هدية من الوالي | قصة أول مسحراتي في مصر.. وأشهر من عمل بالمهنة
تاريخ النشر: 6th, March 2025 GMT
ارتبط شهر رمضان المبارك، بالعديد من العادات والتقاليد التي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من التراث الإسلامي، ومن أبرزها شخصية "المسحراتي"، الذي يجوب الشوارع ليلًا لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر.
. وهذا هو التشكيل المتوقعأصل حكاية المسحراتي في مصر
مهنة المسحراتي تعود جذورها إلى فجر التاريخ الإسلامي، إذ يُعتقد أن بلال بن رباح، مؤذن الرسول، كان أول من نادى بالسحور، يعاونه عبد الله بن أم مكتوم، وكان الأول يوقظ الناس لتناول السحور، فيما ينادي الثاني بالكفّ عن الطعام عند اقتراب الفجر.
وفي مصر، تعود أقدم رواية عن ظهور المسحراتي إلى العصر العباسي، وتحديدًا عام 853 ميلادية، عندما قام والي مصر، إسحاق بن عقبة، بنفسه بالتجول ليلًا في شوارع الفسطاط لإيقاظ الناس للسحور، حيث كان يسير من مدينة العسكر إلى جامع عمرو بن العاص، مناديًا السكان للاستعداد للصيام، كهدية إلى الشعب.
من هنا ظهرت طائفة المسحرين التي أبدعت في فنون الإنشاد الديني وأضافت له فنون الازجال والأناشيد، مما نتج عنه فن شعبي له مفرداته عُرف باسم "فن القوما" وهو فن شعبي يعد في مضمونه شكل من أشكال التسابيح.
مهنة المسحراتي تطورت في العصر الفاطمي، حيث أصدر الحاكم بأمر الله قرارًا يلزم الناس بالنوم بعد صلاة التراويح، بينما كان الجنود يمرون على البيوت ويدقون أبوابها لتنبيههم للسحور، ثم تطورت هذه العادة، حتى تم تعيين شخص مختص بهذه المهمة، عُرف بـ"المسحراتي"، وكان يحمل عصا يدق بها على الأبواب مرددًا: «يا أهل الله قوموا تسحروا».
وكادت هذه المهنة أن تندثر لاحقًا، لكن السلطان الظاهر بيبرس أعاد إحيائها خلال العصر المملوكي، إذ كلف صغار علماء الدين بإيقاظ الناس للسحور، وفي عهد الناصر محمد بن قلاوون، ظهرت نقابة للمسحراتية، وكان أبرز روادها "ابن نقطة"، الذي ابتكر فن "القوما"، وهو نوع من التسابيح الرمضانية، كما أدخل استخدام الطبلة الصغيرة "البازة" بدلًا من العصا، ليقرعها بإيقاع منتظم، ما أضاف بُعدًا فنّيًا لمهنة المسحراتي.
المسحراتي أصبح بمرور الزمن جزءًا أصيلًا من الثقافة الشعبية المصرية، إذ لم يقتصر دوره على إيقاظ الصائمين، بل تحول إلى رمز رمضاني، وما زال مستمرًا في الصعيد وبعض الحواري الشعبية.
ويمتلك كل فرد من طائفة المسحرين أسلوبا خاصا، يجمع فيه العديد من المرادفات القولية والغنائية يستحسنه من اعتادوا على سماعه، ويجذبهم إليه كونه يقوم قبل رمضان بالاستعلام عن أسماء أصحاب المنازل وأسماء أبنائهم، ويدرج في نداءه تحية خاصة لكل منهم ضمن إبداعاته القولية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شهر رمضان المسحراتي المزيد
إقرأ أيضاً:
خطبة العيد.. رسائل رحمة وسلام ومضامين ترسخ القيم
تُعد خطبة العيد محطة إيمانية واجتماعية تتجلى فيها أسمى قيم الإسلام ومقاصده، إذ يجتمع المسلمون على المحبة والتراحم، ويتبادلون التهاني في أجواء من الفرح والتقوى، وفي هذا السياق، قدّم عدد من الأئمة والخطباء والأكاديميين قراءات متعددة لمضامين خطبة العيد، مؤكدين على أهميتها كمنبر دعوي جامع، داعين إلى تجديد خطابها بما يلامس واقع الناس ويُسهم في بناء وعي ديني مستنير.
مضامين
يرى عامر بن ناصر الصباري، إمام مسجد، أن الخطبة تتجلى فيها روح الشريعة الإسلامية وأخلاقها السمحاء، إذ يعيش المسلمون هذه الأيام مناسبة مباركة فيها لحظات عظيمة مليئة بالفرح والسرور والتزاور وتبادل التهاني، وتوثيق أواصر الرحم، وذبح الأضاحي، وإفشاء المحبة بين الآباء والأبناء، وبين الأسر والمجتمعات، وهو ما يعكس البُعد الاجتماعي والتربوي والروحي لهذه الشعيرة المباركة.
وأوضح أن الخطيب يستفتح الخطبة بالحمد والثناء على الله تعالى، والتذكير بفضله على عباده، والدعوة إلى شكر النعم، وهو مدخل مهم يهيّئ القلوب لتلقّي الموعظة والتوجيه، ويُرسّخ في النفوس أن نعم الله لا تُعدّ ولا تُحصى، وأن الشكر عليها سبب لدوامها وزيادتها.
ويبيّن عامر الصباري أن من أبرز مضامين خطبة عيد الأضحى المبارك التذكير بقصة نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، حيث يسلّط الخطيب الضوء على مشهد الطاعة المطلقة، والصبر العظيم، والتفويض الكامل لأمر الله، وهي قصة تتضمن دروسًا عميقة في الإيمان والثقة بالله، وتُعدّ نموذجًا للتحلي بأخلاق الأنبياء والتمسك بالتقوى والثبات في مواجهة الابتلاءات، كما تعكس هذه القصة عمق المعاني التي يحملها العيد في جوهره.
وأضاف أن الخطيب يختم الخطبة ببيان أحكام الأضاحي ومقاصدها، موضحًا أن الأضحية ليست مجرد ذبح ولحم، وإنما هي عبادة يتقرب بها المسلم إلى الله، وتوسعة على الأهل، وتصدق على الفقراء والمحتاجين، وتعزيز لروح التكافل الاجتماعي، وتنمية لمعاني التقوى التي تُعدّ أساسًا للأخلاق الحميدة، ووقاية من الوقوع في المعاصي والخطايا، مشيرا إلى أن خطبة العيد تذكّر الناس بأن قيم الإسلام لا تقتصر على المظاهر، بل تتجلى في الأعمال والنيات، وأن من أعظم غايات العيد تعزيز معاني الرحمة، وغرس قيم التعاون والمحبّة بين أفراد المجتمع، بما يجعل هذه المناسبة المباركة محطة سنوية متجددة لتجديد الصلة بالله، وبناء جسور التواصل والمودة بين الناس.
الرحمة والتكافل
بدوره، يقول الدكتور عبدالله بن مبارك العبري، أكاديمي سابق بجامعة السلطان قابوس -كلية الحقوق-: إن عيد الأضحى المبارك مناسبة دينية تتجسد فيها أسمى قيم الرحمة والتكافل، وتتجاوز فيها معاني الفرح المادي إلى رحاب الإحسان الإنساني. ويشير إلى أن هذه الأيام المباركة تُربّي في المسلم روح العطاء والبذل، من خلال شعيرة الأضحية التي لا تقف عند حدود الذبح، بل تمتد لتصل إلى قلوب الفقراء والمحتاجين، وتُرسّخ مبدأ المشاركة والتراحم.
ويبيّن أن عيد الأضحى يُعلّم المجتمع أن الفرح لا يكتمل إلا بتقاسم الخير، وأن الغني لا يحق له أن ينفرد بنعمة الوفرة دون أن يشرك فيها غيره من المحتاجين، وهو ما يعكس جوهر التكافل الذي تنشده الشريعة الإسلامية. كما يشير إلى أن مظاهر الرحمة في هذا العيد تشمل اليتامى والأرامل، بل وتصل إلى الحيوان، حيث أُمر المسلم بالإحسان في ذبح الأضحية والرفق بها.
ويضيف الدكتور العبري أن ما يميز عيد الأضحى عن سواه من المناسبات هو حضوره القوي كرسالة أخلاقية واجتماعية، تدعو إلى الرحمة بالناس، ومواساة المحتاج، وإحياء قيم التراحم والتواصل، مما يجعل منه منبرًا عمليًا لتجسيد مبادئ الإسلام في التكافل، لا بالشعارات، بل بالفعل والسلوك، في محيط الأسرة والمجتمع على حد سواء.
الخطاب الديني
من جانبه، قال عبدالله بن حمد الهاشمي، إمام جامع عرفة بحي التراث في ولاية نزوى: إن خطبة العيد كغيرها من الخطب المنبرية تُعد فرصة حيوية لتجديد الخطاب الديني بما يلامس واقع المجتمع ويعالج قضاياه المتجددة، دون أن يُخلّ ذلك بالثوابت الشرعية أو يُفقد الرسالة روحها الأصيلة. ويشير إلى أن من أبرز التحديات في هذا الجانب هو إيصال رسالة العيد إلى فئات المجتمع المتنوعة، خصوصًا فئة الشباب، التي أصبحت أكثر تأثرًا بالانفتاح الإعلامي والتغيرات الثقافية المتسارعة.
وأضاف الهاشمي أن التعامل مع هذا التحدي يبدأ من الوعي بمتغيرات العصر، ثم بتحضير مضمون الخطبة بعناية ليكون قريبًا من قلوب الناس، ويخاطب واقعهم بتوازن بين المقاصد الشرعية واللغة القريبة من وجدانهم. فالشباب اليوم لا يتفاعلون مع الطرح التقليدي الجاف، بل مع الخطاب الذي يلامس تطلعاتهم ويخاطب تجاربهم اليومية، ويقدّم الدين على أنه رفيق لهم في طموحاتهم وتحدياتهم.
وأشار إلى أن التجديد لا يكون فقط في اختيار الموضوعات، بل كذلك في الأساليب والوسائل. فالمشهد الحي والصورة، واللغة الإبداعية، والقصص الواقعية، والأمثلة المعاصرة، كلها عناصر تعزز من تأثير الخطبة وقربها من المتلقين. كما أن الوصف البصري المعبر، حتى دون صورة ملموسة، يترك أثرًا أعمق في النفوس، خاصة حين يُدمج بعنصر السؤال والتأمل، ليصبح المستمع شريكًا في الفكرة لا مجرد متلقٍ سلبي.
وفيما يتعلق بالتوازن بين الثبات في المضمون والتجديد في الطرح، وضح الهاشمي أن هذا التوازن يمثل مبدأ أساسيًّا في الخطاب الدعوي، حيث يبقى المحتوى منضبطًا بالأصول الشرعية، بينما يُطوّر الأسلوب بحسب حاجات المتلقين وواقعهم. ويستشهد في ذلك بنهج النبي ﷺ الذي خاطب كل قوم بلغتهم وعلى قدر فهمهم.
واختتم الهاشمي حديثه بقوله: إن خطب العيد ينبغي أن تحمل رسائل أمل ورحمة، تُقدَّم بأسلوب يفتح النوافذ ويُشعر الناس بأن الدين قريب من واقعهم. فالأضحية مثلا ليست مجرد ذبح، بل هي رمز للتضحية والعطاء، وربطها بهدي النبي إبراهيم عليه السلام وفرصة لإعادة ربط المفاهيم الدينية بسياق الحياة اليومية، بما يجعل الخطبة حديثًا حيًّا نابضًا بروح التجديد.
وفي السياق ذاته، يُوضح أحمد بن سعيد اليعقوبي، إمام وخطيب، أن تجديد الخطاب الديني ضرورة حتمية في ظل ما يشهده الواقع المعاصر من تحولات معرفية وتكنولوجية، وتغير في اهتمامات الأجيال وطرق تفكيرهم. ويرى أن هذه المتغيرات لا تتعارض مع ثوابت الخطاب الشرعي، بل تدعو إلى إعادة صياغته بأسلوب معاصر قادر على الإقناع والتأثير.
ويشير إلى أن بعض مظاهر العيد باتت تُفهم من قبل فئة من الشباب على أنها مجرد عادات اجتماعية، وهو ما يتطلب خطابًا دينيًا يُعيد إبراز المعاني الأصيلة لهذه الشعائر، ويصل بها إلى عقول وقلوب الناس بلغة مناسبة تجمع بين عمق المضمون وجاذبية الطرح، دون الانجراف نحو التقليد الثقافي غير المنضبط.
كما ينبه إلى أثر الانفتاح الواسع على العالم الرقمي، وتصدر شخصيات غير سوية للمشهد، مع غياب القدوات المؤثرة، وهو ما جعل الحاجة ملحة لخطاب يُعزز البناء الفكري والأخلاقي، ويُرسخ الموازين الشرعية في نفوس النشء.
ويرى اليعقوبي أن الخطاب الذي يكتفي بالمجاملات أو يهمّش النصوص الشرعية لحساب التوجهات السائدة، لن يحقق أثرًا مستدامًا، بل قد يُفاقم التحديات لاحقًا إذا لم يكن مبنيًا على وعي واستبصار.
ويؤكد أحمد بن سعيد اليعقوبي في ختام حديثه أن قوة الخطاب لا تكمن في الإطالة، بل في بلاغته، وعمق فكرته، وقدرته على استيعاب الواقع وتوجيهه، ضمن ثوابت واضحة وأساليب متجددة، تُسهم في صناعة وعي راسخ يحصّن الأجيال ويُبقي للدين أثرًا حيًّا في الحياة العامة.
البعد الإنساني
من جهته، قال سعيد بن هلال الشرياني إمام وخطيب: إن خطبة العيد تجسّد البعد الإنساني وترسّخ القيم الأخلاقية في زمن تتزايد فيه التحديات. وأكد أن هذه الخطبة تُعد من أبرز قنوات الخطاب الجماهيري وأكثرها تأثيرًا، لما تحمله من رمزية دينية واجتماعية في مناسبة تجمع المسلمين على المحبة والتآلف، مشيرًا إلى أن المنبر في صلاة العيد ليس مجرد أداء شكلي، بل وسيلة فعّالة لغرس المبادئ وترسيخ السلوك القويم.
وأضاف أن خطبة العيد تحمل في جوهرها رسالة أخلاقية ترتبط بمقاصد الإسلام الكبرى، إذ تركز على الرحمة، والتسامح، والإحسان، وقيم التراحم بين الناس، وتُعيد التأكيد على الأخلاق التي دعا إليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجعلها أساس دعوته، مبينًا أن هذه الرسائل الأخلاقية يجب أن تظل حاضرة بقوة في الخطاب الديني المعاصر، خصوصًا في ظل ما يشهده العالم من طوفان ثقافي ومعلوماتي يعبث بالمفاهيم ويؤثر في سلوك الأجيال.
وأشار الشرياني إلى أن المنبر يمكن أن يكون أداة فاعلة في رأب الصدع ولمّ الشمل وتقريب وجهات النظر بين أبناء الأمة الواحدة، إذا ما أُحسن توظيفه وتفعيل رسالته في زمن تتزايد فيه الانقسامات وتُستغل فيه الخلافات من أطراف خارجية، مؤكدًا أن خطابًا جامعًا يُبنى على الأخلاق والقيم النبيلة كفيل بأن يعيد للمنبر أثره الحقيقي في التوجيه والإصلاح.
واختتم سعيد بن هلال الشرياني حديثه بالقول: إن الإسلام دين رحمة وسلام، وخطبة العيد هي فرصة سنوية لتأكيد هذا المعنى، وعلى الخطباء أن يحملوا هذه الرسالة بأمانة، ويُقدّموها بلغة معاصرة واضحة تُلامس قلوب الناس، وتدفعهم نحو سلوك عملي يعمر به المجتمع وتطمئن به القلوب.
غرس مفهوم الأضحية
من جانبه، قال سامي بن خميس المجرفي، إمام وخطيب: إن توظيف خطبة العيد في غرس مفهوم الأضحية كقيمة دينية يُجسد الطاعة والإخلاص، يبدأ من التركيز على البعد التربوي والعاطفي في قصة نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، واستحضار مشهد الامتثال لأمر الله، وما يحمله من معاني الإيمان والتسليم. وأشار إلى أهمية تبسيط هذا المضمون في الخطبة بلغة قصصية موجهة للأطفال، لتقريب مفهوم الأضحية وربطها بقيم التسليم والتضحية والإخلاص.
وأوضح المجرفي أن دور أولياء الأمور لا يقل أهمية عن المنبر، حيث ينبغي أن يُحوّل الحديث عن الأضحية إلى حوار تربوي يناسب الفئات العمرية المختلفة، عبر استخدام الوسائط التعليمية كالرسم والقصص التفاعلية، بالإضافة إلى إشراك الأطفال في جوانب بسيطة من التحضير للأضحية، كالتغليف والتوزيع، لترسيخ مفهوم القرب من الله عبر العطاء.
وأضاف أن المنبر يُعد وسيلة قوية في غرس قيمة الإيثار، خاصة عند استعراض القصص القرآنية والنبوية التي تتناول مشاهد الطاعة والتضحية، كقصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في عطائه واهتمامه بالفقراء، وكذلك مواقف الصحابة والتابعين في إيثار الغير.
ونوّه إلى أن إشراك الأطفال عمليًا في شعيرة الأضحية يُسهم في تعزيز الشعور بالهُوية الدينية، وينقل القيم من المفهوم إلى التطبيق، فينشأ الطفل مدركًا لمعنى العبادة كمسؤولية ومشاركة لا تقتصر على الكبار.
وأشار المجرفي إلى أن الاستجابة من أولياء الأمور متفاوتة، ما بين وعي تربوي عميق واقتصار على المظاهر الاحتفالية، مؤكدًا على أهمية تنظيم فعاليات توعوية تربوية قبل العيد في المساجد والمدارس، وتفعيل الوسائل الرقمية الموجّهة، وتشجيع الأئمة على تخصيص جزء من خطبهم لفئة الأطفال والناشئة لتأصيل القيم الإيمانية في هذه المناسبات الدينية.