أعربت مصر عن رفضها القاطع لأي محاولات من شأنها تهديد وحدة وسلامة الأراضي السودانية، مؤكدة اعتراضها على المساعي الرامية لتشكيل حكومة سودانية موازية، لما تمثله من خطر على استقرار السودان وتعقيد المشهد السياسي، بالإضافة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة.

وتعليقا على ذلك، أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي إنه في النزاعات المسلحة، غالبًا ما تظهر حكومات موازية تسعى لمنافسة أو إسقاط الحكومات القائمة، مدفوعةً بدوافع سياسية، عسكرية، أو أيديولوجية.

 

وأضاف أستاذ القانون الدولي، أن هذه الكيانات تختلف في مدى شرعيتها الدولية، وتعتمد على الدعم الداخلي أو الخارجي لتعزيز موقفها. من الأمثلة التاريخية البارزة حكومة بيافرا الانفصالية (1967-1970) أثناء الحرب الأهلية النيجيرية، وحكومة الوطنيين الإسبانية خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). 
وأوضح إنه في السياق الأفريقي المعاصر، يبرز الصراع السوداني بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، حيث أُعلن مؤخرًا عن حكومة موازية أثارت إدانات دولية واسعة، أبرزها من الأمم المتحدة ومصر.  

البواعث والأغراض 

وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أن الحكومات الموازية تتأسس لعدة أسباب، منها: 
- الصراع على الشرعية السياسية: كما في السودان، حيث تسعى قوات الدعم السريع للحصول على اعتراف دولي كحكومة شرعية.  
- الرغبة في الانفصال والاستقلال: كما حدث مع حكومة بيافرا التي أعلنت استقلالها عن نيجيريا.  
- التحالفات الدولية والإقليمية: غالبًا ما تتلقى الحكومات الموازية دعمًا خارجيًا لتعزيز موقعها العسكري والسياسي، كما كان الحال في الحرب الأهلية الإسبانية.  

إدانة الحكومة السودانية الموازية  

وأكد أن إعلان حكومة موازية سودانية في كينيا أثار إدانات دولية واسعة للأسباب التالية:  
1. تقويض سيادة الدولة: حيث اعتُبر الإعلان تحديًا للحكومة المعترف بها دوليًا.  
2. انتهاك القانون الدولي: إذ يعد تشكيل حكومة خارج إطار الدولة محاولة لفرض واقع جديد بالقوة، وهو ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة.  
3. تفاقم الأزمة الإنسانية: قد يؤدي الاعتراف بهذه الحكومة إلى إطالة أمد الصراع وتعميق الأزمة الإنسانية في السودان.  
4. التدخل الإقليمي: موقف مصر الرافض يعكس مخاوف من زعزعة الاستقرار في المنطقة، خصوصًا مع ارتباط السودان بالأمن القومي المصري.  

واختتم الدكتور أيمن سلامة أن الحكومات الموازية تظل ظاهرة متكررة في النزاعات المسلحة، لكن شرعيتها تخضع لمعايير القانون الدولي والاعتراف الدولي. وفي حالة السودان، جاء الرفض الأممي والإقليمي لحماية وحدة الدولة ومنع تفاقم الأزمة، مما يعكس التحديات القانونية والسياسية التي تواجه مثل هذه الكيانات في الساحة الدولية.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مصر والسودان الجيش السوداني استقرار السودان الحكومة الموازية قوات الدعم السريع حكومة السودان الموازية القانون الدولی

إقرأ أيضاً:

إبراهيم شقلاوي يكتب: تحديات الأمن المائي في ضوء خطة رئيس الوزراء

تُعد إدارة الموارد المائية أحد أعمدة الاستقرار والتنمية المستدامة في السودان، لا سيما في مرحلة ما بعد الحرب، التي تتطلب إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الخدمة العامة والبنية التحتية، وفقًا لخطاب التكليف الواعد الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء د. كامل إدريس.

يرتبط الأمن المائي ارتباطًا وثيقًا بالصحة العامة، والزراعة والطاقة كما يشكّل عاملًا حاسمًا في الوقاية من النزاعات المجتمعية والصراعات الإقليمية. ومع ذلك يواجه السودان تحديات متجددة في هذا القطاع، من أبرزها: الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية، وتدهور البنية التحتية، وتناقص معدلات الأمطار بسبب تغير المناخ “برنامج الأمم المتحدة للبيئة، 2021” . يكشف هذا الواقع عن هشاشة المنظومة المائية، ويؤكد الحاجة إلى رؤية وطنية شاملة تتكامل فيها الأبعاد البيئية التنموية والاقتصادية.

الأزمة الأخيرة التي شهدتها ولاية الخرطوم بعد قصف منشآت الكهرباء بواسطة مليشيا الدعم السريع وتوقف محطة مياه المنارة، كشفت عن ضعف القدرة على إدارة الأزمات المائية، خاصة في سياق النزاعات المسلحة. فقد اضطر المواطنون للجوء إلى مصادر مياه غير آمنة، كالنيل مباشرة أو الآبار الجوفية ، مما أسهم في تفشي أمراض وبائية مثل الكوليرا “وزارة الصحة السودانية، 2025” . ولا تقتصر المخاطر على الصحة وحدها، بل تمتد إلى تهديد السلم الاجتماعي، خاصة في دارفور وكردفان، حيث تتحول نقاط المياه الموسمية إلى بؤر توتر بين المزارعين والرعاة برغم مشروعات حصاد المياه “وحدة تنفيذ السدود 2019 ” .

تشير البيانات المتاحة إلى أن السودان يمتلك نحو 85 مليار متر مكعب من الموارد المائية المتجددة سنويًا، أغلبها من نهر النيل، إضافة إلى مخزون جوفي يُقدّر بـ30 مليار متر مكعب، جزء كبير منه غير متجدد “وزارة الري السودانية، 2022؛ UNEP، 2021”. ومع تجاوز عدد السكان 48 مليون نسمة ومعدل نمو يفوق 2.5% سنويًا، تتزايد الضغوط على هذه الموارد بوتيرة مقلقة “البنك الدولي، 2023” ويستهلك قطاع الزراعة وحده قرابة 80% من إجمالي المياه “FAO، 2023” ما يبرز الحاجة الماسة لتحسين الكفاءة والحوكمة في إدارة الطلب.

هذا في وقت لا تتجاوز فيه نسبة السكان الذين يحصلون على مياه شرب آمنة 65% في المدن، وأقل من 40% في المناطق الريفية “البنك الدولي، 2023” هذا الواقع يستوجب مجهود عاجل من الجهات المعنية لإدارة هذه الموارد وفقا لخطة وسياسات قومية شاملة، تمكن البلاد في الاستفادة منها وادارتها بصورة آمنة.

في المقابل، أطلقت إثيوبيا مؤخرًا سياسة وطنية شاملة للمياه والطاقة تمتد لعشرين عامًا، تقوم على مبادئ العدالة، والشراكة مع القطاع الخاص، والحوكمة الرشيدة. وتعكس هذه الخطوة تحولًا استراتيجيًا في فهم الدولة لدور المياه كمورد سيادي وتنموي “وزارة المياه والطاقة الإثيوبية، 2025” . وقد أُعدّت هذه السياسة بمشاركة واسعة من المجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات الحكومية، في نموذج يمكن الاستفادة منه مع مراعاة خصوصية السودان المؤسسية والاجتماعية.

أما في السودان، وفي ظل غياب استراتيجية وطنية متكاملة للمياه، فإن البلاد تظل عرضة لتفاقم الأزمة، خاصة مع التأثيرات المتوقعة لمشروعات دول حوض النيل، وعلى رأسها سد النهضة، الذي يمثل تحديًا مباشرًا لتدفق المياه. فمع غياب التنسيق الإقليمي الفاعل، وتعطل المفاوضات بين السودان وإثيوبيا ومصر، يبقى الموقف السوداني ضعيفًا، في ظل عدم التوصل إلى رؤية مشتركة حول إدارة وتشغيل السد والاستفادة المتكاملة منه.

المرحلة الراهنة تفرض على الحكومة السودانية ضرورة صياغة سياسة وطنية استراتيجية للمياه، تقوم على تقييم دقيق لموقف الموارد المتاحة، ودراسة متعمقة لواقع العرض والطلب، مع تعزيز الفوائد وتأهيل البنية التحتية من خلال الجهات ذات الصلة. كما ينبغي دمج هذه السياسة ضمن برامج النهضة والسلام والتعافي التي يقودها السيد رئيس الوزراء، بما يضمن أن يصبح الأمن المائي دعامة للاستقرار، من خلال تبني سياسات متكاملة لإدارة الموارد المائية وفقًا للتغيرات المناخية. ويُعد موسم الأمطار الحالي مؤشرًا على تلك التغيرات، إذ تُظهر البيانات أن السودان من أكثر الدول تأثرًا بالمناخ “الهيئة العامة للأرصاد الجوية” .

وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، فإن تحقيق الأمن المائي في السودان لا يمكن فصله عن مشروع الحكومة، ولا عن منظومة السلم الاجتماعي والإقليمي. وإذا لم تُبنَ سياسات المياه على أسس استراتيجية متكاملة تستشرف التحديات وتستفيد من تجارب الجوار، فستظل البلاد رهينة أزمات متكررة تقوّض جهود التنمية وتُعيد إنتاج الأزمات. فالمياه اليوم لم تعد مجرد مورد، بل أصبحت بوابة أساسية نحو الاستقرار وإعادة البناء والتنمية.

دمتم بخير وعافية.

إبراهيم شقلاوي
الثلاثاء 3 يونيو 2025م Shglawi55@gmail.com

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الرباعية الجديدة لبحث الأزمة السودانية: النزاع يهدد المصالح المشتركة في المنطقة
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: تحديات الأمن المائي في ضوء خطة رئيس الوزراء
  • "قانونية الدولة" تناقش مشروعي قانونين
  • حكومة “كامل ادريس” .. حتى لا تتكرر الخيبات!
  • الأضاحي السودانية بمصر: غلاء الأسعار يهدد الموسم
  • محامي دولي يكشف مدى قانونية مشاركة زيزو مع الأهلي بمونديال الأندية
  • «العدل والمساواة» تعترض على قرار حل الحكومة السودانية
  • مباحثات أمنية بين مديري المخابرات السودانية والإثيوبية في بورتسودان
  • وكالة الأنباء السودانية: رئيس الوزراء الجديد يحل حكومة تصريف الأعمال
  • رئيس وزراء السودان يعلن حل الحكومة لتشكيل أخرى جديدة.. هذه أولياته