الطفولة المختطفة.. حين يتحول زواج القاصرات إلى كابوس لا ينتهي
تاريخ النشر: 23rd, June 2025 GMT
في زوايا مجتمعاتنا تختبئ قصص لا تُروى إلا همسًا، لفتيات لم تُمهلهن الحياة لحمل حقائب المدرسة، فوجدن أنفسهن يحملن أعباء الزواج والأمومة قبل أن تنضج أحلامهن، ولا شك أن الزواج المبكر للإناث ليس مجرد حدث عائلي، بل قضية اجتماعية تمس جوهر الطفولة والكرامة والحق في مستقبل آمن.
وفي هذا التحقيق، نفتح الأبواب المغلقة، وننقل صوت الصغيرات اللواتي كبرن قبل أوانهن، نرصد الواقع، ونفكك الأسباب، ونبحث عن الأمل في سياسات تحمي البراءة من أن تُختطف باسم العادات أو الفقر أو الجهل.
قالت «إ.أ»، فتاة من محافظة الدقهلية، إن والدتها دائمًا ما كانت تقول لها: «لازم تبدئي تتعلمي كل حاجة عشان لما نجوزك زي بنت خالتك محدش يعيب علينا»، مضيفة: «فكانت نشأتي منذ البداية أساسها فكرة الجواز بمجرد ما أكون وصلت سن البلوغ».
وأضافت «أ.إ»: «من المؤكد أن حلمي في التعليم كان يندثر خطوة بخطوة، كان كل ما يشغل والدتي في هذا الوقت هو أن أتعلم التنظيف والطبخ وكل المهام المنزلية الأخرى كي أستطيع تحمل المسؤولية عند الزواج».
وتستكمل ابنه الـ 19 عامًا سرد قصتها قائلة: «وبالفعل إتجوزت وأنا في تالتة إعدادي وده بالنسبة لبنات كتير هنا في القرية سن كبير أصلًا فيه بنات بتتجوز أصغر من كدا، وقتها مكنتش فاهمة غير إن الجواز دا يعني ألبس فستان وطرحة وأنضف وأطبخ وأكنس، بس الحقيقة إني اتصدمت والموضوع طلع أكبر من كدا بكتير خصوصًا إني متجوزة في بيت عيلة، فأصبح معايا مسؤولية العيلة مش بس مسؤولية جوزي، واتحولت من طفلة صغيرة لواحدة ست كبيرة بس مش فاهمة إيه اللي بيحصل حواليها».
واستطردت: «طبعًا الموضوع كان صعب في البداية جدًا لكني اعتدت الأمر شيئًا فشيئا، كنت في البداية بواجه كلام كتير مش حلو من جوزي وحماتي وسلايفي (زوجات أشقاء الزوج) لأني كنت لسة صغيرة ولم أكن أعلم ما يجب علي فعله، أما الآن أصبح الأمر عاديًا، لكني كثيرًا ما أشعر بالحزن عندما أرى أقراني المتعلمين، أصحاب الشهادات العليا، وأنا لم أنجز شيئًا في حياتي سوى إنجاب 4 أطفال»، وتابعت: «كثيرًا ما كانت تشب الخلافات بيني وبين زوجي، تصل إلى حد الطلاق، إلا أنني كنت أراجع نفسي في ذلك وكنت أتحامل على نفسي من أجل أطفالي الذين لم أكن أعلم سأكتبهم باسم من إذا حدث الطلاق، لكن الأمر حقًا معاناة لن يستطع أحد تخيلها أو الشعور بها سوى من عايشها».
كنت أتمنى كل يوم ألا أكون قد وُلدت أبداً»، هكذا عبرت نور أحمد الاسم المستعار لإحدى فتيات عزبة فضل الله التابعة لمحافظة الغربية، والتي قالت: « لا يوجد أي شخص يستحق أن يقاسي هذا الألم الطاحن وهذه المعاناة الشنيعة، فقد أجبرت على الزواج من شاب يكبرني بـ 10 أعوام، وكان عمري في ذلك الوقت 15 عامًا فقط».
واستكملت «نور»: « حالما دخلت منزل زوجي الجديد، أرغمني زوجي على ترك المدرسة. وبدلاً من الذهاب إلى المدرسة، كنت استيقظ في الفجر لقضاء أيامي في الغسيل والتنظيف والطهي، وكان الضغط النفسي الذي عانيت منه بالغ الشدة لدرجة أن صحتي تدهورت وبدأت أهلوس وأتحدث مع نفسي، وبعد عامين نشب خلاف بيني وبين حماتي وتصعد الخلاف إلى أن وصل إلى بيت أبي ولم يقف زوجي معي ولكنه اختار والدته، فحدث الانفصال بيننا، وواجهت في البداية الكثير من المشاكل لرفض تسجل الابن باسم الأب إلا أني وبعد محاولات متعددة وتدخل الكثير من الأطراف للصلح استطعت تسجيل الابن باسم والده».
وأضافت: «حقًا إن الأمر مؤذ لأبعد الحدود ولا يدرك الأهل ضياع حقوق الابنة، ولا يتعظ الآباء مما يحدث حولهم من تلك القضايا المشابهة، سوى بعد فوات الآوان، فهذه الظاهرة متكررة وكثيرة عندنا».
«عرائس من غير أحلام».. الزواج المبكر للفتيات في العالم العربي واقع وأرقاموبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، فإن ما يقرب من 117 طفل ما بين 10 و17 عامًا، متزوجون أو سبق لهم الزواج، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى معدلات أعلى من ذلك بكثير، وسجلت محافظات الصعيد أعلى نسبة في زواج الأطفال وطلاقهم، بينما سجلت محافظات مصر الحدودية، وهي البحر الأحمر وسيناء ومرسى مطروح وأسوان أقل نسبة في زواج الأطفال.
وقد أشار المسح الصحي السكاني لعام 2021 إلى ارتباط الزواج دون سن الثامنة عشرة بالمستوى التعليمي للفتيات، فتقل نسبة السيدات في الفئة العمرية من 15-19عام واللاتي أصبحن حوامل أو أمهات بين اللاتي لديهن تعليم ثانوي أو أعلى بمقدار 6.5%، وترتفع بين السيدات اللاتي لم يسبق لهن الذهاب إلى المدرسة بنسبة 18.2%، وترتبط الظاهرة أيضًا بزيادة معدلات النمو السكاني حيث أكدت وزارة الصحة أن الدولة تستقبل 200 ألف مولود كل عام نتيجة الزواج المبكر.
وفي حادثة جديدة من نوعها، شاهدت منصات التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، زواج إحدى الفتيات القاصرات بأحد الأشخاص المصابين بمتلازمة داون، فلم يكتفِ الأهل فقط بتشيع براءة ابنتهم إلا أنهم ارتكبوا تلك الجريمة ليكون خيارهم شخص ناقص الأهلية.
من جانبه، قال أيمن محفوظ، المحامي بالنقض والدستورية العليا، إن الزواج المبكر في حقيقته هو هتك للستر وضد الدين، وذلك بما يخالف ما نص عليه القانون، إذ حدد سن الزواج المناسب للزوجين بعمر 18 سنة وفقًا لما نصت عليه المادة 5 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لعام 1994 على أنه: لا يجوز توثيق عقد زواج لمَن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية».
وأردف محفوظ: «وشاهدنا مؤخرًا زواج شاب من متلازمة داون بإحدى الفتيات القاصر، الأزمة التي أشعلت السوشيال ميديا والرأي العام، وفي هذا الصدد يمكننا القول أن زواج شاب متلازمه دوان يعد بالتأكيد شخصًا ناقص الأهلية وحينما تم اكتشاف أن العروس لم تبلغ السن القانونية المحددة بسن 18 سنة في القانون المصري، فهذا الزواج ليس رسميًا وإنما عرفي».
واستطرد محفوظ: «يجب أن نعلم أنه لا يجوز شرعًا أو قانونًا زواج ناقص الأهلية أو عديم الأهلية، وأما عن الزواج العرفي فإلى الآن ليس عليه عقوبة في القانون المصري، أو يمكن المطالبة بإبطاله إلا إذا فقد أحد أركانه الأساسية أو كان هناك مانع من الموانع الشرعية أو القانونية، فزواج شاب من متلازمة داون من حيث المبدأ جائز، ولكن حينما نكتشف أن العروس أقل من السن القانوني بعمر 18 عامًا، فوفقًا لما نصت عليه المادة 5 من قانون الأحوال المدنية رقم 143 لعام 1994 أنه:” لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين 18 سنة ميلادية”».
وأختتم محفوظ قائلا: «العقوبة وفق القانون الحالي للإثبات سن مغاير في وثيقه الزواج الرسمية، فإذا أثبت فيه سن مخالف للحقيقة، وتم هذا الزواج بموجب وثيقه زواج رسمية، أما الزواج العرفي فلا يوجد له نص تجريمي قانوني واضح، إلا في زواج رسمي وارتبط ذلك بجريمة تزوير في السن للزوجين أو أحدهما كما نصت عليه المادة 227 من قانون العقوبات المصري، وهى تعاقب عن عدم إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانوناً فقط للوالدين والزوجين، وكذلك المأذون الذي أعطي له القانون عقوبة مغلظه تصل إلى 5 سنوات والعزل من الوظيفة».
اقرأ أيضاًزواج القاصرات وختان الإناث.. عادات بالية وأجساد صغيرة في انتظار مستقبل مجهول
« ختان الإناث وزواج القاصرات » في ندوات توعوية بقرى حياة كريمة بأسوان
الثقافة تناقش ظاهرة زواج القاصرات ضمن قافلة ثقافية بالغربية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: زواج الأطفال زواج القاصرات الزواج المبکر زواج القاصرات قانون ا
إقرأ أيضاً:
زهران ممداني يتعهد بأن يكون كابوس ترمب الأسوأ في سباق رئاسة بلدية نيويورك
صعّد المرشح الاشتراكي لرئاسة بلدية نيويورك زهران ممداني من لهجته تجاه الرئيس الأميركي دونالد ترمب، متعهداً بأن يكون "أسوأ كوابيسه"، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده في ظل تقارير تشير إلى أن ترمب يدرس التدخل في السباق الانتخابي لرئاسة البلدية.
وقال ممداني في مؤتمره بنيويورك: "ترامب لم يتصل بي , لكن موقفي من إدارته سيكون معارضًا عندما يتعلق الأمر بمصلحة سكان نيويورك، ولن أتردد في مواجهة أي سياسات تضرّ بهم"، بحسب شبكة فوكس نيوز الأمريكية.
Zohran Mamdani: “My administration would be Donald Trump’s worst nightmare. How else can you describe a president who would entertain suggestions of deporting me?” pic.twitter.com/fexDvj0Zyo — TheBlaze (@theblaze) August 7, 2025
وعندما سُئل عما إذا كان سيتحدث مع ترمب في حال اتصل به، قال ممداني: "سأقول له ما أقوله الآن , هذا ما يميزني عن أندرو كومو , ما أقوله في الشارع، أقوله في المؤتمر الصحافي، هي نفس الرسالة، نفس الأجندة، وهي النضال من أجل الناس أنفسهم".
وفي نهاية مؤتمره الصحفي، شدد ممداني على موقفه من ترامب بقوله: "إدارتي ستكون كابوس دونالد ترامب الأسوأ". وأضاف: "لستم بحاجة لتصديقي أو تصديق أندرو كومو , يكفي أن تنظروا إلى سلوك إدارة ترمب منذ فوزي في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في نيويورك".
وتساءل: "كيف يمكن وصف رئيس اقترح سحب الجنسية من مرشح ديمقراطي لرئاسة بلدية نيويورك ونظر في ترحيلي، أو اعتقالي، أو فرض سيطرته على المدينة رغم إرادة سكانها , هذه تصرفات رئيس يخشى أن أفي بوعودي، حيث خان هو وعوده".
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد قالت في تقرير هذا الأسبوع، إن ترمب أجرى مؤخراً مكالمة هاتفية مع أندرو كومو، كما أنه يبحث مع مقربين منه عن المرشح الأنسب لهزيمة ممداني، سواء كان كومو، أو رئيس البلدية الحالي إريك آدامز، أو الجمهوري كورتيس سيلوا.
وكانت الأيام الماضية قد شهدت سجالا بين ممداني وكومو حول احتمالية تلقي الأخير دعما من ترامب، حيث رد كومو عبر منصة "إكس" على أحد انتقادات ممداني بالقول: "كالعادة، أنت تفتقر إلى الحقائق وتفيض بالهراء , ولنكن واقعيين، دونالد ترامب سيجتاحك كما يفعل السكين الساخن في الزبدة , أنت حلم للحزب الجمهوري".
من جانبها، نفت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، في تصريح لموقع "فوكس نيوز" أن يكون لدى ترامب نية للتدخل في سباق رئاسة بلدية نيويورك، قائلة: "كما صرح الرئيس ترامب مرارا، ليست لديه أي نية للتدخل أو إعلان دعم لأي مرشح في هذا السباق".
وولد ممداني في أوغندا، ويُعد صاحب حضور لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ دأب على نشر مقاطع فيديو تتميز بروح الدعابة، وأسلوبه الهادئ، لكن رسائله لا تخلوا من مواقف "تقدمية"، إذ قدم خلال حملته الانتخابية للظفر بترشيح الحزب الديمقراطي، وعوداً بخفض تكلفة المعيشة للطبقة المتوسطة في نيويورك.
كما تحدث في مناسبات عديدة عن حرب غزة ، معلنا تأييده للفلسطينيين، ومنتقد صريح للحكومة الإسرائيلية , وقد سبق لممداني أن دعا إلى مقاطعة الجامعات الإسرائيلية أكاديميا، كما تعهد بمحاولة اعتقال نتنياهو في حال زار نيويورك أثناء توليه منصب العمدة.