رزق تطلبه ورزق يطلبك
تاريخ النشر: 12th, March 2025 GMT
سالم البادي (أبو معن)
اختص الله سبحانه وتعالى ذاته بأمر الرزق وتيسيره، فالأرزاق كلها بيده وحده، فهو خالق الأرزاق، وموصلها إلى خلقه، وخالق أسباب التمتع بها؛ فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو مولاها وواهبها، قال تعالى: {فَابتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزقَ واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت: 17).
الأرض التي نعيش عليها غنية بما فيها من أنواع العيش المختلفة ولا يزال البشر يكتشفون من المعايش التي أودعها الله فيها، وفيما يخرج من زرعها، وفي الدواب التي بثها، الثروة الحيوانية، وفي البحر الذي تستخرجون منه لحمًا طريًا، وما فيه من كائنات بحرية، وفي الجبال وما أنزل الله فيها من معادن كثيرة (حديد، ذهب،فضة، نحاس، ..الخ ) قال تعالى: {وَلَقَد مَكَّنَّاكُم فِي الأَرضِ وَجَعَلنَا لَكُم فِيهَا مَعَايِشَ}(الأعراف: 10)
إن ما يحدث في العالم من مجاعات واحتباس المطر فإنما هو بذنوب العباد، وبظلم بعضهم لبعض، وتسلط بعضهم على بعض، وإلا فإن في الأرض ما يكفيهم وزيادة للعيش فيها بعدالة وكرامة.
حكمة الله تعالى اقتضت برزق الكافر والمؤمن، يرزق جميع الناس من أهل الإيمان، وأهل الضلال، وقد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، ويضيق على أهل الإيمان والصلاح، قال تعالى: {وَلَولَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلنَا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمَٰنِ لِبُيُوتِهِم سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيهَا يَظهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِم أَبوَابًا وَسُرُرًا عَلَيهَا يَتَّكِئُونَ (٣٤) وَزُخرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنيَا ۚ وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلمُتَّقِينَ}(الزخرف).
والسعي في طلب الرزق أمرٌ حضّ عليه الشّرع ببذل الأسباب الموصلة إليه، والتوكلّ على الله بعد ذلك، وجعل الله تعالى للرزق قوانين لا تتغير ولا تتبدل، من اتبعها نال الرزق منه سبحانه، وأول هذه القوانين أن الرزق يحتاج إلى سعي وطلب، قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرضِ وَابتَغُوا مِن فَضلِ اللَّهِ وَاذكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} (الجمعة: 10).
ولقد عمل الأنبياء ولم ينتظروا مجيء الرزق إليهم، وإنما أكلوا من عمل أيديهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده"، قال تعالى: {وَما أَرسَلنَا قَبلَكَ مِنَ المُرسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُم لَيَأكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمشُونَ فِي الأَسوَاقِ}(الفرقان: 20).
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان آدم عليه السلام حراثًا، ونوح نجارًا، وإدريس خياطًا، وإبراهيم ولوط زارعين، وصالح تاجرًا، وداود حدادا، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله عليهم رعاة".
ويقول سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه: "الرزق نوعان، رزق تطلبه ورزق يطلبك. فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك، وأما الذي تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك، وهو أيضًا من رزقك، فالأول فضل من الله والثاني عدل من الله".
قد يخرق الله العادة، ويرزق عبدًا من عباده، بلا سبب ولا سعي، معجزة لنبي، أو كرامة لولي؛ فهذه الدنيا الفانية يعطيها الله لمن يحب، ومن لا يحب: أعطاها لقارون وهو لا يحبه، وأعطاها لعبد الرحمن بن عوف الصحابي الجليل وهو يحبه.. أعطاها لفرعون وهو لا يحبه، وأعطاها لسيدنا سليمان وهو يحبه.. فهذه الدنيا لا يمكن أن تكون مقياس لمحبة الله، أو عدم محبته. فقد تكفّل اللهُ بالرزق لعباده سواءً بذلك من آمن منهم أو من كفر به، إلّا أنّ رزق الله لعباده المؤمنين يختلف عن ذلك الرزق الذي يأتي لأيّ إنسان.
قال الله تعالى: {أَيَحسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُم فِي الخَيرَاتِ بَل لاَّ يَشعُرُونَ} (المؤمنون: 55).
الله سبحانه يرزق الجميع، ولكنه قد يزيد أهل الضلال والجهل في الرزق، ويوسع عليهم في الدنيا، وقد يقتر على أهل الإيمان، فلا يظن أن العطاء والزيادة دليل المحبة والاصطفاء، فكثرة الرزق ليست دليلًا على محبة الله؛ لأنّ الإنسان يرى أحيانًا رزقًا كثيرًا بيد أهل الضلال والجهل، ورزقًا قليلًا مع أهل الإيمان،
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج"، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحنَا عَلَيهِم أَبوَابَ كُلِّ شَيءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذنَاهُم بَغتَةً فَإِذَا هُم مُبلِسُونَ} (الأنعام: 44).
الإكثار من الرزق والمال ليس حرامًا، وما العيب في ذلك؟! ومن كمال الدعاء: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} (البقرة: 201).
وهناك عدد من الطاعات جاءت الأدلة بأنها تستجلب الرزق وتكون سببا في نزول البركة، ومنها:
الاستغفار: قال تعالى: {فَقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرسِلِ السَّمَاءَ عَلَيكُم مِّدرَارًا وَيُمدِدكُم بِأَموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَل لَّكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَل لَّكُم أَنهَارًا} (نوح: 10-12)، فالاستغفار، والذكر، سببٌ في سعة الرزق، ونزول الغيث، وكثرة المال، والزرع.
وفي الحديث عنِ النبيِّ - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم "مَن أكثَر الاستغفار جعَل الله له مِن كل همٍّ فرَجًا، ومِن كل ضِيق مخرجًا، ورزقه مِن حيث لا يحتسب".
كذلك من الطاعات التي تجلب الرزق هو الإكثار من الصدقة، قال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} (سبأ: 39).
ولما أمر سبحانه بالصدقة حذرنا من مكر الشيطان الذي ينهانا عن الصدقة فقال جل شأنه: {الشَّيطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وَيَأمُرُكُم بِالفَحشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَغفِرَةً مِنهُ وَفَضلًا} (البقرة: 268).
والتبكير في الخروج لطلب الرزق كذلك من اسباب استجلاب الرزق، فقد كان رسول الله إذا أراد أن يُخرج جيشًا أو سريّةً، يخرجهم في أوّل النهار، روي عن عبد الله بن عمر أنّ النبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- قال: "بُورِكَ لأُمَّتِي في بُكورِها".
كما إن صلة الرحم سبب آخر لاستجلاب الرزق، روى البخاري ومسلم عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: "مَن سَرَّهُ أَن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ أَو يُنسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَليَصِل رَحِمَهُ".
والزواج الحلال يجلب الرزق، فربُّ العزة وعد بإغناء الفقير بتزويجه، فقال عز من قائل: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُم وَالصَّالِحِينَ مِن عِبَادِكُم وَإِمَائِكُم إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور: 32)، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: "رغَّبهم الله في التزويج، وأمر به الأحرار والعبيد، ووعَدهم عليه الغنى".
بلا شك أن تقوى الله- عز وجل - في السر والعلن من أسباب جلب الرزق قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَهُ مَخرَجًا وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ} (الطلاق: 2- 3).
أيضًا الحفاظ على أداء الصلوات تجلب الرزق، حيث يقول الله تبارك وتعالى: {وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَّحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى} (طه: 132).
والتوكل على الله كذلك يصب عليك الرزق صبا، قال تعالى: {وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسبُهُ} (الطلاق: 3).
ولو أجريتَ معادلة بين الناس لوجدتَ مجموع كل إنسان يساوي مجموع كُلِّ إنسان، بمعنى أنك لو أخذتَ مثلًا: الصحة والمال والأولاد والقوة والشجاعة وراحة البال والزوجة الصالحة والجاه والمنزلة ... الخ لوجدت نصيب كُلٍّ منّا في نهاية المعادلة يساوي نصيب الآخر، فشخص يزيد في القوة، وأخر يزيد في العلم، وهكذا ...
لأننا جميعًا عبيدٌ لله، والله عادل في تقسيم الأرزاق.
فكيف تخاف الفقر والله رازقًا
فقد رزق الطير والحوت في البحر
ومن ظن أن الرزق يأتي بقوةٍ
ما أكل العصفور شيئًا مع النسر
سماع كلمات المحبطين، والمثبطين والفاشلين والحاقدين والحاسدين لا تغني ولا تسمن من جوع، بل السعي نحو طلب الرزق والتوكل على الله وعدم انتظار الفرص هو مفتاح السعادة وتحقيق الطموحات وهو طريق النجاة من الفشل والألم النفسي وضياع العمر.
والفرق بين الناجح والفاشل هو السعي.
يقول الشاعر:
لا تعجلنَّ فليس الرزق بالعجل
الرزق في اللوح مكتوب مع الأجل
فلو صبرنا لكان الرزق يطلبنا
لكنه خُلق الإنسان من عجل.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
دعاء الحر الشديد والرطوبة .. اللهم قنا عذاب نار جهنم وزمهريرها
يبحث الكثيرون عن دعاء النبي في الحر الشديد، خاصة مع موجة الطقس الحار الذي تشهده البلاد، فيستحبُّ للإنسان عند اشتداد الحر أن يُكثر من قول "لا إله إلا الله"، وأن يستعيذ بالله تعالى من النار ومن حرِّ جهنم، وأن يسأله سبحانه العافية.
دعاء النبي في الحر الشديدووفقا لدار الإفتاء المصرية أنه على الإنسان أن يقول: "اللهم أجرني من حَرِّ جهنم"، أو "اللهم أجرنا من النار، ومن عذاب النار، ومن كلِّ عملٍ يقربنا إلى النار، وأصلح لنا شأننا بفضلك وكرمك يا عزيز يا غفَّار"، ويجوز أن يدعو بغير ذلك من الأدعية التي يباح الدعاء بها عندما يحصُل للإنسان ما يقلقه أو يزعجه.
وبينت أنه من المقرر أن التوجيه الشرعي للإنسان إذا أصابه شيء يصعب عليه تحمله، أو كان سببًا في حصول المشقة عليه: أن يلجأ إلى الله تعالى راجيًا كشف الضر وإزالة البأس؛ فقد قال الله تعالى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ [النمل: 62]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: 67].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ وَالْبَلَاءَ لَيَعْتَلِجَانِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، و"المعجم الأوسط"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.
ورُوي مُرسلًا عن الحسن البصري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اسْتَقْبِلُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ» رواه أبو داود في "مراسيله".
قال الإمام ابن بطال في "شرح صحيح البخاري" (3/ 47، ط. مكتبة الرشد): [السُّنَّة عند نزول الآيات: الاستغفار والذكر والفزع إلى الله تعالى بالدعاء، وإخلاص النيات بالتوبة والإقلاع، وبذلك يكشف الله تعالى ظاهر العذاب؛ قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا﴾] اهـ.
وقال العلامة ابن رجب الحنبلي في "اختيار الأَوْلَى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى" (ص: 115، ط. مكتبة دار الأقصى): [فالمؤمن: مَن يستكين قلبه لربه، ويخشع له ويتواضع، ويظهر مسكنته وفاقته إليه في الشدة والرخاء، أما في حالة الرخاء: فإظهار الشكر، وأما في حال الشدة: فإظهار الذل والعبودية والفاقة والحاجة إلى كشف الضر] اهـ.
وأضافت: لا يخفى أن الحرَّ مشقة تلحق بالإنسان، وجهد ينزل ساحته؛ ولذا فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن شدة الحر من فيح جهنم؛ كما في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» متفقٌ عليه.
قال الإمام الزرقاني في "شرحه على موطأ الإمام مالك" (1/ 111، ط. مكتبة الثقافة الدينية): [سَجْرُ جهنم سبب فيحها، وفيحها سبب وجود شدة الحر، وهو مظنة المشقة] اهـ.
دعاء النبي في الحر الشديدأما ما يقوله الإنسان عندما يشتد عليه الحرُّ فقد ورد أنه يقول: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّه" وأنه يدعو الله تعالى بقوله: "اللهم أجرني من حَرِّ جهنم". وذلك لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا كَانَ يَوْمٌ حَارٌّ أَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَشَدَّ حَرَّ هَذَا الْيَوْمِ، اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجَهَنَّمَ: إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي اسْتَجَارَنِي مِنْكِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكِ أَنِّي قَدْ أَجَرْتُهُ» رواه البيهقي في "الأسماء والصفات"، وذكره أيضًا مختصرًا في "الاعتقاد"، وابن السنّي وأبو نعيم في "عمل اليوم والليلة".
ونبهت: هذا الحديث وإن كان ضعيفًا فإنَّه ممَّا يعمل به في فضائل الأعمال على ما هو المقرر عند عامة العلماء في مثل ذلك؛ كما قال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 8، ط. دار الفكر): [قال العلماءُ من المحدّثين والفقهاء وغيرهم: يجوز ويُستحبّ العمل في الفضائل وفضائل الأعمال بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعًا] اهـ.
وحتى لو لم يرد في الباب إلا هذا الحديث الضعيف فإنَّ النصوص الصحيحة الأخرى العامَّة التي تُرَغِّب في الدعاء وكثرة الذكر مطلقًا، وفي الاستجارة وطلب الوقاية من النار على الخصوص تكفي في إثبات المشروعيَّة؛ إذ إن القاعدة عندهم أن العامَّ يبقى على عمومه، والمطلق يجري على إطلاقه حتى يأتي مُخصِّص أو مُقيِّد. ينظر: "البحر المحيط" للعلامة الزركشي (5/ 8، ط. دار الكتبي)، و"التلويح على التوضيح" للعلامة التفتازاني (1/ 117، ط. مكتبة صبيح).
وقد رغَّب الشرع الشريف في الاستجارة من النار وطلب الوقاية منها بالعفو والمغفرة؛ حيث قال الله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [البقرة: 201]، وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: 16].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " مَا اسْتَجَارَ عَبْدٌ مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إِلَّا قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ، إِنَّ عَبْدَكَ فُلَانًا قَدِ اسْتَجَارَكَ مِنِّي فَأَجِرْهُ.. الحديث" أخرجه الإمامان أبو يعلى وإسحاق بن راهويه في "المسند"، والإمام البيهقي في "الدعوات الكبير".
كما يجوز للإنسان أن يدعو بغير هذا الدعاء من الأدعية التي يباح الدعاء بها عندما يحصل للإنسان ما يقلقه أو يزعجه؛ رغبةً في أن يدفع الله تعالى عنه هذا الأمر ومشقته؛ ففي السُّنَّة النبوية المطهرة كثيرٌ من الأدعية والأذكار التي يلتجئ بها العبد إلى الله تعالى عند وقوع ما يُفْزِعُه أو يقلقه متضرعًا راجيًا من ربه تعالى أن يكتب له السلامة والنجاة؛ فمنها: ما جاء عن عبد الله بن عمر، عن أبيه رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِكَ، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِكَ، وَعَافِنَا قَبْلَ ذَلِكَ» رواه الترمذي في "سننه"، والنسائي في "عمل اليوم والليلة"، والإمام أحمد في "مسنده"، والحاكم في "المستدرك".
ومنها ما يقال عند الكرب والهم: "هو الله، الله ربي لا شريك له"؛ لما جاء عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا راعَه شيء قال: «هُوَ اللهُ، اللهُ رَبِّي لا شَرِيكَ لَهُ» رواه النسائي في "السنن الكبرى"، وأخرجه أبو داود وابن ماجه في "سننهما" والطبراني في "المعجم الكبير" عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها.