حزب الوعي يوجه تساؤلًا للحكومة بشأن قرار رفع أسعار الوقود
تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكد حزب الوعي أنه يتابع بقلق بالغ التطورات الاقتصادية الأخيرة التي تمس بشكل مباشر معيشة المواطن المصري، وعلى رأسها قرار رفع أسعار الوقود بنسب متفاوتة، والتصريحات الصادرة عن رئيس مجلس الوزراء التي عبّرت بوضوح – عن عدم القدرة على وضع رؤية مستقبلية بسبب "التغيرات المتلاحقة"، بما يعكس أزمة في التخطيط، واضطرابًا في إدارة الأولويات، وتراجعًا ملحوظًا في منسوب الجاهزية والمصارحة.
وأوضح الحزب في بيانه له اليوم أنه رغم أن قرار رفع أسعار الوقود يأتي في إطار برنامج الإصلاح المالي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، إلا أن توقيته، واختلال عدالة توزيعه، وانعدام الإجراءات المصاحبة لحماية الفئات المتضررة، كلها أمور تطرح تساؤلات مشروعة حول مدى إدراك الحكومة لتبعات هذا القرار، ومن يتحمّل تكلفته فعلًا:
أولًا: جاء القرار في لحظة كان يمكن فيها إرجاء تطبيقه، في ظل الانخفاض النسبي في أسعار الطاقة عالميًا، واستمرار الحرب التجارية العالمية وتأثيراتها التضخمية، وارتفاع معدلات التضخم محليًا رغم التراجع النسبي الأخير.
ثانيًا: تفاوتت نسب الزيادة بين أنواع الوقود بشكل غير متوازن. إذ زادت أنبوبة البوتاجاز بنسبة 25%، رغم أنها لا تزال تُستخدم من قِبل عدد كبير من الأسر في القرى والمناطق غير المخدومة بشبكات الغاز، كما ارتفعت أسعار السولار والكيروسين (المستخدمين في النقل والخدمات العامة والزراعة، ويستهلكهما الفقراء) بنسبة تقترب من 15%، في مقابل زيادات تراوحت بين 11% و12.7% لأنواع البنزين الأعلى استخدامًا من قبل شرائح الدخل الأعلى.
ثالثًا: لم تُعلن الحكومة عن أي آليات جديدة لحماية الفئات المتأثرة، رغم أن هذه الزيادات ستؤدي حتمًا إلى ارتفاع تكاليف النقل، وأسعار السلع الأساسية، وإن كانت الحكومة قد أعلنت في فبراير الماضي عن رفع قيمة معاش 'تكافل وكرامة' بنسبة 25%، فإن هذه الزيادة لا تزال تعوّض جزئيًا فقط التآكل الذي لحق بالقوة الشرائية للمستفيدين، ولا تكفي لمواجهة الأثر التضخمي المتراكم والمستجد.
رابعًا: جاءت تصريحات رئيس الوزراء بشأن "عدم القدرة على وضع رؤية حتى لشهر مقبل"، لتزيد من حالة اللايقين السياسي والاقتصادي، وترسل رسائل سلبية إلى المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء، في وقت نحتاج فيه إلى استعادة الثقة وتعزيز الاستقرار.
خامسا: لن تقتصر آثار رفع الأسعار على الوقود ذاته، بل سيمتدّ أثرها مباشرة إلى زيادة تكلفة النقل والمواصلات العامة والخاصة، مما سينعكس بدوره على أسعار الخضار والفاكهة والسلع الأساسية، وهكذا تتولد حلقة تضخمية مفرغة كنا نأمل الخروج منها، لا التورط فيها مجددًا، إذ باتت تفوق قدرة الأسر على التحمّل، وتُضعف من قدرة الدولة على السيطرة على الأسعار أو ضمان الحد الأدنى من استقرار السوق.
وأضاف الحزب: “أننا في حزب الوعي لا نُنكر حجم التحديات العالمية التي تشمل استمرار الاضطرابات الجيوسياسية، واختلال سلاسل الإمداد، وتقلب أسعار الغذاء والطاقة، وتغيرات المناخ وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، لكننا نؤمن بأن الإدارة الرشيدة لا تستسلم للمجهول، بل تستعد له، فالعالم اليوم بات أكثر تقلبًا، ويستدعي من الحكومات بناء سيناريوهات متعددة، والتخطيط المرن، وتفعيل أدوات إدارة الأزمات واستشراف المخاطر”.
وأوصى حزب الوعي بالآتي:
1. توجيه جزء معتبر من التوفير الناتج عن خفض دعم الطاقة نحو تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات المستحقة، من خلال دعم مباشر لأسطوانات البوتاجاز للأسر غير المتصلة بالغاز، وتوسيع مظلة برنامج "تكافل وكرامة" لتشمل مزيدًا من الأسر المتوقع انزلاقها إلى الفقر.
2. الإعلان بشفافية عن خطة إنفاق جزء من الوفورات المحققة على قطاعات التعليم، والصحة، والبنية التحتية الإنتاجية، ورفع الإنفاق العام عليها كنسبة من الناتج المحلي، بما يعكس التزامًا حقيقيًا بتحسين جودة الحياة.
3. تشكيل أو تفعيل وحدة دائمة للتخطيط الاستراتيجي وإدارة الأزمات تتبع رئاسة مجلس الوزراء، وتضم خبراء من مختلف التخصصات، على أن تُناط بها مهمة إعداد سيناريوهات متعددة للتعامل مع الأزمات، مع الاهتمام الخاص بالسيناريوهات الأسوأ، باعتبارها السبيل لتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني ورفع قدرته على الصمود في وجه الصدمات المستقبلية.
4. تبنّي سياسات قوية لتحفيز الإنتاج المحلي في الزراعة، والصناعة، والخدمات، لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتحقيق وفرة في المعروض، بما يخفف من الضغوط التضخمية التي أثقلت كاهل المواطن المصري والذي جعلته غير قادر على تحمّل المزيد من الأعباء دون تحسّن ملموس في دخله وجودة حياته.
5. إشراك المجتمع المدني والخبراء في مناقشة السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والاستماع إلى مقترحاتهم، بما يعزز الثقة ويحقق الشراكة الحقيقية بين الدولة والمجتمع.
وأشار إلى أن غياب الرؤية ليس قدرًا محتومًا، بل انعكاس لغياب أدوات التخطيط السليم، ورفض الاستفادة من الخبرات المتوفرة. فالأزمة اليوم لا تقتصر على رفع الأسعار، بل تكشف عن تآكل متواصل في البعد الاجتماعي للسياسات، وعجز عن بناء قاعدة إنتاجية تلبي الاحتياجات وتقلّص فجوة الاستيراد.
وأكد الحزب إيمانه بأن مواجهة هذا الخلل تتطلب تنمية حقيقية تقوم على إصلاح إنتاجي يعالج جذور الأزمة، ويقوي مناعة الاقتصاد. ومصر، بإمكاناتها البشرية والاقتصادية، قادرة على عبور الأزمات إذا ما وُضعت في إطار مؤسسي يستشرف المستقبل، ويستعد له بوعي وكفاءة، لا يكتفي بردّ الفعل، بل يسبقه بخطوات واثقة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حزب الوعي أسعار البنزين حزب الوعی
إقرأ أيضاً:
الابتكار في زمن الأزمات.. البوصلة والطريق
عندما يعلَن عن ابتكار تكنولوجي فإن الأنظار تتجه إلى المبتكرين الذين يمثلون العقول العلمية وراء ذلك الابتكار، وتتراءى في المخيلة صورة مختبرات التطوير بمعداتها الدقيقة والمعقدة، والتي أسهمت في تحويل الفكرة وبلورتها إلى منتج بإمكانه تغيير حياة الإنسان.
ولكن في الواقع ليست جميع الابتكارات التحويلية الحاسمة وليدة الأوساط العلمية المرموقة؛ فالقيمة الكامنة للابتكار لا تتجلى سوى في أوقات الأزمات، وفي أوساط مغايرة للصورة النمطية لوحدات البحث والتطوير؛ لأن التحديات الكبيرة والملحة هي التي تتطلب حلولا مبتكرة وحاسمة. ولكن ما البوصلة التي يمكن أن توجه الابتكارات نحو التميز خلال فترات عدم اليقين؟
يشهد العالم تقدما تكنولوجيا غير مسبوق، وكذلك تنشأ تطورات، وتغييرات، وتوترات على مختلف المستويات. ولكي نفهم بشكل أعمق المشهد الديناميكي للابتكار في أوقات الأزمات؛ لا بد من الاستعارة الاستراتيجية لشواهد من التاريخ الإنساني. فالابتكارات التي غيّرت وجه العالم خلال العقد الماضي مثل اكتشاف الرادار، وعقار (البنسلين)، وعلاجات مرض (الملاريا) قد حدثت في أوج فترات الحرب العالمية الثانية.
وهذه الابتكارات التي خرجت وسط الأحداث الكبرى هي التي قد مهدت لأجيال الابتكارات التكنولوجية التي تنعم بالبشرية باستخدامها في تفاصيل الحياة اليومية. وهذا يؤكد المقولة الشهيرة «الحاجة هي أم الاختراع». وتُعد الدروس المستفادة من الحرب العالمية الثانية بشأن الاستجابة للمتطلبات الناشئة والطارئة من أهم موجهات اغتنام الفرص الاستراتيجية للابتكار في جميع الأزمات التي تواجه البشرية. ولعل أهم هذه الدروس هي أهمية تحديد الأولويات بمنظور مختلف عن النهج المعتاد، وتعريف البوصلة والطريق نحو الهدف؛ إذ تُشكِّل الأزمات أرضا خصبة للابتكار، وقليلة هي اللحظات المِفصلية التي تُجسِّد الالتقاء بين عمق الأزمات، وقوة العلوم، والتكنولوجيا، والابتكار.
إذن يتمحور الأمر كله حول معرفة الأولويات الاستراتيجية، ولكن تعريف هذه الأولويات التي تمثل البوصلة ليس بالأمر الهيّن. ففي الوقت الذي يظن الكثيرون أن الابتكارات الناشئة في زمن الأزمات تتعلق بشكل مباشر بالقضايا المصيرية الكبرى مثل: الأمن الغذائي، والأمن المائي، وأمن الطاقة؛ تبدو الأولويات الابتكارية أبسط من ذلك بكثير، ولكن تكمن الصعوبة في التعرف عليها كأولويات.
وعلى سبيل المثال؛ تمثل الابتكارات الموجهة لتحسين النقل اللوجستي من أهم نقاط التركيز خلال التوترات الجيوسياسية. وبنفس القدر من الأهمية تكتسب الابتكارات في التعليم عن بعد، وفي مجالات الخدمات المصرفية الأولوية.
كما أن هناك نقطة عمياء في عملية تحديد أولويات الابتكار التي قد لا يلتفت إليها المبتكرون وهي القدرة على ترجيح الأولويات التي تمثل جانب الطلب على الابتكار حتى بعد انتهاء الأزمة. وهذه الجزئية هي بمثابة حجر الأساس في تحقيق أقصى العوائد من الابتكار في زمن الأزمات؛ فاتخاذ القرار الصحيح بشأن الأولويات يتطلب النظرة المستقبلية الثاقبة بشأن جدواها مع تباطؤ الأزمة، وبعد انحسارها.
وهذا يقودنا إلى التحدي الأساسي الذي يعترض الجهات المنتجة للابتكارات، والمعرفة التطبيقية في المجمل، وهو معرفة الدوافع والموجهات التي تسهم في توليد هذا الكمّ الهائل من الابتكارات في الأوقات الاستثنائية للأزمات مقارنةً بالفترات الاعتيادية. في الواقع؛ هناك عدة تحوّلات تحدث أثناء الأزمات، وتُهيئ البيئة التحفيزية للتفكير بمنظور جديد وموجه نحو إحداث التأثير بشكل سريع وملموس، أي أن عامل الزمن هو المحرك الرئيس خلال هذه الفترة.
ومن جهة أخرى تلهم الأزمات بالميل نحو العمل التشاركي من منطلق وحدة الهدف؛ فعندما تكون البوصلة واضحة في تحديد الأولويات المستهدفة يمكن حينها حشد الطاقات، والموارد، وتقدير الجهد المُتخيَّل للوصول إلى المستهدفات، وتوحيد العمل مع الأخذ في الحسبان أهمية عامل الزمن. وغالبًا ما تشهد فرق العمل ظهور موجة من الأفكار الجديدة كليا وذات أبعاد مختلفة تتم مشاركتها مع فرق ابتكارية أخرى؛ لتضمين جميع الأبعاد أو التخصصات. ففي وقت الأزمات يتغلب الهدف على التنافس، والعمل التشاركي هو الخيار الوحيد الذي يُساعد قادة الابتكار على اغتنام الفرصة الاستثنائية التي يمكنها تغيير قواعد اللعبة، وهو ما يُمثل جوهر الابتكار.
ولأن الأزمات في واقعها تحمل سمة عدم اليقين؛ يصعب التكهن بالمدى الفعلي لآثارها. ولذلك فإنه من الأهمية بمكان تدعيم دور منظومات الابتكار في الفترات الاعتيادية، وتمكينها كعنصرٍ حاسم في تعزيز الاستجابة وقت الأزمات. ولا بد من إدراك أن التحديات الكبرى لا تتطلب الاستجابة وحسب، ولكنها بمثابة وقفة للمراجعة، والتقييم، والتحليل.
وكما يستعين قادة العمل بخبراء ومستشارين من خارج مؤسساتهم؛ للحصول على منظور جديد ومحايد في قراءة التحديات، وإيجاد فرص التطوير كذلك يمكن للأزمة أن تُحدث التأثير نفسه؛ فهي تُسلط الضوء على نقاط الضعف، ومجالات التحديات الصغيرة التي تم تجاهلها في السابق مقابل طرق مختصرة لحلها بشكل مؤقت. ولكن عندما تقع الأزمة تصبح مواجهة التحديات حقيقة لا مفر منها، وبذلك تبدأ عملية تبني التفكير المختلف، وإعادة ترتيب الأوضاع. وفي هذه اللحظة تلوح الفرص الذهبية للتغيير الإيجابي، وابتكار الحلول الجذرية والمستدامة.
فإذا كان تحديد الأولويات يمثل البوصلة في قيادة الابتكار في زمن الأزمات؛ فإن التعلم هو بمثابة الطريق الذي يمكنه ضمان الوصول للأهداف الاستراتيجية. فالأزمات تفرض على المبتكرين ومنظومات الابتكار ضرورة البحث عن مسارات أكثر انفتاحًا في أساليب التفكير، والتعاطي مع التحديات.
وهي في الوقت ذاته تتطلب بناء المهارات اللازمة لتجربة خيارات عديدة، والبحث العميق عن الحلول المتعددة الأثر، واتخاذ القرارات المناسبة مع ضيق الوقت المتاح، وجميع هذه الجوانب بحاجة إلى عقلية التعلم المستمر. وبالإضافة إلى هذه المهارات؛ فإن التموضع ضمن ابتكارات الأزمات ليس امتيازا يمنح للمبتكرين اللامعين، ولكنه استحقاق لا يصل إليه سوى قلة من المبتكرين الذين يمتلكون البوصلة والطريق.
ومن أجل تحقيق ذلك لا بد من تشكيل البنية الابتكارية المرنة التي تتميز بقدرات متكافئة في ترتيب الأولويات، وتوظيف الأدوات والبدائل. وهنا تظهر أهمية ترسيخ ثقافة الرشاقة الاستراتيجية، والجاهزية اللازمة لتعزيز بنية الابتكار قبل حدوث أية أزمات، أو تحديات كبرى؛ لأن تحقيق العوائد الاقتصادية، والاجتماعية للابتكار خلال الأزمات هو عمل استثنائي، وليس متاحا لكل منظومات الابتكار.