د. قاسم بن محمد الصالحي

في مساء لا يشبه سواه، دوّى صفيرٌ بعيدٌ من حيث لا يتوقع أحد، لم يكن صفيرَ ريحٍ عابرة، بل كان صفير الجنوب العربي.. الجنوب المحاصر، المنهك، المراوغ فوق ركام الجغرافيا، المتماسك فوق حطام السياسة.. صفّر اليمن، فارتجف مطار بن غوريون، بوابة الكيان اللقيط إلى العالم، ومفخرة أمنها، ونقطة التقاء خيالها بالعالم الحديث.

الضربة لم تكن مجرد قذيفة تهتدي إلى مدرج مطار، بل كانت رسالة عابرة لحدود الحرب، مكتوبة بلغة جديدة، تقول.. "لسنا من الحلفاء، ولسنا على الجبهة، لكننا نعرف كيف نصل إلى عقر داركم، حين تعجزون عن إخماد شعلة في غزة".. ولفحاتها وصلت إلى صنعاء، فهبّت هناك ريحٌ حمراء، اخترقت الأجواء والمسافات، ووقفت على قلب الكيان اللقيط.. الردع كذبة، والخوف صناعة بشرية، يمكن تفكيكها بإرادة واحدة وجملة واحدة.. نحن هنا.

في يافا، لم يحتجْ الناس إلى عدّ الإصابات، الرعب لا يحتاج إلى فواتير خسائر مادية، يكفي أن يُقال.. "جاءهم الصاروخ من اليمن"، من جنوب العرب، من حيث كانوا يظنون أن الحرب قد أنهكته، وأن الحصار قد كتم أنفاسه.. لم تصب الضربة جسد الكيان اللقيط، بل ضربت قلب أسطورته.. أسطورة "الكيان الآمن وسط بحر العداء"، إنه قلب المشروع الصهيوني، أن يكون في المكان الخاطئ ويقنع العالم أنه محصّن، فجاءته الطلقة من حيث لا يحتسب، من خارج "معادلة الاشتباك"، لتعيد تعريف الهامش والمركز، وتخلط أوراق الجغرافيا.. هنا، في الأزقة العربية، لم يكن الناس بانتظار البيانات العسكرية، هم شاهدوا الضربة على هيئة ابتسامة نصر مؤجل، على وجوه عابري الشاشات، في المقاهي، في البيوت.. كانوا يعرفون أن الصواريخ والطائرات المسيرة لن تغير وجه المعركة، ولكن الضربة غيّرت وجه الزمن، فجعلت المستقبل ينطق بلغة جديدة.. أن تكون بعيدًا عن خريطة الحلفاء لا يعني أنك خارج التاريخ.

في حرب غزة، فشل الكيان اللقيط في تحقيق أهدافه رغم المجازر. لا حسم، لا استسلام، لا انتصار، وفي لحظة واحدة، صار اليمن الذي نسيه العالم، شريكًا في تشكيل الهزيمة الرمزية لهذا الكيان اللقيط، حين وجّه ضربته لا ليقتل، بل ليقول.. "الردع مات. ونحن شهود على جنازته"، ربما لم يكن في الضربة سوى ارتجاج طفيف في المطار، أو ارتباك في رحلات الطيران، لكنها أوقعت في قلب الكيان اللقيط زلزالًا صامتًا.. زلزالًا في صورة الجيش الأقوى، والمنظومات التي لا تخطئ، والتحالفات التي لا تُهزم، زلزالًا في يقين الغرب بأن أمن الكيان اللقيط غير قابل للاختراق.

وحده الرأي العام العربي فَهِم الرسالة دون الحاجة لترجمة، أن الشعوب حين تنطق، حتى من فوهات البنادق، فهي تعيد ترتيب الخريطة، لا بالحدود؛ بل بالرموز.

وهكذا صفع الجنوب العربي، لا خصمه، بل ذاكرة العالم، وأعاد غزة إلى قلب المعادلة، لا بوصفها محاصرة، بل محورًا للاتساق العربي الجديد، حيث المسافة لا تمنع الصوت، والصوت لا يخفت ما دام المعنى حاضرًا.. من بعيد، من جبل تهامة، من بين غبار الحرب، خرج الصاروخ الفرط صوتي ليُعيد للوعي العربي شيئًا من ثقته بنفسه، قال إن الهامش قد يتكلم، وإن الصمت ليس ضعفًا، بل انتظارًا للّحظة المناسبة، وحين جاءت، لم يكن الصوت هديرًا عسكريًا؛ بل ضميرًا سياسيًا يقول: "لسنا أقل شأنًا من أحد، ولسنا خارج الحساب".. إنه الجنوب العربي حين يصفر، فينسى المركز كيف يُنطق اسمه.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

مصر على الخريطة الاستثمارية .. ارتفاع توقعات النمو يعزز جذب استثمارات كبرى

في ظل تحديات اقتصادية عالمية متصاعدة، وتراجع متوقع لمعدلات النمو في العديد من الدول نتيجة التوترات الجيوسياسية والحروب التجارية، يأتي رفع صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن نمو الاقتصاد المصري كإشارة إيجابية تعكس صلابة الأداء الاقتصادي المحلي. هذه التوقعات تعزز الثقة الدولية في المسار الإصلاحي الذي تتبناه الدولة المصرية، وتؤكد أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو تنمية مستدامة وشاملة.

مدبولي: مصر ملتزمة بسياسات مرنة وإصلاحات عميقة

في كلمة مسجلة ألقاها الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال افتتاح المؤتمر العلمي السنوي الثاني لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أكد أن صندوق النقد الدولي قد رفع توقعاته لنمو الاقتصاد المصري خلال العامين الحالي والمقبل، في الوقت الذي خفّض فيه توقعاته للاقتصاد العالمي. هذه المفارقة، حسب تعبيره، تعكس نجاح مصر في التعامل مع التحديات العالمية عبر سياسات نقدية ومالية رشيدة.

وأشار مدبولي إلى أن مصر تلتزم بسياسة سعر صرف مرنة، وهو ما يعكس الانفتاح على آليات السوق، كما تبنت الدولة إصلاحات كبيرة لتشجيع القطاع الخاص على لعب دور أكثر فاعلية في الاستثمار والإنتاج.

الحماية الاجتماعية في قلب سياسات الدولة

في سياق متصل، أكد رئيس الوزراء أن منظومة الحماية الاجتماعية في مصر تضم أكثر من 22 برنامجًا بتكلفة سنوية تتجاوز 635 مليار جنيه، وذلك في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تمكين الإنسان المصري وتحقيق العدالة الاجتماعية. وأضاف أن هذه البرامج تُعد من ركائز الاستقرار المجتمعي، خاصة في ظل ما يشهده العالم من اضطرابات اقتصادية.

"تكافل وكرامة".. من دعم إلى تمكين اقتصادي

وخلال الاحتفالية بمرور 10 سنوات على إطلاق برنامج "تكافل وكرامة"، أعلن الدكتور مدبولي عن إطلاق وزارة التضامن الاجتماعي لمنظومة استراتيجية متكاملة للتمكين الاقتصادي تستهدف الأسر المستفيدة من البرنامج. هذه المبادرة، التي تأتي بتمويل مبدئي قدره 10 مليارات جنيه، تهدف إلى تحسين ظروف المعيشة للأسر الفقيرة وتحويلها من الاحتياج إلى الإنتاج.

وأشار إلى أن البرنامج بدأ بتمويل قدره 5 مليارات جنيه وعدد مستفيدين لم يتجاوز مليوني مواطن، لكنه شهد نموًا كبيرًا ليصل في العام المالي 2024/2025 إلى نحو 55 مليار جنيه، ويخدم أكثر من 41 مليون مواطن، مع خطط مستقبلية للتوسع في التغطية والدعم.

ضمان قانوني واستدامة مالية

في خطوة تعكس توجه الدولة نحو تأصيل الحقوق الاجتماعية، أشار رئيس الوزراء إلى أن "تكافل وكرامة" أصبح له سند قانوني بعد إقرار قانون الضمان الاجتماعي الجديد من البرلمان، وتوقيعه من الرئيس عبد الفتاح السيسي. ويمنح القانون للمستفيدين حقًا قانونيًا في الدعم، مع إصدار اللائحة التنفيذية قبل نهاية العام الجاري لضمان التنفيذ الفعلي وتوفير آليات للرقابة والمحاسبة.

في ختام كلمته، أكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الدولة المصرية لن تتوقف عند ما تحقق، وأن الهدف النهائي هو خروج آخر أسرة من مظلة الدعم النقدي، ليكون كل مواطن قادرًا على العمل والإنتاج. وقال: "نحلم بمصر بلا فقر، بلا عوز، ونطمح أن نحتفل يومًا ما بتحوّل كل مستفيد من الدعم إلى مساهم في الإنتاج الوطني".

إشادة دولية.. مؤشرات اقتصادية تتحسن

وفقًا للدكتور رمضان معن، أستاذ الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال، فإن قرار صندوق النقد برفع توقعات النمو يعكس تحسنًا في عدد من مؤشرات الاقتصاد الكلي. وأوضح أن هذا التحسن يرتبط بعوامل متعددة، من بينها تدفقات استثمارية جديدة، إصلاحات مالية جارية، إضافة إلى الدعم المباشر من شركاء دوليين.

وأشار الدكتور معن إلى أن هذه التوقعات الإيجابية تدل على استقرار سعر الصرف، وتعافي القطاعات الحيوية مثل السياحة والطاقة، إلى جانب تراجع ملحوظ في معدلات التضخم، مما يعزز مناخ الثقة في الاقتصاد المصري ويمنح المستثمرين حافزًا إضافيًا لضخ أموالهم في السوق.

فوائد مباشرة للمواطنين.. فرص عمل

لم تقتصر الآثار الإيجابية لهذا النمو المتوقع على المستوى الكلي فحسب، بل أكد الدكتور معن أن النمو الاقتصادي يُسهم في خلق فرص عمل جديدة، وهو ما يؤدي إلى انخفاض معدلات البطالة وتحسن مستويات المعيشة للمواطنين. كما أن الاستقرار النقدي يعزز من القوة الشرائية، ويحد من تأثيرات التضخم على حياة المواطنين اليومية.

جذب استثمارات جديدة.. ثقة في المستقبل

أوضح الدكتور معن أن التوقعات الإيجابية من جانب صندوق النقد الدولي تُعد مؤشرًا قويًا على ثقة المؤسسات الدولية في المسار الإصلاحي الذي تنتهجه الحكومة المصرية. هذه الثقة، كما يقول، من شأنها أن تشجع ليس فقط الاستثمارات الأجنبية، بل أيضًا تدفع رجال الأعمال المحليين إلى التوسع وضخ استثمارات جديدة في مختلف القطاعات الاقتصادية.

الاقتصاد المصري في مواجهة التحديات

وأشار معن في ختام تصريحاته إلى أن الاقتصاد المصري، رغم التحديات العالمية، يُظهر قدرة متزايدة على الصمود وتحقيق نتائج إيجابية بفضل السياسات الإصلاحية الجادة، والدعم المستمر من شركاء التنمية الدوليين.

في ظل هذه المؤشرات الإيجابية، يبدو أن الاقتصاد المصري يسير على طريق التعافي بثبات. وبينما لا تزال هناك تحديات قائمة، فإن رفع توقعات صندوق النقد الدولي للنمو يعطي إشارة واضحة إلى أن الجهود المبذولة على مختلف المستويات بدأت تؤتي ثمارها، وهو ما يُبشر بمستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا للمصريين.

طباعة شارك مصر الدولة المصرية النقد الدولي مدبولي مواطن

مقالات مشابهة

  • تسجيل نادر يهز الأسطورة.. متى فاوض عبد الناصر إسرائيل في السر؟
  • طرزان… من الأسطورة إلى الرمز الثقافي الخالد
  • مصر على الخريطة الاستثمارية .. ارتفاع توقعات النمو يعزز جذب استثمارات كبرى
  • البخيتي: صاروخ “بن غوريون” رسالة مزدوجة.. وعملياتنا مستمرة مهما حاول ترامب
  • جولة في الصحافة العبرية: تفاعلات الضربة اليمنية في أروقة الصهيونية
  • رسالة ماجستير بجامعة الأزهر حول معالجة الإعلام الصهيوني لقضايا العالم العربي
  • كريستيانو رونالدو يحتفل بمشاركة نجله الأولى مع منتخب البرتغال
  • جولة في الصحافة العبرية.. تفاعلات الضربة اليمنية في أروقة الصهيونية
  • نهاية حقبة الأسطورة؟.. النصر السعودي يواجه قرارا صعبا بشأن مستقبل رونالدو
  • كاريكاتير| زوال الكيان المؤقت