناع السياسات انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو في أي وقت قريب. كما لم ينظروا إلى استعادة أوكرانيا لأراضيها بالكامل كهدف واقعي قصير الأجل. لكنهم يقولون إن رفض هذه الأفكار منذ البداية، كما فعل ترامب، أدى إلى القضاء على أكثر أوراق التفاوض قيمة التي كانت لدى أوكرانيا وداعميها مع روسيا.

ويقول بعض المحللين إن نهج ترامب قد يكون عملا قيد التنفيذ. ويقول كيلفورد ماي، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية التي تتخذ من إيران موقفا متشددا "إنه ليس شخصًا يقول، هذه هي سياستي الخارجية، هذه هي عقيدة ترامب. علينا أن نرى ما سيحدث، ومن يؤثر عليه وبأي طرق. لا أعتقد أن جميع مستشاريه على يتفقون معه  تماما".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية ترامب امريكا السياسة الخارجية الأمريكية ترامب الحرب بين روسيا واوكرانيا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الرئیس الأمریکی دونالد ترامب فی العالم من خلال هذه هی

إقرأ أيضاً:

كأس العالم على الطريقة الأمريكية .. ترامب بين ملاعب الكرة وسياسات الإقصاء | تقرير

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مشاركته في نهائي كأس العالم للأندية، المزمع إقامته الأحد المقبل في ولاية نيوجيرسي، في أول نسخة موسعة من البطولة تُستضيفها الولايات المتحدة، على طريق التحضير لكأس العالم 2026 المشترك مع كندا والمكسيك.

ترامب والفيفا

يأتي إعلان ترامب بعد يوم واحد فقط من افتتاح "فيفا" مكتبًا جديدًا في برج ترامب بمدينة نيويورك، ما عُدّ إشارة قوية إلى العلاقة المتنامية بين الرئيس الأمريكي والمنظمة الدولية المشرفة على كرة القدم.

 وأشاد رئيس "فيفا"، جياني إنفانتينو، بالدعم الكبير الذي تلقته المنظمة من الحكومة الأمريكية، ومن ترامب نفسه، في جهود تنظيم البطولتين.

اختبار كروي لأمريكا 

ويحتضن ملعب "ميت لايف" – الذي سيستضيف أيضًا نهائي كأس العالم 2026 – المباراة النهائية بين نادي تشيلسي والفائز من مواجهة باريس سان جيرمان وريال مدريد، في بطولة تُعد اختبارًا عمليًا لاستعدادات الولايات المتحدة لاحتضان الحدث الكروي الأكبر عالميًا.

عشاء التهجير.. ترامب ونتنياهو يرسمان خريطة غزة بالنارأول تعليق من الكرملين على تهديدات ترامب بقصف موسكو

ومنذ تولّيه ولايته الثانية، عزز ترامب حضوره في المشهد الرياضي الأمريكي، فشارك في فعاليات رياضية بارزة مثل "السوبر بول" و"UFC"، كما عيّن نفسه رئيسًا لفريق حكومي خاص بالإشراف على التحضيرات للمونديال.

مونديال أمريكا بطولة ليست للجميع 

غير أن هذا الانخراط الرياضي يصطدم بسياسات ترامب المثيرة للجدل، خصوصًا في ملف الهجرة. 

فبينما يتحدث مسؤولو "فيفا" عن بطولة ترحب بجماهير العالم، تستمر إدارة ترامب في فرض قيود صارمة، كان آخرها حظر سفر على 19 دولة، من بينها دول مرشحة للمشاركة في البطولة، ما يثير مخاوف حقوقية ويهدد بإفراغ شعار "بطولة للجميع" من مضمونه.

وقد أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا يستثني فقط اللاعبين وأطقمهم وذويهم المباشرين من الحظر، دون أي ضمانات للمشجعين، ما عزز المخاوف من أن تتحول البطولة إلى أداة لتعزيز أجندة سياسية داخلية قائمة على القومية والتشدّد الأمني.

كأس دونالد ترامب

في هذا السياق، لم تُخفِ منظمات حقوق الإنسان قلقها إزاء معاملة مجتمع LGBTQ والصحفيين، خاصة في ظل تزايد الدعوات إلى مقاطعة البطولة. 

وتداولت وسائل الإعلام ألقابًا ساخرة للبطولة المرتقبة، مثل: "كأس أمريكا أولًا"، و"كأس دونالد ترامب"، في إشارة إلى تسييس الحدث الرياضي.

ولا تقتصر التحديات على الداخل الأمريكي، فالعلاقات مع كندا والمكسيك، شريكي أمريكا في استضافة البطولة، شهدت توترات بسبب السياسات الجمركية والتجارية. وفي أحد اجتماعات التخطيط، عبّر ترامب علنًا عن تفضيله للهيمنة الأمريكية في التنظيم، معلقًا على تجاهل إنفانتينو لكندا والمكسيك بقوله: “هكذا يجب أن يكون.”

العلاقة بين ترامب وإنفانتينو

من جهة أخرى، تتّسم العلاقة بين ترامب وإنفانتينو بدفء لافت؛ فقد حضر الأخير مراسم تنصيب ترامب، ورافقه مؤخرًا في زيارة مثيرة للجدل إلى الخليج أُعلن خلالها عن استثمارات ضخمة. هذه العلاقة تثير تساؤلات حول تداخل المصالح الشخصية والسياسية بالرياضة، وتُعيد إلى الأذهان انتقادات سابقة لفيفا إثر منح قطر حق استضافة مونديال 2022 رغم سجلها الحقوقي.

وفي حين يسوّق ترامب لكأس العالم باعتباره أداة لتمجيد "أمريكا القوية"، يرى مراقبون أن البطولة قد تتحول إلى مرآة تكشف تناقضات الإدارة الأمريكية بين الشعارات المعلنة والسياسات الواقعية.

طباعة شارك دونالد ترامب الرئيس الأمريكي نيوجيرسي الولايات المتحدة فيفا برج ترامب نيويورك واشنطن البيت الأبيض جياني إنفانتينو

مقالات مشابهة

  • بأوامر من ترامب .. تسريح أكثر من 1300موظف في الخارجية الأمريكية
  • ترامب: الولايات المتحدة كانت ميتة وأصبحنا الاقتصاد الأفضل في العالم
  • الخارجية الأمريكية: إقالة 1300 دبلوماسي وموظف تثير جدلاً واسعاً داخليًا وخارجيًا
  • الولايات المتحدة الأمريكية: اكتشاف حفرية ديناصور نباتي نادر تحت موقف سيارات متحف دنفر
  • الخارجية الأمريكية تحذر مواطنيها من السفر إلى إيران
  • الخارجية الأمريكية تفرض عقوبات على المقررة الأممية ألبانيز لاستهدافها الاحتلال
  • الخزانة الأمريكية: الولايات المتحدة تفرض عقوبات إضافية مرتبطة بإيران
  • الرئيس الشرع يلتقي المبعوث الخاص للولايات المتحدة الأمريكية إلى سوريا توماس باراك
  • كأس العالم على الطريقة الأمريكية .. ترامب بين ملاعب الكرة وسياسات الإقصاء | تقرير
  • “الولايات المتحدة غير صالحة لكرة القدم” و”الفيفا” يراقب بقلق