أكرم إمام أوغلو بين إنفاذ القانون ولعبة السياسة
تاريخ النشر: 23rd, March 2025 GMT
بعد أن اعتقل رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أغلو، على خلفية خمس قضايا، فإن العقوبة "التبعية" بحقه هي الحظر من ممارسة السياسية لمدة خمس سنوات، وهي عقوبة تنزلها المحكمة على المتهمين في القضايا المخلة بالشرف، فالقضايا المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى في تركيا تتعلق بالاختلاس والرشوة وإهانة القضاء، والتواصل مع منظمة إرهابية، وتزوير شهادة الجامعة، وهي أحد الشروط للترشح للمناصب النيابية والتنفيذية في تركيا.
العجيب أن الإعلام سلط الضوء على القضية الأخيرة، متعاميا عن التهم الخطيرة التي تمس الاقتصاد التركي ونزاهة التعاملات الحكومية في أهم بلدية في البلاد، وكما تعامى عن جريمة تمس الأمن القومي للبلاد بالتواصل مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي، وهي منظمة إرهابية في تركيا وأمريكا وأوروبا، ليركزوا الضوء على قضية تزوير الشهادة، ويبنوا عليه تحليلات تخص السياسة وحظوظ الرجل في الترشح للانتخابات الرئاسية.
ونحن هنا لسنا جهة تحقيق ولا منصة للقضاء لنحكم على الرجل بالإدانة أو البراءة، ولكننا، نقف على زوايا تناول الموضوعات وكيفية توجيه الرأي العام من قبل الإعلام وبتوجيه سياسي.
استثمر حزب الشعب الجمهوري في أكرم إمام أوغلو بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضية، وراهن عليه رئيس الحزب السابق كليتشدار أوغلو
استثمر حزب الشعب الجمهوري في أكرم إمام أوغلو بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضية، وراهن عليه رئيس الحزب السابق كليتشدار أوغلو، حتى إن الرجل خصص له من الحزب ورجال الأعمال وماله الخاص مخصصات كبيرة، للفوز برئاسة بلدية إسطنبول، لوقف احتكار حزب العدالة والتنمية للمنصب، ومن ثم إعادة الأمل للحزب وأنصاره في أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستكون الأفضل، وحشد له في ذلك كل الجهود، وعقد تحالفات تصب في صالح الحزب على المستوى الاستراتيجي في صالح إمام أوغلو في معركته من أجل اقتناص منصب رئيس البلدية، واستطاع إمام أوغلو، الشاب، أن يحصد أرصدة لا يستهان بها من أنصار الحزب وأوسط الشباب، وشرائح الفئة المترددة، وغير المؤدلجة، ولعب الحزب في دعايته على التغيير وإعطاء الشباب فرصته، وصور إمام أوغلو على أنه الأمل في ذلك.
لقد كان لاعتقال إمام أوغلو تأثيره الكبير على أنصاره والراغبين في التغيير، واستثمر الحزب في الحدث سياسيا، على الرغم من أن التهم الموجهة لرئيس بلدية إسطنبول كلها جنائية، تمثلت في الرشاوى وتسهيل التربح لشركة خاصة، تربح هو أيضا من تربحها، من خلال تحويل أموال بعشرات ملايين الليرات. ولقد كان لتوقيت القبض على إمام أوغلو، قبيل الانتخابات الداخلية في الحزب، تأثير في توظيف الحدث سياسيا، وهو ما يحسب أيضا على منافسي أكرم إمام أوغلو، في مقابل إلقاء اللوم على الحزب الحاكم ورئيسه. فرواية أن التهم ملفقة بغرض التخلص من إمام أوغلو، تنسحب بالأحرى على كل من رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، ورئيس الحزب أزغور أوزيل، اللذين يرون في أنفسهما الأحقية في الترشح لرئاسة تركيا.
كان لاعتقال إمام أوغلو تأثيره الكبير على أنصاره والراغبين في التغيير، واستثمر الحزب في الحدث سياسيا، على الرغم من أن التهم الموجهة لرئيس بلدية إسطنبول كلها جنائية، تمثلت في الرشاوى وتسهيل التربح لشركة خاصة، تربح هو أيضا من تربحها، من خلال تحويل أموال بعشرات ملايين الليرات. ولقد كان لتوقيت القبض على إمام أوغلو، قبيل الانتخابات الداخلية في الحزب، تأثير في توظيف الحدث سياسيا، وهو ما يحسب أيضا على منافسي أكرم إمام أوغلو
كما أن اتهام الحزب الحاكم بتلفيق التهم لإمام أوغلو، هي بحد ذاتها جريمة بحق القضاء، الذي تسيطر عليه تيارات هي في الواقع أبعد ما تكون عن الأيديولوجية الحاكمة في تركيا الآن، وهي اتهامات تطلقها المعارضة منذ سنوات، وترى أن الحكومة تستخدم القضاء في الإطاحة بالمعارضين، وهي اتهامات يمكن أن تنطلي على العوام، لكن النظام القضائي المؤسس على التقاضي على درجتين يجعل من المستحيل أن تستخدم السلطة التنفيذية القضاء. كما أن علاقة القضاة بالرئيس ليست على ما يرام، ولعل اجتماعه بهم بمناسبة افتتاح العام القضائي قبل أعوام في القصر الرئاسي، في حين كان من المفترض أن يذهب هو لهم، أثار إشكالية كبيرة بين الرئاسة والقضاة والمحاميين، ما جعل 32 نقابة قانونية تمتنع من حضور الاجتماع.
أزمة أكرم إمام أوغلو لها أبعاد كثيرة، منها ما هو داخلي، وتنقسم إلى داخل الحزب، في منافسة قياداته على الترشح للرئاسة، وهو ما يؤكده أن من أبلغ عن انتهاكات أكرم إمام أوغلو من داخل الحزب، ومنها ما هو داخل تركيا، ويتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، ورغبة الحزب الحاكم في إزاحة إمام أوغلو، وهو ما تريد الغالبية تصديقه، ولكنه مردود عليه بأن الرئيس لا يحق له الترشح بموجب الدستور، إلا لو تم تعديله، لكن عدم تجهيز خليفة للرئيس يجعل باب التكهنات مفتوحا، سواء لتهيئة المناخ لمرشح لا يستطيع مقارعة إمام أوغلو، أو لفرض حالة الطوارئ وتمديد فترة الرئيس الحالي، وهو سيناريو يتداوله رجل الشارع في تركيا.
كما أنها تتعلق بصراع النفوذ الاقتصادي في البلاد، بين جمعية رجال الأعمال (توسياد) وبين الحكومة التي تريد أن تفرض سيادة الدولة على اقتصاد بلادها، وهو ما نتج عنه انهيار الليرة التركية خلال ساعات من الإعلان عن القبض على رئيس بلدية إسطنبول.
أزمة إمام أوغلو لها أيضا أبعاد خارجية على المستوى الإقليمي والدولي، فمسارعة ألمانيا بالتنديد باعتقال إمام أوغلو، ثم مناقشة الموضوع في الاتحاد الأوروبي، وحتى طرح سؤال للمتحدثة في البيت الأبيض عن القضية، تضع على إمام أوغلو وعلاقاته المستمرة بالسفارات الغربية علامة استفهام كبيرة، تتمحور في الرغبة الغربية في تحجيم الدور التركي دوليا وإقليميا، أو هكذا ترى الموالاة، من خلال الإطاحة بحزب العدالة والتنمية، وإنهاء مشروعه الحضاري النهضوي، ومحاولاته استعادة زعامة المنطقة، وهي الرغبة التي تجد مقاومة شرسة من دول ترى في نفسها الأحقية حتى ولو لم تمتلك المؤهلات، أو مدفوعة بالسعار التوسعي، كإيران والكيان المحتل، وكل هؤلاء لا يستبعد أن يتعاونوا من أجل إخراج مشهد تنهزم فيه دولة القانون بتصوير الأمر على أنه لعبة سياسة.
لطالما طالب العلمانيون بفصل الدين عن السياسة، ويبررون ذلك بأنه ضمانة لحيادية الدولة، ومنع استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما يصب في تعزيز الديمقراطية والمواطنة. ومن هذا المنطلق، فنحن نطالبهم بفصل السياسي عن القانوني، وعدم استغلال القانون لتحقيق مكاسب سياسية، لضمان حياد الدولة ومؤسساتها، وضمان الحفاظ على وعي المواطن وعدم استدراجه لمنزلقات تختلط فيها المفاهيم، وتهدم فيها المبادئ، وتتسلق الرغبات والأطماع على أكتاف الثوابت من أجل عرض زائل، فهم في ذلك يضرون أكثر مما ينفعون، ويخسرون أكثر مما سيجنون، فإنفاذ القانون وبناء دولته أهم وأبقى من مكاسب لو تحققت لن ترسخ أسس دولة بل ستهدمه، وهو ما يتمناه أعداء تركيا.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء تركيا الشعب الجمهوري إمام أوغلو تركيا أردوغان فساد الشعب الجمهوري إمام أوغلو قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء سياسة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس بلدیة إسطنبول أکرم إمام أوغلو فی ترکیا وهو ما
إقرأ أيضاً:
حفل قرعة كأس العالم بين السياسة والرياضة
فى حفل افتتاح استثنائى مختلف عن كل ما سبقه، وهى لحظة تحول فيها حفل الافتتاح إلى عرض سياسى مكشوف. لم يكن منح إنفانتينو لترامب «جائزة الفيفا للسلام» مجرد مجاملة بروتوكولية، بل خطوة محسوبة بعناية، تشبع رغبة ترامب فى لقب دولى يلوح به، بعدما استعصى عليه «نوبل». الفيفا هنا لا تبدو جهة رياضية بقدر ما تبدو مؤسسة تمارس سياسة ناعمة بذكاء شديد.
المشهد ازداد وضوحاً حين ظهر قادة الولايات المتحدة والمكسيك وكندا فى مراسم سحب القرعة. وكان ذلك أشبه بإعلان جماعى بأن البطولة صارت منصة نفوذ، لا حدثاً رياضياً فقط. ثلاث دول أرادت أن تقول: نحن هنا، نصنع الحدث ونعيد رسم صورنا أمام العالم عبر كرة القدم. وهذا التعمد الفج يكشف أن الرياضة أصبحت أداة سياسية من الدرجة الأولى، وأن خطوط الفصل القديمة بين اللعب والسلطة تم محوها تماماً.
وسط هذا كله، يدخل المنتخب المصرى إلى دائرة ضوء لا يرحم، لكنه ضوء مشوه؛ ضوء يصنعه الداخل قبل الخارج. فمنذ سنوات، اعتدنا على حملات تسبق كل بطولة، الهدف منها ليس النقد ولا الإصلاح، بل خلق حالة من التوتر تضرب الجهاز الفنى فى أساسه. تبدأ الحملة دائماً بالجملة السخيفة نفسها: «مجموعة سهلة». جملة تطلق عمداً لرفع سقف التوقعات إلى حد غير معقول، حتى يصبح أى تعثر – ولو تعثر طبيعى جداً فى كرة القدم – جريمة تستحق العقاب.
إنها لعبة نفسية مكشوفة: يعلنون أن الطريق مفروش بالورد، ثم يستعدون لنصب المشانق عند أول خطوة غير كاملة. يعرفون جيداً أن التصفيات ليست نزهة، لكنهم لا يريدون الحقيقة… يريدون فقط جمهوراً مستفزاً جاهزاً للانفجار. رأينا ذلك بوضوح رغم أن المنتخب فاز فى جميع مبارياته وتعادل فى واحدة، ومع ذلك جرى التعامل مع التصفيات كما لو كانت كارثة فنية. لأن الهدف لم يكن الأداء… بل خلق أزمة.
هذا المناخ نفسه يتكرر فى بطولة إفريقيا. التشكيك المسبق فى المنتخب ليس تحليلاً، بل هو مزاج هابط يتغذى على الإحباط. صحيح أن المنافسة صعبة، وأن المغرب على أرضه يمنح نفسه قوة هائلة، خصوصاً بوجود فوزى لقجع، أحد أقوى الأسماء فى الكواليس الكروية العالمية. لكن تحويل البطولة إلى «مهمة مستحيلة» قبل أن تبدأ هو استسهال فكرى وكسل تحليلى. كرة القدم لا تحسم بالتصريحات، بل بالمباراة. وحسام حسن أثبت مراراً أنه قادر على قلب الترشيحات مهما كانت ظالمة أو متحيزة.
لكن كيف يعمل جهاز فنى وسط حالة من الشك الدائم، وسط جمهور جرى دفعه عمداً إلى اليأس؟ كيف يبنى هوية تكتيكية جديدة فى ظل نيران لا تنطفئ، وتشويه مقصود يسبق كل خطوة؟ لاعبو مصر (إلا قليلا) ليس بالقوة من الأساس التى تمكنهم من الصمود فى الاختبارات القاسية لأسباب واضحة يعرفها كل صاحب عين.. لعدة أسباب، ولذلك علينا إصلاح هذه الثغرات، لا تحويلها إلى سلاح لجلد الفريق قبل أن يلمس الكرة.
ما حدث فى افتتاح المونديال يثبت أن العالم كله يستخدم كرة القدم لتحقيق مصالح سياسية. وفى المقابل، ما يحدث داخل مصر يثبت أننا نستخدمها أحياناً لتحقيق خصومات صغيرة وتصفية حسابات تافهة. إن الفرق كبير جداً. العالم يلعب سياسة كبرى.. ونحن نلعب ضجيجاً.
المنتخب لن ينجح بالصوت العالى ولا بالسخرية ولا بالكمائن النفسية. النجاح يأتى من العمل، والعمل يحتاج إلى هدوء. ومن حق الجمهور أن يطمح، ومن حق الإعلام أن ينتقد، لكن ليس من حق أحد أن يصنع أجواء هدامة تجعل الفريق يدخل الملعب وهو محاصر قبل أن يبدأ.
أخيراً.. كرة القدم جزء من معادلة أكبر مما شهده العالم فى حفل الافتتاح
وفى ظل هذا التعقيد، يصبح الحفاظ على استقرار المنتخب مسئولية مشتركة بين الإعلام والجمهور وكل الأطراف ذات الصلة، فبالرغم من أن وحده الأداء فى الملعب قادر على حسم الجدل، ولكن توفير بيئة هادئة هو ما يهيئ لهذا الأداء أن يظهر بأفضل صورة.
والتاريخ علمنا: الرجال تعرف عند الشدائد.. والمنتخب لن يهزم بالضوضاء.
mndiab@hotmail. com