هل "العمل عن بُعد" مستقبل دائم أم حل مؤقت؟
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
د. سعيد الدرمكي
رغم التحفظات التي أبدتها بعض الجهات في بدايات تطبيق العمل عن بُعد، إلّا أنَّ السنوات الأخيرة شهدت قبولًا متزايدًا لهذا النموذج من قبل الشركات والأفراد، بعد أن كان مقتصرًا على عدد محدود من الوظائف. تحوّل العمل عن بُعد من خيار اضطراري إلى توجه استراتيجي دائم تتبناه المؤسسات حول العالم.
ولم يعد يُنظر إليه كمجرد استجابة مؤقتة، بل أصبح عنصرًا أساسيًا في تصميم بيئة العمل الحديثة. هذا التحول أثار تساؤلات جوهرية حول مستقبل الوظائف، وأعاد تشكيل مفاهيم مثل الإنتاجية، التوازن بين الحياة والعمل، والاستدامة.
لقد أثبت العمل عن بُعد فاعليته في منح الموظفين مرونة أكبر لاختيار أوقات التركيز، مما انعكس إيجابًا على جودة العمل. وأظهرت دراسة لجامعة ستانفورد أن الإنتاجية ارتفعت بنسبة 13% لدى الموظفين العاملين عن بُعد، نتيجة تقليل الانقطاعات وتحسين بيئة العمل الشخصية.
اقتصاديًا.. يُعد العمل عن بُعد خيارًا فاعلًا للشركات، إذ يُسهم في خفض التكاليف المرتبطة بالبنية التحتية مثل فواتير الطاقة وتأجير المكاتب. ووفقًا لتقرير صادر عن تحليلات بيئة العمل العالمية، فإن المؤسسات يمكنها توفير ما يصل إلى 11000 دولار سنويًا عن كل موظف يعمل عن بُعد بدوام جزئي. هذا التوفير يتيح إعادة توجيه الموارد نحو الابتكار والتطوير.
وفي المقابل، يستفيد الموظفون من تقليل نفقات التنقل اليومية، إلى جانب خفض المصاريف الشخصية المرتبطة بالحضور، مثل وجبات الطعام والملابس المهنية. هذا يعزز من دخلهم الفعلي، ويوفر وقتًا يمكن استثماره في الإنتاج أو الراحة، مما يرفع مستوى الرضا الوظيفي.
من جانب آخر، يُسهم هذا النموذج في توسيع نطاق التوظيف؛ حيث يمكّن المؤسسات من استقطاب كفاءات من مختلف المناطق دون التقيّد بالموقع الجغرافي. وهذا يعزز التنوع ويوفر فرصًا عادلة للأفراد في المناطق البعيدة أو لمن يواجهون صعوبة في التنقل.
ورغم هذه الإيجابيات، لا يخلو العمل عن بُعد من تحديات. أبرزها ضعف التواصل والتعاون، وغياب الاجتماعات الواقعية، مما قد يؤثر على العمل الجماعي ويحد من الإبداع. كما يمثل الأمن السيبراني تحديًا؛ إذ إن العمل من خارج الشبكات المؤسسية يزيد من احتمالية التعرض للاختراقات، ما يتطلب استثمارًا أكبر في حماية البيانات وتوعية الموظفين.
ومن التحديات الأخرى، صعوبة الفصل بين الحياة المهنية والشخصية، بسبب غياب حدود واضحة بين المهام العائلية والعمل. ولذلك فإن نجاح العمل عن بُعد يعتمد على الإدارة الواعية، ووضع استراتيجيات فاعلة للتوازن وضبط الحدود بين الجانبين.
لمواجهة هذه التحديات، تتجه المؤسسات نحو نموذج العمل الهجين الذي يجمع بين مزايا العمل المكتبي والعمل عن بُعد. وقد بدأت الكثير من المؤسسات في اعتماده كخيار مرن يتناسب مع طبيعة الوظيفة. في سلطنة عُمان، تبنّت العديد من الجهات هذا النموذج، مستفيدة من تطور البنية الرقمية وتطبيق الدوام الجزئي لبعض الوظائف. كما أصدرت وزارة العمل خلال شهر رمضان توجيهات تسمح بالدوام المرن والعمل عن بُعد في القطاع الحكومي، مما ساهم في استمرارية الأداء وتقليل الازدحام. ووفقًا لوكالة الأنباء العمانية، فإن 70% من الجهات الحكومية العُمانية تبنّت سياسات مرنة تشمل العمل عن بُعد خلال فترات مُعينة.
خليجيًا.. يُعد نموذج حكومة الشارقة من التجارب الرائدة؛ حيث نُفّذ العمل عن بُعد تدريجيًا مع مُراعاة طبيعة كل جهة، مع الحفاظ على جودة الخدمات واستقرار الأداء. أما عربيًا، فقد بدأت وزارات في الأردن والمغرب بتطبيق أنظمة مرنة، خاصة في القطاعات التقنية والخدمات الإلكترونية، كخطوة نحو تحسين الكفاءة وتوسيع فرص التوظيف.
وعالميًا.. تبنّت شركات كبرى مثل مايكروسوفت، وجوجل، وأمازون، سياسات واضحة للعمل الهجين، تتيح للموظفين اختيار أيام العمل من المكتب أو من المنزل وفقًا لطبيعة الوظيفة. هذه السياسات ساعدت على رفع الإنتاجية، وتحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة، وزيادة مستويات الرضا الوظيفي.
وقد لعبت التكنولوجيا دورًا محوريًا في تمكين هذا التحول نحو أنماط العمل الحديثة، من خلال استخدام أدوات مثل "مايكروسوفت تيمز" و"زووم" لعقد الاجتماعات الافتراضية، إلى جانب منصات إدارة المشاريع مثل "تريلو" و"أسانا" التي تُستخدم لتنظيم المهام ومتابعة سير العمل. كما ساهمت خدمات التخزين السحابي في تمكين الموظفين من الوصول إلى الملفات والبيانات في أي وقت ومن أي مكان، مما عزز من مرونة الأداء ورفع كفاءة التنسيق بين الفرق المختلفة.
وفي الختام، لم يعد العمل عن بُعد مجرد خيار مؤقت فرضته الظروف الاستثنائية؛ بل أصبح مكونًا أساسيًا في مستقبل بيئات العمل. ومع استمرار التوجه نحو نموذج العمل الهجين، فإنَّ المؤسسات التي ستقود هذا التحول هي تلك التي تستثمر في البنية الرقمية المتقدمة، وتُرسّخ ثقافة مؤسسية قائمة على الثقة، والمرونة، والتركيز على النتائج.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
فرنسا.. إفراج مؤقت للوسيط في تمويل حملة ساركوزي
قضت محكمة الاستئناف في باريس بإطلاق سراح الوسيط الفرنسي الجزائري “ألكسندر جوهري” مؤقتًا ووضعه تحت إشراف قضائي بعد أن كان آخِرَ متهم في قضية التمويل الليبي.
وسيُمنع المتهم في قضية التمويل الليبي لحملة الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي عام 2007، من مغادرة منطقة العاصمة الفرنسية ومن التواجد خارج منزله، ومن الاتصال ببقية المشمولين بالقضية.
كما منعت المحكمة من ممارسة أنشطة الوساطة الاقتصادية، وتسليم جوازي سفره الفرنسي والجزائري إلى السلطات، والمثول أمام “الشرطة” مرة واحدة في الأسبوع.
وحكمت المحكمة أيضًا في هذه القضية على شخصين آخرين بالسجن مع إصدار أوامر توقيف: الرئيس الأسبق للجمهورية نيكولا ساركوزي الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات، والمصرفي وهيب ناصر.
وسيمثل “ألكسندر جوهري” أمام المحكمة، في جلسة الاستئناف المقرر عقدها في الفترة من 16 مارس إلى 3 يونيو من العام المقبل.
وسبق أن دخل نيكولا ساركوزي، أكتوبر الماضي، السجن لتنفيذ حكم بالسجن 5 سنوات في سجن “لاسانتي” بباريس، بعد إدانته بالتآمر لتلقيه تمويلًا من ليبيا لحملته الانتخابية، ما يجعله أول رئيس فرنسي يُسجن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويأتي هذا الحكم بعد سنوات طويلة من النزاعات القضائية حول مزاعم تلقي حملة ساركوزي في عام 2007 ملايين اليوروات نقدًا من نظام معمر القذافي.
وأُدين ساركوزي بالتواطؤ مع عدد من مساعديه لتنظيم هذا التمويل، بينما برأه القضاء من اتهام تلقي الأموال بشكل شخصي أو استخدامها لأغراض خاصة.
المصدر: وكالة الأنباء الألمانية
ألكسندر جوهريساركوزيفرنسا Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0