«القيظ» في عُمان.. صفحة من ذاكرة الوطن
تاريخ النشر: 11th, April 2025 GMT
يرتبط فصل الصيف في سلطنة عُمان ارتباطًا وثيقًا بقدوم «القيظ» ومن لا يعرف معنى هذه الكلمة فهي تعني موسم حصاد ثمار بعض الأشجار مثل النخيل والأمبا (المانجو) وغيرها من أشجار الفاكهة.
ومنذ أن كنّا صغارًا في فترة السبعينيات من القرن الماضي، كان «القيظ» بالنسبة لنا ذلك الخصب الذي ننتظره بفارغ الصبر، وكثيرًا ما كان يتزامن حصاد ثمار النخيل في شهر رمضان الفضيل، فكنا نحرص على أن يكون أساس المائدة الرمضانية «باعتباره نوعًا وجودةً ومذاقًا لذيذًا».
لقد درج الناس في أحاديثهم الجانبية أو في مجالسهم عن «القيظ»، فلكما اشتدت الحرارة واشتكى البعض منها مازحه شخص يجلس إلى جانبه قائلا: «ألا تريد أن تأكل الرطب»، فنضج ثمار النخيل مرتبط بارتفاع درجات الحرارة فهي فعليًا تسهم في نضج الثمار وتحوّلها من اللون الأخضر إلى الأصفر ثم يأخذ شكله النهائي في النضج كرطب، أيضا ارتفاع الحرارة يسهم في إنضاج فاكهة «المانجو» فالعناقيد تتدلى من الشجرة ثم تصفرّ بعد فترة إلى أن تصل إلى اللون الأصفر، وهذا معناه إيذانًا بنضج الثمار وحان موعد قطافها.
ويترافق بداية موسم «القيظ» بالنسبة للنخيل في سلطنة عمان من خلال حصول المزارعين على بضع حبات من الرطب، وهي تسمى لدى البعض بـ«تباشير الرطب»، أي أول القطاف، وهناك أصناف عدة من أشجار النخيل التي تثمر مبكرًا عن غيرها من الأنواع الأخرى، وأيضا هناك ولايات عمانية تشتهر بالريادة والسبق عن الآخرين في تباشير القيظ، وبحسب ما ذكرته وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه في بيان سابق يؤكد أن سلطنة عمان تحتل المركز الثاني خليجيًا والثامن عالميًا في إنتاج التمور، وبحسب الإحصائيات المنشورة قبل عامين تقريبا، يبلغ عدد أشجار النخيل أكثر من 9 ملايين نخلة و352 صنفًا منها، وتشكل فترة «القيظ» أطول موسم لجني الرطب في العالم.
ربما ثمة تحديث جديد للأرقام لم أطلع عليه، ولكن من المؤكد أن سلطنة عمان ممثلة في وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، تعمل جاهدة على إعداد وثيقة استراتيجية وطنية من أجل النهوض بهذه الشجرة التي تم ذكرها في القرآن الكريم، وذلك من خلال إدخال أصناف جديدة لـ«نخيل التمر» سواء المحلية أو العالمية والتي من بينها صنف المجدول وأصناف خليجية ومغاربية وعراقية معروفة أثبتت نجاحها، كما حققت بعض الأصناف السعودية نجاحات في زراعتها.
عندما يطرح ثمار رطب النخيل أو المانجو في الأسواق فمن الطبيعي أن يكون سعره مرتفعًا في بداية الموسم، وربما يكون سعره مبالغًا فيه، ولكن طالما أن العرض يتم في السوق فإن الأسعار تخضع إلى مبدأ «العرض والطلب»، ولكن مع زيادة الإنتاج اليومي ووفرته في السوق تهبط الأسعار تدريجيًا إلى مستويات جدا معقولة، ولكن لا يزال لدى البعض فضول ذاتي في تذوّق ثمار الرطب في بداية موسمه دون الانتظار لطرح أنواع جديدة من الرطب في الأسواق، وهذا ما يجعل البعض يُقبل على شراء بعض حبات منه بأسعار نراها مرتفعة جدا.
وبحسب ما هو متعارف عليه لدى العمانيين، فإن «قش بطاش» هي النخلة التي يبدأ المزارعون بجني ثمارها مبكرا إضافة إلى نخلة «النغال» التي تعد الأكثر شعبية بين المحافظات، كونها تزرع في أماكن مختلفة، ويبدأ موسم قيظ «النغال» في ولاية دماء والطائيين نظرًا لوجود الظروف البيئية المواتية أهمها ارتفاع درجة الحرارة في قرى الولاية الجبلية.
أما شجرة الأمبا (المانجو)، فهي تتميز عن بقية الأنواع التي تأتي من الخارج بحلاوة طعمها ورائحتها الزكية، ويحرص الكثير من العمانيين على شرائها من الأسواق أو في بعض الأماكن التي يتم عرضها، ومن الملاحظ بأن أسعارها تعتبر نوعًا ما أعلى من المستورد، لكن مع كل ذلك لها زبائنها ومحبوها.
بوجه عام، يعد «القيظ» في سلطنة عمان مناسبة سنوية، وتقليدًا عمانيًا أصيلًا، وبحسب ما نشرته صحيفة «عمان» منذ عام تقريبا عن «طناء النخيل» على اعتبارها عادة اجتماعية يحرص الأهالي على إحيائها بشكل سنوي في مختلف الولايات، لاسيما خلال فترة «القيظ»، وهي عبارة عن بيع وشراء ثمار النخيل قبل نضجه، وتنتهي تلقائيا بعد حصاد تلك الثمار، ومن المتعارف أنه يبدأ نهاية شهر مايو ويستمر حتى نهاية القيظ، ولا يزال المجتمع العماني يحافظ عليها بشكل مستمر لما لها من حقوق ومسؤوليات تجاه مُلاكها من الأهالي أو الأوقاف أو الأفلاج.
إذًا نحن بعد وقت ليس بالطويل أمام موسم حصاد ينتظره المزارعون، والأسواق، وعامة الناس فـ«القيظ» هو الذي يجمعنا سنويًا بثمار محلية نفتخر بجودتها وأصالتها، وأيضا هي عادة متأصلة في أذهان الناس، وطريق ممتد لاحتفائية قديمة لا تزال تلقى رواجًا واهتمامًا من الجميع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: سلطنة عمان
إقرأ أيضاً:
مقهى مام خليل.. حارس ذاكرة أربيل وقلبها النابض
في قلب أربيل، حيث تتردد أصداء التاريخ وتتعانق روح الأصالة، يقف مقهى "مام خليل" شامخا، ليس مجرد مكان لتناول الشاي، بل رمزا حيا وشاهدا على حكايات أجيال متعاقبة، وحافظا لذاكرة مدينة بأكملها.
تأسس هذا الصرح العريق في عام 1952، ليصبح منذ ذلك الحين جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي لأربيل.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2السلطان و"الزواج الكبير" في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهوية الاجتماعيةlist 2 of 2"أخت غرناطة".. مدينة شفشاون المغربية تتزين برداء أندلسيend of listيروي محمد خليل، الابن والوريث الذي يدير المقهى حاليا، بحس من الفخر والمسؤولية عن هذا الإرث الثمين، "مقهى مام خليل يمثل تاريخا من تواريخ أربيل ورمزا للمحافظة"، هكذا وصف محمد خلال حديثه للجزيرة نت المكان الذي يعتبره أهل أربيل معلما لا يجهله أحد من أبناء المدينة.
بعد وفاة والده في عام 2015، عاد محمد من خارج العراق ليحمل على عاتقه مسؤولية الحفاظ على هذا الصرح، مؤكدا: "عدت لإدارة المقهى لأنه تاريخ والدي والمحافظة، وقد حرصت على الحفاظ عليها وجعلتها أفضل من ذي قبل"، وهذا الالتزام يعكس مدى تعلق العائلة بالمقهى، ودور المقهى في الهوية الأربيلية.
جدران مقهى "مام خليل" هي بحد ذاتها معرض حي لقصص أربيل وشخصياتها. تتزين الجدران بمجموعة فريدة من الصور الفوتوغرافية لشخصيات بارزة من المدينة، من سياسيين وفنانين ورياضيين.
يشير محمد إلى أن والده، مام خليل، كان شغوفا بجمع هذه الصور التي تعكس تاريخ المدينة وشخصياتها المؤثرة، وكانت أول صورة عُلقت على الجدران هي صورته الشخصية، لتكون بذلك بمثابة حجر الزاوية لذاكرة المقهى المصورة.
ويتميز مقهى "مام خليل" بموقعه الفريد داخل مبنى "القيصرية" التاريخي، الذي يعود تاريخ بنائه إلى ما يقارب 280 عاما، ويُعد أول قيصرية في أربيل. هذا الموقع يضفي بعدا إضافيا على أهمية المقهى، رابطا إياه بجذور أربيل العميقة وتراثها المعماري الأصيل.
ولطالما كان المقهى ملتقى لسكان المنطقة، يتوافدون عليه منذ ساعات الصباح الباكر لتناول الفطور وشاي الصباح، حيث نسجت خلالها صداقات وعلاقات اجتماعية متينة.
إعلانومن أروع القصص التي يرويها محمد خليل هي قصة أحد الرواد الذي أكد أن 9 أجيال من عائلته، بدءا بجده وصولا إلى أبنائه وأحفاده، قد ارتادوا هذا المقهى وشربوا الشاي فيه. وهذه الحكاية تجسد الدور المحوري لمقهى "مام خليل" كملتقى للأجيال وحافظ لذاكرة أربيل الحية.
بينما "رفعت بالاني" أحد رواد المقهى العريق، يؤكد أيضا على المكانة التاريخية والاجتماعية الفريدة التي يتمتع بها المقهى كملتقى لمختلف الأطياف والشخصيات من جميع أنحاء البلاد.
يقول بالاني للجزيرة نت: "مقهى مام خليل هو أحد أقدم المقاهي في قيصرية أربيل، ويزوره أشخاص من جميع الأطياف والشخصيات ومن جميع أنحاء البلاد".
وأشار إلى أن المقهى يُعد بمثابة معرض حي لتاريخ وثقافة المنطقة، حيث تحتفظ جدرانه بالعديد من الصور التذكارية التي توثق زيارات شخصيات بارزة، من رؤساء وسياسيين وقادة كرد وشخصيات فنية وتجار وأصحاب المتاجر في قيصرية أربيل.
يؤكد هردي عبد الله عثمان، أحد رواد المقهى الدائمين منذ أكثر من 10 سنوات، للجزيرة نت على الدور التاريخي والثقافي للمقهى كملتقى للأجيال والشخصيات المرموقة. ويقول: "الشباب يرون أنه أجمل مقهى، وبالنسبة لي، كلما نزلت إلى السوق، لا بد أن أزور مقهى خليل لأحتسي الشاي لأن مذاقه رائع جدا".
كما أشار عثمان إلى أن المقهى يستقطب بانتظام "شخصيات بارزة وقوية"، بما في ذلك سياسيون ومحافظون، وهو ما تؤكده الصور المعلقة على الجدران.
ولقد نوّه أيضا إلى حيوية السوق المحيط بالمقهى، واصفا إياه بأنه "سوق جميل ويتميز بالحركة النشطة على مدار اليوم".
أما عما يميز "مام خليل"، شدد عثمان على "مكانه الراقي" الذي يجذب الزوار لتجربة أصيلة وهادئة، مضيفا: "لدي ذكريات هنا مع والدي، ونأتي لنقضي الوقت معا بالمقهى".
وفي النهاية، يظل مقهى "مام خليل" ليس مجرد مكان لتناول الشاي، بل هو صرح ثقافي واجتماعي يحمل في طياته إرثا عائليا وتاريخيا عريقا، ويبقى وجهة مفضلة للعديد من الأجيال والشخصيات البارزة، شاهدا صامتا على نبض أربيل وذاكرتها الحية.