صالح بن سعيد الحمداني

 

في كل صباح حين يَشقُ ضوء الفجر عتمة الليل، ويهمس الآذان في أذُنِ السماء مُعلنًا بداية يوم جديد، يسير الكثير منَّا بخطى هادئة نحو المساجد لأداء صلاة الفجر في ذلك الوقت الساحر، تسكن الدنيا وتغفو ضوضاؤها، ويصبح الهواء أنقى ما يكون، مشبعًا بالأمل والطاقة، وكأن الشمس تعدنا بساعاتٍ مليئة بالعطاء وبالعمل وبالبركة.

لكن ويا للأسف في ذات المشهد الروحي الذي يلامس القلوب، تظهر أمامنا صورة معاكسة، صورة لا تنتمي لذلك الصفاء، ولا تعكس نور الفجر؛ بل تشقّ القلب وأنت في طريقك تمرّ بجانب إحدى حاويات القمامة، فترى حركة خفيفة، فتظنها قطة أو كلبًا- أكرمكم الله- ولكن حين تقترب، يتّضح لك أنَّه إنسان، نعم إنسان من لحم ودم، ينبش في القمامة بحثًا عن كرتون، أو علب مشروبات فارغة، ليبيعها ويجمع ما يستطيع من المال القليل.

ليس هذا المشهد عابرًا؛ بل تكرار يومي بات جزءًا من مشهدنا الصباحي؛ حيث تجد في كل قرية أو حي مجموعة من الوافدين، يتقاسمون "حدودهم" من حاويات القمامة، كل شخص له حاويات مُحددة لا يتجاوزها، تجده كل يوم معها لا يفوت موعده فهو لا "يغزو" حاويات شخص آخر، وكأننا أمام توزيع "إداري" بينهم! لا يشبه نظام العمل؛ بل يشبه تقاسم مناطق النفوذ في حروب العصابات.

لكن السؤال المؤلم كيف وصلنا إلى هنا؟ هل هي ثقافة الفقر؟ أم هي الحاجة التي تُذِلّ الإنسان؟ هل نحن أمام سلوك فردي؟ أم أننا نستورد نمط حياة خوفاً أن يلاحق البعض مستقبلًا؟ هل هذا الوافد الذي يُنقِّب بين النفايات لا يعمل تحت مسؤولية كفيل؟ أين من استقدمه؟ ولماذا تُترك هذه الفئة دون رقابة أو مسؤولية؟

الأمر لا يتعلق فقط بالمنظر المؤلم؛ بل بالخطر الصحي وبالنظرة المجتمعية وبالقيمة الإنسانية.

نحن لا نلوم الفقير لأنه فقير، ولا نُدين من يعمل بكرامة، لكن هل يُعَدّ "النبش في القمامة" عملًا؟! هل أصبح هذا "اقتصادًا غير رسمي" يُدار في الخفاء؟! وهنا لا بُد أن نقف، ونسأل أنفسنا: هل نريد لهذا أن يكون جزءًا من مشهدنا اليومي؟ إذا ما الحل لهذه الظاهرة؟

من وجهة نظري المتواضعة، أرى تفعيل الرقابة على أوضاع العمالة الوافدة، والتأكد من التزام الكفلاء بواجباتهم، وتوفير فرص عمل شريفة ومنظمة لكل من يعمل على أرضنا، ورفض أي شكل من أشكال التسوُّل المُقنَّع أو البحث في القمامة.

لا بُد لنا من تعزيز ثقافة الحفاظ على النظافة والكرامة، ونشر التوعية المجتمعية بطرق ترفع من مستوى الوعي حتى بين الوافدين عن طريق أرباب العمل، ودعم الجهات المختصة بملف النفايات، وتطوير منظومة إعادة التدوير لتكون منظمة، تحفظ الكرامة، وتُدار بأيدٍ مختصة.

وفي النهاية.. الفجر ما زال يطلع كل يوم، والنور ما زال يبعث الأمل، ولكن بين النور والظلام، هناك صور كثيرة تحتاج إلى معالجة، إلى وقفة صادقة، وإلى حلول واقعية لا تقف عند حدود الكلام فقط.

وتبقى مجرد وجهة نظر أتمنى أكون وُفِّقْتُ فيها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

منذ 1996..فرنسا تسجل أعلى معدل فقر


أفاد المعهد الوطني الفرنسي للإحصاءات والدراسات الاقتصادية
سجّلت فرنسا في عام 2023 أعلى معدل للفقر منذ بدء رصد البيانات في 1996، وسط تزايد واضح في فجوة اللامساواة بعد أن أوقفت الحكومة عددًا من برامج الدعم الاستثنائية، من بينها إعانات التضخم.

ووفقًا للنشرة السنوية التي أصدرها المعهد الوطني الفرنسي للإحصاءات والدراسات الاقتصادية، فقد ارتفعت نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر من 14.4% في عام 2022 إلى 15.4% في 2023، ويُعرّف خط الفقر في فرنسا بأنه دخل شهري يقل عن 1288 يورو للفرد، أي ما يعادل 60% من متوسط الدخل القومي.


وأفادت البيانات أن 650 ألف شخص انضموا خلال العام الماضي إلى دائرة الفقر، ليصل إجمالي عدد المواطنين تحت هذا الخط إلى 9.8 مليون نسمة.

ومن جانبه؛ أوضح ميشيل دويه، رئيس قسم موارد الأسرة وظروف المعيشة بالمعهد، أن إنهاء برامج الدعم الطارئة التي أقرت في 2022، مثل إعانة التضخم ومنحة العودة المدرسية، أسهم بشكل رئيسي في هذا الارتفاع. 

كما أشار إلى أن تزايد أعداد أصحاب الأعمال الصغيرة من ذوي الدخل المحدود شكّل عاملًا إضافيًا في اتساع رقعة الفقر.

انتحار سياسي بارز في فرنسا.. عُثِر عليه مشنوقافرنسا تتهم الصين بتقويض سمعة"رافال" لزيادة مبيعات طائراتهاإلغاء رحلة مصر للطيران من وإلى باريس بسبب إضراب مراقبي الحركة في فرنسامصر للطيران تلغي رحلاتها إلى شارل ديجول اليوم بطلب من فرنسابطلب من فرنسا .. مصر للطيران تلغي رحلاتها إلى شارل ديجول غدا طباعة شارك فرنسا معدل الفقر المعهد الوطني الفرنسي للإحصاءات والدراسات الاقتصادية خط الفقر التضخم

مقالات مشابهة

  • محافظ الدقهلية: استمرار حملة التوعية بمبادرة نظافة محافظتنا.. أكيد مسئوليتنا
  • الأولى من نوعها.. باخرة حاويات كبيرة تصل إلى مرفأ طرطوس على متنها 45 حاوية مختلفة القياسات
  • الأولى من نوعها… باخرة حاويات كبيرة تزور مرفأ طرطوس
  • منذ 1996..فرنسا تسجل أعلى معدل فقر
  • معدل فقر قياسي في فرنسا عام 2023 وازدياد عدم المساواة
  • استجابة لـ "الفجر"..محافظة الجيزة ترفع تراكمات المخلفات بمدخل مقابر مدينة الحوامدية
  • مصر.. سفينة حاويات ضخمة تصطدم بميناء الدخيلة في الإسكندرية
  • السوداني: العراق سيتوقف عن استيراد البنزين هذا العام ويتجه للتصدير
  • الفقر الخطر الذي يُهدد أمن الأمم
  • سكرتير عام بورسعيد ورئيس حي الزهور يترأسان حملة واسعة على النظافة