تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

فى تطور دبلوماسى مهم، رسّخت الصين مكانتها كطرفٍ رئيسى فى المفاوضات الجارية بشأن البرنامج النووى الإيراني. وعقب محادثاتٍ فى بكين مع نائبى وزيرى خارجية روسيا وإيران، أعربت الصين عن معارضتها الشديدة للعقوبات والتهديدات العسكرية التى يفرضها الغرب، مؤكدةً على ضرورة الحوار والتعاون بدلًا من استخدام القوة.

يضع هذا الموقف الصين فى خلافٍ مع الولايات المتحدة، التى صعّدت من لهجتها بشأن طموحات إيران النووية.

جبهة موحدة

فى ١٤ مارس ٢٠٢٥، أوضحت الحكومة الصينية أن تركيزها الأساسى فى المناقشات النووية الجارية هو رفع العقوبات المفروضة على إيران. وأسفر الاجتماع، الذى ضمّ مسئولين كبارًا من الصين وروسيا وإيران، عن بيانٍ مشتركٍ يدعو إلى إنهاء العقوبات والضغوط و"التهديد باستخدام القوة". وقد اعتُبر هذا ردًا مباشرًا على الدعوات الأمريكية الأخيرة لاتخاذ إجراءاتٍ أكثر صرامةً ضد إيران، بما فى ذلك إمكانية التدخل العسكري. زادت تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الأخيرة - التى زعم فيها أنه بعث برسالة إلى الحكومة الإيرانية يحثها فيها على التفاوض بشأن اتفاق، مهددًا فى الوقت نفسه بالعمل العسكرى إذا لم تُكبح أنشطتها النووية - من توتر الوضع. ويتناقض الموقفان الصينى والروسى تناقضًا صارخًا مع النهج الأمريكي، الذى يسعى إلى تعظيم الضغط على طهران.

نهجان متباينان

على عكس ما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، عندما أصرت كل من الصين وروسيا على إبرام اتفاق نووى مع إيران قبل رفع العقوبات، تدعو الدولتان الآن إلى نهج أكثر تصالحية. فى عام ٢٠١٥، لعبت روسيا دورًا فعالًا فى الحد من القدرات النووية لإيران من خلال الإشراف على إزالة جزء كبير من وقودها النووي. أما اليوم، فتُعطى الصين وروسيا الأولوية للحوار الدبلوماسى والحل التدريجى للقضية، بدلًا من الضغط الصارم الذى تُفضله الولايات المتحدة.

وأشارت أندريا كيندال تايلور، الزميلة البارزة فى مركز الأمن الأمريكى الجديد، إلى أن الصين وروسيا تُرسّخان مكانتهما كقوى عالمية مسئولة قادرة على معالجة قضايا رئيسية مثل الأسلحة النووية، مُقدّمتين بدائل للقيادة العالمية للولايات المتحدة. يُسلّط هذا التحوّل الضوء على تنامى الخلاف فى التوجهات الدولية تجاه إيران، حيث تُفضّل بكين وموسكو التفاوض بدلًا من المواجهة.

مخاوف نووية متزايدة

على الرغم من التركيز على الحوار، لا تزال المخاوف المُحيطة بالبرنامج النووى الإيرانى مُلحّة. وتتمثل القضية الأكثر أهمية فى إنتاج اليورانيوم المُخصّب بنسبة نقاء ٦٠٪، وهى نسبة قريبة بشكل خطير من نسبة نقاء ٩٠٪ اللازمة للأسلحة النووية. ويُشير الخبراء إلى أن إيران قد تمتلك ما يكفى من اليورانيوم المُخصّب لستة أسلحة نووية.

ولم تُعالج المحادثات الصينية الروسية الإيرانية الجديدة مسألة خفض مخزون إيران من اليورانيوم المُخصّب أو استخدامها المُتزايد لأجهزة الطرد المركزى المُتطورة، والتى من المُرجّح أن تُسرّع من قدرة إيران على إنتاج المزيد من المواد النووية. أدى هذا إلى تزايد القلق الدولى من احتمال تعثر الاتفاق النووى دون اتخاذ خطوات ملموسة للحد من التطوير النووى الإيراني.

قيادة الصين فى المفاوضات النووية

تماشيًا مع موقفها، طرح وزير الخارجية الصينى وانغ يى خطة من خمس نقاط تهدف إلى حل القضية النووية. وبينما تُجدد الخطة دعوة الصين لرفع العقوبات، فإنها تحث إيران أيضًا على الوفاء بالتزامها بالامتناع عن تطوير الأسلحة النووية. يُظهر هذا الموقف النهج المزدوج للصين: الدفاع عن حق إيران فى التطوير النووى السلمى مع ضمان التزام طهران بالالتزامات الدولية.

وأكد شين دينغلي، الباحث البارز فى العلاقات الدولية فى شنغهاي، أن مشاركة الصين مدفوعة برغبة فى التمسك بالاتفاق النووى الدولى وإظهار القيادة، لا سيما مع نأى الولايات المتحدة بنفسها عنه. وأوضح شين أن تضامن الصين مع إيران يُرسل رسالة قوية مفادها أنه على الرغم من الضغوط الشديدة من الولايات المتحدة، لن تُترك إيران دون دعم دولي.

مخاوف إيران من التدخل الروسى والصيني

وفى حين أن دعم الصين وروسيا يوفر لإيران بديلًا عن الضغط الأمريكي، إلا أنه يُمثل أيضًا تحديًا لطهران. يتوخى المسئولون الإيرانيون الحذر إزاء تدخل كل من روسيا والصين، خوفًا من أن تُضحى هاتان الدولتان بمصالح إيران من أجل مكاسبهما الجيوسياسية. وتحديدًا، ثمة قلق من إمكانية "بيع" إيران فى اتفاق جيوسياسى أوسع بين روسيا والولايات المتحدة، مما قد يُقوّض موقف طهران.

وأشار غريغورى برو، المحلل البارز فى مجموعة أوراسيا، إلى أنه فى حين تُقدّر إيران دعم روسيا والصين، إلا أنها لا تزال حذرة من الوقوع بين فكى كماشة القوى العالمية المتنافسة. تسعى طهران للحصول على الدعم، لكنها ترغب أيضًا فى تجنب التلاعب بها فى الألعاب الاستراتيجية المعقدة التى تلعبها موسكو وبكين.

النفوذ الاقتصادي

تتمتع الصين أيضًا بنفوذ اقتصادى كبير على إيران، لا سيما فى مجال الطاقة. فقد أصبحت الشركات الصينية أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، حيث تشترى أكثر من ٩٠٪ من صادرات النفط الإيرانية بأسعار مخفضة. وقد كانت هذه العلاقة التجارية حاسمة للاقتصاد الإيراني، لا سيما وأن معظم الدول الأخرى تمتثل للعقوبات الغربية وترفض شراء النفط من إيران.

ويُعد حجم الدعم الصينى كبيرًا، إذ تُمثل مبيعات النفط الإيرانى إلى الصين حوالى ٦٪ من إجمالى الاقتصاد الإيراني، أو نصف إنفاقه الحكومي. يُوفر هذا الدعم الاقتصادى لإيران بعض الراحة من الضغوط المالية التى يمارسها الغرب، مما يضمن صمود طهران رغم العزلة الدبلوماسية والاقتصادية التى تواجهها.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: جبهة موحدة إيران الصين مخاوف نووية مخاوف إيران الولایات المتحدة الصین وروسیا إیران من

إقرأ أيضاً:

الويب المظلم ومنصات التشفير ساحات الأسرار النووية لإيران وإسرائيل

رغم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقف مؤقت لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، يبقى الصراع النووي بين هذه الأطراف محتدما، إذ يتواصل عبر مفاوضات شائكة وتهديدات عسكرية متبادلة وتصريحات سياسية متصاعدة.

غير أن ما يدور خلف الكواليس يكشف عن ساحة مواجهة أكثر تعقيدا تُدار بصمت داخل الفضاء السيبراني، حيث تسود قواعد جديدة وتتلاشى الحدود التقليدية للصراع.

ففي هذا الفضاء وتحديدا عبر منصاته، ظهرت معلومات يُعتقد أنها مرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني، وقد طرحت للبيع بواسطة عملات مشفرة، بحسب تحقيقات استخباراتية وتقارير أمنية.

وتنسب هذه الأنشطة إلى مجموعات سيبرانية، بعضها مرتبط بجهات حكومية وأخرى تتحرك في الظل بلا تبعية واضحة، مما يجعل السوق الرقمية مساحة خصبة لتبادل معلومات حساسة، حيث تتقاطع مصالح الفاعلين الرسميين وغير الرسميين في مشهد معقد من الصعب تتبعه.

في هذه التقرير نتتبع ملامح هذه المعركة غير المرئية عن طريق تقصي أنماط النشاط المرتبط بتسريب وبيع معلومات حساسة، وتحليل الأدوار التي تلعبها المجموعات والدول في توظيف الصراع داخل معادلات أوسع.

الأسرار النووية

سبق أن كشفت قناة ميدل إيست سبيكتور الموالية لإيران، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، عن تسرب وثيقتين استخباريتين توضحان خطط إسرائيل للهجوم على إيران، عبر قناة بمنصة تليغرام.

وأفاد تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست بأن المتسبب في هذا التسريب هو محلل سابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وقد اعترف بأنه سحب الوثائق من محطته في كمبوديا وسلمها إلى قناة تليغرام، قبل أن تنشر لاحقا في شبكات التواصل الاجتماعي.

وتشير تحليلات خبراء عسكريين إلى أن هذه الحادثة وما سبقها من تسريبات، تؤكد الواقع المزدوج للويب المظلم ومنصات تشفير مشابهة، إذ أصبحت منصات مثل تليغرام تؤدي دور منصة تسريب موازية، تتجاوز حدود الحكومة التقليدية، فلم تعد المعلومات حكرا على الدول بل تمت خصخصتها وأصبحت بيد جهات غير رسمية.

إعلان

وفقًا لما يوضحه عميد كلية تكنولوجيا المعلومات محمد عطير فإن تداول البيانات النووية الحساسة على الويب المظلم يؤي إلى تهديد حقيقي على مستويات عدة، منها:

نقل المعرفة النووية إلى أطراف مشبوهة، مما يزيد من خطر الانتشار غير المشروع لهذه التكنولوجيا. تتيح هذه البيانات استخدامات خطيرة مثل الابتزاز والهجمات السيبرانية المتقدمة التي قد تستهدف منشآت حيوية، مما يرفع من مستوى التهديد الأمني. منصات مثل تليغرام تؤدي دور منصة تسريب موازية تتجاوز حدود الحكومة التقليدية (رويترز)

ويقول عطير في حديثه للجزيرة نت إن التداول السريع وغير الخاضع للمراقبة يضعف ثقة المؤسسات العالمية في قدرة الدول على حماية معلوماتها السيادية، مما يؤثر سلبا على العلاقات الدولية والاستقرار السياسي.

والخطورة الحقيقية لا تكمن فقط في عملية التسريب نفسها، بل في سرعة تداول هذه المعلومات في فضاءات الويب المظلم المجهولة الهوية ومن الصعوبة تتبعها ومساءلتها، مما يضاعف من التحديات الأمنية، وفقا لعمير.

وتكشف بيانات وتحليلات حديثة نشرتها شركة "بوستيف تكنولوجي" المتخصصة في مجال الأمن السيبراني للعام 2024 أن الويب المظلم أصبح ساحة رئيسية لتسريب وتداول المعلومات الحساسة المتعلقة بالأمن الوطني والبرامج النووية في إيران.

فقد نفذت مجموعات هاكتيفيست سياسية (الجماعات التي تستخدم تقنيات وتقنيات الاختراق كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية) مثل "آرفن كلب" "Arvin Club" و"غونجيشكي داراندي" (Gonjeshke Darande) و"وي ريد إيفلز" (WeRedEvils)، هجمات إلكترونية استهدفت مؤسسات حيوية تشمل البنوك والمنشآت الصناعية والبنية التحتية للطاقة والاتصالات والوزارات الحكومية، مع نشر قواعد بيانات مسروقة على منصات الويب المظلم، وفقا للشركة.

وأظهرت إحصائيات نشرها الموقع ذاته بين عامي 2023 و2024 أن حوالي 47% من الحالات شهدت إعلانا عن خروقات للمؤسسات، حيث عرض 24% منها بيانات مسروقة للبيع، و22% بشكل مجاني، مما يعكس تصاعدا كبيرا في نشاط المجرمين الإلكترونيين لتحقيق أرباح من خلال خصخصة هذه المعلومات.

وقد اتخذت الحرب الخفية بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى أشكالا متعددة، وفقا لما أكده الخبير والمحلل العسكري اللواء المتقاعد هلال الخوالدة في حديثه للجزيرة نت، إذ تنوعت بين الاختراق البشري، عبر اتهامات متكررة بزراعة عملاء داخل المنشآت النووية الإيرانية، والاغتيالات الممنهجة لعقول البرنامج النووي الإيراني.

ويضاف إلى ذلك، وفق الخوالدة، عمليات المراقبة الجوية والفضائية باستخدام طائرات مسيرة وأقمار اصطناعية لجمع البيانات، وعمليات التضليل الإعلامي من خلال تسريب أو نشر معلومات استخباراتية مدروسة تهدف للتأثير الدبلوماسي والسياسي.

تصاعد الحرب السيبرانية

اتخذت الحرب السيبرانية بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في بعض الأحيان طابعا غير مباشر، حيث يُعتقد أن إسرائيل كانت تنفذ هجمات سيبرانية بالوكالة عن الولايات المتحدة، ضمن تنسيق أمني واستخباراتي مشترك بين الجانبين.

يظهر ذلك بوضوح في عملية "ستاكسنت"، التي كشفت تقارير استخباراتية غربية لاحقا أنها كانت نتاج تعاون بين وكالة الأمن القومي الأميركية (إن إس إيه) ووحدة الاستخبارات الإسرائيلية "8200"، ضمن عملية سرية حملت اسم "الألعاب الأولمبية" حيث ضرب فيروس "ستاكسنت" منشأة نطنز النووية الإيرانية، مخلِّفا أضرارا بالغة.

ويزعم تحقيق استقصائي أجرته صحيفة "دي فولكس كرانت" الهولندية أن المهندس الهولندي إريك فان سابين الذي كان يعمل في شركة "تي تي إس" (TTS) في دبي، والتي كانت تنقل معدات ثقيلة إلى إيران، تم تجنيده من قبل المخابرات الهولندية، وكان جزءا من عملية سرية نفذتها المخابرات المركزية الأميركية والموساد الإسرائيلي استهدفت محطة نطنز.

وفي إطار هذه الحرب السيبرانية المتصاعدة، فقد شهد شهر يونيو/حزيران 2025 تصعيدا نوعيا تمثل في اختراق مجموعة القراصنة المرتبطة بإسرائيل "بريداتوري سبارو" لأنظمة بنك "سبه" الإيراني في 17 من الشهر نفسه، مما أحدث شللا شبه كامل في أنظمة الدفع والتحويلات المالية.

إعلان

وفي اليوم التالي، استهدفت المجموعة منصة العملات الإيرانية "نوبيتيكس" ونجحت في سرقة ما يعادل 90 مليون دولار تم توزيعها عبر محافظ إلكترونية غير قابلة للتتبع.

ولم يقتصر الهجوم على القطاع المالي فقط، بل شملت العمليات أيضاً تعطيل مئات محطات الوقود في عدة مدن إيرانية، حيث وصفت المجموعة هذه العمليات بأنها "رد سيبراني إسرائيلي على التهديدات الإيرانية"، مما يعكس تعقيد وتنوع ساحة القتال السيبراني بين الطرفين، وتأثيره المباشر على البنية التحتية الحيوية والاقتصاد الإيراني.

ووفقا لتحليل صادر عن شركة تتبّع البلوكتشين "إليبتيك" (Elliptic)، تصف الشركة هذه الخطوة بأنها "حرق للأصول الرقمية"، مما يشير إلى أن الهجوم لم يكن بدافع الربح، بل يحمل أهدافا سياسية صريحة.

مجموعة منصة العملات الإيرانية "نوبيتيكس" تعرضت لسرقة ما يعادل 90 مليون دولار (رويترز)

 

ويمكن أن نعزو ذلك إلى أن العملات الرقمية تعلب دورا مركزيا في الحروب السيبرانية الحديثة، إذ يتم استخدامها كوسيلة دفع رئيسية في الهجمات نظراً لصعوبة تتبعها، وفقا للخبير في تكنولوجيا وأمن المعلومات عبيدة أبو قويدر.

ويقول أبو قويدر في حديثه للجزيرة نت إن صعوبة التتبع تجعل منصات التداول وأنظمة الدفع هدفا إستراتيجيا للمهاجمين، فاستهداف البنى الرقمية ليس فقط لإحداث خلل اقتصادي، ولكنه أيضا يمنع الخصم من الوصول إلى موارد مالية تستخدم لاحقا لتمويل هجمات مضادة، مما يضفي بعدا اقتصاديا جديدا على الصراع السيبراني المتعدد الأطراف.

وكان مركز بحوث ودراسات الأمن القومي الإسرائيلي (آي إن إس إس) قد نشر في الثالث من يونيو/حزيران 2020 مقالا بعنوان: "مستوى جديد في الحرب السيبرانية بين إسرائيل وإيران"، قال فيه إن هذه الهجمات السيبرانية تنفذ بسرية تامة، وغالبا ما تنكر الأطراف المتحاربة مسؤوليتها، مما يصعّب تحديد مصدر الهجوم بدقة.

وتعتبر العمليات السيبرانية "حربا بين الحروب" تتيح تنفيذ هجمات دقيقة عن بعد، مع تجنب الخسائر البشرية والتصعيد المباشر، كما توفر فرصا لجمع المعلومات، وشن حرب معلوماتية، والضغط على الأنظمة العسكرية والمدنية لتحقيق أهداف سياسية ودفاعية، وفقا للمركز.

هاكرز مجهولون.. أدوات أم لاعبون مستقلون؟

في السنوات الأخيرة، برزت مجموعات اختراق غامضة تتحرك خارج الأطر الرسمية للدول، بعضها على صلة بأجهزة استخبارات، وأخرى تعمل بشكل مستقل، لتتحول إلى لاعبين مؤثرين في ميدان الأمن السيبراني النووي.

ومن أبرز الأمثلة، مجموعة بلاك ريوورد التي أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول 2022 مسؤوليتها عن اختراق بريد إلكتروني تابع لإحدى الشركات المرتبطة بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وأسفر الاختراق عن تسريب معلومات حساسة تخص محطة بوشهر النووية، تضمنت جداول تشغيل، وبيانات سفر لخبراء إيرانيين وروس، وعقود تطوير نووي.

وجاءت العملية -بحسب بيان المجموعة على منصة "إكس"- دعما للاحتجاجات في إيران، ومشروطة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، موقّعة بعبارة: "باسم مهسا أميني ومن أجل المرأة، الحياة، الحرية".

وقد اعتبرها محللون عسكريون سابقة تظهر قدرة فاعلين غير حكوميين على التأثير في معادلات حساسة، خارج أطر الصراع التقليدي بين الدول.

ويعلق الباحث أبو قويدر على هذا التحول بأن المعلومات النووية لم تعد حكرا على الدول، بل باتت تتداول عبر منصات مشفّرة وسوق سوداء رقمية، مما يقلّص من فاعلية الرقابة الدولية ويضاعف من خطر تسرب بيانات إستراتيجية نتيجة تداخل المجال السيبراني بالجغرافيا السياسية.

في مقابل السوق السوداء التي تباع فيها أسرار إيرانية، تشير بعض الروايات إلى أن إيران نفسها باتت تمتلك وثائق نووية إسرائيلية، مما يعكس تداخل أدوار "المسرب" و"الضحية" في هذا الصراع الرقمي، وفق رويترز.

إعلان

وكانت وسائل إعلام رسمية إيرانية قد نقلت عن مصادر لم تسمها، أن "وكالات الاستخبارات الإيرانية حصلت على كمية كبيرة من الوثائق الإسرائيلية الحساسة"، يعتقد أن بعضها يتصل بـ"الخطط النووية ومرافق إسرائيلية حساسة".

وذكرت قناة "برس تي في" الإيرانية أن العملية تمت منذ مدة، لكن حجم المواد تطلّب وقتا طويلا لمراجعتها ونقلها بشكل آمن إلى داخل إيران، مما استدعى "حالة تعتيم إعلامي مؤقت" لضمان سلامة العملية.

وتبرز مجموعة "إيه بي تي 34" أو "أويل ريغ"، بأنها واجهة تهديد متقدمة مرتبطة بالحكومة الإيرانية، وتنشط منذ 2014 في شن هجمات إلكترونية متطورة تستهدف قطاعات إستراتيجية مثل الطاقة والاتصالات، وتستخدم تقنيات مثل التصيد الموجه، واستغلال ثغرات يوم الصفر(استغلال نقاط الضعف في برمجيات وثغراتها الأمنية خاصة غير المعروفة منها للعامة أو حتى مطوريها في شن هجومات إلكترونية) والبرمجيات الخبيثة التي تتيح لها التسلل والبقاء داخل الشبكات لفترات طويلة، وفقا لتقارير شركات الأمن السيبراني مثل "فاير آي" و"كراود ستريك".

تشير التحليلات إلى أن هجمات "بلاك ريوورد" و"إيه بي تي 34″ ذات أدوات متقدمة وتخطيط طويل، تستهدف مؤسسات حساسة بدوافع استخباراتية أو تجارية، مع احتمالية استخدامها للضغط السياسي، وفقا لمحمد عطير الذي يؤكد أن النمط الاحترافي يصعب فصله عن أجندات أكبر رغم غياب دليل مباشر.

ويؤكد أن هناك ظهورا لما يعرف بـ"خصخصة الهجمات السيبرانية"، حيث أصبحت مجموعات قرصنة مستقلة تمتلك أدوات متطورة تُنافس ما كانت تملكه الحكومات قبل سنوات قليلة، هذا التحول يفرض تحديات رئيسية على مؤسسات الأمن القومي، من أبرزها:

صعوبة التمييز بين الفاعلين. تضاؤل قدرة الردع التقليدي، بسبب عدم وضوح الجهة المسؤولة. صعوبة تتبع التسريبات أو وقف تداولها بعد عرضها في الأسواق السوداء الرقمية. أطراف ثالثة تشعل الصراع من الخلف. ثغرة "يوم الصفر" هي خطأ في الكود البرمجي لأحد الأنظمة يمكن للمخترق استغلاله (شترستوك) اللاعبون الخفيون ومعركة النووي

لسنوات، قادت إسرائيل حربا غير معلنة ضد إيران، لكن النزاع تحول في 13 من يونيو/حزيران الجاري إلى مواجهة علنية، إذ أعلنت إسرائيل شنها ضربة "استباقية" على أهداف داخل إيران، مما اعتبر بداية التصعيد العسكري بين الطرفين.

ومع ذلك، لا يقتصر الصراع على هذين الطرفين، إذ تتحرك قوى كبرى كروسيا والصين في الظل، مستغلة التسريبات النووية لتعزيز أوراقها التفاوضية دوليا.

يتفق الخبير الأمني ضيف الله الدبوبي مع ذلك، ويقول إن الصين لعبت دور الوسيط الأساسي في محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وتسعى لتثبيت نفسها كلاعب إقليمي ودولي رئيسي. ليس فقط لتحقيق السلام النووي، بل لتعزيز مصالحها الإستراتيجية الأوسع مثل توسيع نفوذها الجيوسياسي وتأمين إمدادات الطاقة، خصوصا النفط الإيراني الذي تحتاجه لتشغيل مصانعها ومحطاتها الكهربائية.

أما روسيا، فيقول الدبوبي في حديثه للجزيرة نت إنها تستخدم الملف النووي الإيراني كورقة ضغط سياسية وعسكرية في مواجهة الغرب، وتظهر موقفا موحدا مع بكين في مجلس الأمن الدولي، حيث تدعمان مواقف إيران وتعارضان الضغوط الغربية.

ووفقا لتقارير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (سي إس آي إس) بواشنطن، لا يقتصر دور روسيا والصين على احتواء إيران فقط، بل يمتد إلى تقديم غطاء سياسي وتقني لطهران لتعزيز شراكة إستراتيجية تتقاطع مع الطموحات النووية الإيرانية.

فقد صوتت كل من روسيا والصين ضد قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصادر في 12 يونيو/حزيران 2025، الذي خلص إلى أن إيران خرقت التزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار النووي (إن بي تي). ويُنظر إلى هذا الموقف على أنه امتداد لتحالف أوسع يضم أيضا كوريا الشمالية، يعيد رسم توازنات النظام العالمي الخاص بمنع الانتشار النووي.

وتؤكد هيذر ويليامز مديرة "مشروع قضايا التسلح النووي" في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن الدعم الروسي الصيني لإيران لا يقتصر على الجانب السياسي والدبلوماسي، بل يشمل مساعدات فنية وتقنية مباشرة، مشيرا إلى أن الصين زوّدت إيران بمفاعلات صغيرة في تسعينيات القرن الماضي، في حين استكملت روسيا بناء وتشغيل مفاعل بوشهر النووي.

ويكشف الصراع النووي الإيراني الأميركي أو الإسرائيلي بالوكالة، عن وجه جديد لا يدار بالصواريخ والدبلوماسية فحسب، بل تتحكم فيه البيانات والهاكرز والعملات المشفرة، ووسط كل هذا التعقيد تصبح الحقيقة أن الأمن لم يعد شأنا عسكريا فقط، بل معكرة داخل شبكة لا تنام يتحرك فيها اللاعبون الرسميون والظلال على حد سواء.

إعلان

مقالات مشابهة

  • أستاذة علوم سياسية: البرلمان الإيراني استخدم ورقة النووي للرد على الضغوط الغربية
  • خامنئي: إيران انتصرت على إسرائيل وأمريكا.. ومواقعنا النووية لم تتأثر
  • الويب المظلم ومنصات التشفير ساحات الأسرار النووية لإيران وإسرائيل
  • النفط يرتفع مع تأكيد ترامب تطبيق «أقصى الضغوط» على إيران
  • مختار غباشي: إيران تمتلك 21 مفاعلا نوويا موزعة على جميع المواقع.. فيديو
  • ترامب يعلن موعد استئناف المحادثات النووية مع إيران
  • نيويورك تايمز: هل الضربة النووية الأميركية لإيران رادعة للآخرين أم محفزة لهم؟
  • الدعم الأمريكي لإسرائيل| تورط مباشر وأبعاد استراتيجية في المواجهة مع إيران.. ماذا يحدث؟
  • بعد الضربة الأمريكية لمنشآت إيران النووية.. من يملك السلاح الأقوى بين الدول التسع؟
  • ويتكوف: المحادثات بين أمريكا وإيران "واعدة"