جنوب لبنان- "هذا كان بيتي وللمرة الثالثة أعيد بناؤه" بهذه الكلمات المشحونة بالألم يبدأ المواطن زهر الدين، أحد أبناء بلدة ميس الجبل في الجنوب اللبناني، حديثه للجزيرة نت، بينما يفتح أبواب منزله شبه المدمر، ويروي حكاية عمرها أكثر من عقدين مع الحرب والخراب وإعادة الإعمار.

وفي صوته الذي تختلط فيه المرارة بالإصرار، يقول زهر الدين "منذ 22 عاما وأنا أُعمّر، المرة الأولى كانت عام 2000، والمرة الثانية عام 2006، والآن المرة الثالثة، ولا أعرف إن كنت سأستطيع إعادة بنائه من جديد".

ويتنقل بنا بين غرف منزله، مشيرا بيده إلى الركام، وإلى الجدران التي مزقها القصف، والزوايا التي كانت تحمل تفاصيل حياته اليومية. ويتحدث عن المطبخ، وغرفة النوم، وشجرة الليمون التي كانت تظلل باحة الدار، فكل شيء تحوّل إلى أثر بعد عين.

"لا كهرباء ولا ماء، ولا أي من مقومات الحياة.. هذه ليست حياة بشر" بهذه العبارة يختصر زهر الدين واقعا قاسيا فرضته آلة الحرب الإسرائيلية على بلدته.

وهو يقف أمام مولد كهربائي صغير لا يكاد يلبي حاجات عائلته، يقول بابتسامة يختلط فيها السخرية بالمعاناة "هذه هي شركتي الكهربائية! تحتاج إلى 5 دولارات يوميا لتمنحني 4 ساعات من الكهرباء، أي ما يقارب 150 دولارا فقط لإضاءة المنزل. أما الماء، فمعدوم لأن بئر المياه تعرضت للقصف".

إعلان

ويتنهد، ثم يضيف "باتت هذه المسؤولية على عاتق المواطن، لا دولة، ولا مؤسسات، وكل فرد صار مضطرا لأن يدبر أمره بنفسه، لكن رغم كل شيء يبقى هذا الجنوب.. أرض الصمود".

مسجد الحي الشرقي في بلدة ميس الجبل مدمر بالكامل (الجزيرة) "مرحلة مزرية"

في زاوية ضيقة من حمام منزلها المدمر، تنحني عناية خليل (زوجة زهر الدين) فوق حوض صغير، تغسل الصحون بصمت. ولم تعد المطابخ مكانا للطبخ أو غسل الأواني، بل تحول الحمام إلى مطبخ بديل وإلى شاهد صامت على تداعيات الحرب التي اجتاحت حياة الكثير من الأسر الجنوبية.

وبصوت خافت، تقول للجزيرة نت "وصلنا إلى مرحلة مزرية، نغسل الصحون في الحمّام.. نعبّئ الماء وننقله من مكان إلى آخر". ولا تخفي كلماتها ما صار يوميا وعاديا في حياة كثيرين، إذ بات الحصول على المياه مهمة شاقة، وتفصيلا جديدا من تفاصيل المعاناة المستمرة.

وتتابع عناية، وقد بدا التعب جليا على ملامحها "الحياة ستستمر، لكنها تستمر بالمعاناة والعذاب، ولا أحد يشعر بأحد". وتمسح يديها بقطعة قماش، ثم تضيف "كل يوم أعمل وأنظف، وأخاف من الفيروسات والأمراض في هذا الواقع المرير".

وفي كلماتها ما يتجاوز مجرد الشكوى، إنها مرآة لأمهات كثيرات يواجهن وحدهن تحديات البقاء، في بيئة تهدد الاستقرار والصحة معا، ولا تترك للراحة موطئا.

دمار واسع خلفه القصف الإسرائيلي في عشرات القرى بالجنوب اللبناني (رويترز) ذكريات بين الركام

وعلى مقربة من الحدود في بلدة حولا، تقف أم علي عواضة أمام ركام منزلها تختصر وجعها بكلمات قليلة، وتقول للجزيرة نت "هنا كان بيتي.. هنا عشت ذكرياتي وفرحة عائلتي، البيت الذي كان يوما ملاذا آمنا حوّله القصف الإسرائيلي إلى كومة حجارة".

وبين جدران مهدمة وغرف بلا أبواب، تتنقل العائلة متأملة بقايا الذكريات، ويشير أبو علي (ربّ الأسرة) إلى حفرة عميقة تتوسط باحة المنزل، ويقول للجزيرة نت "هنا كنا نجتمع، وكان الضحك يملأ المكان، رائحة العدس من صحن المجدرة يوم العطلة لا يضاهيها شيء. أما اليوم، فلا رائحة سوى البارود والغبار".

إعلان

وفي الزاوية الخلفية من المطبخ حيث اعتادت أم علي أن تطهو لأطفالها، لم يبقَ سوى الركام. وتنحني لتلتقط آنية مكسورة، وتتمتم "لا ماء، لا كهرباء، ولا دولة تسأل عنا، كل يوم نملأ الغالونات من بلدات بعيدة، ونشحن البطارية بالطاقة الشمسية لنضيء مصباحا واحدا في الليل".

ورغم كل شيء، لا تزال أم علي متمسكة بالأمل، تمسح الغبار عن صورة عائلية نجت من الدمار وتقول "سنبقى هنا.. هذه أرضنا كرامتنا، وذكرياتنا".

غياب مقومات الحياة

يقول شكيب قطيش رئيس بلدية حولا -للجزيرة نت- إن نحو 150 عائلة عادوا إلى البلدة رغم تضرر منازلهم، إذ إنها ليست مدمرة بالكامل "مما يجعل السكن فيها ممكنا ولو جزئيا".

ويضيف "المشاكل في البلدة لا تعد ولا تحصى، فبعض المنازل تعرضت لأضرار جسيمة، والبنى التحتية مدمرة بالكامل، ولا تتوفر أدنى مقومات الحياة الأساسية من كهرباء ومياه إلى غياب المواسم الزراعية، إذ إن كل شيء في البلدة شبه معدم".

ورغم كل ذلك، أصرت بعض العائلات على العودة في رسالة واضحة -كما يقول رئيس البلدية- على تمسكهم بأرضهم "وقد اعتمدوا حلولا بديلة أبرزها استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، بينما تصل المياه عبر صهاريج خاصة تُباع للسكان".

وفي ما يتعلق بتأمين الغذاء، أوضح قطيش أن "الأهالي يضطرون للتنقل إلى بلدات مجاورة للحصول على احتياجاتهم الأساسية من الطعام والمواد الضرورية".

والحال في بلدتي ميس الجبل وحولا ينسحب على ما يعانيه عشرات آلاف اللبنانيين في معظم قرى وبلدات الجنوب، حيث عملت آلة الحرب الإسرائيلية لشهور على تدميرها جزئيا وكليا بالقصف العنيف. ولا تزال التدخلات لإعمار هذه القرى وإصلاح خدماتها في أطوارها الأولى.

وفي تقرير سابق، ذكرت وكالة الأنباء اللبنانية أن الجيش الإسرائيلي مسح 37 بلدة في الجنوب تماما، كما دمر أكثر من 40 ألف وحدة سكنية منذ بدء عدوانه على لبنان في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات للجزیرة نت زهر الدین کل شیء

إقرأ أيضاً:

الحكومة الإسرائيلية تؤكد بدء إطلاق المحتجزين صباح الاثنين

صراحة نيوز- أعلنت متحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية أن عملية إطلاق سراح المحتجزين ستبدأ صباح الاثنين، متوقعة الإفراج عن جميع المحتجزين الأحياء وعددهم 20 دفعة واحدة. وفي الوقت ذاته، أوضحت أن سلطات الاحتلال مستعدة لاستلام جثث المحتجزين المتوفين وعددهم 28 بعد انتهاء عملية الإفراج عن الأحياء.

وأضافت المتحدثة أن الفلسطينيين سيتم الإفراج عنهم من السجون الإسرائيلية فور استلام جميع الرهائن المقرر إطلاق سراحهم.

وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد، استعداد إسرائيل لاستقبال جميع المحتجزين من غزة فور وصولهم، مشيرًا إلى أن بلاده جاهزة لاستقبال الأسرى على الفور. وجاء ذلك بعد اتصال نتنياهو بمنسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد احتياط غال هيرش، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.

من جانبها، أكدت حركة حماس أن الإفراج عن 48 محتجزًا، أحياء وأموات، معظمهم من الإسرائيليين، سيبدأ صباح الاثنين. وقال القيادي في الحركة أسامة حمدان: “حسب الاتفاق الموقع، تبادل الأسرى سيبدأ صباح الاثنين كما هو متفق عليه”، مشيرًا إلى أن مقاتلي كتائب عز الدين القسام لم يبلغوا قيادة الحركة بأي ترتيبات إجرائية لتسليم المحتجزين، بما في ذلك تحديد مكان التسليم.

وبعد عودة المحتجزين من غزة، ستشرع إسرائيل بإطلاق سراح نحو ألفي أسير فلسطيني من سجونها، وفق ما نصت عليه بنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم بوساطة أميركية.

في السياق ذاته، تُعقد الاثنين في مدينة شرم الشيخ المصرية، قمة دولية تحت عنوان “قمة شرم الشيخ للسلام”، برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبمشاركة قادة أكثر من عشرين دولة. وتهدف القمة إلى بحث سبل إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ومناقشة ترتيبات ما بعد الحرب وفتح آفاق جديدة للتعاون الإقليمي، ضمن المبادرة التي يقودها الرئيس ترامب لتحقيق السلام في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • كان فرحان بانتهاء الحرب.. تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياة صالح الجعفراوي
  • طبيب غزاوي للوموند: هذه هي المعركة التي تنتظرنا بعد انتهاء الحرب
  • الحكومة الإسرائيلية تؤكد بدء إطلاق المحتجزين صباح الاثنين
  • حمادة: استهداف المنشآت المدنية في الجنوب ضغط على حياة اللبنانيين
  • عاجل | مصادر للجزيرة: مجموعات كبيرة من المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى بحماية الشرطة الإسرائيلية
  • الرئيس اللبناني يندد بالغارات الإسرائيلية على جنوبي البلاد
  • داخلية غزة: سنبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب منها الاحتلال
  • داخلية غزة ستبدأ الانتشار بالمناطق التي انسحب منها الاحتلال
  • أجهزة التنفس التي جعلت إسرائيل حيّة إلى اليوم
  • الحكومة الإسرائيلية تصدق على قرار وقف النار في قطاع غزة