بعد فوزها بالجائزة العالمية للرواية العربية.. ننشر مقطع من رواية "صلاة القلق" لمحمد سمير ندا
تاريخ النشر: 24th, April 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تنشر البوابة نيوز مقطعًا من رواية صلاة القلق للكاتب محمد سمير ندا والصادرة عن منشورات مسكيلياني والتي فازت بالجائزة الكبرى للجائزة العالمية للرواية العربية.
من أجواء الرواية
أنا كاتب الجلسات..
أعفاني الله من عثرات الكلام يوم وضع لساني في يدي لاستبدال بالمنطوق المكتوب وواقع الأمر أن الكتابة توفر كل صنوف العناء، إذ تعلب المرء التردد واللعثمة، وتحرّره من سطوة نظرات المستمع.
خلف الورق تتوارى مشاعر وتختبئ دموع وتحتبس صرخات ربما كان لها أن تشتت الأسماع، وفوق ذلك تُرتّب الأحداث، وتكتسي الحكاية بالهدوء.
جربت كل شيء، مضيتُ والوطن جنين ينبض في أحشائي، لم أعرف كيف ترسم حدود الأوطان بالألغام ولافتات التحذير والأسلاك الشائكة، ولأي غاية تسال من أجلها شلالات الدم بغير حساب وطني الذي أذكره اختطفه خليل ووطني الذي أصبو إلى معانقته ما يزال جنينا يتنقل بين حجرات الذاكرة، يبحث عن مخرج، عن وسيلة للتلامس عن مقصات تمزق الأسلاك الشائكة، وعن بندقية تطرد الظلال.
حاولت أن أواصل، أن أترك كل شيء خلفي، أن أحرق صحف الأمس أن أقر بتمام جنوني وسيلة للنسيان جاهدت، فخانتني كل الموجودات، إلا ذاكرتي ووجوه الشخوص التي ما انفكت تطالبني بالقص، وأنا مقصوص اللسان أتساءل وأنا أخط هذه الصفحات الأخيرة؛ أفلحت في تقمصهم وتلاوة حكايتهم، أم فشلت في ترضيتهم؟ هل بحث بما أرادوه، أم تسرب غضبي ومأساتي إلى كتابتي قصا ونهجا فأغفلت حدثًا أو أسقطت واقعة؟ ألحت على طيوفهم الحوامة حول وسادتي طويلا كي أطلق بين الأوراق لسان قلبي، أن أنشب أظافري وأسناني في ذيول الحكايات قبل أن تُطوى إلى الأبد، وها قد حاولت.
أنا إذن محرر السنة الصامتين، نزلاء العتمة والأسر الدائمين، أولئك الذين لم يتسولوا من الله سوى حفنة من الحقائق تهال على رؤوسهم كالسيل الذي اغرق ديار الجدود. أنا مدوّن الكلم غير المنطوق القادم من بلاد الصوت المسروق، الهارب من أرض الحلم الواحد الذي يوزع على النيام قسرا أنا المحكوم بالخرس أحكى، فهل نجوتم من أقدار الصمم حتى تسمعوا ؟
***
آراني أحمل السطل المعبأ بالطلاء الأسود، وعصا لففت طرفها بالقماش ارتد أغاني عبدالحليم حافظ إبان تسألي بين عيدان القصب حذو ترعة طالما اتسعت لبوح الناس، فما أفشت سرا، وما ضاقت بتكرار الكلم. أتسأل وأنا ألف شال أمي الأزرق على وجهي، أقفز بين الحجارة والزرع والضفادع، والترعة نحيلة تطفو على صفحتها أعشاب وطحالب خضراء وورود سوداء.
قل منسوب الترعة عقب انتشال جثمان النساج، بدت حزينة بعدما دنسها الموت، وقد انشقت لتجلب الحياة إلى النجع، إلا أنها عادت يوم تسألي إلى عادتها في ابتلاع الأسرار، فما عكست ظلّي على صفحتها، ولا كشفت مروري حلوها.
غُرست بذرة الخوف في الصدور منذ زمن بعيد، ظل القلق المتجسد يغذي جذورها، ومخزون الحكايات الممنوعة يرويها فكبرت وترعرعت، حتى كادت تقتلني خنقا. كنتُ أعرف أن لا فرصة لي في الخلاص ما لم يجتثها أمل عظيم بالتحرر، لذا كان من الحتمي أن يبتدئ العبور بفضح المستور.
هكذا ولد رد فعلي عقب إضافة عبد الحليم حافظ إلى لائحة المفقودين. لسبب ما قررت أن أنبش الماضي وأحرّر حكاياته، لعل السماء المكتظة بتوسلات الداعين تنقشع غيومها فتكشف عن صفاء يكسو قبتها، بعدما تصب مطرها أدعية ودموعًا، وشجونا.
فطرت منذ سنوات على استقبال المطر بالشجن، زخاته الرتيبة تستدعى ارق مشاهد الطفولة، وأعذب الضحكات وأصفى الأوقات التي زينتها ضحكات أمي. يكسو الندى أوراق الشجر ويبلل سطح الفرن والمصطبة، فيتجسد طبق أمى مع أول خيط من نور يلامس طرف ثوبها رأيتها فى حلمى تخرج بصعوب من سرداب مخفي تحت التمثال الجائم على مدخله، كان سجانها أراد أن يمنع عن جثمانها الضوء الدافئ ونسيم الفجر. وتصورتها مرارًا تقف أمام الفرن فور عودتها، تشير إلى أن أقبل تجاهها، ثم تمنحني ابتسامة تبتلع كل الحزر الموجود في النجع.
تبتهج الوجوه كلها بضفاف بسمة أمي، في مقلتيها يعود الجنود من الجبهة، يذوب التمثال وينصهر أسفل قدميها، تنفجر الألغام وتصدر دويا خافتا. تمتد المعابر حاملة الناس إلى ما وراء الكثبان، يرقص العم زكريا النساج ابتهاجا بعودة بنيه، وينهض الأطفال المعيبون من القبور ويهرعون صوب دورهم وشواهي ترقص في الأزقة فتنمحي الكتابات عن الجدران، وتعود الألوان إلى رسومات الكعبة على جدران العائدين من الحج: الحياة برمتها يعاد تشكيلها في عيني أمي؛ يوم تعود.
تمسك بيدي وتمضي بي بين الزروع، تتوغل في الغيطان، ويدها الباردة تقبض على كف الصغير الذي كنته، أحاول تدفئة كفها بكلتا يدي ولا أفلح فتمنحني نظرة تبث الدفء في أوصالي.
تجلس على حافة القنان، يدور الشادوف فور أن يلامسه ظلها، الدراسة تشرع في فصل الغلة عن القشور، والطاحون يدور على مقربة من مجلسها الرحى في البيوت تدور، والصوامع تمتلئ بالغلال أقضي النهار برفقتها، وصوت عبد الحليم حافظ يمنح لقياها بهجة.
تفتر حرارة الشمس رويدا، تشير إلى أمي أن أوان الرواح قد أن، أبكي فتتسع بسمتها، وتضيء بعينيها طريق العودة. شيئًا فشيئًا استشعر ملمس الرمل في كفي، تذوب كلها كحفنة من تراب، وطيفها يضحي أكثر شفافية حتى أكاد لا أميزه أقبض بيدي على ذرات التراب المتسربة من بين أصابعي، أضغط ما تبقى من كفها، أحاول أن احتضنها، لكن كل شيء يذوب، حتى تتهاوى أمام ناظري كدفقة من غبار.
افترش الأرض التي امتصتها منذ لحظات، أحاول إزاحة التمثال لعله يخفي سردابا كذاك الذي رأيته في الحلم، لكني كنت طفلا، والتمثال ضخم، مقبض كمسخ دميم صنع لترويع الأطفال. أتساءل بينما أراقبه؛ لماذا لا يتحرك الآن في واحدة من جولاته التي يحكي عنها الناس؟ أفكر؛ ربما على أن انتظر حتى يتحرك، فاتمكن من تحريك قاعدته، ثم أحفر الأرض بحثًا عن بقايا الحلم القديم.
كم سنة مضت على غياب أمي؟ أهربت كما يُشاع؟ وما الذي يدفع أما مثلها على هجراني؟ أتراها مأسورة في عدم احاطها به خليل عقب ثورتها الأولى والأخيرة؟
أتذكر مشاجرتها مع خليل، وتشابكهما باليد واللسان صراخه الذي واد صرخاتها، أكانت وقتذاك تستغيث أم كانت بي تستجير؟ لم أعرف ما فعلت ولم أعِ ما استوجب. الشجار العظيم. جمعتهما في البدء مشادة بدت مألوفة، وما بلغني من شذرات حديثهما دار عن اكتشافها أن الراديو غير معطوب، وأن قرص ساقيته أخفي عن قصد بمعرفة خليل، وأن المذيع تحدث عن موت جمال عبدالناصر منذ أيام. لماذا يتعارك رجل مع زوجته بمثل هذه الضراوة لأن عبدالناصر قد مات؟!
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الجائزة العالمية للرواية العربية البوابة نيوز المكتوب الكتاب جائزة العالمية للرواية العربية
إقرأ أيضاً:
حمى شديدة وآلام مفصلية حادة.. انتشار فيروس شيكونغونيا تثير القلق
أصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيرًا بشأن وباء فيروس «شيكونغونيا»، وهو مرض فيروسي ينتقل عن طريق البعوض، والذي انتشر في العالم قبل عقدين من الزمن.
فيروس شيكونغونياوأشارت تقارير المنظمة إلى أن ما يقارب 70% من سكان العالم، أي ما يعادل حوالي 5.6 مليار نسمة في 119 دولة، قد يكونون عرضة للإصابة بهذا الفيروس، الذي لا يوجد له علاج محدد حتى الآن، ويسبب الحمى وآلام المفاصل الشديدة ويمكن أن يؤدي إلى الإعاقة على المدى الطويل، مما يزيد من خطورة الوضع الصحي العالمي.
وعاد فيروس شيكونغونيا لينتشر في أوائل عام 2025، مع تفشي المرض على نطاق واسع في نفس جزر المحيط الهندي التي تأثرت سابقًا، بما في ذلك لا ريونيون وموريشيوس.
وانتشر المرض في بلدان أخرى، مثل مدغشقر والصومال وكينيا، في حين تم تسجيل حالات عديدة أيضا في الهند وأجزاء من جنوب شرق آسيا، وتم تسجيل نحو 1 حالة إصابة مستوردة بفيروس شيكونغونيا في فرنسا.
معلومات عن فيروس شيكونغونياوفيروس شيكونغونيا هو فيروس ينتقل إلى الإنسان عن طريق لدغة بعوضة مصابة، وهو ينتمي إلى نفس العائلة الفيروسية التي تضم فيروسات حمى الضنك وزيكا، مما يجعله جزءاً من مجموعة الأمراض التي تنتقل عن طريق الحشرات
تم اكتشاف الفيروس لأول مرة في قارة أفريقيا، لكن انتشاره توسع ليشمل مناطق في قارات آسيا وأوروبا والأمريكتين، مما يجعله تهديداً عالمياً يتطلب تضافر الجهود لمكافحته.
ينتقل فيروس شيكونغونيا إلى الإنسان عبر عدة طرق، أهمها لدغات الحشرات، وتحديداً أنواع معينة من البعوض، بالإضافة إلى طرق أخرى أقل شيوعاً، منها:
- عن طريق لسعة بعوضة مصابة من نوع «الزاعجة المصرية» أو «الزاعجة البيضاء»، وهما نفس النوعين اللذين ينقلان حمى الضنك وفيروس زيكا.
- لا يمكن أن تنتقل العدوى مباشرة من شخص لآخر، بل البعوض هو الوسيط الأساسي لنقل الفيروس.
- في حالات نادرة جداً، قد ينتقل الفيروس عن طريق:
- من الأم إلى جنينها أثناء فترة الحمل والولادة.
- عن طريق الدم الملوث، كما في حالات نقل الدم الملوث بالفيروس، إلا أن هذا نادر الحدوث.
تبدأ الأعراض عادة في الظهور بعد فترة تتراوح بين 4 إلى 8 أيام من التعرض للدغة البعوضة المصابة، وقد تشمل مجموعة متنوعة من العلامات المرضية التي تؤثر على جودة حياة الفرد، وهي:
- حمى مفاجئة غالباً ما تتجاوز 38.5 درجة مئوية.
- آلام حادة وشديدة في المفاصل خاصة في اليدين والقدمين والركبتين.
- تورم وانتفاخ في المفاصل المصابة.
- شعور بالصداع وعدم الراحة.
- آلام في العضلات وتشنجات.
- ظهور طفح جلدي على الجسم.
- الشعور بالغثيان والرغبة في التقيؤ.
- إحساس بالإرهاق الشديد والتعب.
- الشعور بألم خلف منطقة العينين.
طرق الوقاية من فيروس شيكونغونيا- استخدام المواد الطاردة للحشرات بشكل دوري.
- تركيب شبكات واقية على النوافذ والأبواب لمنع دخول الحشرات.
- ارتداء ملابس ذات أكمام طويلة تغطي الجلد بشكل كامل.
- التخلص من أي مصادر للمياه الراكدة التي تساعد على تكاثر البعوض، مثل أواني النباتات والإطارات القديمة.
اقرأ أيضاًالصحة العالمية: التغير المناخي يساعد على انتشار حمى الضنك وشيكونغونيا
غينيا تسجل 206 حالات إصابة جديدة بفيروس جدري القرود
«فيروس الروتا».. إزاي تحمي أطفالك من النزلات المعوية في فصل الصيف؟