أم درمان: دار عبد الكريم ميرغني، 2023

يبحث هذا الكتاب في هوية السودان كما تخيلها وعرفها وطورها الوطنيون السودانيون في عشرينات وثلاثينات وأربعينات القرن الماضى والشعراء المعاصرون لهم، والذين عبروا عن خيالاتهم في منتوج قومي عرف لاحقا باسم أغاني الحقيبة. في مزاوجته بين القومية والفولكلور يتناول هذا الكتاب أغاني الحقيبة كثقافة شعبية وكجنس فولكلوري وكشاهد على التاريخ وكمنصة استخدمت للتعبير عن قومية وليدة خلال فترة الحكم الاستعماري 1898-1956م.


يتبني الكتاب نظرية فسرت نشؤ القومية وعوامل انتشارها وهي نظرية Imagined Communities (الجماعات المتخيلة) لبندكت أندرسون (1936-2015م)، والتي كتب عنها بالتفصيل في كتابه The Imagined Communities: Reflection on the Origins and Spread of Nationalism 1983 ويطبقها على حالة السودان في فترة الحكم الاستعماري فيتتبع كيف نشأت القومية السودانية، وما هي النخبة التي اعتنقتها، والوسائل التي تخيلوا بها أمتهم، والمنصات التي أذاعوا عبرها هذا الخيال الى قطاعات أوسع من الشعب. ويحلل تقليد الأغنية التي ظهرت الى حيز الوجود خلال تلك الفترة وصورة الأمة التي تخيلها شعراؤها ومغنوها كما يحلل هذا الخيال الذي صنعه هؤلاء الشعراء عن السودان كوطن متخيل.
في أثناء ذلك، يأخذ الكتاب القارئ فى رحلة عبر الماضي فيدرس أصول أغنية الحقيبة المحتملة، ويعيد تشكيل المشهد فى بيت اللعبة وجلسة السباتة، ومجتمع شعراء الحقيبة بتداخلاته الاجتماعية والثقافية والسياسية والأدوار التي لعبوها ومصادر معرفتهم ومنابع إبداعهم. ثم يمضي فيعرف بعلائق اللغة والثقافة والدين فى أشعار الحقيبة. وينتهي ببسط خيال الأمة السودانية التي أطلت من خلال هذه النصوص، فيتعرض لمُثل الجمال وطبيعة علاقة الحب فى المجتمع السوداني والقيم المركزية لهذا المجتمع.
من ثم يضيق من زاوية النظر قليلا ليكشف لنا عن خيال المرأة فى أشعار الحقيبة ما بين الأوصاف الحسية وبين والدعوة لتعليمها وتمكينها وجعلها أيقونة للامة الوليدة. كما يصف أيضا كيف رسمت الحقيبة خارطة قومية للوطن وكيف وظفت الأجناس الفنية والتراث الشعري قبلها فى وصف أراضي الوطن فى رحلات خيالية وصفت أرضه ونباته وهيأت إنسانه لرحلة مستحقة فى النضال من أجله.
لقد كشف تحليل نصوص أغاني الحقيبة في هذا الكتاب أن الحقيبة كانت منصة من المنصات التي تخيلت بها النخبة المتعلمة وطنها في المستقبل محررا من الاستعمار وأنها كانت أكثر هذه المنصات شعبية. وأنها ساهمت في تخيل السودان كوطن عربي إسلامي في أذهان مواطنيه. وقد كشف هذا الخيال عن أوجه قصور جدية فيما بعد الاستقلال خاصة فيما يتعلق بالسكان من غير المسلمين وغير الناطقين باللغة العربية الذين استوطنوا الأجزاء الشرقية والغربية والجنوبية من السودان.
لقد تخيلت هذه النخبة السودان كدولة عربية مسلمة ركائزها الرئيسية هي اللغة العربية والإسلام الى جانب من القيم والعادات والتقاليد التي تم تخيلها على أنها الروابط التي تربط الأمة ببعضها. وسعوا فيما بعد لبناء الأمة السودانية على (مثالهم الثقافي) وقد امنوا أن التجانس الثقافي وليس احترام التعددية هو المطلوب من اجل تحقيق الوحدة الوطنية. وقد اثارت محاولات فرض لغة وثقافة هذه القومية على بقية البلاد صراعات مزمنة استمرت حتى الآن.
وخلافا لجدل العروبة والإسلام التقليدي في الهوية السودانية يحاول هذا الكتاب أن يفسر هذه التعقيدات من زاوية فريدة هي تراكبات القومية والثقافة والتاريخ والتراث ويضئ زوايا جديدة جديرة بالرؤية فى التاريخ والثقافة السودانية.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: هذا الکتاب

إقرأ أيضاً:

عاجل. هبوط الطائرة الفرنسية التي تقل اللبناني جورج عبدالله في بيروت

هبوط الطائرة الفرنسية التي تقل اللبناني جورج عبدالله في بيروت اعلان

هبوط الطائرة الفرنسية التي تقل اللبناني جورج عبدالله في بيروت

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة أخبار اعلان اعلان اخترنا لك عاجل. بعد تصريحات زيلينسكي عن قمة محتملة.. الكرملين يستبعد لقاء مع بوتين خلال 30 يومًا دول غربية تدين سياسة "التجويع" في غزة وتحمّل إسرائيل مسؤولية الانهيار الإنساني أكثر من 100 ألف نازح مع تصاعد الاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا... وبانكوك ترفض الوساطة الدولية إثر أزمة قلبية.. وفاة أسطورة المصارعة هولك هوغان عن عمر ناهز 71 عامًا ويتكوف يقول إنه يدرس "خيارات أخرى" بعد فشل محادثات الدوحة بشأن هدنة في غزة اعلان اعلان الاكثر قراءة 1 عاجل. وزير خارجية فرنسا: اعتراف باريس بفلسطين يثبت "خطأ" حماس.. وألمانيا تتحفّظ على الخطوة بالمدى القريب 2 إيران والترويكا الأوروبية تناقشان البرنامج النووي في اسطنبول.. أي أفق للتسوية والاتفاق؟ 3 حفلة ختان يهودية في الإمارات والسفير الإسرائيلي معلقًا: من القدس إلى أبو ظبي تزدهر حياتنا 4 اجتماع سوري - إسرائيلي "رفيع" في باريس برعاية أميركية.. هل بدأت دمشق خطوات التطبيع العلنية؟ 5 شبكة النفوذ الجديدة: كيف يعيد شقيق الرئيس أحمد الشرع رسم ملامح الاقتصاد السوري في الظل؟ اعلان اعلان

Loader Search

ابحث مفاتيح اليوم

إسرائيل فرنسا سوريا حركة حماس روسيا أوكرانيا غزة بريطانيا يهود معاداة السامية إيران دونالد ترامب الموضوعات أوروبا العالم الأعمال Green Next الصحة السفر الثقافة فيديو برامج خدمات مباشر نشرة الأخبار الطقس آخر الأخبار تابعونا تطبيقات تطبيقات التواصل الأدوات والخدمات Africanews عرض المزيد حول يورونيوز الخدمات التجارية الشروط والأحكام سياسة الكوكيز سياسة الخصوصية اتصل العمل في يورونيوز صحفيونا لولوجية الويب: غير متوافق تعديل خيارات ملفات الارتباط تابعونا النشرة الإخبارية حقوق الطبع والنشر © يورونيوز 2025

مقالات مشابهة

  • حسن شاه حسيني: الحفاظ على الأمن والسلام والاستقلال وسيادة الأراضي السودانية يمثّل قوة لكل العالم الإسلامي
  • خلال زيارته للنافذة السودانية الموحدة لصادر الذهب وهيئة المواصفات.. وزير المعادن محمد أحمد طه يستمع إلى تقارير مفصلة
  • رحمة نعى بو حبيب : كان دائم النضال من أجل سيادة لبنان واستقلاله
  • عاجل. هبوط الطائرة الفرنسية التي تقل اللبناني جورج عبدالله في بيروت
  • تعرف على أبرز أقوال الصحف السودانية اليوم
  • إبراهيم عبدالخالق: صفقات الزمالك مرضية.. وهذه رسالتي لـ عبدالله السعيد
  • ناطق الحكومة: غداً يوم يُسجل في ملاحم الخالدين ويُثبت اليمانيين للعالم أنهم جمرة الثورة التي لا تنطفئ
  • وزير التربية الوطنية يكرّم مدراء الولايات التي حققت المراتب الثلاث الأولى في البيام والباك ومديرية مدارس أشبال الأمة
  • الإعلامي محمد سعيد محفوظ يعقد قرآنه على الدكتورة مها فتحي
  • الناصريون المرابطون: ثورة 23 يوليو مكرّسة في وجدان العرب.. والمتأسلمون سبب الفتنة التي تشهدها الأمة