يصعب عليَّ إخفاء دهشتي من مشاركة شخصية بحجم الدكتور الوليد مادبو في مشروع "تأسيس السودان الجديد"، خاصة في ظل التحولات العميقة التي يشهدها المشهد السياسي السوداني. فالرجل القادم من خلفية أكاديمية وفكرية، والذي كان من المنتقدين البارزين للنظامين السابق والحالي، يجد نفسه اليوم في خندق سياسي مشترك مع قوى لها تاريخ مشبوه في الصراع السوداني، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول طبيعة المشروع، وأهدافه الحقيقية، وما إذا كان يحمل رؤية وطنية صادقة أم أنه مجرد إعادة إنتاج لصراعات الهوية والسلطة في البلاد.



بين خطاب التهميش والواقع الطبقي
أحد أبرز الإشكاليات التي تثير التساؤلات حول موقف الوليد مادبو هو حديثه المتكرر عن التهميش، رغم أنه نشأ وترعرع في بيئة من الرفاه الاجتماعي والسياسي، بعيدًا عن واقع الغالبية العظمى من المهمشين الذين يتحدث باسمهم اليوم. فالرجل الذي تربّى في أحياء الخرطوم الراقية، بين الطبقة الحاكمة والمثقفة، لم يعانِ من التهميش بالمعنى الحقيقي، ما يجعل موقفه يبدو أقرب إلى توظيف سياسي لقضية عادلة، بدلًا من أن يكون نابعًا من تجربة شخصية أصيلة.

السودان الجديد.. بأي هوية؟
مشروع "السودان الجديد" الذي يشارك فيه الوليد مادبو يثير إشكالية الهوية الوطنية، إذ يبدو وكأنه يسعى إلى إلغاء السودان الذي نعرفه، واستبداله بكيان جديد غير محدد المعالم. هذا الطرح يتقاطع مع خطاب بعض المجموعات التي تسعى إلى القضاء على دولة 1956، بزعم أنها تمثل دولة المركز والنخب، دون تقديم بديل واضح سوى إعادة إنتاج الانقسامات القبلية والجهوية في ثوب سياسي جديد.

فإذا كان الهدف هو تفكيك المركزية وبناء دولة ديمقراطية عادلة، فلماذا يتم الترويج لخطاب إقصائي يستهدف مجموعات بأكملها بحجة "التمييز التاريخي"؟ ولماذا نجد أن بعض المشاركين في هذا المشروع لهم ارتباطات بقوى العنف والتطرف السياسي؟

التحالفات المشبوهة من معارضة النظام إلى التنسيق مع أمراء الحرب
من المثير للدهشة أيضًا أن بعض الشخصيات المشاركة في هذا المشروع، بمن فيهم الوليد مادبو، لم تعلن موقفًا واضحًا من الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. فكيف يمكن لمن عانى من بطش النظام السابق، ورفض عسكرة الدولة، أن يجد نفسه اليوم في تحالف مع قوى مارست ذات الانتهاكات وربما أكثر؟

إن الصمت عن هذه الجرائم، أو تبريرها تحت ذريعة "إعادة التوازن السياسي"، يعكس ازدواجية خطيرة، تجعل الحديث عن "السودان الجديد" أقرب إلى إعادة تدوير لصراعات قديمة بوجوه جديدة.

بين المثقف والسياسي أين يقف الوليد مادبو؟
يبقى السؤال الأساسي هنا هل د. الوليد مادبو مثقف ملتزم بقضايا العدالة والتغيير الحقيقي، أم أنه دخل اللعبة السياسية مدفوعًا بحسابات شخصية ورغبة في السلطة؟

التجربة أثبتت أن الكثير من النخب السودانية التي رفعت شعارات التغيير سقطت في اختبار السلطة، وأصبحت تمارس نفس الممارسات التي كانت تنتقدها. فهل يسير الوليد مادبو في هذا الاتجاه؟ أم أنه سيعيد تقييم موقفه قبل أن يجد نفسه مجرد ورقة تُستخدم في مشروع لا يخدم السودان، بل يعيد إنتاج الخراب باسم "التأسيس الجديد"؟

السودان لا يحتاج إلى مشاريع عبثية
السودان لا يحتاج إلى مشاريع شعاراتية غامضة، ولا إلى تحالفات انتهازية تجمع بين المثقف الطامح وأمراء الحرب، بل يحتاج إلى رؤية وطنية حقيقية تقوم على العدالة، الديمقراطية، والمواطنة المتساوية، بعيدًا عن منطق الهدم الكلي لصالح مصالح فئوية ضيقة.

فهل يدرك الوليد مادبو حجم المخاطر في هذا المشروع؟ أم أنه مجرد لاعب جديد في لعبة قديمة؟

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السودان الجدید الولید مادبو أم أنه فی هذا

إقرأ أيضاً:

بالصورة.. الناطق الرسمي لجيش حركة تحرير السودان “إنشراح علي” تتقدم بإستقالتها من منصبها وتنشر بيان تكشف فيه التفاصيل

تقدم القيادية البارزة بجيش حركة تحرير السودان قيادة مصطفى تمبور, “إنشراح علي”, باستقالتها من منصبها كناطق رسمي للحركة.

وبحسب رصد ومتابعة محرر موقع النيلين, فقد قامت انشراح, بنشر بيان استقالتها على حسابها عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

وكتبتت القيادية في بيانها الذي أرفقت معه صورة من الإستقالة: (رفاقي الأعزاء…بعد نشر استقالتي لا يسعني إلا أن أتقدم إليكم جميعاً بالشكر والتقدير على الفترة التي جمعتني بكم في درب النضال والعمل المشترك.

ربنا يغير الأحوال من حال إلى حال، لكن تبقى المحبة والاحترام محفوظة، وتبقى العلاقات التي بنيت بيننا أكبر من أي رابط.سعيدة جداً بمعرفتكم جميعاً وستظل بيننا صلة تمتد ما بقي في العمر بقية فالعِشرة لا تُنسى والوفاء لا ينقطع.◉ شكراً لرفاقي ورفيقاتي…شكراً للقائد العام على ما تعلمناه منكم من معنى الوفاء والولاء.وشكراً لسعادة المفتش العام على الإرشادات والدروس ولأنك وصفتني جهراً بأنني إنسانة فاشلة وبأن كتاباتي «ركيكة» فأطمئنك أنني أغادر اليوم موقنة بأن الفشل الحقيقي ليس في من يكتب أو يجتهد بل في من يرى العالم بضيق عينيه ويختزل البشر في كلمات قصيرة لا تليق وأقولها عن يقين: «الله أكبر،الله ناصرنا ولا ناصر لهم الله مولانا ولا مولى لهم ونصر من الله وفتح قريب» فهذه ليست كلمات «كيزان» ولا شعاراً لجهة ولا ملكاً لكيان بل منهج أي مسلم مؤمن بأن النصر من عند الله أولاً والفتح من عند الله ثم بعزائم الرجال ثانياً وهذه المقولة لا تخص فصيلاً بعينه بل تخص كل قلب يثق بربه ويسعى للحق وإن كنت ترى أن الكلمات تقزم الناس فأنا أؤمن أن اليقين يرفعهم وأن من يختزل الآخرين في توصيفاته الضيقة لا يصنع أثراً ولا تاريخاً سأواصل تطوير كتاباتي مستقبلاً لا لأنك وصفتها بل لأن التطوير واجب والنقد مهما كان يبقى دافعاً للتقدم والأيام وحدها ستكشف كل من حاول تقزيم الآخرين وستثبت أن من يحاول قياس البشر بميزانه الصغير هو الأصغر بلا بصيرة وبلا رؤية وبلا أثر يذكر تعلمت منكم الكثير وما زلت أتعلم أما أنت فستبقى عاجزاً عن فهم من يتجاوز حدود أحكامك الضيقة.في أمان الله وحفظه ونسأل الله أن يجمعنا دوماً على الخير وخدمة الوطن. م. إنشراح علي قدوم الغاليمساعد القائد العام للإعلام الحربي والناطق الرسمي لجيش حركة تحرير السودان – قيادة القائد مصطفى تمبور (السابق).محمد عثمان _ النيلين إنضم لقناة النيلين على واتساب

Promotion Content

أعشاب ونباتات           رجيم وأنظمة غذائية            لحوم وأسماك

2025/12/10 فيسبوك ‫X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة شاهد بالصورة والفيديو.. دكتورة تجميل سودانية تذرف الدموع وتعبر عن حزنها الشديد بسبب مقتل مطرب الدعم السريع: (الفنان الوحيد الكنت بسمع ليهو والحرب ما فيها خير)2025/12/10 “أوب-أوب-أوب، مثل رشاش صغير” .. ترامب يتغزل بشفتي المتحدثة باسم البيت الأبيض – فيديو2025/12/10 إدراج “الكشري المصري” في قائمة “اليونسكو” للتراث2025/12/10 الدونات واللقيمات ترفع خطر السكري بنسبة 400%2025/12/10 شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء مغربية تغني وترقص على أنغام أغنية الفنانة هدى عربي (نسائم الشتاء)2025/12/10 شاهد بالفيديو.. شيخ بدران يقدم محاضرة دينية لجنود المليشيا بعنوان “العرق دساس”: (الزواج ما قسمة ونصيب لذلك تزوجوا النساء الجميلات وأبعدوا من الفلوليات وربنا وصف الأشاوس بالجمال)2025/12/10شاهد أيضاً إغلاق مدارات الإعلامية سماح الصادق زوجة المذيع الراحل محمد حسكا: (حسبي الله ونعم الوكيل في كل زول بتاجر بي موت زوجي.. دا حبيبي حتة من قلبي وروحي انا الفقدته وفقدت حسه وصوته وحبه) 2025/12/10

الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك ‫X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن

مقالات مشابهة

  • مقررة أممية: تكلفة إعادة إعمار غزة يجب أن تسددها “إسرائيل” وداعموها
  • عطاف: الحركية التي تطبع العلاقات “الجزائرية-التونسية” تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية
  • حل لغز القراءات الغريبة التي سجلتها مركبة “فوياجر 2” لأورانوس عام 1986
  • بالصورة.. الناطق الرسمي لجيش حركة تحرير السودان “إنشراح علي” تتقدم بإستقالتها من منصبها وتنشر بيان تكشف فيه التفاصيل
  • “إغاثي الملك سلمان” يوزع (390) سلة غذائية في السودان
  • رئيس حزب “الفجر الجديد” .. هذا ما طلبه منا رئيس الجمهورية 
  • رئيس حزب “الفجر الجديد” .. هذا ما طلبته من رئيس الجمهورية 
  • “حماس”: استشهاد الأسير السباتين دليل على سياسة القتل البطيء التي ينتهجها العدو الاسرائيلي بحق الأسرى
  • المحكمة الجنائية الدولية تصدر حكمًا مخففًا على “علي كوشيب” قائد الجنجويد في السودان بإرتكاب جرائم في دارفور
  • الدعم السريع تسيطر على حقل هجليج للنفط والسلطات تغلق الحقل واجلاء الشركات الصينية والعاملين “فيديو”