سواليف:
2025-07-09@00:12:57 GMT

الذكاء الاصطناعي ما بين التوظيف وفقدان السيطرة

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

الذكاء الاصطناعي ما بين التوظيف وفقدان السيطرة

محمد عبدالحميد الهباهبة
شهد القرن الثامن عشر حدثاً تاريخياً تمثل في بداية نشأة الثورة الصناعية الأولى، والتي استبدلت اقتصاد المجتمع من مرحلة الزراعة والعمل اليدوي إلى مرحلة المكننة حيث ساهم هذا التحول في حدوث تغييرات اقتصادية واجتماعية شكلت اللبنة الأولى وما تبعها من ثورات صناعية لاحقة لحدوث قفزات هائلة في أنماط حياتنا بكافة تفاصيلها إلى يومنا هذا .


ففي البداية الأولى للثورة الصناعية تم الاعتماد على استخدام الطاقة البخارية والتصنيع الكيميائي، وفي الثورة الثانية اعتمدت على الطاقة الكهربائية والاتصالات، أما الثالثة فكان اعتمادها على الحواسيب والإنترنت والهواتف النقالة.
استطاعت هذه الثورات وبشكل متسلسل الانتقال من مرحلة إلى أخرى حسب مقتضيات الحاجة البشرية مدفوعة بقوة الطبقة الرأسمالية الضخمة والرغبة الملحّة للدول الصناعية الكبرى، مما مكنّها من رفع كثافة الإنتاج وتحسين الظروف المعيشية للطبقة العاملة وجودة الحياة الصحية وسهولة التواصل والتنقل بين المجتمعات، بالإضافة إلى أن هذه الثورات ساهمت في زيادة وتراكم الثروة لدى الشركات الصناعية الكبرى وبسط هيمنة الدول الحاضنة لهذه الثورات الصناعية .
أما ما بعد الثورات الصناعية الثلاث فالحديث ينصب باتجاه الثورة الصناعية الرابعة وهي التسمية التي أطلقها الاقتصادي الألماني كلاوس شواب حيث تتميز هذه الثورة بخاصية طمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية ما ينتج عنه من تحويل الآلة إلى آلة ذكية قادرة على التنبؤ واتخاذ القرار بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل خاص .
ومما لا يدع مجالاً للشك ستفرض الثورة الصناعية الرابعة واقعاً نعيش في بداياته لم تشهده المجتمعات البشرية سابقاً، ما دفع المختصين والسياسين بإثارة المخاوف والشكوك من القدرة الهائلة للذكاء الاصطناعي وتطوره بوتيرة سريعة، وطرحهم لسؤال حول القدرة على كبح جماحه في المستقبل القريب..
هذه المخاوف لم يخفيها سراً رجل الأعمال الأمريكي ” أيلون ماسك” عندما حذر من تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي واصفاً الأمر ( باستدعاء الشياطين )، مثل هكذا تصريح يعود بنا إلى الوراء والبحث في أدبيات مرحلة الثورة الصناعية الأولى وتحديداً في كتابات الروائية الانجليزية ” ماري شيلي” (1797-1851)، حيث عايشت فترة انتقال العمل اليدوي إلى المكننة، والتي لربما كانت أول من تطرق لفكرة مستقبلية آنذاك تدور حول إمكانية إقدام بعض العلماء على إجراء تجارب علمية متمردة غير تقليدية تهدد الجنس البشري، وذلك من خلال رواية الخيال العلمي ” فرانكنشتاين” التي نشرت عام 1881
حيث تتحدث الرواية عن قيام بطلها فرانكنشتاين بصناعة وحش خرج عن نطاق السيطرة مسبباً أضرار جسيمة بصانعه، لتنتهي أحداث الرواية بموت فرانكنشتاين بعد مطاردة بأسه مع الوحش المتمرد .
وهنا يطرح تساؤلاً هل من الممكن أن تكون رواية الخيال العلمي ” فرانكنشتاين” بمثابة النبؤه التي تحقق ذاتها ، إذا ما أخذنا في الاعتبار تصريح “جيفري هينتون” الأب الروحي للذكاء الاصطناعي والذي استقال من شركة ” غوغل” ليتمكن من التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث حذر من أن تتجاوز الآلة صانعها وتصبح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء من البشر .
وأما على المستوى السياسي فقد تعاملت إدارة البيت الأبيض بشكل استباقي مع المخاوف المتوقعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي حيث عبر الرئيس الأمريكي بايدن عن إمكانية أن تشكل التقنيات الناشئة خطراً على ديمقراطية وقيم الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ضوء ذلك أعلن البيت الأبيض في تموز 2023 عن التوصل لاتفاق مع سبع شركات رائدة في تقنية الذكاء الاصطناعي تلتزم من خلاله بمجموعة تدابير احترازية لإدارة المخاطر الناتجة عن هذه التكنولوجيا.
يتحدث المختصون عن مجموعة كبيرة من المخاطر التي من الممكن أن يحدثها الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات حيوية، من أهمها التأثير المباشر وغير المباشر على الوظائف حيث يشير تقرير لمؤسسة ” غولدمان ساكس” بأن 300 مليون وظيفة على مستوى العالم ستتأثر بسبب الذكاء الاصطناعي وخصوصاً فئة الوظائف التي لا تحتاج مهارات وخبرات علمية وتقنية عالية المستوى ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الوظائف التي اختفت من قطاعي الزراعة والصناعة نتيجة الثورة الصناعية الثالثة تم استيعابها في قطاع الخدمات ، وهذا القطاع ستكون وظائفه الأشد تضرراً نتيجة الثورة الصناعية الرابعة والتي ستتسبب أيضاً حسب توقعات الخبراء بإغلاق عدد كبير من الشركات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة مما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في مستوى البطالة واتساع طبقة الفقراء وتراكم الثروة بيد فئة قليلة .
وعلى صعيد آخر يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً مباشراً للحريات العامة وخصوصية الأفراد وذلك عبر تحليل بياناتهم وأنشطتهم ورغباتهم وتوجهاتهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والقدرة على استنساخ الأصوات ودمجها مع الصور بمقاطع فيديو، الأمر الذي يفتح الباب على مصرعيه أمام الابتزاز والتهديد ومنح الأنظمة الاستبدادية والمنظمات الإجرامية أدوات لم تكن تمتلكها سابقاً .
وما زال الذكاء الاصطناعي يفاجئنا بمدى تطوره السريع حيث نشرت مجلة ” نيتشر نيوروساينس” دراسة حديثة كشفت عن توصل علماء من جامعة تكساس الأمريكية لتقنية قراءة الأفكار باستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل صور فحوصات الرنين المغناطيسي، الأمر الذي يجعل من الإنسان كتاباً مفتوحاً .
وفيما يتعلق بالمجال العسكري يسود القلق العديد من المنظمات الدولية حول إمكانية التوسع بإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبرتات في ساحات الحروب وربط الأسلحة التكتيكية والنووية بهذه التقنية مما يعرضها إلى هجمات الكترونية تعتمد على الذكاء الاصطناعي قد تتسبب باندلاع حروب عالمية مدمرة .
ورغم ما ذكر سابقاً من مخاوف وسلبيات لاستخدام الذكاء الاصطناعي إلا أن هناك فريق آخر يقدم العديد من الايجابيات لهذه التقنية؛ كانشاء المدن الذكية وتطور في المجالات الطبية وخصوصاً علاج الأمراض المستعصية وتقليل الأخطاء البشرية ورفع جودة المنتجات الصناعية واختصار الوقت وخفض التكلفة المالية .
وعلى العموم أصبحت الثورة الصناعية الرابعة أمراً حتمياً يضع المجتمع الدولي وتحديداً القوى الدولية الكبرى أمام تحدي حقيقي في مواجهة غير تقليدية تتطلب وضع ضوابط، والاستعداد لرسم خطط بديلة تضمن التحكم وتوظيف منتجات الثورة الرابعة وتقليل آثارها على الإنسان والحفاظ على خصوصيته وعدم ارتهان العقل البشري الإبداعي بشكل مطلق لحلول الذكاء الاصطناعي.
وفي النهاية تشير التوقعات باتجاه العالم نحو تغييرات متسارعة ستكون كفيلة بأن تجعل التجربة البشرية الصناعية مختلفة عما سبقها، ولا أحد يعلم كم ستستغرق الثورة الصناعية الرابعة من الزمن حتى ينتقل العالم إلى الثورة الصناعية الخامسة والقائمة على فرضيات تعتمد على زراعة الغرسات الإلكترونية الذكية داخل أجساد البشر !

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الثورة الصناعیة الرابعة الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

5 كتب ترسم ملامح القيادة بالمؤسسات في عصر الذكاء الاصطناعي

بينما تمضي الحياة اليومية بإيقاعها المعتاد في العالم، وتزدحم الأجندات الإعلامية بقضايا السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا، اختار عدد من كبار الرؤساء التنفيذيين بكبرى الشركات الأميركية التفرغ لقراءة 5 كتب تشبه في حرارتها ما يدور من نقاشات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي، وتحولات الاقتصاد، ومفهوم القيادة الفكرية في عالم سريع التبدل.

ووفقًا لتقرير نشرته مجلة فوربس، فإن قائمة القراءات المفضلة لقادة الشركات هذا الصيف تعكس قلقًا متزايدًا من التعقيدات التي يفرضها عصر التكنولوجيا، وعدم اليقين، وتحولات القوة العالمية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 25 إستراتيجيات فعالة لضمان صمود شركتك ونموها في 2025list 2 of 2المشاريع الصغيرة سبيل خريجي الجامعات السورية لتحدي البطالةend of list الذكاء الاصطناعي.. الإمكانيات بدل التهديدات

ويتصدر قائمة القراءة كتاب "الوكالة الخارقة: ما الذي قد يسير بشكل صحيح في مستقبلنا مع الذكاء الاصطناعي" للمؤلفين ريد هوفمان (المؤسس المشارك لمنصة لنكدن) وغريغ بيتو.

ويتميز هذا العمل برؤية متفائلة بعيدًا عن سيناريوهات "يوم القيامة" التي تهيمن على النقاش العام، ويؤكد أن الذكاء الاصطناعي يمكنه تعزيز القدرات البشرية بدلًا من استبدالها.

ويرى هوفمان أن السؤال الأهم ليس ما إذا كان الذكاء الاصطناعي سيغير شكل الأعمال، بل مدى سرعة تأقلم القادة مع هذا التغيير.

ويُعد هذا الكتاب مرجعًا أساسيًا لكل مدير تنفيذي يطمح إلى تجاوز الضجة الإعلامية والوصول إلى الفرص الحقيقية.

سام ألتمان يُمثّل اليوم مركز ثقلٍ استثنائي بمشهد الذكاء الاصطناعي العالمي (الفرنسية) من هو ألتمان؟

الكتاب الثاني الذي استحوذ على اهتمام القادة هو "المتفائل: سام ألتمان وأوبن إيه آي وسباق اختراع المستقبل" للكاتبة كيتش هايغي.

ويقدم هذا العمل، المؤلف من 384 صفحة، نظرة متعمقة على شركة "أوبن إيه آي" التي أشعلت موجة الذكاء الاصطناعي.

ورغم وصول المؤلفة إلى ألتمان شخصيًا، تجنّب الكتاب الوقوع في فخ التمجيد، بل ركّز على القرارات الإستراتيجية والتقنية التي قادت إلى إطلاق "شات جي بي تي". كما يسلّط الضوء على كيفية تعامل الشركة مع الضغوط التنظيمية والاهتمام العام غير المسبوق.

إعلان

ويُعد هذا الكتاب ضروريًا لفهم المشهد التنافسي في الذكاء الاصطناعي.

التعامل مع المجهول

أما كتاب "فن عدم اليقين" لعالم الإحصاء ديفيد سبيلغهالتر فيُعد بمثابة دليل عملي لاتخاذ القرار في عالم تزداد فيه الأزمات والمفاجآت.

ويتناول المؤلف، بلغة سهلة وأمثلة تطبيقية، كيفية التفكير في الاحتمالات والمخاطر والمصادفات، متجاوزًا مناهج كليات الأعمال التقليدية.

وفي عصر تتكرر فيه الأحداث المفاجئة مثل الأوبئة والأزمات الجيوسياسية، يوفر الكتاب أدوات عقلانية وعملية لكل مدير عليه اتخاذ قرارات مصيرية في ظروف غامضة.

التاريخ السري لحرب الأفكار

وفي كتاب "نادي قراءة وكالة المخابرات المركزية" يروي الصحفي تشارلي إنغليش كيف قامت وكالة الاستخبارات الأميركية بتهريب أكثر من 10 ملايين كتاب إلى دول الكتلة الشرقية خلال الحرب الباردة.

ويُظهر هذا العمل، كما وصفه قائد العملية، كيف أن "الهجوم الفكري الحر والنزيه" كان أقوى من أي حملة عسكرية.

ويكشف عن القيمة الإستراتيجية للمعلومة في إدارة النفوذ، وهو ما يجعله مصدر إلهام للمديرين زمن صراعات السرديات الرقمية.

اختيار الكتاب المناسب ليس مجرد ذوق شخصي بل إنه إفصاح غير مباشر عن رؤية صاحبه للعالم (غيتي) باكلي والإرث الفكري

وختام القائمة مع السيرة الضخمة بعنوان "باكلي: الحياة والثورة التي غيّرت أميركا" من تأليف سام تاننهاوس.

ويمتد العمل على أكثر من ألف صفحة، ويوثق كيف استطاع المفكر المحافظ وليام باكلي تغيير المشهد السياسي الأميركي بقوة قناعاته وقدرته على صياغة الأفكار المعقدة بلغة جذابة وحجج محكمة.

ويُعد هذا الكتاب مرجعًا في كيفية ممارسة القيادة الفكرية والتواصل المبدئي في ظل التحديات السياسية والاجتماعية الراهنة.

وتتفق الكتب الخمسة، رغم اختلاف موضوعاتها، على محور واحد: أن الأفكار الواضحة والإستراتيجيات المدروسة قادرة على إحداث تحولات كبرى، من الرؤية المتفائلة لهوفمان حول الذكاء الاصطناعي، مرورًا برحلة ألتمان وتحدياته، ووصولًا إلى دروس سبيلغهالتر في التعامل مع الخطر، ثم الاستخدام الإستراتيجي للمعرفة كما بعمليات "سي آي إيه" وانتهاءً برؤية باكلي لأثر الفكر الأيديولوجي، وكلها أعمال تؤكد أن التفكير العميق لم يكن يومًا رفاهية بل ضرورة في عالم متغيّر.

وخلص تقرير فوربس إلى أن "الرؤساء التنفيذيين الأذكياء لا يقضون عطلة نهاية الأسبوع في الاسترخاء فقط، بل في الاستعداد الذهني للمستقبل".

مقالات مشابهة

  • الذكاء الاصطناعي يطوّر مقاطع الفيديو بشكل مبهر
  • 5 كتب ترسم ملامح القيادة بالمؤسسات في عصر الذكاء الاصطناعي
  • 5 حقائق عن عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي
  • عطبرة.. وضع الحجر الاساس للمدينة الصناعية بالهودي التي ستغير من الواقع الايرادي
  • غوتيريش يحذر من عسكرة الذكاء الاصطناعي
  • محافظ جدة يطّلع على المشاريع التطويرية التي تنفذها “مدن” في المدن الصناعية بالمحافظة
  • رئيس جامعة المنوفية يعتمد نتيجة تراكمي الفرقة الرابعة بكلية الذكاء الإصطناعي
  • خمس حقائق قد لا تعرفها عن طريقة عمل روبوتات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT
  • الذكاء الاصطناعي.. أمل اللغات المهددة
  • الروبوت المرافق.. هل يقترب الذكاء الاصطناعي من العاطفة الإنسانية؟