لجريدة عمان:
2025-05-22@08:23:17 GMT

من التخطيط المرن إلى التخطيط المتكيف

تاريخ النشر: 12th, April 2025 GMT

لم تعد المرونة التخطيطية (Planning flexibility) مجرد سمة يستوجب أن تتلازم مع عمليات التخطيط في أزمنة عدم اليقين؛ بل أصبحت هي الأساس التي يجب أن تنطلق منه، وتتمحور حوله عمليات التخطيط جلها؛ وحين نتحدث عن التخطيط فإننا نعني كل مستوياته وميادينه؛ من تخطيط وطني إلى قطاعي إلى مؤسسي وربما حتى التخطيط الشخصي لأولئك الذين يتمرسونه.

أصبح سؤال (ماذا لو؟) هو السؤال الأكثر ملازمة لأدوات التخطيط ولفرضياته وسيناريوهاته؛ وذلك نتاجًا لما تفرضه رباعية التقلب، وعدم اليقين، والغموض، والتعقيد الذي يسيطر على المشهد العالمي. نكتب هذه المقالة ليس فقط في ظرف ما يحدث اليوم من أنماط جديدة تنهجها الحكومة الأمريكية الجديدة في تدبيرها للاقتصاد والعلاقات الدولية وفي توجيهها لمشهد التبادل التجاري العالمي، بل لأن هناك جملة من المعطيات في المشهد العالمي عمومًا تتعاظم، وتتطور لحظة بلحظة، وتنشأ عن متغيراتها الكثير من التحولات التي توجه مسارات التخطيط إلى مسارات غير متوقعة، وهذه المعطيات متعددة ولكنها -حسب تقديرنا- تتمحور حول (10) معطيات أساسية: أولها: صراع الهيمنة التجارية والإنتاجية حول العالم وما ينشأ عنه من حروب تجارية، وثانيها: الصراعات الجيوسياسية ورغبة النفوذ العالمي، وثالثها: الصراع حول الموارد باختلافها متجددة أو ناضبة، ورابعها: تضاؤل الثقة العالمية في المؤسسات؛ سواء كانت تلك المؤسسات دولية أو إقليمية أو محلية؛ وخامسها: الصراع حول الطبقة الاجتماعية؛ وما ينشأ عنه من تركز الثروات وعدم تكافؤ الطبقات الاجتماعية، وصعوبة احتواء سياسات العدالة الاجتماعية للمتغير الاجتماعي، وسادسها: المتغير السكاني واختلاف أحواله عبر دول العالم، وسابعها: الطلب على أسواق العمل وبناء المهارات، وثامنها: صراع السيطرة على التقانة وتوجيهها وأدلجتها، وتاسعها: صراع النفوذ الثقافي العالمي بمختلف أدواته ووسائله ومحكاته، وعاشرها: صراع التوقعات الاجتماعية وتباينات الأجيال، كل هذه المعطيات تفرز بشكل لحظي متغيرات جديدة تفترض بالعالم استيعابها، وتفترض بالقيمين على التخطيط تضمينها ضمن إطار مرن وتكيفي.لذلك أصبح التخطيط المتكيف (Adaptive planning) متطلبًا ضروريًّا كنهج رئيسي لكافة مستويات التخطيط، وهو يتجاوز سمة المرونة إلى اعتماد ثلاث فرضيات أساسية:

• اعتبار التغير وعدم الثبات سمة رئيسية للعالم (البيئة التخطيطية) التي نتعامل معها.

• الظروف المتغيرة ليست حالات استثنائية يجب إدارة مخاطرها، وإنما هي فرص لتعزيز تنافسيتنا.

• في حالات التغيرات العميقة لا نستهدف مجرد الحفاظ على كفاءة الأداء المتوقع، بل تعزيز الأداء والفرص.

يقول عالم المستقبليات بيتر شوارتز «التخطيط التكيفي هو فن التفكير في المستقبل بصيغة الجمع. تنهار الخطط الجامدة عندما لا يتصرف العالم كما ينبغي. أما الأنظمة التكيفية -باستخدام منطق السيناريوهات- فلا تتنبأ بالمستقبل؛ بل تستعد له». وهذا يقودنا لسؤال: ما متطلبات التخطيط التكيفي؟ وفي الواقع هي ستة متطلبات رئيسية: أولها: وجود السيناريوهات؛ والسيناريوهات ليست مجرد «تخمينات» تتدرج من الوضع الأمثل إلى الوضع الأسوأ؛ بل هي نتاجٌ لتحليلات تاريخية وحاضرة، تضع في الاعتبار كافة المعطيات والعوامل المؤثرة على مسار التخطيط، وتفترض كافة ما قد ينشأ، كما أنها تفترض أعلى درجات قدرة النظام على تحقيق أهدافه، وأدنى درجات قصور النظام في تحقيق أهدافه، وبذلك هي تضع بدائل مباشرة وعقلانية لمسار العملية التخطيطية، وتزداد أعداد البدائل (السيناريوهات) المطروحة بزيادة (تعقيد النظام/ الظاهرة)، وبزيادة كفاءة المنظومة التخطيطية؛ فلا ريب إن وجدنا أن بعض منظومات التخطيط قد وصلت إلى وضع أكثر من (50) سيناريو مختلفًا لعمليات التخطيط المستهدفة، مقرونة بالأدوات وبرامج التنفيذ والتمويل وإدارة المخاطر والمتابعة والتقييم. السيناريوهات عمومًا هي مؤشر لقدرة نظام التخطيط على بعدي (التفكير/ التدبير). المتطلب الثاني: هو التقييم الملازم (Inherent evaluation)، والفكرة منه أن لا تكون عمليات التقييم عمليات لاحقة تجرى بمعزل عن ظروف وحيثيات ومسارات التخطيط، بل هي تقييمات تبتدئ وتتلازم مع مسارات التخطيط والتنفيذ، وتمتد إلى تقييم وكفاءة إعداد الخطط ومنظومات التخطيط نفسها، وكفاءة السيناريوهات الموضوعة، وهو ما يمكن بشكل مباشر من استدراك الفجوات ونقاط الخلل في منظومة التخطيط عمومًا. أما المتطلب الثالث: فهو وجود نظام كفؤ لإدارة المخاطر، واستثمار الفرص، وهو ما يتشكل في توزع نظم الإنذار المبكر لكافة قطاعات ومستهدفات الخطة، بالإضافة إلى العين البصيرة التي يمكن لها أن ترى الفرص الحقيقية والسريعة التي يمكن استثمارها والبناء عليها، ولا تفصلها عن سياق النظر إلى المخاطر. ويتشكل المتطلب الرابع في مسألة التناغم الهيكلي (Structural harmony)، والفكرة منه هي التحقق المسبق أثناء عملية التخطيط من أن كافة (النظم المؤسسية - التشريعات - الهياكل - السياسات - نظم الإجراءات) متسقة فيما بينها لتحقيق الانسجام المفضي إلى تحقيق أهداف التخطيط ومقاصده، وهذا المتطلب في حقيقته يعطل الكثير من الخطط خاصة على المستويات الوطنية. المتطلب الخامس للتخطيط المتكيف يتمثل في القدرة على التعلم المستمر للمنظومة التخطيطية من دروس مسارات التخطيط، وإجراء مقارنات معيارية (Benchmarking) دقيقة ومحكمة لأغراض التخطيط باستمرار، مع الأخذ في الاعتبار حساسية العوامل المحلية. ويتشكل المتطلب السادس في وجود ثقافة التخطيط المتكيف، وهي تلك الثقافة التي لا تجعل المؤسسات أو الكيانات أو الأفراد عمومًا يتوقفون لبرهة طويلة للتفكير في (الأزمة/ الخطر الناشئ/ التحول)، وإنما لديهم الجدارة المباشرة للانتقال للخيار التالي وتهيئة البيئات الثقافية للتعامل مع تلك الخيارات، وهو ما يجعل مسارات الاستجابة جمعية ومتناغمة. تقول كاثلين آيزنهاردت: «في البيئات عالية السرعة، تتفوق المرونة والبساطة على الخطط الشاملة. نحتاج إلى آليات تخطيط تكيفية تُمكّن صانعي القرار من التكيّف بسرعة، ولكن بحدس منضبط».

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: عموم ا

إقرأ أيضاً:

التخطيط: 63.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسكندرية للعام المالي الجاري

استعرضت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي تقريرًا يسلط الضوء على ملامح "خطة المواطن الاستثمارية" لمحافظة الإسكندرية للعام المالي 24/2025. يأتي ذلك في إطار الجهود المستمرة للإعلان عن خطة المواطن في جميع محافظات الجمهورية، بهدف توعية المواطنين حول توجهات وأولويات خطة التنمية المستدامة للسنة المالية 24/2025 ودورها في تحقيق "رؤية مصر 2030".

وتشمل خطط المواطن الاستثمارية جوانب خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المستوى القومي لعام (24/2025)، بالإضافة إلى أهم المؤشرات التنموية لكل محافظة، ومستهدفات المشروع القومي لتطوير الريف المصري "حياة كريمة" في المناطق الريفية.

كما توفر وثائق خطط المواطن معلومات تفصيلية حول الاستثمارات المخصصة من الدولة لكل محافظة، وكيفية توزيعها على القطاعات المختلفة، وأبرز المشروعات الجاري تنفيذها في كل قطاع. تُبرز الوثائق أيضًا أهم المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية لكل محافظة، مما يساعد المواطنين على متابعة هذه المشروعات في محافظاتهم ومدنهم وقراهم، وبالتالي يسهم في دمجهم في عمليتي التخطيط والمتابعة.

وأكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية و التعاون الدولي، أن خطط المواطن الاستثمارية، تُعد أحد أهم الوثائق التخطيطية التي تساعد في نشر الوعي بين المواطنين بأولويات وتوجهات خطط التنمية السنوية، حيث تتضمن معلومات تفصيلية عن الاستثمارات والمشروعات الجاري تنفيذها في كل محافظة وتوزيعها على القطاعات المختلفة، وبما يوضح أثر هذه المشروعات على تحسين الوضع الحالي لأهم المؤشرات التنموية لكل محافظة، كما تؤكد الخطط على حق المواطن في المعرفة، وتعزيزًا لأطر المشاركة المجتمعية والشفافية والمساءلة، وإتاحة القدرة على التعرف على توجهات خطة التنمية المستدامة التي تتبناها الدولة.

وزيرة التخطيط تتابع مع “إيفاد” جهود تحقيق التنمية الزراعية ودعم الأمن الغذائيالتخطيط تشارك في منتدى أفريقيا تنمو خضراء للتمويل المناخي

وأضافت أن خطط المواطن تلعب دورًا مهمًا في تعزيز الثقة بين المواطنين والدولة، من خلال إشراكهم في متابعة تنفيذ الخطط والمشروعات، كما تضمن هذه الخطط حق المواطنين في الوصول إلى البيانات والمعلومات والوثائق الرسمية، وتساهم في سد الفجوات التنموية المكانية. بالإضافة إلى ذلك، توضح العائد التنموي الناتج عن خطط التنمية، مما يساعد على توطين أهداف التنمية المستدامة على مستوى المحافظات.

63.5 مليار جنيه استثمارات عامة موجهة للإسكندرية

وحول خطة المواطن الاستثمارية بمحافظة الإسكندرية أوضحت "المشاط" أن عدد المشروعات التنموية بالمحافظة يصل إلى 548 مشروعًا تنمويًا، وأن قيمة الاستثمارات العامة الموجهة للمحافظة بخطة عام 24/2025 تبلغ 63.5 مليار جنيه.

وأشار التقرير إلى التوزيع القطاعي للاستثمارات العامة المستهدفة بمحافظة الإسكندرية  بخطة عام 24/2025 حيث تستهدف الخطة توجيه استثمارات بقيمة 42.5 مليار جنيه لقطاع النقل بنسبة 67 %، يليه قطاع الإسكان بقيمة 7.4 مليار جنيه بنسبة 11.5%، وتبلغ استثمارات قطاع التعليم العالي 4.2 مليار جنيه بنسبة 7%، ويخص قطاع التنمية المحلية 2.5 مليون جنيه بنسبة 4%، وقطاع التعليم قبل الجامعي 527 مليون جنيه بنسبة 1%، أما قطاع الصحة 429 مليون جنيه بنسبة 1%، والقطاعات الأخرى فيخصها استثمارات بقيمة 8.4 مليار جنيه بنسبة 12.5 %.

وأوضح التقرير أن عدد القرى المستهدفة من المرحلة الأولى بمبادرة "حياة كريمة" بمحافظة الاسكندرية 9 قرى ، وبلغ عدد المستفيدين 111 ألف نسمة، نسبة الإناث منهم حوالي 48.9% وتتمثل أهم المشروعات التنموية بمحافظة الاسكندرية التي تم تنفيذها من خلال المبادرة وتحقق أهداف التنمية المستدامة في إنشاء 5 نقاط اسعاف، 5 وحدات صحية، 2 وحدة اجتماعية، مجمع خدمات زراعية، بالإضافة إلى 183 فصل دراسي و 17 مدرسة، إلى جانب إنشاء 2 محطة مياه شرب، 9 مشروعات صرف صحي، 2 محطات معالجة، فضلا عن إنشار 12 برج شبكات محمول توصيل شبكة الألياف الضوئية، 6 مراكز شباب، 4 مجمعات خدمات حكومية، 3 مكاتب بريد، 7 نقاط شرطة، علاوة على 15 مشروع تأهيل وتبطين ترع بطول 30كم، بالإضافة إلى رصف طرق رئيسية وداخلية، و9 مشروعات كهرباء وتوصيل شبكة الغاز الطبيعي.

جدير بالذكر، بأن الوزارة تتيح خطط المواطن الاستثمارية لكافة المحافظات على موقعها الإلكتروني، وعلى تطبيق المحمول "شارك 2030".

طباعة شارك وزارة التخطيط خطط المواطن الاستثمارية التنمية الاقتصادية الإسكندرية

مقالات مشابهة

  • مصدر: تعديلات الثانوية تمنح الوزير صلاحيات أوسع لإنشاء مسارات جديدة
  • التخطيط: 63.5 مليار جنيه استثمارات عامة بمحافظة الإسكندرية للعام المالي الجاري
  • الزمالك ينفي رحيل لجنة التخطيط
  • توصيات الاستشارية: 4 مسارات على الطاولة، وتغييرات في ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للرئاسة
  • 4 مسارات أممية لحل الأزمة الليبية
  • هيئة التخطيط والإحصاء تناقش خطة العمل ومتطلبات انطلاقها
  • وزير الأشغال يناقش مع محافظ دمشق تطوير التخطيط المستدام للمدينة
  • اليوم العالمي للنحل..أعظم الملقحات التي تطعم العالم
  • “مشروع القضارف انظف مدينة” .. ثلاثة مسارات أساسية
  • معهد التخطيط القومى يطلق تقرير حالة التنمية في مصر