"محادثات مسقط" بين إيران وأمريكا ومستقبلها
تاريخ النشر: 19th, April 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل **
سلطنة عُمان لها دور متميز في ترتيب المحادثات بين الفرقاء، وهذا من أوراق القوة الكبيرة لمسقط؛ إذ تربطها بالولايات المتحدة علاقات إيجابية، كما تربطها بإيران علاقات إيجابية أيضًا منذ موقفها من الحرب العراقية الإيرانية، وانطلاقًا من اقتناع مسقط بأنَّ الصراع بين إيران والولايات المتحدة هو محور الصراعات في المنطقة.
وهذه المحادثات بين الخصمين الكبيرين كانت غير مباشرة على أساس أن مسقط تلعب دور الوسيط غير المباشر، بمعنى أن تنقل آراء الطرفين في نقاط جدول الأعمال. ولم تطلب مسقط الوساطة بين الطرفين، بل إن الطرفين قدّرا أنَّ الوقت قد حان لعقد هذه المحادثات، وحيادية ونزاهة مسقط من بين عوامل إيجابية دفعت الطرفين لطلب الوساطة العُمانية.
أما جدول أعمال المحادثات فيمكن تصوره كالآتي:
الملف النووي الإيراني؛ حيث تريد واشنطن منع إيران من التوصل إلى السلاح النووي حتى تظل إسرائيل هي الطرف النووي الوحيد في المنطقة، لكن موقف إيران يتضح أنها تدرك أن الدولة غير النووية يسهل مهاجمتها، ووصول إيران إلى السلاح النووي مرهون بسلوك أمريكا وإسرائيل تجاه إيران. موقف إيران من المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن؛ حيث تعتقد واشنطن أن أخطر مُهدِّد لوجود إسرائيل والمشروع الصهيوني هو المقاومة، وقد تمكنت أمريكا وإسرائيل من حرمان المقاومة من الدعم، وقطع الصلة المادية بين المقاومة وبين داعميها، لذلك تُريد واشنطن تعهدًا من إيران بأن تتخلى عن المقاومة في الساحات الأربعة. لكنني أشك أن إيران يُمكن أن تُقدِّم هذا التعهد، خصوصًا وأن إيران تقول إنها تدعم المسجد الأقصى والقدس من خلال المقاومة. ومعنى تعهد إيران بالتخلي عن المقاومة، هو تشجيع إسرائيل على التوحُّش وتغيير خرائط المنطقة. والمطلوب إيرانيًا أن تتخذ طهران موقفًا على سبيل التقية، بمعنى أنها لا تكشف كل أوراقها ونواياها لواشنطن. وتدرك إيران أن المطلب النووي ومطلب التخلي عن المقاومة ونزع سلاحها يخدم إسرائيل إلى الأبد، اعتمادًا على تعاون البعض في المنطقة لتحقيق هذه الغاية. واشنطن مستعدة لعدم مهاجمة إيران أو السماح لإسرائيل بمهاجمتها، كما إن واشنطن مُستعدة نظريًا إلى التخلي عن هدفها الأساسي في إيران وهو القضاء على الثورة الإسلامية وإعادة حكم الشاه، وهذا هو هدف أساسي لواشنطن مهما كانت التصريحات المُخالِفة لذلك. وتدرك واشنطن وإيران أن المحادثات في مسقط تُعارضها إسرائيل، وأن إسرائيل تريد توريط واشنطن في الصراع العسكري مع إيران، لكن واشنطن تدرك قوة إيران وقدرتها على تدمير مصالحها في المنطقة وإحراجها، ولذلك فإنَّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يُطبِّق نظريته الشهيرة في الحصول على ما يريد سلميًا وبأقل الأثمان. الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية وهو أمر تنظر فيه أمريكا، وتتعهد لإسرائيل بالحزم في الملف النووي مقابل عدم مهاجمة إسرائيل للمصالح النووية والمصالح البترولية لإيران. ولا يُتوقع أن تكون الجولات الراهنة من المحادثات نهائية، ولكن يمكن أن تتبعها محادثات أخرى لمتابعة هذه الملفات الثلاثة، وهي الملف النووي والمقاومة والعقوبات.وإذا كانت واشنطن وإيران قد وجدتا مصلحتهما في بدء المحادثات التمهيدية في مسقط، فإن المُتصوَّر أن تبدأ هذه الجولة بإنشاء لجان فرعية لمتابعة التفاصيل. ويُحتمل أن الولايات المتحدة ذكَّرت إيران بأن الثورة الإسلامية عند قيامها في 12 فبراير 1979 قد بدأت بالعداء لأمريكا وإسرائيل في وقت واحدٍ؛ حيث احتل الحرس الثوري الإيراني مبنى السفارة الأمريكية في طهران، واحتجز كل الموجودين فيه رهائنَ لمدة 444 يومًا، وبذلت الولايات المتحدة كل جهد ممكن ابتداءً من اللجوء إلى محكمة العدل الدولية التي أصدرت أمرًا تحفظيًا بالإفراج عن الرهائن، لكن الحرس الثوري الإيراني رفض هذا الأمر. وحاولت واشنطن تحرير الرهائن بالقوة، مُستخدمةً الأراضي المجاورة، لكن هبَّت عاصفة أحبطت المخطط الأمريكي وأسقطت الطائرات التي كانت مُعدَّة للهجوم على إيران. وأخيرًا تم تحرير الرهائن في إطار صفقة خلال المحادثات غير المباشرة بين إيران وأمريكا في الجزائر في يناير 1980. تلك المحادثات غير المباشرة أنشأت محكمة خاصة بتسوية توابع الاتفاق في مقر محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، ويُحتمل أن هذا الموضوع قد شملته المفاوضات الأولية في مسقط؛ لأن واشنطن تُسرف في استخدام سلاح العقوبات وتُهدِّد إيران بأن الأساطيل الأمريكية ستهاجمها. ولم تتوقف المكائد الأمريكية ضد إيران في الداخل والخارج، وتُدرِك إيران أن الاغتيالات الإسرائيلية داخل إيران تتم لمصلحة أمريكا وإسرائيل. ولا نظن أن هذه الاغتيالات كانت على جدول أعمال المفاوضات؛ لأن إسرائيل اغتالت عددًا من علماء الذرة الإيرانيين، كما اغتالت شخصيات إيرانية مركزية، كما أحرجت إيران باغتيال إسماعيل هنية رئيس حماس السابق أثناء حضوره تنصيب الرئيس الإيراني الجديد المنتخب بعد شبهة اغتيال إسرائيل للأقطاب الثلاثة الذين كانوا في طائرة الرئيس إبراهيم رئيسي في بداية عام 2024.
الخلاصة.. أن إيران قدّرت كبح جماح الوحش الإسرائيلي والوحش الأمريكي، علمًا بأنها فقدت التواصل المادي مع المقاومة في الساحات الأربعة؛ مما بدا أن إسرائيل وأمريكا منتصرتان، ولا بُد أن إيران تصرفت خلال المحادثات على أساس تجاهل نقاط القوة في الموقف الإقليمي لصالح إسرائيل وأمريكا. لكن تحييد إيران في المنطقة انتصار حاسم لأمريكا وإسرائيل.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: أمریکا وإسرائیل فی المنطقة أن إیران واشنطن م واشنطن ت د إیران
إقرأ أيضاً:
إيران تعلن القبول بمفاوضات مباشرة مع أميركا حال توفر الشروط المناسبة
نقلت وسائل إعلام إيرانية رسمية عن محمد رضا عارف النائب الأول للرئيس الإيراني، اليوم الثلاثاء، أن إيران يمكن أن تجري محادثات نووية مباشرة مع الولايات المتحدة "إذا توفرت الشروط المناسبة لذلك"، معتبرا المطالبات الأميركية بتخلي طهران عن تخصيب اليورانيوم "مزحة".
وقال عارف "إيران مستعدة للتفاوض في ظل ظروف متكافئة من أجل حماية مصالحها. وموقف الجمهورية الإسلامية يتماشى مع إرادة الشعب. وإذا توفرت الظروف المناسبة فنحن مستعدون حتى لإجراء محادثات مباشرة".
وأول أمس الأحد، أدلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بتصريح مثير للجدل عبّر فيه عن استعداد بلاده لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة رغم مستويات انعدام الثقة الحالية بين طهران وواشنطن.
وقال "لا تريدون إجراء محادثات؟ إذن ماذا تريدون أن تفعلوا؟ هل تريدون الذهاب إلى الحرب؟.. الذهاب إلى المحادثات لا يعني أننا نعتزم الاستسلام"، مضيفا أن مثل هذه القضايا يجب ألا يتم "التعامل معها بالعاطفة".
وعلّق عزيز غضنفري، وهو قائد كبير في الحرس الثوري الإيراني، على تصريحات بزشكيان أمس الاثنين قائلا "إن السياسة الخارجية تتطلب التروي وإن التصريحات المتهورة من جانب السلطات قد تكون لها عواقب وخيمة على البلاد".
وعود وقيودأما نائب وزیر الخارجية للشؤون السیاسیة مجید تخت روانجي فقال أمس إن إيران "ستقبل قیودا علی تنمیة برنامجها النووي لفترة محددة في حال رفع العقوبات عنها ضمن اتفاق عادل ورابح بالنسبة للطرفین".
وقال روانجي لوكالة كيودو الیابانية "يمكن لإيران أن تكون مرنة بشأن قدرات التخصيب وقیوده، لكنها لا تستطيع الموافقة على وقف التخصيب تحت أي ظرف من الظروف، لأن هذا ضروري، ويجب أن نعتمد على أنفسنا، لا على الوعود الفارغة".
وأضاف "الأمر بسيط وواضح إذا أصرت الولايات المتحدة على وقف التخصيب تماما، فلن يكون لدينا اتفاق".
إعلانوتابع روانجي "الولايات المتحدة خدعتنا بتظاهرها بالحوار، وإيران مستعدة للحوار مع الولايات المتحدة، لكن على الولايات المتحدة توضيح ما إذا كانت مهتمة حقا بحوار رابح أم بفرض إرادتها.
كما جدد التأكيد على أن الهجمات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية "غير قانونية وتسببت في أضرار جسيمة. ولدينا كل الحق في المطالبة بتعويضات".
وأشار نائب وزير الخارجية إلى أن طهران على تواصل مع الولايات المتحدة عبر دولة وسيطة، لكنه لم يذكر موعد استئناف المحادثات.
وتوقفت الجولة الـ6 من المحادثات بين طهران وواشنطن عقب هجمات إسرائيلية وأميركية على منشآت نووية إيرانية في يونيو/حزيران الماضي. وتقول الولايات المتحدة وإسرائيل إن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران.
وبدأت الجولات السابقة من المفاوضات في أبريل/نيسان وكانت غير مباشرة وتوسطت فيها سلطنة عمان. وتقول واشنطن إن تخصيب اليورانيوم في إيران يمثل مسارا نحو تطوير أسلحة نووية ويجب التخلي عنه.