منذ البدء.. الاستشراق في خدمة الاستعمار
تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT
منذ البدء.. الاستشراق في خدمة الاستعمار
أفكار إدوارد سعيد تشرح فى ذاتها علاقة الاستشراق بتدنيس المصحف الشريف بالسويد والدنمارك والأحداث العدوانية المماثلة.
منذ الحملة الفرنسية على مصر وصولًا لأحداث سبتمبر 2001، كان أغلب من يدرسون «الشرق والإسلام» بالغرب في خدمة الاستعمار والهيمنة!
الاستشراق عند إدوارد سعيد منظومة فكرية ومعرفية صارت لها نظريات وممارسات على أرض الواقع تعطى الشرعية للانحياز الأيديولوجى.
فى نقده للمستشرقين يرفض سعيد أصلًا الاختزال والتعميم من نوع «الشرق» بالجملة مقابل «الغرب» بالجملة، أو «المسيحية» بالجملة مقابل «الإسلام» بالجملة.
الاستشراق منهج فكري يقوم على «التمييز المعرفى والوجودى» بين الشرق والغرب وهو معني بخطاب عام يخلق «صورة وتصور فكري» للشرق سياسيًا وأيديولوجيًا واجتماعيًا.
لا تُفهم دراسات الغربيين للشرق، بدون السياق الذى أجريت فيه بدءا ببريطانيا وفرنسا زمن استعمارهما «الشرق» قبل أن تلحق بهما أمريكا فسياق تلك المعرفة استعمار وهيمنة.
فرّق سعيد بين «المعرفة التى يسعى لها المرء بهدف الفهم والدراسة والتحليل الدقيق، وبين المعرفة القائمة على التعسف.. وبغرض إثبات الذات وتهنئتها على التفوق على الآخر».
يرفض سعيد اختزال ثقافات وشعوب ما يسمى «الشرق» فى تعميمات، إذ يتم اختراع هوية جماعية لأعداد ضخمة من البشر. ويحذّر من تأثير التصنيفات «القاتل» لأنها تخلق «أساطير تضفى شرعية على الانحياز الفكرى».
* * *
كنت قد تناولت سابقا «الإسلاموفوبيا»، وقدمت للمفكر الراحل إدوارد سعيد الذى يرجع له الفضل فى كشف التلفيق الذى ينطوى عليه الاستشراق.
قدم إدوارد سعيد الجذور والأساس الفكرى الذى قامت عليه «الإسلاموفوبيا» اليوم، ومنحنا الأدوات الفكرية التى يمكن استخدامها فى مواجهتها. وسوف أجتهد فى عرض أطروحة سعيد، وأهم النقاط التى جاءت فى كتابه المهم الذى يقع فى أكثر من أربعمائة صفحة، وهو ما يعنى أننى سأقدم باختصار شديد إسهامه الأهم. وأفكار «سعيد» تشرح فى ذاتها علاقة الاستشراق بتدنيس المصحف الشريف بالسويد والدنمارك والأحداث العدوانية المماثلة.
وللاستشراق عند إدوارد سعيد أكثر من معنى. فهو يستخدم الكلمة ليقصد الغربيين الذين تخصصوا أكاديميًا فى دراسة الشرق. ويقصد بالاستشراق أيضًا منهجًا فكريًا يقوم على «التمييز المعرفى والوجودى» بين «الشرق والغرب». والاستشراق عنده معنىّ أيضًا بالخطاب العام الذى يتم من خلاله خلق «صورة وتصور فكرى» للشرق سياسيًا وأيديولوجيًا واجتماعيًا.
ومن هنا، فالاستشراق، عند إدوارد سعيد، عبارة عن منظومة فكرية ومعرفية صارت لها نظريات وممارسات على أرض الواقع، وباتت تعطى الشرعية للانحياز الأيديولوجى. فالمواطن الغربى العادى يقول لنفسه إذا كان هذا ما يقوله المفكرون والباحثون (الغربيون طبعًا) «المتخصصون» فى الإسلام والشرق، فلابد أنه صحيح!
وفى أطروحته الجوهرية يقول «سعيد» صراحة إنه لا يقدم نقدًا للاستشراق حتى يقوم بعد ذلك بتقديم الشرق «الحقيقى». فنقطة البدء لفهم أطروحة الكتاب هى أنه فى نقده للمستشرقين يرفض أصلًا الاختزال والتعميم من نوع «الشرق» بالجملة مقابل «الغرب» بالجملة، أو «المسيحية» بالجملة مقابل «الإسلام» بالجملة.
فهو يرفض اختزال ثقافات وشعوب ما يسمى «الشرق» فى تعميمات، بجرة قلم واحدة، يتم بناء عليها اختراع هوية جماعية لأعداد ضخمة من البشر. وهو حذّر من التأثير «القاتل» لمثل تلك التصنيفات لأنها تخلق «أساطير تضفى الشرعية على الانحياز الفكرى».
ويشرح أنه فى الجوهر من المنهج الاستشراقى فكرة «نحن وهم». و«هم»، عند المستشرقين، هى نحن طبعًا. أما «نحن»، أى الغربيين، فتعنى البيض أساسًا.
فالشرق من تعريفاته ضمنًا أنه ليس أبيض، أى يشمل مسيحيى الشرق أيضًا، فهم مثل مسلميه ليسوا بيضًا. و«هم» (أي الشرقيون) كلهم «ليسوا مثلنا ولا يحترمون قيمنا»، وهم بالضرورة «أدنى درجة».
لكن لعل أهم ما قدمه إدوارد سعيد كان نقده للمنهج البحثى الذى يستخدمه المستشرق. ففى مقدمته البديعة التى كتبها لآخر طبعة للكتاب صدرت قبل وفاته (2003)، فرّق بين «المعرفة التى يسعى لها المرء بهدف الفهم والدراسة والتحليل الدقيق، والمعرفة القائمة على التعسف... وبغرض إثبات الذات والرغبة فى تهنئتها على التفوق على الآخر».
ويؤكد على الفارق بين «الفهم بهدف التعايش الإنسانى، والفهم الذى يهدف للهيمنة والسيطرة». ويشير سعيد إلى أنه لا يمكن فهم دراسة «الشرق»، من جانب الغربيين، بمعزل عن السياق الذى أجريت فيه تلك الدراسات. وشرح السياق، فبدأ ببريطانيا وفرنسا زمن استعمارهما لذلك «الشرق» قبل أن تلحق بهما الولايات المتحدة. وبالتالى، فسياق تلك المعرفة سياق استعمار وهيمنة.
وهو قدم الدليل بعد الآخر على العلاقة الوثيقة بين أولئك المستشرقين وصناع السياسة الاستعمارية فى بلادهم، حيث كانوا دومًا عونًا بل مستشارين للاستعمار، بدءًا بالحملة الفرنسية على مصر، ومرورًا بمرحلة الاستعمار التقليدى للمنطقة، ثم للهيمنة الأمريكية، ووصولًا لأحداث سبتمبر 2001. بعبارة أخرى، كان أغلب من يدرسون «الشرق والإسلام» فى الغرب فى خدمة الاستعمار والهيمنة منذ البداية حتى اليوم!
*د. منار الشوربجي أستاذ العلوم السياسية، خبيرة في الشأن الأمريكي
المصدر | المصري اليومالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: الشرق الغرب الإسلام المسيحية أساطير الاستشراق استعمار
إقرأ أيضاً:
نحو مقاربة مختلفة لعلاقة المجتمع المدني بـمنظومة الاستعمار الداخلي
بعد إعلان الرئيس قيس سعيد عن إجراءاته "التصحيحية" يوم 25 تموز/ يوليو 2021، كان واضحا من خلال المراسيم والأوامر الرئاسية أن تونس تتجه نحو إعادة هندسة جذرية للحقل السياسي ومجمل الفضاء العمومي بسرديةٍ تقوم نظريا على "التأسيس الثوري الجديد"، وعمليا على تعامد وظيفي بين "تصحيح المسار" والنواة الصلبة للمنظومة القديمة ورعاتها الإقليميين، خاصةً محور الثورات المضادة. وبصرف النظر عن طبيعة تلك الإجراءات (هل هي انقلاب على الدستور وغير شرعية أم هي قراءة ما فوق دستورية وشرعية)، فإن الرئيس قد استفاد -خاصة قبل صدور المرسوم 117 المؤرخ في 22 أيلول/ سبتمبر 2021- من مساندة أغلب مكونات المجتمع المدني، بل أغلب الأجسام الوسيطة حتى في الحقل السياسي.
إننا أمام مساندة كنا قد فصّلنا القول فيها طيّ مقالات سابقة (انظر مثلا "في العلاقة بين تصحيح المسار والمجتمع المدني" أو "تصحيح المسار والأجسام الوسيطة في المجتمع المدني")، ولذلك سيكون مقالنا هذا محاولة لتأصيل/ تجريد الملاحظات الاستقرائية والخلاصات القائمة عليها من خلال تقديم عناصر إجابة عن السؤال التالي: هل المجتمع المدني في "الكيانات الوظيفية" (ما يسمى دولة وطنية أو دولة-أمة) هو أجسام وسيطة تُمثل "المجتمع" أمام الدولة، أم هو جزء بنيوي من "النظام" ومن الآلات الأيديولوجية المسخّرة لتأبيد مصالح النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي وإخراج أساطيرها التأسيسية من دائرة السجال العمومي؟
"النظام" الذي لم يُسقطه الشعب التونسي في "الثورة" قد دفع بجناحه المدني إلى الواجهة؛ بعد حل ممثله السياسي -التجمع الدستوري الديمقراطي- بحكم قضائي وعجز حلفائه في الأحزاب الكرتونية وفي السرديات "الثورية" عن ملء الفراغ، قبل استعادة النظام لتوازنه وتأسيس "حركة نداء تونس"
منذ الاستقلال، عاشت تونس تحت هيمنة ما يسميه المرحوم محمد أركون ثالوث "الزعيم-الحزب-الأمة"، حيث يكون الزعيم هو مركز السلطة وحيث يكون الحزب الواحد هو المكلف بتفعيل "توجيهاته" التي يفترض فيها دائما أن تكون معبّرة عن إرادة الشعب دون الحاجة إلى الرجوع إليها. وكانت "السلطة" التي تحولت بالتدريج إلى منظومة استعمار داخلي تقوم على بنية جهوية-ريعية-زبونية بحيث تتوزع امتيازاتها على أساس استفادة جهات معينة من الريع وتسهيل سيطرتها على مفاصل الدولة، و"رشوة" بعض الجهات الأخرى من خلال دور محدود في السلطة عبر اتحاد الشغل وغيره.
ويمكن لأي دراسة استقرائية لبنية السلطة و"شركائها" الاجتماعيين أن تؤكد صدق هذه الملاحظة: تمركز أغلب العائلات الريعية والمراكز السلطوية في جهات معينة خلال اللحظتين الدستورية والتجمعية، وهي في الأغلب الأعم ليست الجهات نفسها التي تنتمي إليها القيادات النقابية الدستورية أو يسارية والقومية. (لمزيد التوسع، انظر الكتاب القيم للأستاذ الصغير الصالحي: الاستعمار الداخلي والتنمية غير المتكافئة؛ منظومة "التهميش" في تونس نموذجا).
لقد كان اتحاد الشغل منذ تأسيس الدولة-الأمة البورقيبية جزءا من مكوّنات النظام، ولم يكن انحيازه ضد صالح بن يوسف إلا تعبيرا عن انخراطه التام في السردية المؤسسة للدولة، كما لم تكن صراعاته التالية مع بورقيبة ومع وريثه على رأس النظام إلا صراعا داخل النظام وليس ضده. فدور الاتحاد هو أساسا تحسين شروط الاستعباد أو تخفيف الضغط على "منظومة التهميش" كما يسميها الأستاذ الصالحي، ولم يكن مطروحا -رغم مزايدات سردياته اليسارية بشقيها الماركسي والقومي- إسقاط النظام أو الخروج من ربقة منظومة الاستعمار الداخلي. فالاتحاد لم يعارض سياسات بورقيبة التي مكنت لمنطقة الساحل مثلا وهمشت أغلب مناطق الظل/ الذل، بل لم يعارض بصورة تُذكر تحول بورقيبة إلى رئيس مدى الحياة يوم 19 آذار/ مارس 1975 بموجب القانون الدستوري رقم 75-13، وكان شريكا اجتماعيا للسلطة بعد انقلاب 7 نوفمبر وجزءا من آلات القمع الأيديولوجي رفقة أغلب المنظمات المدنية الداعمة لـ"صانع التغيير" وللحزب الحاكم؛ باعتباره قاطرة "القوى الديمقراطية" في مواجهة "الظلامية" و"الرجعية الدينية" المهددة لما يسمى بـ"النمط المجتمعي التونسي".
عندما تحدث المفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي عن الاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره أحد جناحي نظام المخلوع فإنه لم يجانب الصواب، ولكنه لم يقل الحقيقة كاملة. فالتجمع الدستوري كان الجناح السياسي للحكم عبر "الشُّعب الترابية"، أما الاتحاد فكان الجناح النقابي عبر "الشُّعب المهنية". ولكننا نرى أن طرح الفيلسوف يحتاج إلى تعديل بسيط كي يكون مطابقا للاستقراء وإن كان استقراء غير تام. فالتجمع كان يحكم من خلال هندسة حقل سياسي "صوري" تهيمن الدولة على "عائلته الديمقراطية" القانونية وتخترق مكوّناته غير القانونية، أما الاتحاد فإنه ليس إلا جزءا من الجناح المدني الذي يحتاجه النظام لشرعنة انحرافاته وللدفاع عن نفسه أمام رُعاته الأجانب في الغرب، عبر رسم صورة كاذبة للتعددية والحريات الفردية والجماعية. ولذلك لم يكن الاتحاد وباقي المنظمات المدنية بعد "الثورة" بقادرين على قطع الحبل السري مع المنظومة القديمة ومع نواتها الصلبة، والتأسيس لدور جماعي مستأنف.
إن قول الدكتور فتحي الجراي (آنظر مقال: الاتحاد العام التونسي للشغل ودوره في الانتقال الديمقراطي وتشكيل الواقع السياسي؛ مركز الجزيرة للدراسات، 1 كانون الأول/ ديسمبر 2022) بأنه "لا يختلف اثنان في تونس على أن الاتحاد العام التونسي للشغل هو الطرف الأكثر تأثيرا في مجريات الشأن العام في تونس بعد الثورة" هو قول صحيح في المستوى الوصفي، ولكن تفسيره لهذه القوة "الطارئة" بتشظي المشهد الحزبي وضعف الدولة وتمرد المجتمع عليها، ذلك الشعب الذي "أسقط رأس النظام وإن لم يسقط النظام"، هو تفسير جيد ولكنه لا يستخلص النتائج المنطقية من المقدمات التي ينبني عليها. فنحن نذهب إلى أن تعقد علاقات الاتحاد وغيره من الأجسام الوسيطة بالسلطة قبل الثورة وبعدها؛ هي فعلا ضرب من "التعاون الصراعي" و"الارتباط التخادمي" و"التحالف الموضوعي" و"التقاء المصالح" كما يذكر الدكتور الجراي، ولكنها علاقات بين مكونات منظومة الاستعمار الداخلي، أو تحديدا هي علاقات صراع بين النواة الصلبة لتلك المنظومة (المركب الجهوي-المالي-الأمني) وبين أذرعه الوظيفية داخل الأجسام الوظيفية المدنية (الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، المنظمات النسوية، الإعلام، اتحاد الشغل.. الخ).
إذا انطلقنا مما تقدم، فإننا سنقول بأن "النظام" الذي لم يُسقطه الشعب التونسي في "الثورة" قد دفع بجناحه المدني إلى الواجهة؛ بعد حل ممثله السياسي -التجمع الدستوري الديمقراطي- بحكم قضائي وعجز حلفائه في الأحزاب الكرتونية وفي السرديات "الثورية" عن ملء الفراغ، قبل استعادة النظام لتوازنه وتأسيس "حركة نداء تونس". ولذلك فإن قوة الاتحاد وباقي مكونات المجتمع المدني في الحقيقة ليست قوة ذاتية في جوهرها، بل هي قوة وظيفية أو قوة تابعة للنواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي. وآية ذلك هي قدرة تلك النواة على جعل الاتحاد "أعظم قوة في البلاد" خلال عشرية الانتقال الديمقراطي المجهضة ثم تحييده جزئيا خلال مرحلة التوافق، انتهاءً بتهميشه بصورة شبه تامة بعد "تصحيح المسار".
المجتمع المدني بمختلف مكوناته ظل في أغلب تعبيراته/ مواقفه من أهم العوائق التي حالت دون بناء ميثاق مجتمعي تعددي يتجاوز منطق الاستئصال و"التهميش" على أساس الهوية، وهو ما جعله قبل الثورة وبعدها أحد جناحي "منظومة التهميش
كما إننا سنجد حججا داعمة لأطروحتنا في وضعية رابطة حقوق الإنسان أو نقابة الصحافيين أو الهيئة الوطنية للمحامين وغيرها من المنظمات المدنية والمؤسسات الدستورية وغير الدستورية. فكل هذه المنظمات لا تمتلك أية قوة ذاتية، بل قوتها مرتبطة أساسا بدورها في استراتيجيات النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي، ولا يمكن تفسير وضعها إلا بانتصار تلك النواة الصلبة في المحافظة على دورها بعد الثورة ونجاحها في توظيف الجميع –أي حلفائها وخصومها- لمنع أي انكسار بنيوي في تركيبتها وأي تهديد وجودي لمصالحها المادية والرمزية.
على الضد من السرديات المهيمنة إعلاميا، فإن فشل الانتقال الديمقراطي سياسيا واقتصاديا لا يرجع إلى الأجسام الحزبية أساسا. فإذا كانت التعددية الأيديولوجية في الحقل السياسي هشة ولا تعكس تغيرات عميقة في مستوى وعي "النخب الديمقراطية"، سواء في علاقتهم بمن "لا يشبهونهم" فكريا وسلوكيا أو في علاقتهم بالإرادة الشعبية، فإن تلك التعددية تكاد تنعدم في المجتمع المدني بمكوناته النقابية والإعلامية والحقوقية وغيرها.
فالنقابات والإعلام والمنظمات المدنية هي أكثر من رفض الاعتراف بتعدد الهويات السياسية والأيديولوجية، وأعظم من روّج لسردية التصدي لـ"أخونة الدولة" أو أسلمتها حتى تحافظ على "نقائها" الأيديولوجي القائم على التعارض الرئيس مع الإسلاميين، والتعارض الهامشي مع الرجعية البرجوازية الحاكمة. فالمجتمع المدني بمختلف مكوناته ظل في أغلب تعبيراته/ مواقفه من أهم العوائق التي حالت دون بناء ميثاق مجتمعي تعددي يتجاوز منطق الاستئصال و"التهميش" على أساس الهوية، وهو ما جعله قبل الثورة وبعدها أحد جناحي "منظومة التهميش". فإذا كانت النواة الصلبة لمنظومة الاستعمار هي المتسبب الأساسي في التهميش الاقتصادي والجهوي، فإن المجتمع المدني كان وما زال هو القيّم الأساسي على استراتيجية التهميش الأيديولوجي، وهو ما يجعله غير قادر على مغادرة مربع التبعية للنواة الصلبة لمنظومة الاستعمار الداخلي مهما زايد في مستوى الشعارات الوطنية داخليا، وفي مستوى "القضايا الكبرى" -خاصةً القضية الفلسطينية- خارجيا.
x.com/adel_arabi21