استيراد ثقافة الفقر بين الفجر النقي وواقع مؤلم
تاريخ النشر: 22nd, April 2025 GMT
صالح بن سعيد الحمداني
في كل صباح حين يَشقُ ضوء الفجر عتمة الليل، ويهمس الآذان في أذُنِ السماء مُعلنًا بداية يوم جديد، يسير الكثير منَّا بخطى هادئة نحو المساجد لأداء صلاة الفجر في ذلك الوقت الساحر، تسكن الدنيا وتغفو ضوضاؤها، ويصبح الهواء أنقى ما يكون، مشبعًا بالأمل والطاقة، وكأن الشمس تعدنا بساعاتٍ مليئة بالعطاء وبالعمل وبالبركة.
لكن ويا للأسف في ذات المشهد الروحي الذي يلامس القلوب، تظهر أمامنا صورة معاكسة، صورة لا تنتمي لذلك الصفاء، ولا تعكس نور الفجر؛ بل تشقّ القلب وأنت في طريقك تمرّ بجانب إحدى حاويات القمامة، فترى حركة خفيفة، فتظنها قطة أو كلبًا- أكرمكم الله- ولكن حين تقترب، يتّضح لك أنَّه إنسان، نعم إنسان من لحم ودم، ينبش في القمامة بحثًا عن كرتون، أو علب مشروبات فارغة، ليبيعها ويجمع ما يستطيع من المال القليل.
ليس هذا المشهد عابرًا؛ بل تكرار يومي بات جزءًا من مشهدنا الصباحي؛ حيث تجد في كل قرية أو حي مجموعة من الوافدين، يتقاسمون "حدودهم" من حاويات القمامة، كل شخص له حاويات مُحددة لا يتجاوزها، تجده كل يوم معها لا يفوت موعده فهو لا "يغزو" حاويات شخص آخر، وكأننا أمام توزيع "إداري" بينهم! لا يشبه نظام العمل؛ بل يشبه تقاسم مناطق النفوذ في حروب العصابات.
لكن السؤال المؤلم كيف وصلنا إلى هنا؟ هل هي ثقافة الفقر؟ أم هي الحاجة التي تُذِلّ الإنسان؟ هل نحن أمام سلوك فردي؟ أم أننا نستورد نمط حياة خوفاً أن يلاحق البعض مستقبلًا؟ هل هذا الوافد الذي يُنقِّب بين النفايات لا يعمل تحت مسؤولية كفيل؟ أين من استقدمه؟ ولماذا تُترك هذه الفئة دون رقابة أو مسؤولية؟
الأمر لا يتعلق فقط بالمنظر المؤلم؛ بل بالخطر الصحي وبالنظرة المجتمعية وبالقيمة الإنسانية.
نحن لا نلوم الفقير لأنه فقير، ولا نُدين من يعمل بكرامة، لكن هل يُعَدّ "النبش في القمامة" عملًا؟! هل أصبح هذا "اقتصادًا غير رسمي" يُدار في الخفاء؟! وهنا لا بُد أن نقف، ونسأل أنفسنا: هل نريد لهذا أن يكون جزءًا من مشهدنا اليومي؟ إذا ما الحل لهذه الظاهرة؟
من وجهة نظري المتواضعة، أرى تفعيل الرقابة على أوضاع العمالة الوافدة، والتأكد من التزام الكفلاء بواجباتهم، وتوفير فرص عمل شريفة ومنظمة لكل من يعمل على أرضنا، ورفض أي شكل من أشكال التسوُّل المُقنَّع أو البحث في القمامة.
لا بُد لنا من تعزيز ثقافة الحفاظ على النظافة والكرامة، ونشر التوعية المجتمعية بطرق ترفع من مستوى الوعي حتى بين الوافدين عن طريق أرباب العمل، ودعم الجهات المختصة بملف النفايات، وتطوير منظومة إعادة التدوير لتكون منظمة، تحفظ الكرامة، وتُدار بأيدٍ مختصة.
وفي النهاية.. الفجر ما زال يطلع كل يوم، والنور ما زال يبعث الأمل، ولكن بين النور والظلام، هناك صور كثيرة تحتاج إلى معالجة، إلى وقفة صادقة، وإلى حلول واقعية لا تقف عند حدود الكلام فقط.
وتبقى مجرد وجهة نظر أتمنى أكون وُفِّقْتُ فيها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رحيل مؤلم للمصورة العدنية ضيء إسكندر… وحمى الضنك تواصل حصد الأرواح في عدن
شمسان بوست / خاص:
ودّعت مدينة عدن مساء أمس المصورة الشابة ضيء إسكندر، التي فارقت الحياة في مستشفى خليج عدن بمديرية المعلا، متأثرة بإصابتها بمرض حمى الضنك، الذي يشهد تصاعدًا خطيرًا في الانتشار خلال الأسابيع الأخيرة في العاصمة المؤقتة.
تميّزت ضيء إسكندر، التي لم تتجاوز الثلاثين من عمرها، بعدستها المرهفة التي التقطت ملامح الحياة والناس، وكانت حاضرة في قلب الفعاليات المجتمعية، آخرها تغطيتها اللافتة للاحتجاجات النسائية التي جابت شوارع عدن، حيث نقلت صورها رسائل النساء وهمومهن بأمانة وحس إنساني عالٍ.
خبر رحيلها المفاجئ هزّ مشاعر كثيرين، حيث غصّت منصات التواصل الاجتماعي برسائل النعي والرثاء من زملائها ومحبيها، الذين عبّروا عن حزنهم العميق لفقدانها، مشيدين بموهبتها الفذّة وأخلاقها الراقية.
يأتي هذا الرحيل المؤلم في وقت يتصاعد فيه القلق من انتشار حمى الضنك في عدن، وسط تحذيرات متكررة من القطاع الصحي بشأن تدهور الأوضاع، في ظل ضعف الإمكانيات الطبية، وتراجع مستوى الاستجابة الطارئة للأزمة المتفاقمة.
رحم الله ضيء إسكندر، وأسكنها فسيح جناته، وألهم أهلها ومحبيها الصبر والسلوان.