شهدت مصر في الفترة الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في حوادث انهيار العقارات، وسط مخاوف من تحول هذه الوقائع إلى ظاهرة تهدد أرواح المواطنين وممتلكاتهم.

ورغم أن الأسباب تختلف من حالة لأخرى، فإن المؤشرات تشير إلى وجود مشكلة حقيقية في منظومة البناء.

ونسلط الضوء على أبرز الأسباب التي تقف وراء تكرار الانهيارات، من ضعف البنية الإنشائية وتسرب المياه، إلى غياب الرقابة وفساد بعض الإدارات الهندسية، كما نستعرض آراء الخبراء حول حجم المشكلة، وسبل التعامل معها قبل أن تتحول إلى كارثة أكبر.

خبير إدارة محلية: 121 ألف عقار معرض للإنهيار ..والزلازل ليست السبب

قال الدكتور حمدي عرفة أستاذ الإدارة الحكومية والمحلية الخبير الاستشاري للبلديات الدولية، إن مصر تعيش أزمة حقيقية في ملف العقارات المنهارة، لا يمكن التغافل عنها أو التعامل معها كحوادث فردية.

وأضاف حمدي عرفة، لصدى البلد، أن الأسباب الجذرية لهذه الكارثة متشابكة، تبدأ من القوانين القديمة مرورًا بفساد بعض الإدارات الهندسية، وصولًا إلى غياب المتابعة والمساءلة داخل منظومة المحليات.

وأكد عرفة أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المحافظين والإدارات المحلية التي لم تحسن التعامل مع ملف تراخيص البناء والبناء المخالف.

وأوضح أن الأزمة ليست وليدة اليوم، بل تفاقمت بشكل حاد خلال السنوات التسع الماضية، حيث تشير الإحصائيات الرسمية الصادرة عن وزارتي التنمية المحلية والزراعة إلى أن مصر شهدت بناء نحو 3240000 عقار مخالف منذ عام 2011 فقط، في حين تم تسجيل 1900000حالة تعد على الأراضي الزراعية خلال الفترة نفسها.

كما أشار عرفة إلى تقارير رسمية صادرة عن المركز القومي لبحوث البناء والإسكان، تؤكد وجود نحو 121000 عقار في مصر معرض للانهيار في أي لحظة في ظل تدهور حالتها الإنشائية، في المقابل أفاد تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بأن هناك ما لا يقل عن 98 الف عقار آيل للسقوط فعليًا في المحافظات المختلفة، وهي أرقام كفيلة بإعلان حالة طوارئ دائمة، على حد وصفه، إلا أن الاستجابة لا تزال محدودة وموسمية.

وأكد أن مشهد المحافظين وهم يقفون بجوار العقارات المنهارة بعد وقوع الكارثة، أصبح تقليديًا لا يقدم حلاً، وأضاف: “وجود المسؤول التنفيذي في موقع الانهيار لا يُنقذ أرواحًا، ولا يعالج أزمة 98 ألف مبنى على وشك السقوط، ولا يكشف فسادًا مستمرًا داخل الإدارات الهندسية”.

وأوضح عرفة أن عددًا كبيرًا من العاملين في الإدارات الهندسية لا يملكون أي مؤهلات هندسية، بل إن نسبة المهندسين الحقيقيين في تلك الإدارات لا تتجاوز 8% فقط، في حين يشغل باقي الوظائف الفنية خريجون من دبلومات صنايع وتجارة، تم نقلهم أو ندبهم بشكل غير مدروس، لذلك طالب بإيقاف هذا النمط من الندب والنقل، وإلغاء وجود حملة المؤهلات المتوسطة داخل الإدارات الهندسية بشكل فوري، كمرحلة تمهيدية لنقل تبعيتها الكاملة إلى وزارة الإسكان، باعتبارها الجهة المختصة فنيًا وإداريًا.

وأضاف أن من بين الحلول التي يجب العمل بها فورًا هو تعديل قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، لأنه قانون بيروقراطي في جوهره، ويُسهم بطريقة غير مباشرة في زيادة المخالفات العقارية، من خلال تعقيد إجراءات التراخيص، وفتح المجال أمام التحايل.

وأشار إلى أن هذا القانون لا يعالج جوهر أزمة التخطيط العمراني، بل يتسبب في تدهوره، مع غياب الرؤية الشاملة لتنظيم البناء في الريف والقرى والمدن الجديدة والقديمة على حد سواء.

وأكد كذلك على ضرورة تعديل قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979، لأن هناك مواد مهمة تتعلق بتنظيم العلاقة بين وزارتي التنمية المحلية والإسكان في ما يخص البناء والتراخيص والمخططات العمرانية، وهي مواد ما تزال مهملة ولم تُفعّل بشكل يخدم التنمية.

كما طالب بتعديل قانون المجتمعات العمرانية رقم 58 لسنة 1979، لتقليل الفجوة بين التوسع العمراني المخطط، وتفشي العشوائيات، وقال إن استمرار العمل بهذه القوانين القديمة يعكس حالة من الجمود الإداري، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى رؤية عمرانية حديثة تستوعب التحديات.

ونبه إلى أن إعادة هيكلة الإدارات الهندسية يجب أن تتم بشكل فوري، عبر نقل مسؤولية 184 مركزًا و92 حيًا و1211 وحدة محلية قروية و214 مدينة، من تبعية الإدارات المحلية إلى مديريات الإسكان في المحافظات، لأن الأخيرة تمتلك الكوادر الهندسية والفنية القادرة على ضبط العمل، وتطبيق معايير السلامة.

وأكد عرفة أن قانون البناء الحالي به ثغرات كثيرة تفتح الباب أمام الفساد من الجانبين، سواء من بعض الموظفين في الإدارات الهندسية، أو من المواطنين الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن استخراج ترخيص بناء، بسبب صعوبة الإجراءات وتعقيدها، ما يدفعهم للبناء المخالف كحل وحيد.

وشدد على ضرورة تشريع قانون جديد يجرم ويغلظ العقوبات على كل من يشارك في عملية بناء مخالفة، سواء كان مقاولاً أو مهندسًا أو حتى مالك العقار نفسه، مع فرض عقوبات رادعة تصل إلى الحبس الفعلي، لأن ما يحدث حاليًا هو استهانة مكررة بالقانون وبأرواح الناس.

واختتم عرفة تصريحاته بالتأكيد، أن الخروج من الأزمة لا يمكن أن يتم إلا بإرادة سياسية جادة، تبدأ بإصلاح المنظومة التشريعية، وتطهير الإدارات المحلية من الفاسدين، وإعادة توزيع الاختصاصات بين الوزارات، مع وضع خطة قومية عاجلة لإنقاذ آلاف الأسر المصرية التي تسكن في منازل مهددة بالانهيار في أي لحظة.

طباعة شارك انهيار العقارات عقار شبرا عقار السيدة زينب عقار حدائق القبة حوادث انهيار العقارات

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: انهيار العقارات عقار شبرا عقار السيدة زينب عقار حدائق القبة حوادث انهيار العقارات الإدارات الهندسیة

إقرأ أيضاً:

تهجير قسري لـ٢٧٠ أسرة نازحة في مأرب وسط صمت السلطات المحلية

الجديد برس| أقدم أحد النافذين في مدينة مأرب، شمال شرقي اليمن، على تهجير قسري طال أكثر من ٢٧٠ أسرة نازحة من مخيم العرق الشرقي، وسط صمت رسمي أثار موجة استياء واسعة في أوساط النازحين والمجتمع المحلي. وقالت مصادر محلية إن تاجراً نافذاً منتمياً لحزب الإصلاح -سلطة الأمر الواقع الموالي للتحالف في مأرب- قام بطرد الأسر النازحة بالقوة من أرض المخيم الواقع في العرق الشرقي، بزعم ملكيته للأرض، على الرغم من أن الموقع يستخدم منذ سنوات كأرض عامة لإيواء النازحين، الذين شيدوا عليه مساكن مؤقتة من الخيام والأخشاب. وأكدت المصادر أن عملية الطرد تمت دون أي إجراءات قانونية أو إنذار مسبق، واستخدمت فيها أساليب عنف وإكراه، ما تسبب في تشريد المئات من النساء والأطفال وكبار السن، دون مأوى أو بدائل إنسانية. وأوضحت المصادر أن الأسر النازحة توجهت بشكاوى إلى إدارة شؤون النازحين والسلطة المحلية في مأرب، غير أن الجهات المعنية لم تتخذ أي إجراءات أو حتى تبدي تجاوباً مع المناشدات، في خطوة اعتبرها ناشطون “تواطؤاً مريباً يرقى إلى الجريمة”. وطالب ناشطون ومنظمات حقوقية بفتح تحقيق عاجل في القضية، ومحاسبة المتسببين في جريمة التهجير، وتوفير الحماية للأسر المتضررة وتعويضها وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات التي تنتهك حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية.

مقالات مشابهة

  • عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • تهجير قسري لـ٢٧٠ أسرة نازحة في مأرب وسط صمت السلطات المحلية
  • الأوقاف تشيد بموقف المواطن الشجاع بلال لمخاطرته بحياته سعيًا لإنقاذ الأرواح
  • محافظ القاهرة يتفقد سكان عقار حدائق القبة الذين فقدوا منازلهم
  • عشرات المصابين باشتباكات مع الشرطة.. آلاف الكينيين يحتجون ضد فساد الحكومة
  • سائق شاحنة يُظهر شجاعة نادرة ويقود مركبة مشتعلة لإنقاذ عشرات السكان
  • ضمن سلسلة العقارات المنهارة في الإسكندرية ميل عقار مكون من  9 طوابق
  • منازل قديمة تهدد الأرواح .. انهيار العقارات يثير قلق المواطنين .. كواليس اللحظات الأخيرة في بيوت شبرا والسيدة زينب وباكوس
  • مبانٍ تستند بعروق خشبية .. وجيران يحفرون بدون إشراف | مدير الحماية المدنية السابق يكشف أسبابا كارثية لانهيار العقارات