كنتُ ممن يدعون إلى التسامح تحت شعار: “لكي لا تعيش في ألم.”
أنا وأعوذ بالله من كلمة “أنا” من الأشخاص الذين يخشون المواجهة، بل يرتعدون عند مجرد التفكير في الرد على الأذى أو التفوّه بكلمة قد تجرح مشاعر أحدهم..
لكن حين أنظر إلى الماضي بتمعّن، لا أجدني إنسانا طيبا كما كنت أظن، بل ربما كنتُ ضعيف وهشّ !! لم أكن أُجامل الناس بدافع اللطف، بل كنت أحاول جاهدا أن أكون جزءًا من هذا المجتمعات .
نحن مجتمعات بكل أسف تحتفي بالرذيلة، كما نراه ونعيشه علي مستوي اليومي ، حيث نضخّم شأن من كان لسانه سليطًا، ونرفع مكانة من يتلذذون بأزي الآخرين وإذلالهم.
أحيانًا، ما نراه “طيبة” ليس سوى هروب من المواجهة وتجنب للصراعات.
فهل نحن طيبون حقًا لأننا نؤمن بذلك!!؟؟ .. أم لأننا نخشى العواقب إن تجرأنا على الرد؟؟!!..
أميل إلى الاعتقاد بأننا لسنا طيبين، بل جبناء..
لطالما كنتُ من هؤلاء الطيبين الساذجين. الي وقت قريب جدا حينما يظلمني أحد كنت أنزوي في منزلي أبكي لساعات، وربما لأيام أو أسابيع، حتى يخفّ الألم، دون أن أواجه من تسبب فيه. ثم أعود وأسامح… فأُجرح مرة أخرى..
أليس هذا هو الغباء بعينه؟
لكن بعد سلسلة طويلة من الخيبات، وصلتُ إلى درجة من الوعي الذاتي جعلتني أعيد النظر في تعاملي مع الآخرين. أدركتُ أن أكبر التحديات التي تواجه الطيبين الساذجين هو تحقيق التوازن بين التسامح والدفاع عن النفس، بين الاحتفاظ بنقاء القلب وعدم السماح لأحد بإيذائنا أو استغلالنا.
فأعود لأسأل نفسي: هل الرضا الذي يوفره العفو يدوم إلى الأبد؟
لا أظن ذلك.
نحن نعيش في مجتمع يجبر المظلوم على المسامحة دون أن يناقش جذور المشكلة أو يبحث عن حلول لها. وهكذا، يظن المظلوم أن الألم والغضب قد انتهيا، لكنه يظل أسيرًا لكلمة “لو”:
“لو كانت لدي القدرة على الرد، لرددت، لكنني كنت جبانًا…”
حتى يصل إلى لحظة الانفجار، ولو بعد عشرين عامًا؟؟!! ..
“نشوة رد الظلم لا تدوم سوى للحظات .”
قد تكون الجملة صحيحة، لكن تلك اللحظة كفيلة بأن تطفئ ولو قليلًا من البراكين الهائجة!
ليس هناك بأس في رد الظلم ، في أن تردّ الصفعة بصفعتين، لكن لا يجب أن تدع هذه الروح تستهلكك.
اخذ الحق ليس بالضرورة أن يكون عظيما لمن آذاك، ولا غايةً في حد ذاته، بل وسيلة لاستعادة التوازن النفسي دون أن تغرق في وحل الكراهية.
تحلَّ ببعض الرأفة، لا لتكون ضعيفًا، بل لتختلف عنهم قليلاً.
الرأفة فضيلة، خاصة حين يكون لديك القدرة على إلحاق الأذى بالآخرين، لكنك تسمو عنها انتصارًا للفضيلة ذاتها. وهذا ما يضفي على الرأفة قيمتها الحقيقية وكفي ..
mohamed79salih@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
قافلة دعوية كبرى تجوب شلاتين وحلايب لتعزيز الوعي الديني وقيم التسامح
شهدت مدينتا شلاتين وحلايب انطلاق فعاليات قافلة دعوية كبرى تنظمها مديرية أوقاف البحر الأحمر، بمشاركة نخبة من كبار الأئمة والدعاة من مختلف محافظات الجمهورية، في إطار خطة وزارة الأوقاف لنشر الوعي الديني السليم، وترسيخ مفاهيم التسامح والاعتدال في المناطق الحدودية.
وأوضح الشيخ ماهر محمدين، مدير إدارة أوقاف الشلاتين وحلايب، أن القافلة تضم دعاة مؤهلين علميًا وخطابيًا، يتفاعلون مع الأهالي عن قرب، وينقلون رسالة الدين بروح الاعتدال والوسطية، ويجيبون على تساؤلاتهم في مسائل الدين والحياة اليومية بلغة مبسطة ومباشرة.
أنشطة دعوية وتفاعل مجتمعي واسع
تستمر فعاليات القافلة لمدة عشرة أيام، وتشمل:
إلقاء خطبة الجمعة الموحدة في مساجد الشلاتين وحلايب
دروس يومية في العقيدة والعبادات والسلوك
لقاءات مفتوحة مع الأهالي للرد على استفساراتهم
جلسات حوارية حول قيم المواطنة والانتماء
وقد حظيت القافلة باستقبال واسع من الأهالي وقيادات المجتمع المحلي، الذين أعربوا عن امتنانهم لهذه المبادرة، مؤكدين حاجتهم المستمرة إلى مثل هذه الفعاليات التي تلامس واقعهم وتغذي الجانب الروحي لديهم.
رسالة وحدة وتواصل
القافلة تسعى لتعزيز الروابط بين مؤسسات الدولة وأبناء المناطق الحدودية، وإيصال رسالة مفادها أن الدين يدعو للتراحم والعدل، وأن الدولة حريصة على دعم المناطق النائية ليس فقط بالخدمات المادية، بل كذلك بالإرشاد والتوعية الدينية والفكرية.