حرب الشاي الكيني.. خسائر في نيروبي وصداع بالخرطوم
تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT
لم يجد الرئيس الكيني وليام روتو أمامه من خيار -لمواجهة الضغوط الداخلية التي أثارها حظر الحكومة السودانية استيراد الشاي الكيني- إلا التباهي بأن بلاده ما زالت مصدرا أساسيا للشاي إلى السودان، وأن حركة السوق أرغمت الخرطوم على الاستمرار في استيراد الشاي الكيني الأثير ذي النكهة الخاصة والحضور الدائم في فناجين ويوميات السودانيين.
وفي اليوم التالي كان روتو يواجه تصعيدا في الضغوط، بعد أن نفت الخرطوم تصريحاته بشأن عودة الشاي الكيني إلى السودان، بل تعرض لاتهامات من أطراف ووسائل إعلام محلية بالكذب الصريح، وقد وصفته صحيفة "ستاندارد" الكينية بـ"الرئيس الكاذب؟" على صدر صفحتها الأولى.
ويأخذ الصراع السياسي جزءا كبيرا من مائدة السودان منذ سنوات، ويرشف اللهب دماء السودانيين في كاسات مترعة من الألم منذ عدة سنوات، ومع ذلك يبقى الشاي البلسم الأخير لصداع يلوي الرؤوس السودانية التي طالما اهتزت تحت عمائم بيضاء كقلوب أصحابها، قبل أن يترع الدم الجلابيب البيضاء ويخرج ملايين السودانيين من بيوتهم إلى شتات لا يخففه غير الكؤوس المترعة من الشاي.
كينيا المتضررة الأولىلم تقف نيروني على خط الحياد في المعركة الدائرة منذ ما يقارب 3 أعوام بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، فطالما اتهمتها الحكومة السودانية بدعم وإيواء قادة الدعم السريع.
إعلانبيد أن أقوى الاتهامات في هذا الملف سددت لها هذا الأسبوع من داخل كينيا، وتحديدا من نائب رئيس كينيا السابق ريغاثي غاتشاغوا الذي اتهم الرئيس روتو بالتورط في دعم قوات الدعم السريع.
بل وذهب في مقابلة تلفزيونية -مع إحدى القنوات المحلية- إلى اتهام الرئيس بالوقوف وراء الدعم المقدم لقوات الدعم السريع، مؤكدا أن روتو كان على علم بكل الأنشطة العسكرية لهذه القوات، وأنه كان يدير العمليات التي قد تكون شملت توفير الدعم اللوجستي والمالي.
وإزاء تلك الاتهامات، وجد روتو نفسه في مواجهة مفتوحة مع الحكومة السودانية تصاعدت بعد القرار الأخير من حكومة البرهان بإلغاء سلاسل التوريد من كينيا التي ظلت تعتبر السودان بوابة اقتصادية بالغة الأهمية تستأثر بالرتبة الثانية من استيراد الشاي الكيني أفريقيًا، إضافة إلى منتجات أخرى متعددة.
ودون أن يظهر في الأفق أي قدرة لحلفائها السودانيين في الدعم السريع على سد الفجوة الاقتصادية الكبيرة التي فتحها القرار السوداني في الاقتصاد الكيني، فإن نيروني باتت تستشعر أكثر من أي وقت أنها ضُربت في اقتصادها الذي أصيب بصداع حاد، خصوصا أن الخرطوم تستورد 10% تقريبا من ناتج نيروبي من الشاي، كما أنها تمثل بوابة كينيا إلى العالم العربي.
ويكثف المتضررون الكينيون من وقف التجارة مع السودان، وخاصة تجار الشاي، ضغوطهم على حكومتهم للبحث عن قناة للتفاوض مع الحكومة السودانية من أجل وضع حد للمقاطعة التي أدت إلى تراجع مكتسباتهم الاقتصادية، قبل أن تغلق أمامهم بوابة السودان بسبب تصرفات حكوماتهم.
ووفق ما نقلت صحيفة "ستاندارد" الكينية فإن حوالي 207 حاويات من الشاي المعد للتصدير إلى السودان عالقة على طول سلسلة التوريد، مما قد يؤدي إلى خسائر تزيد على 10 ملايين دولار، كما أن كميات كبيرة أخرى من الشاي كانت ستتجه إلى السودان وهي الآن إما في ميناء مومباسا أو المستودعات وفي أعالي البحار أو ميناء السودان تنتظر التخليص.
إعلان صداع في السودانليست الخرطوم بمنأى من التأثر بخسائر نيروبي، فالشاي آخر ما يجمع بين البلدين اللذين بعدت بينهما الشقة سياسيا، وبدا بشكل واضح أن تجار الشاي السودانيين في مرمى خسائر كبيرة، كما أن المائدة السودانية ستضرر أكوابها جراء غياب المشروب العنابي المنشط للأعصاب في بلد يعيش منذ قرابة عقد على أعصاب متوترة.
ويبدو أن اللجوء إلى أسواق بعيدة مثل الهند وباكستان والصين قد يكون الوجهة الجديدة للتجار السودانيين، بعد أن انقطع عنهم أقرب خط بحري لتوريد الشاي.
البرامكة.. جلسة الشاي الذي نكبتها الحربكنكبة البرامكة أو أشد، عاشت "البرمكية السودانية" واحدة من أسوأ ظروفها، بعد أن تَبَزَّلَ ما بين العشيرة السودانية بالدم، وتفرقت إلى شتات تلك الجلسات البرمكية الطويلة التي كان يعقدها السودانيون حول مجالس الشاي أو قرينه الكركديه.
وتفترض "البرمكية" وهي جلسة الشاي السودانية العتيقة تقاليد متعددة، منها الهدوء والبعد عن الصخب في ارتشاف الشاي، وهي العادات التي يحتاجها السودان الآن أكثر من أي وقت مضى.
وحول موائد الشاي أقام السودانيون مواويل الحياة منذ آماد بعيدة، فهو أهم إكرام للضيوف، وأكثر عناوين الحياة ألفة للأسرة والحي والجماعة، وعلى ضفاف الكؤوس المترعة يقيم السودانيون جلسات "التفاكر" الذي يحتاجونه الآن لاستلال ما بقي من رماح مغروسة في سلة الغذاء العربي وعندليب النيل الجريح.
ومن بين تقاليد الشاي في الثقافة السودانية يبرز شاي المغرب بسحنته الجامعة بين الشاي واللبن، مع طقسه الاجتماعي الرفيع، حيث تدور حوله مائدة نقاش تجمع أفراد الأسرة والجيران والزملاء.
وإلى جانب بعده الاجتماعي المهم، يدير الشاي حوله اقتصاديات متعددة، وينتظم كبار الموردين وتجار التجزئة، كما يمتاز بصبغته النسائية، حيث تدير كثيرا من المقاهي وأكشاك بيع الشاي سيدات أرامل أو مطلقات أو معيلات أسر، مما يضفي عليه اشتباكا بين الاقتصاد والمجتمع، وبين الثقافة والسياسة، وأخيرا بين الحرب والدبلوماسية.
إعلانفعلى أي جانب ستنتهي دورات الشاي في كأس الأزمة السودانية الكينية المترعة بأكثر من لون من الصراع والتخوين والتربص، وهل سيكسر السودانيون سورة الصداع جراء توقف سلاسل إمداد الشاي الكيني كما كسروا لحد الآن كثيرا من سورة التمرد السريع المدعوم كينيا أيضا؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الحکومة السودانیة الشای الکینی الدعم السریع إلى السودان من الشای
إقرأ أيضاً:
قوات الدعم السريع تضرب هدفين استراتيجيين جنوب البلاد
الخرطوم- أصابت ضربة بمسيّرة نُسبت إلى قوات الدعم السريع الثلاثاء 28 مايو 2025، هدفين استراتيجيين في جنوب دولة السودان، بحسب مصدر عسكري، في وقت تعاني البلاد الغارقة في الحرب منذ عامين من تفشي وباء الكوليرا الذي اودى بـ172 شخصا في أسبوع.
وقال المصدر العسكري لوكالة فرانس برس إن "مليشيا الدعم السريع قصفت مستودعا للوقود في مدينة كوستي ومقر الفرقة 18 بمسيرة استراتيجية مما تسبب في إشعال النار بالمستودع".
وقال شهود عيان في المكان إنهم شاهدوا أعمدة دخان كثيفة، كما سمعوا دوي انفجارات في هذه المدينة الواقعة على بعد حوالى 350 كيلومترا جنوب الخرطوم في ولاية النيل الأبيض.
يشهد السودان منذ نيسان/أبريل 2023 حربا دامية بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد منذ انقلاب عام 2021، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب "حميدتي".
وعلى الصعيد الصحي، أعلنت وزارة الصحة السودانية في بيان ارتفاعا حادا في حالات الكوليرا، إذ سُجلت 2729 إصابة و172 حالة وفاة خلال أسبوع واحد. وشهدت ولاية الخرطوم وحدها 90% من الإصابات الجديدة، بحسب المصدر ذاته.
وأشار تقرير سابق إلى أن 51 شخصا لقوا حتفهم في الأسابيع الثلاثة الأولى من أيار/مايو في البلد الغارق في الحرب، حيث نزح 70% من السكان وأصبح 90% من محطات ضخ المياه خارج الخدمة، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.
قبل انسحابها الأسبوع الماضي، نفذت قوات الدعم السريع ضربات عدة بمسيّرات، لا سيما في ولاية الخرطوم ضد ثلاث محطات كهرباء، ما أدى إلى حرمان العاصمة من الكهرباء لأيام.
وقال المنسق الطبي لمنظمة "أطباء بلا حدود" في الخرطوم سليمان عمار الجمعة "انقطعت الكهرباء عن محطات معالجة المياه ولم يعد بإمكانها توفير المياه النظيفة من النيل".
وقال بشير محمد، أحد سكان أم درمان بولاية الخرطوم، لوكالة فرانس برس إن عائلته تشرب "مياها تُسحب مباشرة من النيل، وتشتريها من بائعين باستخدام عربات تجرها الحمير".
وقال طبيب في مستشفى النو في أم درمان لوكالة فرانس برس إن هذه المياه غير المعالجة هي "السبب الرئيسي لانتشار" الوباء.
الكوليرا مرض متوطن أصلا في السودان، لكن العدوى أصبحت أكثر تواترا وضراوة بسبب انهيار المنشآت الصحية والأضرار الناجمة عن الحرب.
تنتشر هذه العدوى المعوية الحادة عن طريق الطعام والماء الملوثين ببكتيريا ضمة الكوليرا، وغالبا من خلال البراز. ويمكن أن تؤدي إلى الوفاة خلال ساعات إذا تُركت من دون علاج.
- تدهور النظام الصحي -
وفي مواجهة التدفق الهائل للمرضى، أطلق المتطوعون في غرف الطوارئ نداءً عاجلا للمتخصصين في الرعاية الصحية من ذوي الخبرة لتعزيز الفرق الطبية في المستشفيات.
وقال أحد المتطوعين الذين اتصلت بهم وكالة فرانس برس إن الطاقة الاستيعابية للمستشفيات جرى تخطيها بدرجة كبيرة، وأصبح النقص في العاملين في مجال الرعاية الصحية محسوسا بشكل خطير. ولفت إلى أن "بعض المرضى يرقدون على الأرض في ممرات" المستشفيات.
وبحسب نقابة الأطباء، اضطر ما يصل إلى 90% من مستشفيات البلاد إلى الإغلاق موقتا في وقت ما بسبب الاشتباكات.
وقدّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في نيسان/أبريل أن ما 70% إلى 80% من المرافق الصحية في المناطق المتضررة أصبحت خارج الخدمة موقتا.
وقد أدت الحرب التي دخلت عامها الثالث إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح 13 مليون شخص، وتسببت بما وصفته الأمم المتحدة بأنه "أسوأ أزمة إنسانية" لا تزال قائمة في العالم.