عربي21:
2025-12-14@16:54:23 GMT

نحن وإياهم في زمن الإمبريالية الصاعدة

تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT

كل ما يجري على الصعيد العالمي إرهاصات قوية على نهاية الغرب كقوة هيمنت على العالم بقفازات ناعمة، وعلى عودة البشرية إلى التعامل بقانون القوة والسيطرة بأسلوب أكثر فجاجة، بعدما ضاقت الدول العظمى ذرعا بالنظام العالمي الذي ساد عقب الحرب العالمية الثانية، وأصبح حائلا دون حاجاتها الملحة للبقاء وعائقا أمام طموحاتها في النفوذ والتوسع؛ فليس من حق الضعفاء من الدول أن تعيش متدثرة بحماية القانون الدولي بعد اليوم.

وإنها لفسحة للمقاومين والأحرار كيما يصنعوا مجدا لأمتهم.

الغرب قدم نفسه للعالم على أنه عالم متحضر، يحفظ السلام العالمي ويصون حقوق الإنسان، بيد أنه دمر نفسه والعالم من حوله ثلاث مرات خلال مئة عام، أي أنه ينتج ثقافة الحياة والفناء في آن واحد، ولا أراه يستطيع الفكاك من أزمته المستعصية تلك بما لديه من ثقافات، بل إنه ليعاني الأمرين من جرائها ولا يبحث بجد عن الخلاص منها.

تهمني الإشارة إلى الغرب والشرق المتفاني في الموت والخراب، أن يستذكر بتواضع قصة الوجود الإنساني على الأرض أول مرة، والغاية التي يمضي هذا الوجود إليها ويسير؟ وليبحث له عن بدائل ثقافية وروحية يحسن به وبغيره أن يحيا بها ويعيش، فإما المغالبة والتظالم وإما التعارف والتعاون؟

الجميع غارق في القاع، يحاول إيجاد توليفة بين متناقضات متنافرة لا تستقيم له، والسبب أن الإنسانية لا يمكنها العيش بأنماط الدولة القطرية الحديثة، التي نشأت بعد الثورة الصناعية، لأن البشرية خلقت لتحيا على الأرض متواصلة متراحمة، لا تقيدها حدود مصطنعة يوسوس بها التفكير الشعبوي. ومن يحاول فك المعضلة الألمانية والأمريكية سياسيا فهو واهم؛ إنه ثقب أسود يودي بحياة الدول والحضارات مهما بلغ شأنها في الرقي. ولكن يحتاج ذلك إلى أجل، ولكل أجل كتاب.إنه استكبار أعمى يعلو في الأرض، وأنانية مفرطة تتضخم، واحتقار مقيت للأمم الأخرى، وإنها لفقاعة كبيرة تتمدد حتى تصل إلى نهاية محتومة بعدها ستتفجر. "وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص".

لا يمتلك الروسي "ألكسندر دوغين"، الذي يقدمه الإعلام للناس على أنه "فيلسوف"، البعد الروحي الذي يمتلكه المقاومون في فلسطين وغيرها، لذلك تأتي تحليلاته لقضايانا من منظور المادية التاريخية قاصرة مبتورة، تحليلات لا تستطيع فهم تاريخ المسلمين في صراعهم مع الغزاة والمحتلين، كما لا تستطيع استيعاب مفهوم الشهادة في سبيل الله كما نعتقد به نحن المسلمين. لقد سمعته يدعي أن "طوفان الأقصى" كان بلا أفق، لذلك تدمر المحور المقاوم وسقط نظام الأسد، الذي يبدو أنه يراه قيمة لروسيا ما كان له أن يخر فجأة. ثم هل كان هجوم روسيا على أوكرانيا بلا أفق أيضا؟ خاصة وأن روسيا غدت تعاني اليوم في اقتصادها كما تعاني من عزلة سياسية، وقد أضحت كما لم تكن من قبل في مواجهة استراتيجية محتومة مع الناتو، بعد انضمام دول اسكندنافية تجاورها إليه.

أرى أن الجميع غارق في القاع، يحاول إيجاد توليفة بين متناقضات متنافرة لا تستقيم له، والسبب أن الإنسانية لا يمكنها العيش بأنماط الدولة القطرية الحديثة، التي نشأت بعد الثورة الصناعية، لأن البشرية خلقت لتحيا على الأرض متواصلة متراحمة، لا تقيدها حدود مصطنعة يوسوس بها التفكير الشعبوي. ومن يحاول فك المعضلة الألمانية والأمريكية سياسيا فهو واهم؛ إنه ثقب أسود يودي بحياة الدول والحضارات مهما بلغ شأنها في الرقي. ولكن يحتاج ذلك إلى أجل، ولكل أجل كتاب.

إنه لا تزال في عالمنا الإسلامي أنظمة حاكمة على شاكلة البعث في سورية، تتشابه في ما تقترفه أيديها من موبقات وآثام، لا تزال آثارها رغم السنوات الطوال ماثلة للعيان، وشهودها أحياء يرزقون، كادت لطول العهد بحكمها البلدان المسلمة أن تمسخ الإنسان في إنسانيته، وتسلبه جوهر الكرامة التي استحق بها الفضل على من سواه، وإن كانت الأقدار قد أرخت للظلمة الحبال إلى حين، فالأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، سيخرجها الله تعالى عبرة للمعتبرين وحجة قائمة على العالمين.

إن السعيد من اتعظ بغيره، وقلما تتعظ الأنظمة الفاسدة مما يحصل لبعضها حتى تقع الفأس على هامها، ولات حين مندم إذاك! إن الأنظمة المتسلطة على رقاب شعوبها لا تدرك حجم الظلم الذي تمارسه على شعوبها، حتى تتقلب بها الأيام، فتصبح بدورها خائفة تترقب. وما جرى في سورية خير مثال على ذلك. ولأن الله أعمى القتلة عن الحق فلا يزال داعموهم يمنونهم بالرجوع إلى سالف عهدكم، ولو كانوا يرونهم في الأرض يفسدون.

الولي الفقيه يقرأ الحوادث بالمقلوب، ولا يبصر غير لونين الممانعة أو المؤامرة، أما حق الشعوب المسلمة في الاستقلال والعيش بكرامة فلا مكان لذلك في القاموس لديه، إنه التشيع في أسوأ مظاهره عبر التاريخ!

إن السعيد من اتعظ بغيره، وقلما تتعظ الأنظمة الفاسدة مما يحصل لبعضها حتى تقع الفأس على هامها، ولات حين مندم إذاك! إن الأنظمة المتسلطة على رقاب شعوبها لا تدرك حجم الظلم الذي تمارسه على شعوبها، حتى تتقلب بها الأيام، فتصبح بدورها خائفة تترقب. وما جرى في سورية خير مثال على ذلك. ولأن الله أعمى القتلة عن الحق فلا يزال داعموهم يمنونهم بالرجوع إلى سالف عهدكم، ولو كانوا يرونهم في الأرض يفسدون.إشارات تترى من كل جانب توحي بأن رأس النظام الجزائري بات اليوم مطلوبا، كيما تصبح البلاد مستباحة للاستعمار الحديث؛ فالعالم اليوم ينحو بلا لبس نحو شرعة الغاب، بعد أن برزت الإمبريالية بوجهها سافرة من جديد؛ فالروس يتطلعون إلى القارة الإفريقية مجالا حيويا لمصالحهم، والناتو يحن إلى حديقته الخلفية، والأمريكان متعطشون إلى الهيمنة على ما طالته أيديهم، في تناغم صدم الجميع بين أعداء الأمس الولايات المتحدة وروسيا. أما الأنظمة العربية فلا تزال محنطة بأفكار بالية، لا إرادة عندها في مراجعتها؛ وآية ذلك الصفعات التي يتلقاها النظام الجزائري في كل مناسبة من حليف الأمس فرنسا فلا توقظه من سكرة الغطرسة والضلال الغارق فيهما حتى الثمالة. وبجواره يسعى النظام الملكي في المغرب بمنطق الكيدية والمراهقة السياسية، بعيدا عن المصالح العليا للمغاربة المجزئين استعماريا بين دول إفريقية الشمالية.

كما أن العلاقة المتوترة بين النظامين السياسيين الفرنسي والجزائري كانت نتاج زواج مثلي استمر سبعين عاما، لم يستطيع تكوين أسرة طبيعية تحتضن الشعبين المتجاورين بسلام، رغم مظالم التاريخ، وقد آن للشذوذ أن ينتهي.

أشير أخيرا إلى خصلة مشينة تلازم أدعياء العلم في عالمنا الإسلامي العاملين تحت الأنوار في أبراج مشيدة خاصة في المملكة السعودية، خصلة ليسوا بها أحرارا؛ فلست أدري ما الذي أقنعهم بجدوى ما يقومون به والأمة تعيش في عالم مليء بالتحديات الجسام، يضطر أكثرهم إلى التنفيس عن مشاعر مكبوتة حينما يقحم آيات العرفان والولاء لولاة الأمر في كل مناسبة بلا حاجة، حتى في المواضيع الثقافية والروحية حمالة الأوجه، ولو أنهم نأوا بأنفسهم وتركوها على سجيتها لكان خيرا لهم وأطهر. وإنهم ليعلمون، كما نعلم أيضا، دأب ولاة الأمر في المملكة على إخفاء المعالم الأثرية للإسلام في تلكم البقاع وطمسها والحرص على استبعاد الزوار عنها باسم الدين، حتى تسرب إلى القلوب حب المال فغير النفوس، فأمسينا نسمع بالآثار التاريخية والترغيب في زيارتها، فسبحان من غير الأحوال!

وليس علماء الإسلام في السعودية وحدهم مبتلين بهذا الداء، ففي معظم بلاد المسلمين تجد المراجع الدينية حمائم مأسورة لخطاب ديني لا حياة فيه، يرتقون منابر تداهن السلاطين وتلبس على الشعوب إسلامها، وقلما تجد عند بعضهم صولة في الحق، تحيي النفوس وتهز عروش الظالمين.

إننا لا نستبعد الأيدي الماكرة في نشأة هذه الظواهر المرضية في حياتنا العقلية والروحية، أيد تعمل لمصلحة الإمبريالية الصاعدة، التي تمدها وتعاضدها وتستثمر فيها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العالمي تحديات العالم سياسة رأي مقالات مقالات مقالات صحافة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

تاريخ شعب فلسطين

شاهدت وسمعت فيديو في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي بعنوان:
Where did Palestines come from?
"من أين جاء الفلسطينيون؟"
أعجبت بسرد هذا التاريخ، ولذلك قمت بتحويل هذا الحديث إلى نص كتابي وترجمته إلى اللغة العربية ويقول المتحدث: لا تصدم عندما أقول هذا، لكنّ الشعب الذي تعرفه اليوم باسم الفلسطينيين لم يظهر فجأة في القرن العشرين. لم يكونوا غرباء عن الأرض، ولم يهاجروا إليها بالأمس. في الواقع، لقد كانوا هناك لآلاف السنين، قبل الحدود الحديثة، قبل الممالك، وقبل حتى أن تظهر الأسماء "إسرائيل" أو "فلسطين". ولكن، من هم حقا؟، من أين جاؤوا في الأصل؟، ولماذا يستمر العالم في الجدال حول هويتهم؟، لنعود إلى الوراء، بعيدا آلاف السنين قبل عالمنا الحديث، كان يعيش هناك قوم يُعرفون بالكنعانيين. زرعوا الأرض، وبنوا المدن، وعبدوا آلهتهم على نفس التربة التي يسير عليها الفلسطينيون اليوم. ثم جاء الفلسطينيون القدماء (الفلسطيون)، وهم قوم بحّارة استقروا على الساحل منذ أكثر من ٣٠٠٠ عام. اسمهم تردّد عبر التاريخ وتحوّل تدريجيا إلى كلمة "فلسطين". وفي الوقت نفسه، ظهرت قبائل ناطقة بالعبرية تُعرف بالإسرائيليين، أسست ممالك وهياكل، وتعايشت أحيانا، وتصادمت أحيانا أخرى مع الشعوب الأخرى في تلك الأرض. ومع ذلك، ظلّت هذه البقعة من الأرض مفترق طرق للحضارات. مرّ بها المصريون، الآشوريون، البابليون، الفرس، اليونان، والرومان. لكن أياً منهم لم يمحُ السكان الأصليين. وبعد ثورة يهودية كبيرة عام ١٣٥م، قام الإمبراطور الروماني هادريان بتغيير اسم المنطقة إلى "سوريا فلسطين"، وكان ذلك بقصد قطع صلة اليهود بالأرض. لكن الناس الذين عاشوا هناك لم يختفوا. ظلّوا فلاحين، تجارا، رعاة، ينقلون بيوتهم من جيل إلى جيل. ثم جاءت الفتوحات الإسلامية في القرن السابع. ويتبنّى أهل البلاد تدريجيا اللغة العربية والثقافة العربية، وتحوّل كثير منهم إلى الإسلام. لكنهم لم يختفوا ولم يأتوا من مكان آخر، لقد كانوا نفس الشعب القديم الذي غيّره الزمن وتطورت هويته. وتحت حكم الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم، كانوا يُعرفون باسم "أهل فلسطين". وعلى مدى قرون، عاشوا كالسكان المحليين، وطنهم هو هذه الأرض، لكن في أواخر القرن التاسع عشر، عندما بدأت موجات من المهاجرين اليهود تصل تحت راية الصهيونية، بدأ السكان العرب يرون أنفسهم شيئا جديدا: أمّة، وصاروا يسمّون أنفسهم "فلسطينيين"، ليس كاسم جغرافي فحسب، بل كهوية شعب له تاريخ وثقافة ومصير مشترك. وعندما سيطرت بريطانيا على البلاد بعد الحرب العالمية الأولى، كان اسم المنطقة هو "فلسطين"، وكل من عاش فيها، عربا ويهودا، كان يُسمّى "فلسطينيا". لكن بعد عام ١٩٤٨، عندما أُقيمت دولة إسرائيل وتمّ طرد أكثر من ٧٥٠ الف فلسطيني أو فرّوا من بيوتهم في مأساة تُعرف بالنكبة، تحولت الهوية الفلسطينية إلى شيء أعمق، ذاكرة، نضال، وصوت يطالب بالانتماء. وإليك الحقيقة التي يرفض الكثيرون سماعها: الفلسطينيون ليسوا غرباء، ليسوا دخلاء، إنهم الامتداد الحي لكل حضارة مرّت فوق هذه الأرض، في دمهم تسري ذاكرة الكنعانيين، الفلسطينيين القدماء، العبرانيين، الرومان، البيزنطيين، العرب، سلسلة بشرية لم تنقطع منذ أكثر من ٥٠٠٠ عام. لذلك، في المرة القادمة التي يسأل فيها أحدهم: "من أين جاء الفلسطينيون؟"، قل لهم: لقد جاؤوا من تراب الأرض تحت أقدامهم، من أشجار الزيتون التي زرعها أجدادهم. من غبار الإمبراطوريات التي قامت وسقطت من حولهم. لم يأتوا، بل بقوا. وتلك حقيقة لا يستطيع أيّ حدود، ولا جدار، ولا حرب أن تمحوها.

محافظ المنوفية الأسبق

مقالات مشابهة

  • مطار صلالة.. البوابة التي لم تُفتح بعد؟!
  • الأردن يدين الهجوم الذي وقع في أستراليا
  • تعلن محكمة باجل عن بيع الأرض الخاصة برمزي الدوسري
  • من رجل القسام الثاني الذي اغتالته إسرائيل؟
  • سيناريوهات البيك أب والتسلّل البرّي.. ما الذي يتدرّب عليه الطيّارون الإسرائيليون اليوم؟
  • فلنغير العيون التي ترى الواقع
  • رقم كبير.. النجف تكشف كمية الأمطار التي تم تصريفها من شوارع المحافظة
  • الصابئة يستذكرون تهيئة الأرض للبشر بطهي الهريسة
  • تاريخ شعب فلسطين
  • "الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه