رزق تطلبه ورزق يطلبك
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
سالم البادي (أبو معن)
اختص الله سبحانه وتعالى ذاته بأمر الرزق وتيسيره، فالأرزاق كلها بيده وحده، فهو خالق الأرزاق، وموصلها إلى خلقه، وخالق أسباب التمتع بها؛ فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو مولاها وواهبها، قال تعالى: {فَابتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزقَ واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17).
الأرض التي نعيش عليها غنية بما فيها من أنواع العيش المختلفة ولا يزال البشر يكتشفون من المعايش التي أودعها الله فيها، وفيما يخرج من زرعها، وفي الدواب التي بثها، الثروة الحيوانية، وفي البحر الذي تستخرجون منه لحمًا طريًا، وما فيه من كائنات بحرية، وفي الجبال وما أنزل الله فيها من معادن كثيرة (حديد، ذهب،فضة، نحاس، ..الخ ) قال تعالى: {وَلَقَد مَكَّنَّاكُم فِي الأَرضِ وَجَعَلنَا لَكُم فِيهَا مَعَايِشَ}(الأعراف: 10)
إن ما يحدث في العالم من مجاعات واحتباس المطر فإنما هو بذنوب العباد، وبظلم بعضهم لبعض، وتسلط بعضهم على بعض، وإلا فإن في الأرض ما يكفيهم وزيادة للعيش فيها بعدالة وكرامة.
حكمة الله تعالى اقتضت برزق الكافر والمؤمن، يرزق جميع الناس من أهل الإيمان، وأهل الضلال، وقد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، ويضيق على أهل الإيمان والصلاح، قال تعالى: {وَلَولَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلنَا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمَٰنِ لِبُيُوتِهِم سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيهَا يَظهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِم أَبوَابًا وَسُرُرًا عَلَيهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا ۚ وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلمُتَّقِينَ}(الزخرف).
والسعي في طلب الرزق أمرٌ حضّ عليه الشّرع ببذل الأسباب الموصلة إليه، والتوكلّ على الله بعد ذلك، وجعل الله تعالى للرزق قوانين لا تتغير ولا تتبدل، من اتبعها نال الرزق منه سبحانه، وأول هذه القوانين أن الرزق يحتاج إلى سعي وطلب، قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللَّهِ وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} (الجمعة: 10).
ولقد عمل الأنبياء ولم ينتظروا مجيء الرزق إليهم، وإنما أكلوا من عمل أيديهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"، قال تعالى: {وَما أَرسَلنَا قَبلَكَ مِنَ المُرسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُم لَيَأكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمشُونَ فِي الأَسوَاقِ}(الفرقان: 20).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط زارعين، وصالح تاجرًا، وداود حدادا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم رعاة".
ويقول سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه: "الرزق نوعان، رزق تطلبه ورزق يطلبك. فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك، وأما الذي تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك، وهو أيضًا من رزقك، فالأول فضل من الله والثاني عدل من الله".
قد يخرق الله العادة، ويرزق عبدًا من عباده، بلا سبب ولا سعي، معجزة لنبي، أو كرامة لولي؛ فهذه الدنيا الفانية يعطيها الله لمن يحب، ومن لا يحب: أعطاها لقارون وهو لا يحبه، وأعطاها لعبد الرحمن بن عوف الصحابي الجليل وهو يحبه.. أعطاها لفرعون وهو لا يحبه، وأعطاها لسيدنا سليمان وهو يحبه.. فهذه الدنيا لا يمكن أن تكون مقياس لمحبة الله، أو عدم محبته. فقد تكفّل اللهُ بالرزق لعباده سواءً بذلك من آمن منهم أو من كفر به، إلّا أنّ رزق الله لعباده المؤمنين يختلف عن ذلك الرزق الذي يأتي لأيّ إنسان.
قال الله تعالى: {أَيَحسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُم فِي الخَيرَاتِ بَل لاَّ يَشعُرُونَ} (المؤمنون: 55).
الله سبحانه يرزق الجميع، ولكنه قد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، وقد يقتر على أهل الإيمان، فلا يظن أن العطاء والزيادة دليل المحبة والاصطفاء، فكثرة الرزق ليست دليلًا على محبة الله؛ لأنّ الإنسان يرى أحيانًا رزقًا كثيرًا بيد أهل الضلال والجهل، ورزقًا قليلًا مع أهل الإيمان،
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج"، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ} (الأنعام: 44).
الإكثار من الرزق والمال ليس حرامًا، وما العيب في ذلك؟! ومن كمال الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة: 201).
وهناك عدد من الطاعات جاءت الأدلة بأنها تستجلب الرزق وتكون سببا في نزول البركة، ومنها:
الاستغفار: قال تعالى: {فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِّدرَارًا وَيُمدِدكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَل لَّكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَل لَّكُم أَنهَارًا} (نوح: 10-12)، فالاستغفار، والذكر، سببٌ في سعة الرزق، ونزول الغيث، وكثرة المال، والزرع.
وفي الحديث عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم "مَن أكثَر الاستغفار جعَل الله له مِن كل همٍّ فرَجًا، ومِن كل ضِيق مخرجًا، ورزقه مِن حيث لا يحتسب".
كذلك من الطاعات التي تجلب الرزق هو الإكثار من الصدقة، قال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} (سبأ: 39).
ولما أمر سبحانه بالصدقة حذرنا من مكر الشيطان الذي ينهانا عن الصدقة فقال جل شأنه: {الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلًا} (البقرة: 268).
والتبكير في الخروج لطلب الرزق كذلك من اسباب استجلاب الرزق، فقد كان رسول الله إذا أراد أن يُخرج جيشًا أو سريّةً، يخرجهم في أوّل النهار، روي عن عبد الله بن عمر أنّ النبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال: "بُورِكَ لأُمَّتِي في بُكورِها".
كما إن صلة الرحم سبب آخر لاستجلاب الرزق، روى البخاري ومسلم عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: "مَن سَرَّهُ أَن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ أَو يُنسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَليَصِل رَحِمَهُ".
والزواج الحلال يجلب الرزق، فربُّ العزة وعد بإغناء الفقير بتزويجه، فقال عز من قائل: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور: 32)، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "رغَّبهم الله في التزويج، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعَدهم عليه الغنى".
بلا شك أن تقوى الله- عز وجل - في السر والعلن من أسباب جلب الرزق قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ} (الطلاق: 2- 3).
أيضًا الحفاظ على أداء الصلوات تجلب الرزق، حيث يقول الله تبارك وتعالى: {وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَّحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى} (طه: 132).
والتوكل على الله كذلك يصب عليك الرزق صبا، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ} (الطلاق: 3).
ولو أجريتَ معادلة بين الناس لوجدتَ مجموع كل إنسان يساوي مجموع كُلِّ إنسان، بمعنى أنك لو أخذتَ مثلًا: الصحة والمال والأولاد والقوة والشجاعة وراحة البال والزوجة الصالحة والجاه والمنزلة ... الخ لوجدت نصيب كُلٍّ منّا في نهاية المعادلة يساوي نصيب الآخر، فشخص يزيد في القوة، وأخر يزيد في العلم، وهكذا ...
لأننا جميعًا عبيدٌ لله، والله عادل في تقسيم الأرزاق.
فكيف تخاف الفقر والله رازقًا
فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن أن الرزق يأتي بقوةٍ
ما أكل العصفور شيئًا مع النسر
سماع كلمات المحبطين، والمثبطين والفاشلين والحاقدين والحاسدين لا تغني ولا تسمن من جوع، بل السعي نحو طلب الرزق والتوكل على الله وعدم انتظار الفرص هو مفتاح السعادة وتحقيق الطموحات وهو طريق النجاة من الفشل والألم النفسي وضياع العمر.
والفرق بين الناجح والفاشل هو السعي.
يقول الشاعر:
لا تعجلنَّ فليس الرزق بالعجل
الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرزق يطلبنا
لكنه خُلق الإنسان من عجل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مسؤولية الرجل عن صلاة أهل بيته من زوجة وأولاد.. الإفتاء توضح
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ماذا يفعل الزوج والأب مع زوجته وأبنائه الذين لا يُصَلُّون حتى بعد تقديم النُّصْح لهم؟ وهل يحقُّ له ضربهم على تركها؟".؟
لترد دار الإفتاء موضحة: أنه على رَبِّ الأسرة النصحُ لمن هُم تحت رعايته من الزوجة والأولاد وغيرهم بالمحافظة على الصلاة، واتخاذ كافة الوسائل المعنوية المشروعة في حثِّهم عليها، فإن أصرّوا على تركها فلا يلحقه من ذلك إثمٌ، مع مراعاة المداومة على النُّصح والإرشاد، والدعاء لهم بصلاح الحال.
وأما الضَّربُ الوارد في الحديث النبوي الشريف؛ كصورةٍ من صور التأديب على التهاون في أداء الصلاة، فالمراد به: الخفيف غير المبرح الذي يكون من جنس الضرب بالسواك ونحوه مما لا يُعَدُّ أصالةً للضرب والإيلام؛ لأن المقصود من ذلك هو التربية والتأديب النفسي بإظهار العتاب واللوم وعدم الرضا عن التقصير في امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بإقام الصلاة، واللجوء إليه ليس بواجبٍ، وإنما هو مندوبٌ إليه في حقِّ الولد المميِّز إذا تعيَّن وسيلةً لتأديبه، بخلاف الزوجة والولد البالغ والصغير غير المميِّز؛ فلا يجوز ضربهم على ترك الصلاة.
بيان وجوب تنشئة الأولاد على المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها
حَثَّ الإسلامُ على الزواجِ وتكوينِ الأسرة؛ لتكون نواةً وبِيئةً جيدةً لتنشئة أفرادٍ صالحين نافعين لأنفسهم ولمجتمعهم، وجعل للأسرة شخصًا مسئولًا عنها يكون مُنْفِقًا ومُرْشِدًا ومقوِّمًا لسائر أفرادها؛ فروى الإمام البخاري -واللفظ له- والإمام مسلمٌ في "صحيحيهما" عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا».
وكما يتعلَّق الإرشاد والتقويم بالأمور الدنيوية؛ يتعلَّق أيضًا بالأمور الدينية، ومن أهمها: المحافظة على أداء الصلوات الخمس المكتوبات؛ فلا يجوز للمسلم البالغ العاقل ترك الصلاة المكتوبة؛ لِأَمْرِ الله تعالى بإقامتها، ونَهْيِهِ عزَّ وجَلَّ عن إضاعتها؛ ولأنها عمادُ الدينِ وركنُهُ الأولُ بعد الشهادتين، وهي أولُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ﴾ [البقرة: 238]، وقال عزَّ وجَلَّ: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَن تَرَكَ صَلَاةً مكتوبةً مُتَعَمِّدًا فَقَد بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللهِ» رواه أحمد.
ومما أثنى به اللهُ تعالى على نبيه إسماعيل عليه السلامُ: حِرصُهُ على تقويم أهل بيته وأَمْرِهِ إيَّاهُم بالصلاة والزكاة؛ فقال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ۞ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ [مريم: 54-55].
ومن هنا كان على ربِّ الأسرة أَنْ يعمل على تنشئة أولاده على المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها، والالتزام بأركان الإسلام، والتَّحلِّي بالأخلاق الكريمة، فضلًا عن تعاهده زوجتَه وأولادَه البالغين والمميّزِين بأداء الصلاة وملازمتِها بمداومة النُّصح لهُم والصبر على ذلك؛ امتثالًا لأمر الله تعالى في قوله: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾ [طه: 132]، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «رَحِمَ اللهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ» رواه النسائي وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وعليه أَنْ يتَلطف في النَّصيحة ويسوقها برفق؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ في شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ» رواه مسلم.
حكم ضرب الرجل أهله عند تركهم الصلاةإذا تهاونت زوجته فلم تحافظ على أداء صلواتها ولم يُؤثِّر نصحه فيها فلا ييأسَنَّ من ذلك، بل يستمر في نصحها وحثِّها على الصلاة؛ بالترغيب في ثوابها تارةً، والتحذير من عقوبة تركها تارةً أخرى، وله منعُها من بعض المباحات التي يجوز له أن يمنعها منها، أو العكس؛ بأن يجعل التَّوسِعَة عليها وسيلةً للحَثِّ على الصلاح والالتزام بالصلاة، على ألَّا يُخِلَّ بحقِّها في النَّفقة وسائر حقوقِها الزوجية، ولا يجوز له ضربُها لتركها الصلاة بحالٍ من الأحوال؛ قال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج" (1/ 393، ط. دار الفكر): [وليس للزوج ضرب زوجته على ترك الصلاة ونحوها] اهـ.
وكذلك لا يجوز له أن يضرب ولده البالغ على ترك الصلاة؛ لأنه أصبح مُكَلَّفًا بالصلاة أمام الله تعالى ومسئولًا عنها، ولا ولاية لأبيه عليه في ذلك سوى النُّصح والتوجيه؛ قال العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" (4/ 78، ط. دار الفكر): [قوله: والأب يُعَزِّرُ -يؤدب- الابن عليه؛ أي على ترك الصلاة.. والظاهر أن الوصي كذلك، وأن المراد بالابن: الصغير؛ بقرينة ما بعده، أما الكبير فكالأجنبي] اهـ.
والولد الصغير غير المميِّز لا يجوز ضربه على ترك الصلاة بحالٍ أيضًا؛ لأنه لم يعقِل بَعْدُ، وإنما يعلمه طريقة الصلاة وأحكامها حتى يشبَّ عليها ويستأنس بها ويعتاد المحافظة على طاعة أوامر الله تعالى؛ يقول الشيخ محمد بن عمر نووي الجاوي في "نهاية الزين" (ص: 11 ط. دار الفكر): [ويؤمر صبيٌّ؛ ذكر وأنثى مميز، بأن يصير أهلًا لأن يأكل وحده ويشرب ويستنجي كذلك، بها؛ أي الصلاة.. لسبعٍ من السنين؛ أي بعد استكمالِها؛ فلا يجب الأمر قبل اجتماع السبع والتمييز] اهـ.
فإن وصل الولد إلى سن التمييز وقارب البلوغ ضُرِبَ على تركه الصلاةَ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ» رواه أبو داود.
بيان المراد بالضرب الذي أمر به النبي للصبي الذي يترك الصلاة
المراد بالضرب هنا: الخفيفُ غير المبرح، الذي يكون من جنس الضرب بالسواك ونحوه، مما لا يُعَدُّ أصالةً للضرب والإيلام؛ لأن المقصود هو التربية والتأديب النفسي بإظهار العتاب واللوم وعدم الرضا عن التقصير في امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بإقام الصلاة؛ يدل على هذا ما رواه مسلمٌ من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ".
قال الإمام الطبري في تفسيره "جامع البيان" (8/ 315، ط. مؤسسة الرسالة): [عن عطاءٍ قال: قلتُ لابن عباسٍ: ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه] اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 303، ط. دار المعرفة): [إن كان ولا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير] اهـ.
وإذا صَلُحَ الضربُ على صورته هذه وسيلةً للتربية في بعض البيئات، فإنَّ ذلك لا يعني صلاحيتَه لكل البيئات والعصور، ولا لكل الأحوال والأشخاص؛ فكما قيل:
العبدُ يُقْرَعُ بالعصا ... والحرُّ تكفيه الإشارة
قال الإمام ابن الحاج المالكي في "المدخل" (2/ 316 ط. دار التراث): [فَرُبَّ صبيٍّ يكفيه عبوسة وجهه عليه، وآخر لا يرتدع إلا بالكلام الغليظ والتهديد، وآخر لا ينزجر إلا بالضرب والإهانة؛ كُلٌّ على قَدر حاله] اهـ.
والأمر الشرعي به في هذا المقام إنما هو على جهة الندب والاستحباب لمن ينفع معه هذا الأسلوب للتأديب، لا على جهة الإلزام والإيجاب، فلا يُلزَم الوالد بضرب ولده على تقصيره في أداء الصلاة؛ قال الإمام الحطَّاب المالكي في "مواهب الجليل" (1/ 414، ط. دار الفكر): [إذا قلنا: إن الأولياء هم المأمورون، أو الأمر لهم وللصبيان؛ فهل الوليُّ مأمورٌ على سبيل الوجوب أو الندب؟ قولان: المشهور: الندب، وأنه لا يأثم بترك الأمر؛ كما قاله الجزولي والشيخ يوسف بن عمر والأقفهسي وغيرهم] اهـ، بل إن خرج عن معانيه التربوية فأصبح وسيلةً للعقاب البدني المبرح أو الإهانة أو مؤديًا لخلاف مقصوده بوجهٍ عامٍّ؛ فهو في هذه الحالة مُحَرَّمٌ بلا خلاف؛ ومن ذلك: أنْ يغلب على الظَّنِّ أنَّ عقاب الولد بالضرب يؤثر فيه سلبًا أو يؤدي إلى بلوغه وقد ضعفت شخصيته بين أقرانه ونحو ذلك مما نبَّه عليه أطباء علم النفس؛ فإنه يتعين في هذه الحالة عدم الضرب، مع متابعة النُّصحِ والإرشادِ وغير ذلك من الوسائل المشروعة.
الخلاصة
بناءً على ما سبق: فعلى رَبِّ الأسرة النصحُ لمن هُم تحت رعايته من الزوجة والأولاد وغيرهم بالمحافظة على الصلاة، واتخاذ كافة الوسائل المعنوية المشروعة في حثِّهم عليها، فإن أصرّوا على تركها فلا يلحقه من ذلك إثمٌ، مع مراعاة المداومة على النُّصح والإرشاد، والدعاء لهم بصلاح الحال.
وأما الضَّربُ الوارد في الحديث النبوي الشريف؛ كصورةٍ من صور التأديب على التهاون في أداء الصلاة، فالمراد به: الخفيف غير المبرح الذي يكون من جنس الضرب بالسواك ونحوه مما لا يُعَدُّ أصالةً للضرب والإيلام؛ لأن المقصود من ذلك هو التربية والتأديب النفسي بإظهار العتاب واللوم وعدم الرضا عن التقصير في امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بإقام الصلاة، واللجوء إليه ليس بواجبٍ، وإنما هو مندوبٌ إليه في حقِّ الولد المميِّز إذا تعيَّن وسيلةً لتأديبه، بخلاف الزوجة والولد البالغ والصغير غير المميِّز؛ فلا يجوز ضربهم على ترك الصلاة.