هاني تمام: الإسراف في العبادة يمكن أن يتحول إلى معصية
تاريخ النشر: 28th, April 2025 GMT
أكد الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن الوضوء في السنة النبوية ثبت أنه كان يتم ثلاث مرات لكل عضو.
وأشار إلى ما ذكره الإمام البخاري عن كيفية وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يغسل كل عضو من أعضاء الوضوء مرة أو مرتين أو ثلاثًا، ولكن لم تثبت أي رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يغسل الأعضاء أكثر من ثلاث مرات.
وأضاف أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، خلال تصريح، اليوم الأحد، “الوضوء ثلاث مرات هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأي زيادة على ذلك تُعتبر إسرافًا قد يؤدي إلى إثم”.
واستشهد بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم"، موضحا أن الإسراف في العبادة، حتى لو كان في الطهارة، قد يفتح الباب للأخطاء ويجعل العبادة نفسها تتحول إلى معصية.
وأشار إلى أنه "إذا كان الإنسان في حاجة استثنائية، مثل وجود شحم أو وسخ في يده أو على جسمه، فيمكنه أن يغسل أكثر من ثلاث مرات، ولكن ذلك يعتبر أمرًا استثنائيًا وليس قاعدة عامة".
وأكد أن "الترهيب في السنة النبوية جاء لتوضيح أن هذه الزيادة على ثلاث مرات تسبب في الإساءة والاعتداء على النفس، بل وتحرم الشخص من الأجر الذي يحصل عليه الآخرون من نفس العبادة".
وفيما يخص الإسراف في استخدام الماء، قال الدكتور هاني تمام: "كما ثبت في الحديث عن سيدنا جابر الذي قال: 'يكفيك صاع من الماء'، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراف في الطهور، حيث ذكر أنه سيكون في الأمة من يعتدون في الطهور والدعاء".
وأضاف أن "الإسراف في استخدام الماء ليس فقط في الوضوء، بل في أي جانب من جوانب الحياة، ويمكن أن يؤدي إلى تبذير وإثم".
وتابع: "في الإسلام، يجب أن نكون معتدلين في كل شيء، حتى في عبادتنا، وأن نحرص على عدم زيادة الأمور على النحو الذي يضر بنا ويؤثر على أجورنا".
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: العبادة الصلاة هاني تمام الإسراف المعصية النبی صلى الله علیه وسلم الإسراف فی هانی تمام ثلاث مرات
إقرأ أيضاً:
العام الهجري الجديد .. دعوة للتغيير واليقظة
يطلّ علينا العام الهجري الجديد والعالم يمرّ بمتغيرات كبيرة وأحداث عظيمة، فما أحرى بالمسلم أن يلتفت إلى رمزية الهجرة النبوية، ويسقطها على المتغيرات الحالية ويستلهم منها ما يصلح أمر دينه ودنياه، لكي لا يمرّ هذا الحدث العظيم، وكأنه حدث عابر، ففـي كل عام هجري، تُعاد هذه الرسالة الرمزية إلى الواجهة، فالهجرة تمثل الانتقال من مرحلة الاستضعاف إلى التمكين، ومن السكون إلى الحركة الواعية، فهي رسالة لكل مسلم فـي زمن التحولات والمتغيرات الحاصلة فـي العالم أن لا يكتفـي بالمراقبة، بل يُبادر إلى مراجعة موقعه ودوره ومقاصده فـي الحياة.
والمتأمل فـي الهجرة النبوية والانتقال الجغرافـي للرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه من مكة إلى المدينة، والتحول الذي صاحب هذه الهجرة فـي مختلف مفاصل الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وبداية لتأسيس كيان إسلامي ودولة إسلامية يديرها الرسول صلى الله عليه وسلم وفق الشريعة الإسلامية، وبتنظيم دقيق كان أحد نتاجاته صحيفة المدينة التي نظمت علاقة المسلمين بغيرهم فـي ظل الدولة الإسلامية.
كما أن المتتبع للأحداث الحالية يدرك أن العالم فـي هذه السنوات يشهد تسارعًا فـي الأزمات والتغيرات، فالحروب تشتعل فـي أكثر من قطر إسلامي، والأزمات الاقتصادية تُلقي بظلالها على المجتمعات، والانقسامات الفكرية والثقافـية باتت تهدد وحدة الأمة وهويتها، فكل هذه الأحداث تحتم على المسلم أن يبدأ عامه الجديد فـي وعي، وألا يتجاهل السياق العالمي للأحداث، وألا ينكفئ على شأنه الشخصي الضيق، بل ينبغي عليه أن يكون فاعلًا ومتفاعلًا مع الأحداث والمواقف، ويكون له دور فـي تشكيل الوعي المجتمعي، وأن يُعزّز مسؤوليته فـي الإصلاح المجتمعي ابتداء من بيته ومحيطه ومجتمعه وأمته والعالم أجمع.
وأول هذه الخطوات التي ينبغي أن يبدأ بها المسلم هو تقييم علاقته بالله تعالى، ومراقبة هذه العلاقة، ومعرفة الثغرات التي تكتنفها وسدّ هذه الثغرات وترميمها، ويتمثل محور هذه العلاقة فـي الصلاة، فـينبغي أن يواجه المسلم ذاته ويطرح عليها أسئلة صريحة، وألا يتجاهل أو يتغافل هذه الأسئلة الملحّة التي تطرق ذهنه بين حين وآخر فـي هذه الحياة، فالصلاة عمود الدين، فـينبغي عليه أن يسأل نفسه، هل أدّى هذه الصلاة على أكمل وجه، كما شرعها الله وأمرنا بتأديتها، أم أنه أداها بالطريقة التي تريحه، وهل كان حريصًا أن تنال هذه الصلاة مرضاة الله، وأن يتقبلها، أم أنه اتخذ من هذه العبادة عادة يؤديها على هواه كيفما اتفق، وهل حافظ عليها فـي وقتها، واستشعرت كل خلية فـي جسده لحظة السجود والتصاق الجبهة بالأرض فـي مشهد عبودية مطلقة لله عز وجل، أم أن عقله كان سابحًا فـي التخيلات والسرحان والجولان، غير مستشعر لمعاني هذه العبادة العظيمة.
وهل أعمل جهده وذهنه فـي استحضار القلب والخشوع فـي الصلاة وطبّق الأساليب والطرق المعينة له فـي الخشوع، وحاول أن يُنقّي قلبه من الرياء، أم أنه أشرك فـي صلاته مراقبة العباد والغفلة عن الخالق العظيم الذي يقف بين يديه؟ كل هذه المعاني العظيمة يجب عليه أن يقف أمامها ويحاسب نفسه محاسبة دقيقة، ليكون هذا الأمر هو الخطوة الأولى فـي سبيل إصلاح ذاته.
ومن أبرز معاني الهجرة النبوية الجانب الجماعي فـيها، حيث تلاحم المهاجرون والأنصار فـي مشهد فريد من التضامن والتكافل، رسّخ لبنية مجتمعية متماسكة رغم اختلاف الانتماءات القبلية والاجتماعية، واليوم تعاني الأمة من انقسامات خطيرة، ليس فقط بين الدول، بل داخل النسيج الاجتماعي الواحد، فـينبغي أن تُستعاد روح الهجرة من حيث كونها بناء للجماعة، وتأسيسًا لأخوة إيمانية تتجاوز المصالح الضيقة، فكل مسلم يستطيع أن يبدأ عامه الجديد بإحياء هذه الروح عبر تعزيز العلاقات الرحمية، وتقوية الروابط المجتمعية، والمشاركة فـي مبادرات الإصلاح والدعم والتكافل، على مستوى الأسرة والمجتمع المحلي.
كما عليه أن يغسل قلبه من الأمراض والأدران القلبية التي تسبب الفجوة بين أفراد المجتمع، من أمثال الحقد والغلّ والبغض والحسد، التي تؤدي إلى المعاصي المشتتة لأبناء المجتمع مثل الكذب والغيبة والنميمة وشهادة الزور، وغيرها من المعاصي التي تهدم المجتمعات، وتُقوّض فـيها كل مظاهر الحب والعطف والرحمة والتلاحم الاجتماعي، وقد سهلت وسائل التواصل الاجتماعي هذه المعاصي فأصبحت أداة للتفرقة الاجتماعية لما يتم فـيها من تداول لأحوال الناس وأخبارهم وتفاصيل حياتهم.
ومن مشاهد الهجرة النبوية توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وتأديبه لهم، وتبيانه لهم أن كل فرد فـي هذا المجتمع المسلم هو راعٍ ومسؤول عن رعيّته، فقال: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، الإِمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ فـي أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية فـي بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ فـي مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته»؛ فنجد هذا الحديث يرشد إلى أن كل فرد فـي هذا المجتمع مسؤول، وأنه يمثل ثغرة يقف على مراقبتها والعناية بها وسدّها فـي هذا المجتمع، فعلى المسلم أن يبذل كل وسعه فـي تأدية هذه الأمانة التي أوكلت إليه، فـيؤدب أبناءه، ويفتح لهم أبواب الخير ليلجوا منها، وذلك من خلال أمرهم بعبادة الله، وتربيتهم على الأخلاق الحميدة، وربطهم بالقرآن الكريم، وأن يُثقّف نفسه وأهل بيته، ويوسّع مداركهم، وأن يقرأ الواقع بعين ناقدة، أن يسهم فـي مجاله، أن يكون صوته هادئًا لكن مؤثرًا، وأن يعيد تعريف الدين فـي سلوكه اليومي، لا بالشعارات، بل بالقيم الحية، ليكون قدوة أمام من يرعاهم.
وينبغي على المسلم كذلك أن يستلهم من الهجرة النبوية معاني النصر بعد الصبر، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم فـي موضع ضعف وقلة وخوف فـي مكة المكرمة، ولكنهم صبروا على البلاء والعذاب، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعرضون لأنواع من العذاب، كما فُعل ببلال بن رباح، وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم، وبعضهم تعرض للقتل، كما حدث لياسر بن عامر وزوجته سمية اللذين قُتلا بعد أن ذاقا أصنافًا من العذاب، وهو ما يتعرض له إخواننا المجاهدون فـي غزة وفلسطين، على أيدي اليهود الغاصبين، وما تتعرض له مجموعة من الأقطار الإسلامية التي تعاني من ويلات الحروب، كما أن أذى قريش امتد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد حاصروهم فـي شِعْب أبي طالب، وكتبوا صحيفة علّقوها داخل الكعبة، وكتبوا فـي هذه الصحيفة أنهم يمنعون البيع والشراء من المسلمين، وألا يزوّجوهم ولا يتزوجون منهم، وغيرها من البنود التي تمثل قطيعة مع الرسول وأصحابه، فأصبح المسلمون فـي ضائقة، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط الحجارة على بطنه الشريف من شدة الجوع، وهذه الحالة تتجسد الآن فـيما يمر به أبناء غزة المحاصرين، الذين لا يجدون ما يسدّون به جوعهم، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم صبر على كل تلك الابتلاءات، وقد أكلت الأرض تلك الصحيفة ونقضتها بأمر الله، قبل أن تأخذ الحمية فتيان من قريش لنقض تلك الصحيفة، فوجدوا أن الأرضة قد أكلتها، فكانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم تمثل نصرًا للإسلام والمسلمين نتيجة صبرهم وتمسكهم بدينهم وصدق إيمانهم وثقتهم بربهم، فأنالهم الله بعد العسر يسرًا، وبعد الذلة عزًّا، فبداية هذا العام الهجري الجديد تمثل فرصة لتثبيت القلوب، بأن بعد العسر يسرًا، وبعد الشدة فرجًا.