صحيفة الاتحاد:
2025-08-12@08:06:09 GMT

د. نزار قبيلات: إجاعة اللفظ وإشباع المعنى

تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT

تبدو الكتابة في أقصى درجاتها محاولة لإعادة صوغ الألفاظ بقصد منحها طاقة استعارية جديدة قادرة على تتبع المعنى واصطياده، إن لم تكن محاولة لتخفيفها لتصبح أسرع في الوصول للمعنى بل وتحقيق الدقة في إصابة كبده، وبالتوازي مع ذلك يبدو فعل القراءة محاولة لإيجاد هذا المعنى ومحاولة إنعاشه من جديد، فالكاتب النافذة بصيرتُه يحاول تشذيب ما يحيق بالمعنى من شوائب ليبدو جلياً لعين القارئ، وهو بذلك يَجهد من أجل تجلية المعنى الذي لا تتحقق له الديمومة إلا بعناية القارئ ورعايته له لاحقاً، هذا التعريف المُضمّن في العنوان هو من أكثر التعريفات حذاقة ودقة لعلم البلاغة الذي جعل من أسمى مقاصده وغاياته في رسم المعايير والأطر العلمية تجلية المعنى قبل احتراقه بذوق المتلقين الجوعى لمعانٍ لم تقدم لهم من قبل، فالمسافة التي يقطعها النسق الإبداعي حين خروجه من ربقة الأديب، وهو مدججٌ بكل الحيل وأساليب التلاعب البلاغي ومظاهر التزويق اللغوي، هي ذات المسافة التي يقطعها القارئ نحو النص أو الخطاب الذي يتعاطى معه، من حيث إن الدهشة هي لحظة تلاقي القدح في ذهن الكاتب أو الشاعر مع لحظة الوصول لأرض المتلقين المستمعين، وكلما سبق أحدهم الآخر كلما جاءت النتائج مبهرة تعتمد على الخطف والتمكن من بلوغ المعنى والصراع على امتلاكه، فمقصد كل منهما الكنز المفقود في نواة المعنى، وإن أخطأ أحدهما في بلوغه يعني فقدان التوازن في عمليتي الإنتاج والتلقي، فالكاتب يحتاج إلى صوغ كلماته مدفوعاً بلحظة التجلي الخاصة به، والقارئ بحاجة إلى التأويل ليضمن حسن استقباله وتلقيه للخطاب الإبداعي.


 فالأدب الذي لا يصيبك بالدهشة ولا يقدر على تغيير المواقف وكشف الأسرار لنا هو أدبٌ ثقيل يشبه التلوث في خطورته، والتخلص منه لا يعني إنكار معانيه مهما تسامت، بل يعني بالدرجة الأولى عدم مقدرة صاحبه على جعله رشيقاً تضيق فيه الألفاظ وتقتصد لتتسعَ رؤيا العالم حولنا وتصبح عدسات القارئ ومدركاته الحسية قادرة على استكناه المزيد من الغوامض حولنا، وإلى ذلك لم يعد ارتباط الأدب بالقضايا والهموم الشخصية أمراً مميزاً للأدب، ذلك لأن الأدب قيمة إنسانية مشتركة لا تقصي أحداً، لكنها مهارة في تغذية المعاني السامية ورعايتها من جهتي المتلقي والمنتج، فلا يمكن للقارئ أن يحلق برفقة الشاعر إلا بألفاظ بليغة ومعاني ثرية، إذ لا يصح أن يزدحم فضاء التلقي بهما.
*أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أخبار ذات صلة د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات د. نزار قبيلات يكتب: هل الفكاهة مهارة أم فلسفة؟

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: نزار قبيلات

إقرأ أيضاً:

صورة الوطن حاضرة في أشعاره.. الروائية عزة بدر: الشاعر محمود درويش عبر عن قضية فلسطين

تحدثت الروائية الكبيرة دكتورة عزة بدر، عن الإرث الأدبي والشعري للشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، مؤكدة أن درويش لا يزال حاضرًا بقوة في الشعر العربي الحديث والعالمي، خصوصًا من خلال تعبيره العميق عن القضية الفلسطينية وقضايا الإنسان بشكل عام، واعتبرت عزة بدر أن محمود درويش كان شاعرًا عذبًا بعيدًا عن الخطابية المباشرة، استطاع أن يؤثر في القلوب ببلاغة وصور وطنية واضحة.

وأشارت «بدر»، خلال مداخلة هاتفية في برنامج «صباح جديد»، الذي يعرض على شاشة «القاهرة الإخبارية»، المحطات المهمة في حياة درويش التي شكلت تجربته الشعرية، مثل رحلته من فلسطين إلى موسكو ثم إلى القاهرة، حيث تأثر بالثقافة المصرية وعمل في مؤسسات إعلامية مثل مجلة «المصور» وصحيفة «الأهرام»، واحتك بكبار الأدباء المصريين مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم.

كما نوهت إلى تجربته في بيروت وأثر الاجتياح الإسرائيلي عليها في 1982، الذي أجبره على الخروج منها، وأثر هذا الحدث عليه سياسيًا وإنسانيًا في كتاباته ومقالاته، وتحدثت عزة بدر عن علاقتها بكتابات درويش، واصفة إياه بأنه شاعر يدمج بين الحداثة والتراث، يكتب على كتابات آلاف الشعراء قبله ليخلق نصوصًا تحمل بصمته الخاصة.

وأكدت أن كتابها «وطن في شاعر» يعكس رصدًا دقيقًا لمسيرته الشعرية التي حملت بُعدًا إنسانيًا عميقًا لقضية فلسطين، خاصة في تصويره لحياة غزة وصمود أهلها رغم الحصار والظروف القاسية، وختمت حديثها بتسليط الضوء على لغة درويش في النثر والشعر، مذكّرة بأشعاره التي تنادي بالرفض المستمر للاحتلال والظلم، وتبرز المعاناة اليومية لأهل غزة، معتبرة أن صموده وصمود غزة في قصائده يمثل أسلوبًا مميزًا في إعلان جدارتها بالحياة والكرامة رغم كل التحديات والمآسي التي تواجهها

اقرأ أيضاًمن قصائد محمود درويش.. تفاصيل ألبوم كارول سماحة الجديد

محمود درويش يحصل كارت الاحتراف الدولي لتحكيم كمال الأجسام والفتنس تشالنج

«أوراق محمود درويش» ندوة في مكتبة الإسكندرية ضمن فعاليات معرض الدولي للكتاب

مقالات مشابهة

  • "عُمان من نافذة صلالة".. قراءةٌ فارسيّةٌ لطبيعة وتاريخ وثقافة ظفار
  • القصيدة..لغة الموت والحياة
  • طفل ينقذ شقيقته من محاولة اختطاف في اليمن في وضح النهار
  • د. نزار قبيلات يكتب: المراوغة بالكتابة
  • رحيل الشاعر والناقد والباحث كريم الحنكي
  • "الأعشى الكبير" .. شاعر من "منفوحة" لُقب بشاعر الملوك
  • منى الشاعر: تجربة المدينة المنورة بالعهد النبوي نموذجاً في النهوض بالأمة
  • سومو تنفي تهريب النفط العراقي أو الإيراني من خلالها
  • صورة الوطن حاضرة في أشعاره.. الروائية عزة بدر: الشاعر محمود درويش عبر عن قضية فلسطين
  • الروائية عزة بدر: الشاعر محمود درويش عبر عن قضية فلسطين