حكم إفطار الصائم بسبب شرقة النفس.. الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 20th, March 2025 GMT
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم إفطار الصائم بسبب شرقة النَّفَس أو الغُصَّة (الزغطة)؟ فوالدي رجل كبير وأثناء صومه أصابته غصة في حلقه ضيقت عليه نفسه، بحيث لم يكن يستطيع أن يتنفس بشكل جيد، مما دفعنا إلى أن نعطيه بعض الماء ليشربه حتى يدفع تلك الغصة خوفًا عليه من الهلاك، فما الحكم في ذلك؟ وهل يلزمه إمساك بقية اليوم؟
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمى عن السؤال قائلة: يجوز للصائم الفطر بأن يتناول دواء أو يشرب ماء إذا احتبس نَفَسُه بغصة، وكان هذا هو الحل المتاح، ولم يكن هناك وسيلة بديلة أخف.
ولفتت الى انه فى هذه الحالة يجب عليه قضاء ذلك اليوم، ولا كفارة عليه، ومن ثمَّ فلا حرج عليكم فيما فعلتموه، ولا يلزم الوالد أن يُمسك عن المفطرات بقية اليوم، وإنِ استُحِبَّ ذلك متى قدر عليه؛ خروجًا من خلاف الفقهاء.
واوضحت ان حقيقة الصوم شرعًا: هي الإمساك عن المفطرات الثلاث (الأكل، والشرب، والجماع) من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، على وجه مخصوص بنية مخصوصة؛ لقول الله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].
من المقرر شرعًا أن الأصل في تعمد الفطر من غير عذر في صوم الفرض أنه حرام؛ لما فيه من انتهاك لحرمة الشهر الكريم، وترك لما فرض الله تعالى، وفوات بركة خصوصية شهر عظم الله تعالى حرمته، وخصه بمزيد فضل عن غيره من الشهور، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ، لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ» أخرجه الإمام البخاري معلقًا، ووصله أصحاب السنن الأربعة.
وهذا حيث لم يكن عذر مرخص، وإلا فقد يباح الفطر لعوارض منها: السفر، وكذا المرض؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 185].
قال الإمام فخر الدين الرازي في "تفسيره" (5/ 243، ط. دار إحياء التراث العربي): [المراد منه: أنَّ فرض الصوم في الأيام المعدودات إنَّما يلزم الأصحاء المقيمين، فأمَّا مَن كان مريضًا أو مسافرًا فله تأخير الصوم عن هذه الأيام إلى أيامٍ أُخَر] اهـ.
وقال الإمام ابن حزم في "مراتب الإجماع" (ص: 40، ط. دار الكتب العلمية): [واتفقوا على أن من آذاه المرض وضعف عن الصوم فله أن يفطر] اهـ.
حكم إفطار الصائم بسبب الغُصة
أما الغُصة في اللغة: فهي بالضم: الشجا، وجمعها: غُصص، وهي: ما اعترض في الحلق فأشرق صاحبه، وضيق عليه نفَسَه.
وتُعرف طبيًّا بأنها: أمر غير إرادي يُحدِث انسدادًا في مجرى التنفس؛ بسبب وصول أجسام غريبة إلى الجهاز التنفسي أثناء ابتلاع شيءٍ ما أو استنشاقه مثلًا، وكذلك الحوادث الناجمة عن إدخال أجسام غريبة بالمسالك التنفسية، وهذا الانسداد يمنع وصول الأكسجين إلى الجسم، والذي يؤدي إلى صعوبة الحركة التنفسية وعدم انتظامها، وقد يؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان.
وإذا ما اعترض نَفَسَ الصائم حال صومه شيءٌ لا قدرة له على التحكم به ولا دفعه، بحيث لا يستطيع أن يتنفس، أو يضيق عليه نفسه، بحيث تحصل له أزمة تنفسية فيضطر إلى أن يتناول دواء أو يشرب نحو ماء، لكي يسيغ هذه الغصة -الشرقة- (وهو المسؤول عنه)، فلا حرج عليه في ذلك، وهو جائز شرعًا ما دام قد تَعَيَّن وسيلة لاستنقاذ حياته؛ لأن ذلك يعتبر حينئذ من باب الضرورة، لرفع الضرر عن نفس المكلف حتى لا يهلك، والقاعدة الشرعية أن "الضرورات تبيح المحظورات". يُنظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: 84، ط. دار الكتب العلمية)، وحفظ النفس من أعظم الضرورات، ومن المقاصد الشرعية العظيمة التي كفلت الشريعة حمايتها وحفظها، وقد قال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: 173].
وقد تتابعت نصوص الفقهاء على جواز الفطر لمن خاف على نفسه الهلاك؛ حفاظًا على النفس، قال شمس الأئمة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (3/ 137، ط. دار المعرفة): [وإذا خاف الرجل وهو صائم إن هو لم يفطر تزداد عينه وجعًا أو تزداد حماه شدة فينبغي أن يفطر] اهـ.
وقال الشيخ ابن أبي زيد القيرواني المالكي في "النوادر والزيادات" (2/ 35، ط. دار الغرب الإسلامي) عند ذكره لما يعذر به الصائم في الفطر، من المرض، أو العطش، أو الشرق: [قال عنه ابن نافع، فيمن أصابه بعد العصر شرق، خاف منه على نفسه، فشرب له الماء: فعليه القضاء] اهـ.
وقال الشيخ أحمد الدردير المالكي في "الشرح الكبير على مختصر خليل" (1/ 535، ط. دار الفكر): [(ووجب) الفطر لمريضٍ وصحيحٍ (إن خاف) على نفسه بصومه (هلاكًا أو شديدَ أذًى)، كتعطيل منفعةٍ من سمعٍ أو بصرٍ أو غيرهما؛ لوجوب حفظ النفس] اهـ.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 428، ط. دار الكتاب الإسلامي): [(من عجز عن الصوم لهرم أو زمانة أو اشتدت) عليه (مشقة: سقط) أي: الصوم (عنه)؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78] اهـ.
وقال الشيخ منصور البهوتي الحنبلي في "شرح منتهى الإرادات" (1/ 476، ط. عالم الكتب): [(و) سن فطر، وكره صوم؛ (لخوف مرض، بعطش أو غيره)؛ لقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]؛ ولأنه في معنى المريض، لتضرره بالصوم] اهـ.
حكم إمساك الصائم بقية اليوم إذا أفطر بسبب الغصة
إذا أفطر بسبب ذلك فهل يلزمه إمساك بقية يومه عن المفطرات أم لا؟ اختلف الفقهاء في ذلك: فذهب الحنفية، والشافعية في قول، والحنابلة في المذهب: إلى أنه يجب عليه الإمساكُ عن المفطِّرات بقيةَ يومه؛ بِناءً على أنَّ مَنْ صَار في جزء النَّهار على صفةٍ تحققها في أوله يوجب صومه، فإن عليه أن يمسك بقيته؛ لحرمة الوقت، وتشبهًا بالصائمين، ولأنه بزوال مرضه زالت رخصته، مع اعتبار عدم إجزائه عن يومه؛ لانعدام مَحَلِّهِ في أوله. يُنظَر: "بدائع الصنائع" للإمام علاء الدين الكاساني الحنفي (2/ 102، ط. دار الكتب العلمية)، و"الحاوي الكبير" للإمام الماوَرْدِي الشافعي (3/ 447، ط. دار الكتب العلمية)، و"الإنصاف" للإمام علاء الدين المَرْدَاوي الحنبلي (3/ 283، ط. دار إحياء التراث العربي).
وذهب المالكية، والشافعية في معتمدهم، والحنابلة في رواية -وهو المختار للفتوى- إلى أنه لا يجب عليه الإمساك؛ لأنه أبيح له الفطر أول النهار، واليوم الواحد لا يتجزأ بين إمساك وإفطار.
قال القاضي عبد الوهاب المالكي في "المعونة" (ص: 486-487، ط. المكتبة التجارية): [ومن أفطر في رمضان بعذره ثم زال عذره في بقية يومه... إن كان عذره يبيح الفطر مع العلم بأن اليوم من رمضان لم يلزمه إتمام الإمساك كالحائض والمريض والمسافر إذا زالت أعذارهم في بقية يومهم] اهـ.
وقال الشيخ الدسوقي المالكي في "حاشيته على الشرح الكبير" (1/ 514، ط. دار الفكر): [إذا كان مفطرًا لأجل عذرٍ يباح لأجله الفطر مع العلم برمضان، ثم زال عذرُه: فلا يُسْتَحَبُّ له الإمساك] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (6/ 262، ط. دار الفكر): [قدم المسافر أو برأ المريض وهما مفطران يستحب إمساك بقية يومه، ولا يجب عندنا] اهـ.
وقال الإمام ابن قُدَامة الحنبلي في "المغني" (3/ 145-146، ط. مكتبة القاهرة): [مَن يباح له الفطر في أول النهار ظاهرًا وباطنًا، كالحائض... والمريض، إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار، فطهرت الحائض... وصح المريض المفطر، ففيهم روايتان... الثانية: لا يلزمهم الإمساك] اهـ.
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فيجوز للصائم الفطر بأن يتناول دواء أو يشرب ماء إذا احتبس نَفَسُه بغصة، وكان هذا هو الحل المتاح، ولم يكن هناك وسيلة بديلة أخف، وعليه قضاء ذلك اليوم، ولا كفارة عليه، ومن ثمَّ فلا حرج عليكم فيما فعلتموه، ولا يلزم الوالد أن يُمسك عن المفطرات بقية اليوم، وإنِ استُحِبَّ ذلك متى قدر عليه؛ خروجًا من خلاف الفقهاء.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء المصرية المزيد دار الکتب العلمیة قال الإمام المالکی فی بقیة الیوم حکم إفطار لم یکن إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل يجوز صيام العشر الأوائل من ذي الحجة بنية القضاء والتطوع؟.. الإفتاء تجيب
مع بداية العشر الأوائل من ذي الحجة، والتي تُعد من أعظم أيام السنة من حيث الفضل والثواب، يحرص كثير من المسلمين على اغتنامها بالطاعات، من صلاة وذكر وقراءة قرآن، ويأتي الصيام على رأس هذه الأعمال الصالحة التي يُقبل عليها الناس بشغف كبير، لما فيه من أجر عظيم وفضل مضاعف.
ومن الأسئلة الشائعة التي تتكرر في هذه الأيام، ما يتعلق بجواز الجمع بين نية صيام القضاء عن أيام رمضان، ونية التطوع بصيام العشر الأوائل من ذي الحجة.
وفي هذا السياق، أوضحت دار الإفتاء المصرية، من خلال فتوى منشورة على موقعها الرسمي، أنه لا مانع شرعًا من الجمع بين النيتين.
وأكدت الدار أن صيام القضاء يُعد فرضًا، ويشترط فيه تبييت النية من الليل قبل الفجر، بينما صيام العشر الأوائل من ذي الحجة يُعد من السنن والنوافل التي يُثاب المسلم عليها، ولذلك فإن صيام القضاء خلال هذه الأيام يدخل فيه فضل صيام العشر أيضًا، بشرط موافقة النية للسُّنّة.
وفيما يخص صيام يوم عرفة تحديدًا، أشارت دار الإفتاء إلى أنه لا حرج في الجمع بين نية قضاء يوم من رمضان، ونية صيام يوم عرفة، وأن المسلم في هذه الحالة يُثاب على الأمرين معًا، أي ثواب صيام القضاء، وثواب صيام يوم عرفة، لما في هذا اليوم من فضل عظيم وتكفير للذنوب.
وأضافت الدار أن هذا الجمع جائز كذلك في حالات أخرى مشابهة، مثل صيام الأيام البيض، أو الست من شوال، موضحة أن الجمع بين النية في صيام الفرض والنافلة جائز باتفاق بعض المذاهب، كالشافعية وبعض المالكية، وأن العبد يكتب له أجر الصيامين.
وبالتالي، فإن من أراد صيام العشر الأوائل من ذي الحجة، وكان عليه قضاء من رمضان، فله أن يصوم بنية القضاء، ويُرجى له أيضًا نيل فضل هذه الأيام المباركة، دون أن يكون عليه إثم أو حرج.