سواليف:
2025-12-07@13:52:58 GMT

الذكاء الاصطناعي ما بين التوظيف وفقدان السيطرة

تاريخ النشر: 23rd, August 2023 GMT

الذكاء الاصطناعي ما بين التوظيف وفقدان السيطرة

محمد عبدالحميد الهباهبة
شهد القرن الثامن عشر حدثاً تاريخياً تمثل في بداية نشأة الثورة الصناعية الأولى، والتي استبدلت اقتصاد المجتمع من مرحلة الزراعة والعمل اليدوي إلى مرحلة المكننة حيث ساهم هذا التحول في حدوث تغييرات اقتصادية واجتماعية شكلت اللبنة الأولى وما تبعها من ثورات صناعية لاحقة لحدوث قفزات هائلة في أنماط حياتنا بكافة تفاصيلها إلى يومنا هذا .


ففي البداية الأولى للثورة الصناعية تم الاعتماد على استخدام الطاقة البخارية والتصنيع الكيميائي، وفي الثورة الثانية اعتمدت على الطاقة الكهربائية والاتصالات، أما الثالثة فكان اعتمادها على الحواسيب والإنترنت والهواتف النقالة.
استطاعت هذه الثورات وبشكل متسلسل الانتقال من مرحلة إلى أخرى حسب مقتضيات الحاجة البشرية مدفوعة بقوة الطبقة الرأسمالية الضخمة والرغبة الملحّة للدول الصناعية الكبرى، مما مكنّها من رفع كثافة الإنتاج وتحسين الظروف المعيشية للطبقة العاملة وجودة الحياة الصحية وسهولة التواصل والتنقل بين المجتمعات، بالإضافة إلى أن هذه الثورات ساهمت في زيادة وتراكم الثروة لدى الشركات الصناعية الكبرى وبسط هيمنة الدول الحاضنة لهذه الثورات الصناعية .
أما ما بعد الثورات الصناعية الثلاث فالحديث ينصب باتجاه الثورة الصناعية الرابعة وهي التسمية التي أطلقها الاقتصادي الألماني كلاوس شواب حيث تتميز هذه الثورة بخاصية طمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية ما ينتج عنه من تحويل الآلة إلى آلة ذكية قادرة على التنبؤ واتخاذ القرار بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي بشكل خاص .
ومما لا يدع مجالاً للشك ستفرض الثورة الصناعية الرابعة واقعاً نعيش في بداياته لم تشهده المجتمعات البشرية سابقاً، ما دفع المختصين والسياسين بإثارة المخاوف والشكوك من القدرة الهائلة للذكاء الاصطناعي وتطوره بوتيرة سريعة، وطرحهم لسؤال حول القدرة على كبح جماحه في المستقبل القريب..
هذه المخاوف لم يخفيها سراً رجل الأعمال الأمريكي ” أيلون ماسك” عندما حذر من تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي واصفاً الأمر ( باستدعاء الشياطين )، مثل هكذا تصريح يعود بنا إلى الوراء والبحث في أدبيات مرحلة الثورة الصناعية الأولى وتحديداً في كتابات الروائية الانجليزية ” ماري شيلي” (1797-1851)، حيث عايشت فترة انتقال العمل اليدوي إلى المكننة، والتي لربما كانت أول من تطرق لفكرة مستقبلية آنذاك تدور حول إمكانية إقدام بعض العلماء على إجراء تجارب علمية متمردة غير تقليدية تهدد الجنس البشري، وذلك من خلال رواية الخيال العلمي ” فرانكنشتاين” التي نشرت عام 1881
حيث تتحدث الرواية عن قيام بطلها فرانكنشتاين بصناعة وحش خرج عن نطاق السيطرة مسبباً أضرار جسيمة بصانعه، لتنتهي أحداث الرواية بموت فرانكنشتاين بعد مطاردة بأسه مع الوحش المتمرد .
وهنا يطرح تساؤلاً هل من الممكن أن تكون رواية الخيال العلمي ” فرانكنشتاين” بمثابة النبؤه التي تحقق ذاتها ، إذا ما أخذنا في الاعتبار تصريح “جيفري هينتون” الأب الروحي للذكاء الاصطناعي والذي استقال من شركة ” غوغل” ليتمكن من التحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث حذر من أن تتجاوز الآلة صانعها وتصبح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء من البشر .
وأما على المستوى السياسي فقد تعاملت إدارة البيت الأبيض بشكل استباقي مع المخاوف المتوقعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي حيث عبر الرئيس الأمريكي بايدن عن إمكانية أن تشكل التقنيات الناشئة خطراً على ديمقراطية وقيم الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى ضوء ذلك أعلن البيت الأبيض في تموز 2023 عن التوصل لاتفاق مع سبع شركات رائدة في تقنية الذكاء الاصطناعي تلتزم من خلاله بمجموعة تدابير احترازية لإدارة المخاطر الناتجة عن هذه التكنولوجيا.
يتحدث المختصون عن مجموعة كبيرة من المخاطر التي من الممكن أن يحدثها الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات حيوية، من أهمها التأثير المباشر وغير المباشر على الوظائف حيث يشير تقرير لمؤسسة ” غولدمان ساكس” بأن 300 مليون وظيفة على مستوى العالم ستتأثر بسبب الذكاء الاصطناعي وخصوصاً فئة الوظائف التي لا تحتاج مهارات وخبرات علمية وتقنية عالية المستوى ، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الوظائف التي اختفت من قطاعي الزراعة والصناعة نتيجة الثورة الصناعية الثالثة تم استيعابها في قطاع الخدمات ، وهذا القطاع ستكون وظائفه الأشد تضرراً نتيجة الثورة الصناعية الرابعة والتي ستتسبب أيضاً حسب توقعات الخبراء بإغلاق عدد كبير من الشركات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة مما سيؤدي إلى ارتفاع حاد في مستوى البطالة واتساع طبقة الفقراء وتراكم الثروة بيد فئة قليلة .
وعلى صعيد آخر يشكل الذكاء الاصطناعي تهديداً مباشراً للحريات العامة وخصوصية الأفراد وذلك عبر تحليل بياناتهم وأنشطتهم ورغباتهم وتوجهاتهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والقدرة على استنساخ الأصوات ودمجها مع الصور بمقاطع فيديو، الأمر الذي يفتح الباب على مصرعيه أمام الابتزاز والتهديد ومنح الأنظمة الاستبدادية والمنظمات الإجرامية أدوات لم تكن تمتلكها سابقاً .
وما زال الذكاء الاصطناعي يفاجئنا بمدى تطوره السريع حيث نشرت مجلة ” نيتشر نيوروساينس” دراسة حديثة كشفت عن توصل علماء من جامعة تكساس الأمريكية لتقنية قراءة الأفكار باستخدام الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل صور فحوصات الرنين المغناطيسي، الأمر الذي يجعل من الإنسان كتاباً مفتوحاً .
وفيما يتعلق بالمجال العسكري يسود القلق العديد من المنظمات الدولية حول إمكانية التوسع بإدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبرتات في ساحات الحروب وربط الأسلحة التكتيكية والنووية بهذه التقنية مما يعرضها إلى هجمات الكترونية تعتمد على الذكاء الاصطناعي قد تتسبب باندلاع حروب عالمية مدمرة .
ورغم ما ذكر سابقاً من مخاوف وسلبيات لاستخدام الذكاء الاصطناعي إلا أن هناك فريق آخر يقدم العديد من الايجابيات لهذه التقنية؛ كانشاء المدن الذكية وتطور في المجالات الطبية وخصوصاً علاج الأمراض المستعصية وتقليل الأخطاء البشرية ورفع جودة المنتجات الصناعية واختصار الوقت وخفض التكلفة المالية .
وعلى العموم أصبحت الثورة الصناعية الرابعة أمراً حتمياً يضع المجتمع الدولي وتحديداً القوى الدولية الكبرى أمام تحدي حقيقي في مواجهة غير تقليدية تتطلب وضع ضوابط، والاستعداد لرسم خطط بديلة تضمن التحكم وتوظيف منتجات الثورة الرابعة وتقليل آثارها على الإنسان والحفاظ على خصوصيته وعدم ارتهان العقل البشري الإبداعي بشكل مطلق لحلول الذكاء الاصطناعي.
وفي النهاية تشير التوقعات باتجاه العالم نحو تغييرات متسارعة ستكون كفيلة بأن تجعل التجربة البشرية الصناعية مختلفة عما سبقها، ولا أحد يعلم كم ستستغرق الثورة الصناعية الرابعة من الزمن حتى ينتقل العالم إلى الثورة الصناعية الخامسة والقائمة على فرضيات تعتمد على زراعة الغرسات الإلكترونية الذكية داخل أجساد البشر !

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الثورة الصناعیة الرابعة الذکاء الاصطناعی

إقرأ أيضاً:

سراب الذكاء الاصطناعي... الحدّ الفاصل بين الحقيقة والزيف

لا يكاد يوم يمضي بما فيه، ويأتي آخر حتى يذكر فيه اسم "الذكاء الاصطناعي"، ثم يتوالى الحديث عبر مشارب الأرض، وسرعان ما يصبح ككرة الثلج كلما تدحرجت في منحدراتها كبرت أكثر من السابق، فيصبح هذا المارد منتشرا ما بين ثنايا العالم، يتداوله الناس كعملة تحمل وجهين لا ثالث لهما.

هذا العلم دخل إلى حياة الناس بشغف المنتظرين عند أبوابه الكثيرة، لكنه سرعان ما أرعب البشر بوجه الشاحب، وأصبح جزءا من تحدي الشعوب لتعامل معه بحذر، لم يترك أرضا ولا سماء إلا وأسمع البشر، ففي قاعات المحاكم ينظر القضاة بشكل يومي في قضايا من نوع جديد: أشخاص يحاولون إثبات الحقائق التي لفها التزييف والخداع، فبعض الجناة استغلوا " الذكاء الاصطناعي لصالحهم سواء من أجل "التشهير أو بابتزاز" وإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا، وكم من أشخاص تدمرت حياتهم بسبب تقنيات الذكاء الاصطناعي!

على مختلف الأصعدة بات هناك حراك عجيب تشهده الحياة منذ أن انتشر بيننا هذا العلم "القديم الجديد". أصواتنا وحركاتنا وملامحنا أصبحت قابلة للفك والتركيب على هيئات مركبة بشكل متقن وعلى نماذج تحاكي شيئا آخر غير الواقع، وكأن الاستنساخ البشري أصبح متاحا بعد أن فشلت التجارب الماضية.

في الجانب الآخر انتشر الغش الإلكتروني بصورة صادمة. في الصحف هناك عشرات أو لنقل المئات من المقالات التي تم توليدها بالتقنية الحديثة على أنها فكر إنساني لكنها للأسف ما هي إلا أفكار معبأة في أدوات مصطنعة، واستسهل الناس الأشياء باستخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات الإبهار وشد الانتباه للأشياء.

لقد أصبح المتلقي في حيرة من أمره ما بين "شك ويقين "؛ فسراب الذكاء الاصطناعي أصبح هو الحدّ الفاصل بين الحقيقة والزيف، وعليه أصبحنا لا نميز ما بين ما هو مكتوب أهو من لغة البشر أم تأليف إلكتروني. وازداد الخوف عند رؤية بعض المقاطع المصورة التي تحاكي الواقع، ولكنها لا تمت إلى الواقع بصلة. وكم أصبنا برعب الأصوات التي تأتينا من داخل هواتفنا كتظليل آخر لصوت يشبه بعض الراحلين عن عالمنا منذ زمن.

إذا كان الذكاء الاصطناعي له إيجابيات كثيرة فلماذا يلتفت الناس إلى الجانب المظلم منه؟ وهذا الأمر يذكرنا بـ"الإنترنت" فما بين مجال حيوي ونابض بالحياة والخير، ومكان آخر مؤذ للإنسان ومدمر لكل شيء ذي قيمة أخلاقية أو إنسانية.

أحد الأكاديميين حدثني بأن بعض الأعمال الطلابية التي يكلف بها تلامذته يكتشف أن كثيرا منها استوحي كاملا من الذكاء الاصطناعي. أحد الكتاب تحدث طويلا عن المقالات التي تنشر في بعض المنابر الإعلامية مستوحاة من الذكاء الاصطناعي، وهي للأسف يدفع لها مبالغ مالية نظير هذا النشر!

إن ظهور هذه النماذج السلبية تجعلنا نتشكك كثيرا فيما نراه أو نسمعه أو نقرأ عنه. لقد ارتكب المخربون جرائم ضد إنسانيتنا المعهودة؛ فهناك من سعى إلى تشويه سمعة البشر، والنيل من كرامة الإنسان باستخدامه نوعا من أنواع الذكاء الاصطناعي فيما أصبحت عمليات التزوير مزدهرة عالميا، وعمليات والقرصنة تتم بشكل روتيني عبر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحقق مآربها وتخلف خسائر مالية كبيرة.

أصبح العالم في حالة " اضطراب نفسي"، ومن المفارقات التي بات الحذر منها واجبا هو عدم تصديق أي شيئا يصل إلى هاتفك أو حاسوبك الشخصي؛ لأن الكثير من الأشياء المرسلة "مزيفة" و تم إخضاعها إلى عمليات مبرمجة ومعالجة تقنية حديثة ذات احترافية عالية. الآن أصبحت الأشياء ليست حقيقية كما ينبغي لها أن تكون، وإنما عبارة عن تظليل مصطنع وخداع محكم؛ فهل أصبح بعد كل تلك الأشياء الوثوق بالذكاء الاصطناعي آمنا؟!

مقالات مشابهة

  • عراب الذكاء الاصطناعي يؤكد: غوغل سوف تفوز بسباق الذكاء الاصطناعي
  • ملخص صور جوجل يعرض ذكريات 2025 عبر الذكاء الاصطناعي
  • كيف تستخدم مصر الذكاء الاصطناعي في مكافحة الجرائم؟
  • يشبه الألماس.. هذا المبنى في الصين صُمم بمساعدة الذكاء الاصطناعي
  • لتقوية الذاكرة وزيادة الذكاء.. أبرز الأطعمة التي تدعم الدماغ
  • تكريم 6 عالمات في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحيوية
  • الغش الأكاديمي في عصر الذكاء الاصطناعي
  • تباين حاد في استخدام الذكاء الاصطناعي.. ما هي الدول التي تتقدم بخطى سريعة؟
  • OpenAI تطور آلية "الاعتراف" لتدريب الذكاء الاصطناعي على الكشف عن أخطائه
  • سراب الذكاء الاصطناعي... الحدّ الفاصل بين الحقيقة والزيف