المرحوم الدكتور زكي مصطفي: العالم واللغو
تاريخ النشر: 5th, April 2025 GMT
(أدين للدكتور زكي مصطفي، شقيق الدفعة كامل مصطفى، بالاجتهادات التي أخاطر بها في موضوع الماركسية والإسلام. وأدين في هذا لكتابه "القانون العام في السودان: في سيرة مادة العدل والقسط والوجدان السليم" (1971).The Common Law in the Sudan: An Account of the 'justice, Equity, and Good Conscience' Provision
وكتبت أنعيه لمأثرته رحمه الله
توفي في ديسمبر 2003 الدكتور زكي مصطفي عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم والنائب العام الأسبق.
حين قطعنا حبل تفكير المرحوم زكي في 1969 كان مشغولاً بأمرين. كان عميداً للقانون في قيادة مشروع قوانين السودان (1961) الذي هدف لتجميع السوابق بتمويل من مؤسسة فورد. وقد تم علي يد المشروع توثيق كل القضايا التي نظرتها المحاكم قبل 1956. أما الأمر الثاني الذي لم يكتب لزكي أن ينشغل به حقاً بسبب التطهير فهو تطوير فكرته المركزية التي درسها في رسالة الدكتوراة ونشرها في كتاب في 1971. فقد تساءل زكي في كتابه لماذا لم يأذن الاستعمار الإنجليزي للشريعة أن تكون مصدراً من مصادر القانون السوداني. وأستغرب زكي ذلك لأن الإنجليز لم يجعلوا قانونهم قانوناً للسودان، بل وجهوا القضاة للاستعانة بما يرونه من القوانين طالما لم تصادم العدالة والسوية وإملاءات الوجدان السليم. وقال زكي لو ان الإنجليز أحسنوا النية بالشريعة لوجدوها أهلاً للمعاني العدلية المذكورة. وقد صدر زكي في فكرته هذه من خلفية إخوانية. ولكنه شكمها بلجام العلم فساغت. وستنفلت قضية الشريعة والقانون في السودان من أعنة زكي الأكاديمية الشديدة لتصبح محض حلقمة سياسية دارجة ما تزال ضوضاؤها معنا.
ولعله من سخرية القدر أن يسترد زكي بعد 15 عاماً القانون الموروث عن الإنجليز الذي خرج لمراجعته وتغييره في دعوته التي أجملناها أعلاه. فقد أصبح في 1973 نائباً عاماً مكلفاً بإعادة ترتيب البيت القانوني على هدي من القانون الموروث عن الاستعمار. فقد اضطرب القانون كما هو معروف علي عهد نميري. وأشفق زكي كمهني مطبوع على فكرة القانون نفسها من جراء هذا الاضطراب. وكان أكثر القوانين استفزازاً هو القانون المدني لعام 1971 الذي نجح القوميون العرب في فرضه على البلد بليل. وقد وجد فيه زكي إساءة بالغة للمهنية السودانية. فتحول من فكرته الإسلامية التي أراد بها هز ساكن القانون الموروث عن الاستعمار الي الدفاع عن إرث ذلك القانون. ففي مقالة بليغة في مجلة القانون الأفريقي لعام 1973 جرّد زكي علي القانون المدني حملة فكرية عارمة. فقد ساء زكي أن لجنة وضع القانون المدني تكونت من 12 قانونياً مصرياً و3 قضاة سودانيين لنقل القانون المصري بضبانته قانوناً للسودان. وعدد أوجه قصور القانون الموضوعية بغير شفقة. واستغرب كيف نسمي استيراد القوانين العربية تحرراً من الاستعمار بينما هي في أصلها بنت الاستعمار الفرنسي. وأحتج زكي أن القانون المدني أراد ان يلقي في عرض البحر بخبرة سودانية عمرها سبعين عاماً واستحداث قانون لم يتهيأ له المهنيون وكليات القانون ولا المتقاضون.
لم اقصد في هذه السيرة القول أن زكي لم يثبت على شيء. فعدم ثباته على شيء هو نفسه ميزة. فقد أملت عليه مهنيته العالية أن "خليك مع الزمن" بما يشبه الإسعاف حتى لا تسود الفوضى في حقل حرج كالقانون بفضل النَقَلة ضعاف الرأي. رحم الله زكي مصطفي فهو من عباد ربه العلماء.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القانون المدنی
إقرأ أيضاً:
رئيس محكمة الجنايات ينعى وفاة مؤرخ الأسرة العلوية الدكتور ماجد فرج
نعى المستشار سامح عبد الحكم رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي وفاة الدكتور ماجد فرج .
وقال المستشار سامح عبد الحكم إنه بكل الحزن والأسى أنعى الصديق العزيز المؤرخ الكبير الدكتور ماجد فرج باشا مؤرخ الأسرة العلوية وتاريخ مصر الحديث الذي رحل عن عالمنا اليوم الجمعة، بعد مسيرة طويلة أسهم فيها بعلمه في العديد من مجالات التاريخ والثقافة والعمل الإنساني،وأثرى فيها الحياة الثقافية والفكرية تاركاً خلفه إرثا وطنيا يرسم تاريخ مصرالحديث.
خالص التعازي وصادق المواساة لكل أسرته ومحبيه.
مشاركة