لم يبق للإسرائيليين أسرى أحياء داخل قطاع غزة ليطالبوا بإطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من اتفاقية وقف إطلاق النار، وكل ما تبقى للإسرائيليين في هذه المرحلة من الاتفاقية هو أربعة جثث سيطلق سراحهم يوم الخميس القادم، وبهذا يكون الشعب الفلسطيني قد أوفى بالتزاماته التي وقع عليها في الاتفاقية المذكورة، وتكون إسرائيل قد أخلّت أكثر من مرة ببنود الاتفاق، ولن يكون آخر الغدر الإسرائيلي في هذا المجال؛ تأجيل إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، كان مقرراً أن يتم إطلاق سراحهم دقائق بعد إطلاق سراح ستة أسرى إسرائيليين.

مواجهة الغدر الإسرائيلي ليست مسؤولية قيادة المقاومة الفلسطينية فقط، فالمسؤولية تقع على عاتق كل المجتمع الدولي، وعلى عاتق الأنظمة العربية كلها، قبل أن يكون للوسطاء دور في معالجة الغدر والخديعة والمكر الإسرائيلي، وتفنيد الحجة الإسرائيلية التي تحمل المسؤولية للحملة الإعلامية الفلسطينية التي رافقت إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، حيث أظهر الفلسطينيون عبر وسائل الإعلام العالمية شكلاً منظماً وراقياً وإنسانياً في التعامل مع الأسرى الإسرائيليين، على خلاف ما جهدت الدعاية الصهيونية على مدار عشرات السنين من تصوير الفلسطينيين وكأنهم قتلة للأطفال، وأنهم إرهابيون يقتلون المدنيين، تلك الدعاية الصهيونية التي لاقت من يروجها من إعلامي الغرب الذين يدورون في فلك الصهيونية، مسحها الفلسطينيون في مشهد إنساني واحد، حين قبل الأسير الإسرائيلي رأس المقاوم الفلسطينيِ، الذي ظهر عبر شاشات العالم بثوبه الإنساني الشفاف، وبثوبه العربي الذي يعشق الإنسان القوي الشجاع الجريء الواثق، الذي ينظم عملية تسليم الأسرى الإسرائيليين بهذا الشكل الاحترافي الراقي، والذي عكس إنسانية شدت انتباه العالم واحترامه، وفضحت الممارسات الإسرائيلية الوحشية بحق الأسرى الفلسطينيين، الذين ظلوا منسيين في السجون الإسرائيلية لعشرات السنين، فجاء الظهور العربي الفلسطيني المميز في عملية إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ليسلط الكاميرا العالمية على معاناة عشرات آلاف الأسرى الفلسطينيين، ويشرح للعالم أجمع الأسباب التي حركت المقاومة الفلسطينية لأسر الجنود الإسرائيليين، وأن الهدف من أسر هؤلاء الإسرائيليين ليس قتلهم، ولا تعذيبهم، ولا حرمانهم من رغد العيش لمدة 16 شهراً، وإنما الهدف هو تحرير الأسرى الفلسطينيين الذين ظلوا أيتاماً، لا أب عربي يسأل عنهم، ولا أم فلسطينية تتحسس أوجاعهم، حتى جاءت المقاومة الفلسطينية فصارت لهم أماً وأباً. تأجيل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين غير المبرر يستوجب تدخل الوسطاء، والكفلاء لتنفيذ بنود المرحلة الأولى من اتفاقية وقف إطلاق النار، فالوسطاء هم الذين ضغطوا على قيادة المقاومة الفلسطينية لتطلق سراح 6 أسرى إسرائيليين دفعة واحدة، وهم الذين ضغطوا على قيادة المقاومة الفلسطينية لتسليم جثث أربعة إسرائيليين قبل الموعد، والوسطاء هم المطالبون بالقيام بواجبهم، ولاسيما أن موعد الانسحاب الإسرائيلي من محور صلاح الدين “فيلادلفيا”، ومن معبر رفح الحدودي سيوافق يوم السبت القادم، مطلع شهر مارس، ليجسد تهرب الإسرائيليين من موعد إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية مقدمة لتهربهم من الانسحاب من محور صلاح الدين “فيلادلفيا” يوم السبت القادم. تلكؤ الإسرائيليين في إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين يعني انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاقية دون أن تصل لمبتغاها، وتعثر المرحلة الأولى من الاتفاقية يعني فشل المخطط الإسرائيلي في تمديد المرحلة الأولى لعدة أسابيع إضافية، ويعني التباطؤ في بدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاقية وقف النار، وهذا لا يصب في صالح إسرائيل، التي فقدت المبرر والأكذوبة في العودة إلى محاربة أهل غزة، فقد عبر زمن صب الجحيم على غزة، ولن يصمت العالم العربي، ولا العالم الخارجي على حرب إبادة جديدة ضد أهل غزة، وعبر الزمن الذي تغلق فيه إسرائيل المعابر، وتحاصر أهل غزة بالتجويع والترويع، وضاقت المساحة التي تناور فيها إسرائيل من خلال نزوح أهل غزة، ولم يبق أمام الإسرائيليين إلا تأجيل الانسحاب، وتأجيل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين.

إن قيادة المقاومة الفلسطينية تدرك تلك الحقائق، وأزعم أنها ستتمسك بشرط إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين قبل أي حديث عن إطلاق سراح بقية الأسرى الإسرائيليين من خلال مفاوضات المرحلة الثانية، ولن تقدم قيادة المقاومة الفلسطينية أي تنازلات للإسرائيليين، في موضوع المهرجانات الإعلامية الفاضحة للعدوان الإسرائيلي، ولاسيما أن المنطقة تشهد انعقاد مؤتمر قمة عربية في القاهرة، ويفضل العرب ان تنعقد قمتهم في ظل التهدئة، وفي ظل فتح معبر رفح في موعده يوم السبت، وفي ظل استكمال المرحلة الأولى من اتفاقية وقف إطلاق النار، وكل ما سيق سيؤثر على مقررات مؤتمر القمة، التي ستكتشف أن اليوم التالي لغزة لن يكون إلا تحت إدارة أهل غزة دون غيرهم.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

سياسة بريطانيا وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين

 

 

حمد الناصري

 

انتقد جيرمي كوربين الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني، الهجمات التي شنتها إسرائيل على المدنيين في غزة واعتبرها مؤسفة جدًا، وقال "لا يبرر القتل العشوائي للفلسطينيين الذين يدفعون الثمن.."، كما انتقد سيادة بلاده بريطانيا وقال "يصعب عليهم الاتساق ـ الفلسطينيين، مع مبدأ تساوي الجميع في حق الحياة بغض النظر عن جنسياتهم أو أصولهم".

كما وجه انتقادات لاذعة إلى وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان التي لوحت في أكثر من مرة بجعل حمل العلم الفلسطيني مخالفًا للقانون في حال تم تقدير أن حمله يعتبر استفزازًا أو يضر بالأمن العام، في إشارة إلى المُظاهرات العارمة في بريطانيا والدول الغربية المُناهضة لقتل المدنيين في غزة وتجويعهم.

وفي هذا الصدد، اعتبر كورين أن وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، قد قلصت الحقوق الديمقراطية للمواطنين في بريطانيا عبر قانون النظام العام الذي يمنح الشرطة سُلطة غير مسبوقة لقمع الاحتجاجات السلمية، مؤكدا أن ما يحدث من تهديد للمتظاهرين السلميين "امتداد مُرَوع آخر، لهذا الهجوم المناهض للديمقراطية".

إن موقف الإعلامي البريطاني الشهير بيرس مورغان في وجه العُدوان على غزة لا يقل قوة وبطولة عن موقف كوربين الذي خروج عن حزب العمال، بسبب انتقاده لسياسة بلاده في تقليص حقوق المواطنين السلميين وتهديدهم بمنح الشرطة البريطانية لسلطة غير مسبوقة وهي قمع الاحتجاجات السلمية. وجاء موقف الإعلامي البريطاني بيرس مورغان مُتماهيًا تمامًا مع موقف كورين، وقد صاح مورغان في وجه سفيرة إسرائيل في بريطانيا "إسرائيل تقتل الأطفال كل يوم، وتمنع دخول الصحفيين إلى غزة بحجة الخوف على سلامتهم… نحن لسنا أغبياء.." مِما وضعها في موقف مُحرج. جاء ذلك خلال حوار مُعد ومُسبق بين تسيبي هوتوفلي سفيرة إسرائيل في بريطانيا، وقد عرى نوايا الاحتلال، وقال بكل قوة: "أنتم تقتلون الأطفال في غزة"، مما دفع بالسفيرة إلى الانفعال والتهرُب من الرد الصريح.

إن جرائم الإبادة الإسرائيلية في غزة، هي امتداد لجرائم سابقة منذ 1948 إلى يومنا هذا.. بلا رادع دولي ولا قانون يوقفها ولا محكمة العدل الدولية تقول كلمة حق؛ وهي محكمة مختصة لمثل هذه الجرائم والإبادة الوحشية.. فضلا عن صَمت العالم أمامها وموت الضمير الحُر المدافع عن الحقوق الإنسانية.. فتشديد الحصار على أكثر من 2 مليون فلسطيني وتجويعهم جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، لكن إسرائيل فوق القانون الدولي وقانون الأمم المتحدة وقانون الإبادة والوحشية وقانون الإنسانية.

ولا تزال جرائم إسرائيل مُتسلسلة؛ حيث دمرت حياة النبات والإنسان والحيوان، وتُشدد حصارها بالتواطؤ مع أذنابها الذين أعلنوا موت ضمائرهم الإنسانية، واستهدفت كل القطاعات زرعًا وعِمارة وسكنًا ومخيمًا وشوارع عليها يسيرون، وأدوية وموت مرضى تنهار السُقوف من فوقهم، ذلك هو الفِعْل القبيح والسلوك المُشين. وصَمت العالم جميعه أمام هذه المجازر الوحشية والإبادة الجماعية والموت جوعًا وتشديد الحصار في كل شيء.. جرائم حرب ضد الإنسانية جمعاء.. ساهمت في خنق الرجولة ضد أجساد عربية مُسلمة أطمأنت أن قضيتها أبعد بكثير مما يعقله الآخرون، ورغم أن بيوتهم تهدمت وأولادهم قتلوا، وبأي ذنب قُتلت، إلا أنها تقاوم لأجل البقاء أو الحياة التي هي من حق الجميع.

الصور والتقارير المنشورة عن فاجعة الطبيبة آلاء النجار- التي قتل الإسرائيليون أولادها التسعة ولا يزال زوجها الطبيب حمدي النجار وأحد أولادها في حالة حرجة جدًا-  تعني استخفاف إسرائيل بكل ما له وجود على وجه الأرض، عربي وغربي وشرقي، ضاربة بقوانين الأمم المتحدة عرض الحائط ومُستهترة بالمحكمة الدولية وعاصفة بكل تجمهر مُناهض لها، بل وتزيد من أفعالها المُشينة بلا رادع ولا خوف ولا وازع من ضمير، وكأنها مُطمئنة.. لا حسيب أُمميًا ولا رقيب دوليًا.

ما يحدث في غزة الآن من إبادة ووحشية يدعو إلى تحرك فوري؛ عربي ودولي، فالمشهد أمامنا صارخٌ إلى حد لا تحتمله الضمائر الحية، ولا يُجيز الصمت، هدم منازل وتسويتها بالشوارع وكأنها لم تكن، وتفحم جثامين المدنيين وتجويع ووحشية وإبادة جماعية لهي أساليب قمعية للحقوق الفلسطينية المُطالبة بدولة فلسطينية آمنة.

قرأنا عن كثير من الجرائم الوحشية والإبادة الجماعية ولنا في الأساليب الوحشية ما يُذكرنا بها كالنازية والفاشية والبربرية، ومجازر أخرى للعرب والعُمانيين في إفريقيا، وتحديدًا مجزرة يناير 1964 في زنجبار، وهناك من يُؤكد عن دور إسرائيل الخفي في المجزرة البشعة للعُمانيين وإنهاء الحُكم العُماني في زنجبار في شرق افريقيا الذي امتد إلى قرابة 300 سنة أي 3 قرون، بعد تاريخ طويل من علاقة العُمانيين بشرق إفريقيا.

إن الخُذلان العربي سوف يذكره التاريخ بمرارة وقسوة، وأن فاجعة تجويع الفلسطينيين وإبادتهم سوف يُسأل عنه كل مُتواطئ.. لقد وصَف كثير من الصحف العالمية والمحلية كتاب "مُتواطئ" للصحفي البريطاني بيتر أوبورن حول ما وصفه في كتابه المُرتقب في أكتوبر من العام هذا 2025 بـ"التواطؤ الصريح" من العالم ومن الحكومة البريطانية، وسكوتها عن كل الجرائم والعُدوان الإسرائيلي على غزة على وجه الخصوص. وأكد أوبورن ما يُسميه بـ"تحالف الصمت والتواطؤ". ويرى أن تبرير المواقف وغض البصر عن الانتهاكات الإسرائيلية في حق الفلسطينيين، هو تواطؤ وتضليل وتشويه للحقائق، واعتبره خطاب كراهية، مؤكدًا أن بريطانيا شريكة في خلق بيئة تسمح بارتكاب جرائم ضد المدنيين في غزة، ومُنحازة دبلوماسيًا لإسرائيل، ومنحتها غطاءً سياسيًا وأخلاقيًا، مُتجاهلة قرارات الأمم المتحدة والمواثيق الدولية في الوقت الذي تنقل شاشات التلفزة مشاهد الدمار في غزة.

مقالات مشابهة

  • تواصل غضب عائلات أسرى الاحتلال واتهامات لنتنياهو بإعاقة الصفقة
  • عاجل. روسيا تعلن اكتمال المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى مع أوكرانيا
  • إعلام عبري .. بدلا من إنقاذ 20 أسيرا عاد نتنياهو للحرب وفقدت “إسرائيل” 20 جنديا
  • هآرتس: بدلا من إنقاذ 20 أسيرا عاد نتنياهو للحرب وفقدت إسرائيل 20 جنديا
  • مصير الأسرى الإسرائيليين في غزة منذ 7 أكتوبر
  • ولي العهد السعودي يطالب المجتمع الدولي بإنهاء معاناة الفلسطينيين
  • أهالي الأسرى الإسرائيليين يطالبون ويتكوف بصفقة شاملة وترك مقترح نتنياهو
  • عائلات الأسرى الإسرائيليين تطالب ويتكوف بمقترح جديد.. يجب إنهاء الحرب
  • سياسة بريطانيا وجرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين
  • إذاعة الجيش الإسرائيلي: العثور على جثة يُرجح أنها تعود للمسؤول العسكري البارز في حماس محمد السنوار جنوبي غزة