كشفت مصادر مطلعة عن اعتزام مليشيا الحوثي الانقلابية طرح مشروع قانون جديد لإنشاء ما تُسمى "هيئة التقييم القانوني" في خطوة خطيرة تُضع ملامح مستقبل مؤسسات الدولة المختطفة على المحك.

وأوضحت المصادر أن هذا المشروع الحوثي يأتي تحت ذرائع ومسميات عديدة، منها "مكافحة الفساد" و"تصحيح القرارات الحكومية"، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر قانونية ودستورية جمة تهدف إلى إعادة توزيع مفاصل السلطة على نمط يخدم أجندة الحوثيين على حساب الدستور النافذ ومؤسسات الدولة المختطفة.

وفقًا للقانونيين، فإن مشروع القرار والقانون الحوثي الجديد، الذي حصلت وكالة خبر على نسخة منه، يعد انتهاكًا للدستور اليمني النافذ ومساسًا بمبدأ الفصل بين سلطات الدولة؛ حيث ينص الدستور اليمني على الفصل الواضح بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، إلا أن مشروع القانون يمنح ما تُسمى "هيئة التقييم القانوني" صلاحيات واسعة تمتد إلى الرقابة على الجهات التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية.

وأوضح الخبراء أن المشروع يُعتبر إنتهاكا تامًا لاختصاصات السلطات الدستورية، إذ يتضمن نصوصًا تمنح الهيئة المستحدثة مهامًا رقابية وتنفيذية تتعارض مع اختصاص مجلس النواب في التشريع والرقابة، ومع مهام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والنيابة العامة؛ وقد يفتح هذا التداخل الباب أمام استغلال سلطة الأمر الواقع (الحوثيين) بصورة تعسفية دون أي سند دستوري، مما يخدم مصالحهم وأجندتهم المشبوهة.

وأضاف الخبراء أن المشروع يمثل اعتداءً صارخًا وسافرًا على استقلال القضاء، إذ يمنح الهيئة الحوثية المستحدثة صلاحيات مباشرة للتدخل في أعمال القضاء، من خلال الرقابة على تصرفات القضاة والموظفين تحت يافطة "تصحيح الاختلالات القضائية"، وهو ما يُعد خرقًا صارخًا لمبدأ استقلالية القضاء كما ينص عليه الدستور.

كما يحمل مشروع القانون الجديد مخاطر جسيمة على الحريات العامة وحقوق الأفراد؛ فهو يقيد الحقوق والحريات ويستغلها كأداة قمعية لمن تبقى من الموظفين غير الموالين للجماعة والمناهضين لها في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ولفتت المصادر إلى أن المشروع يخول الهيئة الحوثية صلاحيات تلقي البلاغات والتحقيق والإحالة للقضاء دون الالتزام بالقنوات القانونية والدستورية المعمول بها، مما قد يؤدي إلى استخدامها كأداة لتصفية المعارضين ونزع الحقوق الأساسية من الموظفين العموميين، ويمثل تهديدًا لسيادة القانون واستقلال جهاز القضاء والمؤسسات ذات الصلة.

ويلغي المشروع الحوثي، عبر استحداث هذه الهيئة، دور الأجهزة الرقابية القائمة وفقًا للدستور النافذ؛ إذ يتداخل مع اختصاصات هيئات مكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومجلس القضاء الأعلى، مما يؤدي إلى إضعاف هذه المؤسسات وإحلال جهاز رقابي موالٍ للحوثيين على حسابها.

وبحسب نصوص المشروع الحوثي، تسمح مواد القانون باستدعاء الموظفين والتحقيق معهم دون توفير ضمانات قانونية كحق الدفاع والمحاكمة العادلة، فضلاً عن إمكانية التعاون مع جهات دولية للتحقيق في نشاطاتهم، ما قد يُستخدم لاحقًا لأغراض سياسية بحتة، في انتهاك لحقوق المواطنين.

ويبرز المشروع جانبًا آخر من المخاطر المتعلقة بإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، في إعادة إنتاج آلية سياسية إدارية لخدمة أجندة المليشيا؛ حيث يمنح القانون الهيئة صلاحية "تصحيح القرارات الحكومية"، مما يجعلها أداة لتشكيل الجهاز الإداري بحسب الأهداف السياسية للحوثيين بدلاً من خدمة المصلحة الوطنية.

كما يُشرع مشروع القانون الحوثي الفوضى القانونية، إذ تُترك تفاصيل وآليات ممارسة صلاحيات الهيئة للائحة تنفيذية، ما يتيح المجال لصياغة نصوص تعسفية قد تتجاوز نص القانون، مما يؤسس لبيئة قانونية من غير الاستقرار وسوء التطبيق.

كما يُمنح المشروع للهيئة الحوثية موازنة مستقلة دون تحديد واضح لمصدر تمويلها، مما قد يؤدي إلى استغلالها في أغراض غير مشروعة أو فرض ضغوط مالية على مؤسسات الدولة، مما قد يؤثر على الموارد المالية والإدارية، أو قد تُفرض جبايات على التجار والمواطنين.

ويرى خبراء القانون أن مشروع قانون إنشاء "هيئة التقييم القانوني" يُعد محاولة واضحة من المليشيا الحوثية لترسيخ سلطتها على مفاصل الدولة عبر جهاز قانوني يهدف إلى القضاء على المعارضة وتفكيك المبادئ الدستورية الأساسية؛ وهو انتهاك لمبادئ الفصل بين السلطات واستغلاله كأداة قمعية يهددان مستقبل اليمن ويضع مؤسسات الدولة المختطفة على حافة الانهيار.

ودعوا إلى رفض هذا المشروع باعتباره تعديًا جسيمًا على الدستور اليمني، مؤكدين أن أي تغيير في النظام القانوني يجب أن يتم من خلال مؤسسات دستورية معترف بها داخليًا ودوليًا، محذرين من خطورة تبعاته على حقوق الأفراد ومصير الدولة.

وفي السياق، أكد المحامي عبد الفتاح الوشلي في منشور مطول على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) أن الفراغ القانوني الكبير الذي بات يعاني منه النظام القضائي في صنعاء في تمثيل الدولة أمام المحاكم والنيابات يشكل خطرًا جسيمًا على سيادة القانون واستقرار مؤسسات الدولة.

وقال الوشلي: "منذ زمن ليس ببعيد، كانت وزارة الشئون القانونية تمثل الدولة رسميًا أمام المحاكم والنيابات في المنازعات التي تكون الدولة أو إحدى مؤسساتها طرفًا فيها، وذلك بموجب قانون قضايا الدولة رقم (30) لسنة 1996م. ولكن، وفي إطار سلسلة من القرارات التي جاءت على هامش التغييرات السياسية، تم إلغاء وزارة الشئون القانونية بناءً على قرار رئيس المجلس السياسي الأعلى (رئيس مجلس حكم الانقلاب الحوثي مهدي المشاط) رقم (11) لسنة 1446هـ، تلاه صدور قرار رقم (3) لسنة 1446هـ يقضي بإنشاء المكتب القانوني للدولة التابع لرئاسة الوزراء كبديل للوزارة الملغاة".

وتابع: "للأسف، لم يُوكل للمكتب القانوني السلطة الكاملة لتمثيل الدولة والجهات الحكومية أمام المحاكم والنيابات، وكان الأمل معلقًا على إنشاء هيئة قضايا الدولة التي من شأنها سد هذا الفراغ".

مضيفًا: "إلا أن الواقع اليوم يظهر أن الدولة، منذ تشكيل الحكومة الجديدة، باتت تعاني من غياب ممثل قانوني فعال يُدافع عن مصالحها في النزاعات القضائية".

وبحسب الوشلي، وفقًا لما اطلعت عليه من مصادر مطلعة، فإن هذا الفراغ القانوني ناتج عن محاولة رئيس المكتب القانوني للدولة إجهاض عملية إنشاء هيئة قضايا الدولة، إذ يسعى شخصيًا لأن يُحول المكتب القانوني إلى الممثل القانوني للدولة، مما تسبب في أزمة قانونية كبيرة، وقد أدى ذلك إلى موقف حرج، إذ رفضت الأغلبية العظمى من القضاة وأعضاء النيابة العامة قبول صفة أي محامي يمثل جهة حكومية طرفًا في أي نزاع، تمسكًا منهم بسيادة القانون وتطبيقه على النحو الصحيح.

وأضاف: "اضطر رئيس التفتيش القضائي إلى إصدار تعميم يقضي بقبول صفة المحامين الحاضرين عن الجهات الحكومية الموكلين منها، في محاولة لتخفيف الأزمة القانونية، لكن هذه الخطوة لم تلقَ القبول الكافي لدى أغلب الدوائر القضائية".

وأشار إلى أن هذا الفراغ القانوني لا يؤثر فقط على نظام التمثيل القانوني للدولة، بل يفتح المجال أمام استغلال بعض الجهات لهذا الموقف لصالحها، مما ينعكس سلبًا على نزاهة العملية القضائية ويعرض الدولة لمخاطر جسيمة في قضاياها الحيوية.

واعتبر المحامي الوشلي أن السكوت على هذه الممارسات السلبية يمثل معيبًا خطيرًا يجب معالجته بأسرع وقت ممكن، حفاظًا على مصالح الدولة وضمانًا لسيادة القانون.

واختتم منشوره بالتأكيد على أن الحل يكمن في إعادة النظر سريعًا في الآليات التنظيمية للممثل القانوني للدولة، وإعادة تمكين هيئة قضايا الدولة أو أي جهة مؤسسية أخرى ذات صفة قانونية راسخة تُمثل الدولة أمام المحاكم والنيابات بشكل مستقل وشفاف، بعيدًا عن المحاولات الشخصية والسياسية التي تؤدي إلى إضعاف النظام القانوني - في إشارة إلى تدخلات قيادات مليشيا الحوثي المستمرة في القضاء.

المصدر: وكالة خبر للأنباء

كلمات دلالية: القانونی للدولة مؤسسات الدولة قضایا الدولة ما قد ی

إقرأ أيضاً:

انتقادات إسرائيلية لمشروع قانون الإعدام ضد الأسرى الفلسطينيين

كشف طرح مشروع قانون فرض عقوبة الإعدام في الكنيست، الذي ينص على إعدام أي مقاوم فلسطيني نفذ عملية هجومية أسفرت عن مقتل إسرائيلي، عن دوافع عدائية وعنصرية تستهدف الفلسطينيين بشكل مباشر.

وذكر إلداد شيدلوفسكي، المحاضر في الاقتصاد وسوق رأس المال بكلية عسقلان والرئيس السابق لقسم الاقتصاد والبحوث بوزارة المالية، أن مشروع القانون يشير إلى أن "كل من يتسبب عمدا أو دون قصد في وفاة إسرائيلي بدافع عنصري أو بدافع عداء تجاه العامة بهدف الإضرار بالدولة يُحكم عليه بالإعدام".

ويوضح أن المشروع يسعى لفرض العقوبة بشكل إلزامي دون إمكانية العفو، مع السعي لتعديل القانون في المحاكم العسكرية بالضفة الغربية.

وأضاف في مقال نشره على موقع "زمان إسرائيل"، وترجمته "عربي21"، أن المشروع يقترح إصدار حكم الإعدام بأغلبية أصوات القضاة بدلا من شرط الإجماع القائم حاليا، مشيرا إلى أن تقديمه جاء في سياق الصدمة العامة بعد هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر  2023، وما خلفه من شعور بالفقدان والتهديد الوجودي ورغبة واسعة في الانتقام.

وأكد شيدلوفسكي أن الاعتراضات على المشروع نابعة من أن صياغته موجهة للفلسطينيين، لأن عبارة "الإضرار بدولة إسرائيل والشعب اليهودي في أرضه" تُستخدم عادة لوصف عمليات المقاومة الفلسطينية، فيما يتجاهل القانون حالات القتل التي يرتكبها اليهود ضد الفلسطينيين.

ويرى أن ذلك يشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، لأن الدولة السوية لا تجيز إزهاق الروح إلا عند انعدام أي سبيل لحماية حياة أخرى، استنادًا إلى مبدأ الكرامة الإنسانية.



وأوضح أن هناك أسبابا إضافية لرفض العقوبة، من بينها إمكانية خطأ القضاة، وغياب أي فرصة لتصحيح الحكم بعد تنفيذ الإعدام، فضلًا عن أن العقوبة لا تُعد رادعًا لمَن ينفذون عمليات فدائية وهم يدركون مسبقا محدودية فرص نجاتهم.

كما حذر من أن العقوبة قد تدفع لعمليات اختطاف وقتل للإسرائيليين بهدف مبادلتهم، مؤكدًا أن مراجع عديدة في التراث اليهودي عارضت عقوبة الإعدام.

وتطرق إلى قول الحاخام إليعازر بن عزريا بأن وجود العقوبة نظريًا لا يلغي المعايير الصارمة التي وُضعت لتطبيقها، مشيرًا إلى أن العدالة تتطلب تماثلًا أخلاقيًا في المسؤولية، وأن إزهاق الأرواح ليس ضروريًا، ويتجاوز الالتزام الأخلاقي بعدم قتل الآخر، وهو ما يدعم معارضة العقوبة.

وأوضح شيدلوفسكي، أن تشريع الإعدام في هذا التوقيت قد يدفع المجتمع الإسرائيلي نحو مزيد من العنف والوحشية، حتى لو استحق بعض المدانين العقوبة، لكن تبقى الإشكالية: هل يجوز للدولة قتل فلسطينيين قتلوا إسرائيليين، رغم تجاوزهم الخطوط الأخلاقية، وخاصة في بيئة يُفترض فيها العيش المشترك؟.

وأشار إلى أن فظاعة العقوبة تكشف انهيار الأساس الأخلاقي للعيش مع الفلسطينيين، ما يستوجب الحذر الشديد في تطبيقها، وحصرها في الحالات القصوى والاستثنائية فقط، وحتى حينها بحذر كبير، وحذر من مخاطر التوسع المستقبلي في العقوبة بما يشمل تمييزًا ممنهجًا بين اليهود والعرب، ونشوء ثقافة قانونية ومجتمعية أكثر عنفًا وأقل احترامًا لقدسية الحياة.

مقالات مشابهة

  • القضاء الإداري يؤجل دعوى تعليق تنفيذ أحكام الإعدام بعد تعديلات الإجراءات الجنائية
  • القضاء يوجه تقليل حالات التوقيف والحبس
  • قرار القضاء العراقي بين سندان القانون ومطرقة الفساد
  • الديباني: حكم استئناف بنغازي يُسقط قانونيًا هيئة الانتخابات الموازية التي أنشأها الرئاسي
  • الفنان مراد مكرم يطالب بالتحقيق القانوني بعد تعرضه للإساءة الإلكترونية
  • وزير العدل يستقبل مديرة مركز سيادة القانون بفنلندا ويبحثان تعزيز التعاون القانوني والقضائي
  • خبير سياسي: مصر الوحيدة التي تواجه المشروع الدولي لتقسيم سوريا وتفكيك الدولة
  • انتقادات إسرائيلية لمشروع قانون الإعدام ضد الأسرى الفلسطينيين
  • «قضاء أبوظبي» تستعرض تجربتها في معرض الكتاب القانوني
  • رئيس أمناء الجامعة الألمانية: نسعى لشراكات تصنع مستقبل التعليم القانوني في مصر